....


المدينة المقدسة في النبوءات من منظور جغرافي
.... 

مما عرف بها الأنبياء من خلال نهرها وهو نهر لله تعالى مقدس سينبع من جبلها المقدس وهي مدينة مقدسة ، فيجعله تعالى مباركا وتسقى به جزيرة العرب ، ينبثق منها بعد ما يشق الله تعالى جبل أحد فتجري مياهه للبحر الشرقي ومن الجانب الآخر للبحر الغربي .

وهكذا هي سنته كما كان في زمان موسى وقومه صلى الله عليه وسلم في الخلاص الأول ، سيكون مثل ذلك في الخلاص الثاني في زمان المهدي عليه الصلاة والسلام ، وكما قلت مرارا بتشابه الخلاص الثاني مع الخلاص الأول في كل شيء تقريبا ، ومن ذلك حلول الله تعالى فوق جبل ليكلم رسول الخلاص لأن الله تعالى لما يكلم عبد من عباده لا يكلمه إلا من فوق مشرف ، ففي الأولين كان موسى صلوات ربي وسلامه عليه ، وفي المتأخرين المهدي صلوات الله وسلامه عليه .

ومثل ما جرى نهر من جبل موسى سيجري نهر كذلك من جبل المهدي ، وصدق من قال : ما كان شيء في بني إسرائيل إلا وسيكون مثله فيكم . وزيد في رواية : في الخير والشر .

وهكذا في مسألة جريان نهر من الجبل الذي سيحل عليه الجبار عز وجل بمجده ، فورد بتوراتهم هذا القول :

 

﴿ وَأَمَّا خَطِيَّتُكُمُ ، الْعِجْلُ الَّذِي صَنَعْتُمُوهُ ، فَأَخَذْتُهُ وَأَحْرَقْتُهُ بِالنَّارِ ، وَرَضَضْتُهُ وَطَحَنْتُهُ جَيِّدًا حَتَّى نَعِمَ كَالْغُبَارِ ثُمَّ طَرَحْتُ غُبَارَهُ فِي النَّهْرِ الْمُنْحَدِرِ مِنَ الْجَبَلِ 

فإن قلنا كلمه من أعلى جبل أحد فأين النهر ؟

وإن كان من جبل هور ، فأين هو كذلك اليوم ؟

وإن قلنا كلمة من تلول كاظمة في الكويت من جبل سعير ، أو على قولهم في سيناء والطور الذي عينه كعب لأبي هريرة والصحابة ، فأين النهر ؟!

لا شيء ، لأنه أيا كان فقد ذهب ، حل الرب هناك فكان نهر ، وسيحل في أحد وسيكون نهر والأنبياء صرحوا بذلك .

ولقبه النبي زكريا عليه الصلاة والسلام بنبوءته بجبل الزيتون وفيه قال توصيفا يفضح الله تعالى به يهود ويكشف عن مدى كذبهم على الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم ، مثل ما فضحهم تعالى بتعيين المدينة المقدسة ــ سيأتي فصل خاص لاحقا إن شاء الله تعالى في تعيين المدينة المقدسة والأرض المقدسة لإبطال أكاذيب اليهودية ــ في كلام النبي باروك تلميذ النبي ارميا عليهما الصلاة والسلام ، حين قال بأن تلتفت المدينة المقدسة للمشرق تترقب المفديين يأتونها من هناك ، وسبق لي ذكر نص نبوءته تلك عليه الصلاة والسلام في الفصل الرابع وهناك اخترت شرح فقرة من نبوءته شرحا مطولا وهي : ﴿ تسربلي ثوب البر الذي من الله ﴾ . لعلاقة ذلك بمادة ذلك الفصل ، أما هنا فسأورد نص نبوءته ثانية لأشرح الفقرة الثانية الهامة فيها وتتعلق بهذا الفصل السادس لما لتعيين طيبة المقدسة بنظرها للمشرق من أهمية لمطابقة ذلك المعنى مع ما ذكر في الفصل الخامس عن الأنبياء هناك بخصوص خبر نهر جبل أحد وجريانه لناحية الشرق ، فكل ذلك يعني من الأهمية بمكان لكشف كذب اليهودية وتعيينهما المدينة المقدسة زورا وبهتانا على الله تعالى ورسله ، كما سيتبين لكل قارئ هنا مع هذه الوقفة في هذا الفصل والمخصصة لتبيين الكلام حول ما قاله الأنبياء في تعيين طيبة السلام .

قال باروك عليه الصلاة والسلام : 

 

﴿ تطلعي يا " أورشليم " من حولك نحو المشرق وانظري المسرة الوافدة عليك من عند الله ، ها إن بنيك الذين ودعتهم قادمون يقدمون مجتمعين من المشرق إلى المغرب بكلمة القدوس مبتهجين بمجد الله .
تسربلي ثوب البر الذي من الله واجعلي على رأسك تاج مجد الأزلي ، فإن الله يُظهر سناك لكل ما تحت السماء ، ويكون اسمك من قبل الله إلى الأبد سلام البر ومجد عبادة الله 

هنا يفضح الله تعالى يهود بهذا التعيين فالمشرق على حسب كلام هذا النبي من جهة المدينة المقدسة الكويت وهي التي تحقق على وجهها نبوءات النيران وتلك الأدخنة ، وهي التي غزاها جيش صدام العراق وتحقق بذلك كل ما أخبر تعالى من نبوءات بذلك الحدث ، وهناك بحر الخليج العربي الذي سينتهي إليه نهر الله تعالى المقدس ليصب فيه .

وباعتبار تعيين اليهود الكاذب فما لهم هناك ؟! 

