الفصل الرابع والستون بعد المائة

 


إني أشرح لكم الآن ذلك النزر القليل الذي وهبني الله معرفته بشأن سبق هذا الاصطفاء نفسه ، يزعم الفريسيون أن كل شيء قدر على طريقة لا يمكن معها لمن كان مختارا أن يصير منبوذا ، ومن كان منبوذا لا يتسنى له بأية وسيلة كانت أن يصير مختارا ، وأنه كما أن الله قدّر أن يكون عمل الصلاح هو الصراط الذي يسير فيه المختارون إلى الخلاص هكذا قدر أن تكون الخطيئة هي الطريق الذي يسير فيه المنبوذون إلى الهلاك ، لعن اللسان الذي نطق بهذا واليد التي سطرته لأن هذا إنما هو اعتقاد الشيطان ، فيمكن للمرء على هذا أن يعرف شاكلة فريسيي هذا العصر لأنهم خدمة الشيطان الأمناء ، فماذا يمكن أن يكون معنى سبق اصطفاء سوى أنه إرادة مطلقة تجعل للشيء غاية وسيلة الوصول إليها في يد المرء ، فإنه بدون وسيلة لا يمكن لأحد تعيين غاية ، فكيف يتسنى لأحد تقدير بناء بيت وهو لا يعوزه الحجر والنقود ليصرفها فقط بل يعوزه موطئ القدم من الأرض ، لا أحد البتة ، فسبق الإصطفاء لا يكون شريعة الله بالأولى إذا استلزم سلب حرية الإرادة التي وهبها الله للإنسان بمحض جوده فمن المؤكد أننا نكون إذ ذاك آخذين في إثبات مكرهة لا سبق اصطفاء ، أما كون الإنسان حرا فواضح من كتاب موسى لأن إلهنا عندما أعطى الشريعة على جبل سينا قال هكذا : ( ليست وصيتي في السماء لكي تتخذ لك عذرا قائلا : من يذهب ليحضر لنا وصية الله ؟ ، ومن يا ترى يعطينا قوة لنحفظها ؟ ، ولا هي وراء البحر لكي تعد نفسك كما تقدم ، بل وصيتي قريبة من قلبك حتى أنك تحفظها متى شئت ) ، قولوا لي لو أمر هيرودس شيخا أن يعود يافعا ومريضا أن يعود صحيحا ثم إذا هما لم يفعلا ذلك أمر بقتلهما أفيكون هذا عدلا ؟ ، أجاب التلاميذ : لو أمر هيرودس بهذا لكان أعظم ظالم وكافر ، حينئذ تنهد يسوع وقال : أيها الإخوة ما هذه إلا ثمار التقاليد البشرية ، لأنه بقولهما أن الله قدّر فقضى على المنبوذ بطريقة لا يمكن معها أن يصير مختارا يجدفون على الله كأنه طاغ وظالم ، لأنه يأمر الخاطئ أن يخطئ وإذا أخطأ أن يتوب ، على أن هذا القدر ينزع من الخاطئ القدرة على ترك الخطيئة فيسلبه التوبة بالمرة .