الفصل الثاني
وهنا أنقل بعض الأخبار التي تفيد أن لا تلازم ما بين النبي والرسول تقييدا في الفرق ما بين الأنبياء والرسل ، مع ما مر ذكره قبل وفيه الوقف عند حد الله بكتابه أنه صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء لا الرسل ، فمن ذلك وأبدأ بحديث جابر رضي الله عنه :
-
O حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أنا قائدُ المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ) (1).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول الحشو من الكلام وحاشاه من ذلك ، ولو صحت قاعدتهم الباطلة لاكتفى بالقول : ( أنا قائد النبيين وخاتمهم ) ، ولدخل بهذا كل رسول ، لكنه غاير بينهم كما هو الظاهر من لفظ الخبر ، فعد نفسه على التفصيل قائدا لكل مرسل ، لأن ليس كل رسول نبي ، وخاتما لكل الأنبياء ، لأنه يخرج منهم بعض الرسل فليسوا بأنبياء وعليه يصدق قوله بالختم للأنبياء دون الرسل ، خلاف ما لو قال بختمه لكل رسول ، فمن الرسل ليسوا أنبياء وقد نصت على هذا كما نقل مرارا في كتب الإمام وبعض مقالاته بمنتديات المهدي المباركة قراءات بعض الصحابة التي أفادت تحقق إرسال " المحدثين " في السابقين ، وبه أيقنا أن من الحق بعث رسول قبله ليس بنبي ، ولن يكون قوله صحيحا وحاشاه بحال لو قال أنه خاتم المرسلين مثل ما هو خاتم النبيين إذ المهدي من المحدثين المعلمين وسيرسل بعده ، فمن يفهم هذه ؟ .
واللازم هنا أنه بما ثبت في السابقين إرسال المحدث منع الختم بالمرسلين لأن بالأمة محدثين ولذا لم يقل بالختم لهم على عكس الأنبياء .
ومر معنا ما روي عن ابن مسعود وابن عمر مثله في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في جلوس التشهد الأخير .
-
ومن ذلك حديث عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تعالى قال يا محمد : لم أبعث نبيا ولا رسولا إلا سألني مسألة أعطيها إياه ) (2).
-
وحديث : ( أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ، ما خلا النبيين والمرسلين ) (3).
ولو كان صحيح إجماع الأمة " أن كل رسول حتما يكون نبيا " لما كان هناك حاجة ليقول هنا بالخبر ( والمرسلين ) ، وإلا لعد هذا من حشو الكلام وحاشاه بأبي وأمي هو ، أنـه لم يكن من أبلغ خلق الله وأشدهم فصاحة مع إيجـاز .
كما أنـه لا يأتِ على وجـه التوكيد ، فالتوكيد دخل اللغة لفائدة التحقيق وإزالة التجوز في الكلام أصلا ، وهو على وجهين لا يستقيم افتراض أيهما .
فتوكيد تكرير اللفظ غير وارد هنا لأنـه لم يقل صلوات ربي وسلامه عليه : ( النبيين النبيين ) بل عطف بالواو .
وأما توكيد المعنى فممنوع كذلك هنا لأنه مناقض لما زُعِم على الأمة أنها أجمعت على اعتقاد أن " الرسول نبي حتما " من بعضهم ! وسأذكر لاحقا أسماء بعض من قال بهذا منهم .
وذلك أن قوله : ( النبيين ) . يشمل الجميع من أرسل منهم ومن لم يرسل ، فالرسول نبي على ما زعم في دين الأكثرين إلا من هدى الله عز وجل لفقه كتاب الله تعالى وما التزمه رسول الله من معنى في ذلك وخبر ، وهي حقيقتهما الأصلية المشتركة عند مدعي الإجماع !.
كما أن قوله كذلك ( والمرسلين ) لا يدل على الإحاطة والعموم ، بل العكس الإحاطة والعموم في قوله ( النبيون ) لأن الرسول نبي حتما ، والنبي قد لا يكون رسولا حتما ، فالأولى على هذا أن يتقدم ( المرسلون )( النبيون ) بنص الخبر لأن البلاغة بالكلام تقتضي تأخير ما يدل على الإحاطة والعموم وتقديم ما دونه عليه لعدم معنى التّبع .
مثال ذلك قوله تعالى : ﴿ فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ أخَّر ﴿ أَجْمَعُونَ ﴾ للإحاطة والعموم بالجنس وجعلها أعم من ﴿ كُلُّهُمْ ﴾ ! .
وفي هذا الخبر مثاله أن يقول : " ما خلا ، المرسلين والنبيين " لو جاز هنا دعوى جواز قوله ذلك من باب التوكيد ولو أنه أتى بواو العطف وهذا لا يجوز ، فوصف النبي هو الذي يقتضي الإحاطة والعموم فيؤخر عن رسول ، فعندهم كل رسول نبي وليس كل نبي رسول لكن النبوة تشمل عندهم وتحيط بكل رسول .
