الفصل الخامس والثلاثون بعد المائة

 

فقال حينئذ بطرس : يا معلم قل لنا كيف يعذب الهالكون وكم يبقون في الجحيم لكي يهرب الإنسان من الخطيئة ؟ ، أجاب يسوع : يا بطرس قد سألت عن شيء عظيم ومع ذلك فإني إن شاء الله مجيبك ، فاعلموا إذاً أن الجحيم هي واحدة ومع ذلك فإن لها سبع دركات الواحدة منها دون الأخرى ، فكما أن للخطيئة سبعة أنواع إذ أنشأها الشيطان نظير سبعة أبواب للجحيم كذلك يوجد فيها سبعة أنواع من العذاب ، لأن المتكبر أي الأشد ترفعا في قلبه سيزج في أسفل دركة مارا في سائر الدركات التي فوقه ومكابدا فيها جميع الآلام الموجودة فيها ، وكما أنه يطلب هنا أن يكون أعظم من الله لأنه يريد أن يفعل ما يعن له مما يخالف ما أمر به الله ولا يعترف بأن أحدا فوقه فهكذا يوضع تحت أقدام الشيطان وشياطينه ، فيدوسونه كما يداس العنب عند صنع الخمر وسيكون أضحوكة وسخرية للشياطين ، والحسود الذي يحتدم غيظا لفلاح قريبه ويتهلل لبلاياه يهبط إلى الدركة السادسة ، وهناك تنهشه أنياب عدد غفير من أفاعي الجحيم ، ويخيل له أن كل الأشياء في الجحيم تبتهج لعذابه وتتأسف لأنه لم يهبط إلى الدركة السابعة ، فلذلك فإن عدل الله يخيل للحسود التعيس ذلك على أعواز الملعونين الفرح كما يخيل للمرء في حلم أن شخصا يرفسه فيتعذب ، تلك هي الغاية التي أمام الحسود التعيس ، ويخيل إليه حيث لا مسرة على الإطلاق أن كل أحد يبتهج لبليته ويتأسف أن التنكيل به لم يكن أشد .

أما الطماع فيهبط إلى الدركة الخامسة حيث يلم به فقر مدقع كما ألمّ بصاحب الولائم الغني ، وسيقدم له الشياطين زيادة في عذابه ما يشتهي ، فإذا صار في يديه اختطفته شياطين أخرى بعنف ناطقين بهذه الكلمات : ( اذكر أنك لم تحب أن تعطي لمحبة الله ولذلك فلا يريد الله أن تنال ) ، ما أتعسه من إنسان ، فإنه سيرى نفسه في تلك الحال فيذكر سعة العيش الماضي ويشاهد فاقة الحاضر ، وأنه بالخيرات التي لا يقدر على الحصول عليها حينئذ كان يمكنه أن ينال النعيم الأبدي ! ، أما الدركة الرابعة فيهبط إليها الشهوانيون حيث يكون الذين قد غيروا الطريق التي أعطاهم الله كحنطة مطبوخة في براز الشيطان المحترق ، وهناك تعانقهم الأفاعي الجهنمية ، وأما الذين كانوا قد زنوا بالبغايا فستتحول كل أعمال هذه النجاسة فيهم إلى غشيان جنيات الجحيم اللواتي هن شياطين بصور نساء شعورهن من أفاع وأعينهن كبريت ملتهب وفمهن سام ولسانهن علقم وجسدهن محاط بشصوص مريشة بسنان شبيهة بالتي تصاد بها الأسماك الحمقاء ومخالبهن كمخالب العقبان وأظافرهن أمواس وطبيعة أعضائهن التناسلية نار ، فمع هؤلاء يتمتع الشهوانيون على جمر الجحيم الذي سيكون سريرا لهم ، ويهبط إلى الدركة الثالثة الكسلان الذي لا يشتغل الآن ، هنا تشاد مدن وصروح فخمة ، ولا تكاد تنجز حتى تهدم تواً لأنه ليس فيها حجر موضوع في محله ، فتوضع هذه الحجارة الضخمة على كتفي الكسلان الذي لا يكون مطلق اليدين فيبرد جسده وهو ماش ويخفف الحمل ، لأن الكسل قد أزال قوة ذراعيه ، وساقاه مكبلتان بأفاعي الجحيم ، وأنكى من ذلك أن وراءه الشياطين تدفعه وترمي به الأرض مرات متعددة وهو تحت العبء ، ولا يساعده أحد في رفعه ، بل لما كان أثقل من أن يرفع يوضع عليه مقدار مضاعف .

ويهبط إلى الدركة الثانية النهم ، فيكون هناك قحط إلى حد أن لا يوجد شيء يؤكل سوى العقارب الحية والأفاعي الحية التي تعذب عذابا أليما حتى أنهم لو لم يولدوا لكان خيرا لهم من أن يأكلوا مثل هذا الطعام ، وستقدم لهم الشياطين بحسب الظاهر أطعمة شهية ، ولكن لما كانت أيديهم وأرجلهم مغلولة بأغلال من نار لا يقدرون أن يمدوا يدا إذا بدا لهم الطعام ، وأنكى من ذلك أنه لما كانت هذه العقارب نفسها التي يأكلها لتلتهم بطنه غير قادرة على الخروج سريعا فإنها تمزق سوءة النهم ، ومتى خرجت نجسة وقذرة على ما هي عليه تؤكل مرة أخرى ، ويهبط المستشيط غضبا إلى الدركة الأولى حيث يمتهنه كل الشياطين وسائر الملعونين الذين هم أسفل منه مكانا ، فيرفسونه ويضربونه ويضجعونه على الطريق التي يمرون عليها واضعين أقدامهم على عنقه ، ومع هذا فهو غير قادر على المدافعة عن نفسه لأن يديه ورجليه مربوطة ، وأنكى من ذلك أنه غير قادر على إظهار غيظه بإهانة الآخرين لأن لسانه مربوط بشص شبيه بما يستعمله بائع اللحوم ، ففي هذا المكان الملعون يكون عقاب عام يشمل كل الدركات كمزيج من حبوب عديدة يصنع منه رغيف ، لأنه ستتحد بعدل الله النار والجمد والصواعق والبرق والكبريت والحرارة والبرد والريح والجنون والهلع على طريقة لا يخفف فيها البرد الحرارة ولا النار الجليد بل يعذب كل منها الخاطئ التعيس تعذيبا .