أما نحن فجاز على أصول دعوتنا ولله الحمد هذا التقديم بالخبر لعلو شرف النبوة على مجرد الإرسال ، ولذا نرى النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له من شهد له بالنبوة : ( وآمنت برسولك الذي أرسلت ) . قال : بل قل بـ ( بنبيك الذي أرسلت ) . فقدم المقام الأشرف على ما دونه .
والمفارقة العجيبة هنا ، أنه لا يصلح العطف هنا على مذهب من زعم أن الرسول نبي حتما ، بأي وجه ولا حتى أن تكون الواو زائدة ! ، لأن شمولية النبوة للرسالة على مذهبهم تمنع هذا والله هو الموفق .
وممن ادعى هذه القاعدة الباطلة :
ابن كثير رحمه الله قال بهذا ( أن كل رسول نبي ) : هي نص في أنه لا نبي بعده ، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى ، لأن مقام الرسالة أخـص من مقام النبوة ، فإن كـل رسـول نبي ولا ينعكس اهـ .
يريد الآية قوله تعالى : ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ .
وممن قال بهذا تلميحا " الشربيني " في تفسيره : أي آخرهم الذي ختم لأن رسالته عامة معها إعجاز القرآن فلا حاجة إلى استنباء ولا إرسال ! اهـ.
وقد بنى على هذا النقل وبعضه معه أحد الخلوف من الذين جبنوا عن مواجهة الدعـوة المهدية بنقاش هذا الأصـل مع المهدي عليه السلام وكبار أتباعه ، فأخذوا بدلا من ذلك يحوصون روغان الثعالب ويتناوشون من مكان بعيد من غير تصريح ونسبة هذا المعتقد لصاحبه المحـق ، بل جبنوا عن ذلك وخلطوا تلبيسا وخسة ما بين اعتقاد المهدي عليه السلام بأن المهدي إنما يبعث من المولى عز وجل والبعث لا يكون إلا إرسالا من الله تعالى ، وبين بطلان اعتقاد النبوة بعده عليه الصلاة والسلام وهذا لا يعتقده إلا زنديق أو به سويداء ، أما اعتقاد الحق والمثبت بنص القرآن والسنة بهذا الذي أنكروه ولم يصيبوا ، أنكروه جهلا وتقليدا وبذلك جحدوا أدلة ذلك وكفروا بها .
فقال هذا الجاهل الزاعم على المهدي تلميحا من غير تصريح بكتابه " الرد النافع " وهو غير نافع بل جُمِع على أصول المنافقين الجامية في تحريم تخلف الموظف عن ساعات الدوام الرسمي وغـير هذا من سخافات السعودة والوطنيات الخبيثات والتي ما تحصل بها للطواغيت إلا أكل أموال المسلمين بالحرام ، فقال بخصوص اعتقاد إرسال المهدي :
وهو خاتم الأنبياء والرسل فلا نبي بعده ولا رسول لقوله تعالى : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ﴾ .
ألا فليتق الله صاحب هذا القول المقيت ـ لم يفصح من يكون طبعا ـ إن كان من العقلاء المؤمنـين ! بكتاب ربهـم وصحيح سنة نبيهم وليطرد وسوسة الشيطان عن قلبه وجوارحه وليجتنب طرق الزنادقة المبطلين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فإن لم يفعل فليس له إلا حد الحسام عقابا اهـ(4).
ولهذا الجاحد الجبان نقول : إنما الحسام ينتظرك ورفقائك لجحدكم ما في القرآن والسنة ، والذي لم تورد منه شيئا لترده بالدليل والبرهان ، أعماك ورفقتك ومن على شاكلتكم من حمقى هذه الأمة ومقلدتها جحد القلوب وصرف الشياطين بالوساوس والتخمينات ، وإلا كل من قال وحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه ببعث المهدي يلزمه ما تنكرون فيعود رمي هذا الاعتقاد بالزندقة والردة على هؤلاء جميعا فهم من روى عن رسول الله في المهدي أن الله تعالى يبعثه ، بل على الصحيح هو عائد لمن أخبر بهذا رسول الله نفسه ، ويعد هذا منه وغيره من تمام الدين لا نقصا فيه كما زعم هذا الجاهل التائه .
وسيأتي لاحقا زيادة تفصيل في رد قول ابن كثير والشربيني بإذن الله تعالى
(1) رواه الطبراني وسبق التعليق عليه في مقدمة الكتاب .
(2) رواه أحمد والطبراني وابن أبي عاصم واللفظ له على الاختصار .
(3) رواه الطبراني في الأوسط (4/272) .
(4) الأجوبة المختصرة (ص 115 ) زيد بن محمد هادي المدخلي .
Powered by Backdrop CMS