لا شيء خصوصا مع دعواهم بالخلاص الكاذب أيام كورش الفارسي ، فهناك يكون الرجوع للمدينة المقدسة لا بحسب ما قاله هذا النبي من المشرق للمغرب يأتون ، بل من العراق لفلسطين ستكون الرجعة الكاذبة عكس ما قاله النبي تماما ، أي من الجنوب الغربي للشمال الشرقي ، وهذا ما لم يقل به النبي باروك ، إن لم يكن من المغرب للمشرق بحسب موقع العراق من فلسطين ، وهذا على زعمهم بالخلاص قديما .

أما على زعمهم بالخلاص حديثا في عصرنا ، فالكذبة ستكون أوسع خرقا فلبنان في شرقهم وبحر فلسطين شمالهم ، فلا لبنان تعرضت لما تعرضت له الكويت ، ولا نهر كذبهم لو انبثق سيصب كما قال الأنبياء ، للبحر الشرقي وللبحر الغربي ، فموقع بحر فلسطين أو المتوسط كما يزعمون الآن والبحر الميت لا يوافق موقعهما ما وصف النبي ، فأمرهم كله كذب في كذب ، ومن كان يقتل الأنبياء من قبل كيف تصدق دعواه الإيمان بما قالوه ، إنما ينطلي هذا على مثل بوش واوباما وأمثال تلك الحثالات السوقية من الذين يأتون بهم من المجهول من الأزقة الضيقة الوضيعة ليدفعوا بهم للواجهة ثم هم خلف الستارة يلعبون ، لكن الله تعالى لا زال يمهل وآن الوقت ليأخذ الظالم ثم لن يفلته .

وانظر أيها العاقل بامعان لما ذكرت لك مع ما قاله الأنبياء في تعيين المدينة المقدسة ستجد كلامي حق ، وأما أقوالهم مع تلك النبوءات في الخلاص آخر الزمان وتعيين تلك المدينة فلا ينطبق على تعيينهم بل توافق تلك التعيينات من أقوالهم مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم لا مدينة داود عليه الصلاة والسلام السابقة التي بنى بها ابنه سليمان بيتا لله عز وجل .

ومن أبرز تلك التعيينات التي تكذبهم أيضا العبور الكبير لنهر الأردن والذي لا يمكن جغرافيا أن يكون موافقا لما زعموا كذبا وزورا على الله تعالى ورسله ، بل لن يكون ذلك إلا من وسط الجزيرة العربية ، فمنها فقط سيتم العبور لفلسطين وتلك الناحية عبر نهر الأردن .

وقد اثبت في توراتهم أن موسى حينما أرسل مستكشفين لمدن ما وراء النهر إنما أرسلهم وهو ببرية فاران وهي أرض جزيرة العرب التي استودع فيها إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم ابنه بكره اسماعيل عليه الصلاة والسلام وأمه هاجر ، فقالوا في ارسال جواسيسه لما وراء النهر التالي : فَأَرْسَلَهُمْ مُوسَى مِنْ بَرِّيَّةِ فَارَانَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ كُلُّهُمْ رِجَالٌ هُمْ رُؤَسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيل اهـ .

ولما استتب الأمن والتمكين لبني إسرائيل وجمعوا ما بين مشارق الجزيرة ومغاربها وضموا لذلك قرى ومدن ما عبر نهر الأردن ، فعرضت ممالك اليهود ودونت تلك التواريخ ، لكن الجهلة فيما بعد لم يميزوا تلك الحقيقة ولم يعرفوا غير استيطانهم ما وراء نهر الأردن ، حتى ما يعرفوا معنى مقولة ما وراء النهر ماذا يراد بها هل على اعتبار المتحدث بذلك وهو في أرض ما وراء الأردن ، أو باعتبار كونه في جزيرة العرب . 

مثال ذلك قولهم في سفر القضاة : جِلْعَادُ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ سَكَنَ . فعبر الأردن هنا يريد المتحدث أنهم استوطنوا الجزيرة ، وهو يتحدث من وراء النهر عمن سكن هناك في الجزيرة فيقول عبر الأردن ، فكل من ذهب منهم للجزيرة حتما سيعبر نهر الأردن والعكس صحيح من ذهب من الجزيرة لما وراء النهر سيقول عبر الأردن ، وهكذا لا بد من التمييز لتعرف وجهة الذاهب من مكان المتحدث .

ومثله قولهم :

 

﴿ يَا رَبُّ بِخُرُوجِكَ مِنْ سِعِيرَ ، بِصُعُودِكَ مِنْ صَحْرَاءِ أَدُومَ ، الأَرْضُ ارْتَعَدَتِ . السَّمَاوَاتُ أَيْضًا قَطَرَتْ. كَذلِكَ السُّحُبُ قَطَرَتْ مَاءً.
تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ ، وَسِينَاءُ هذَا مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ 

فسعير وأدوم في الجزيرة لقول اشعيا النبي عليه الصلاة والسلام : ﴿ مَنْ ذَا الآتِي مِنْ أَدُومَ ، بِثِيَابٍ حُمْرٍ مِنْ بُصْرَةَ؟ هذَا الْبَهِيُّ بِمَلاَبِسِهِ ، الْمُتَعَظِّمُ بِكَثْرَةِ قُوَّتِهِ. «أَنَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبِرِّ، الْعَظِيمُ لِلْخَلاَصِ  .

مع قوله : 

 

﴿ لأَنَّهُ قَدْ رَوِيَ فِي السَّمَاوَاتِ سَيْفِي . هُوَذَا عَلَى أَدُومَ يَنْزِلُ ، وَعَلَى شَعْبٍ حَرَّمْتُهُ لِلدَّيْنُونَةِ
لِلرَّبِّ سَيْفٌ قَدِ امْتَلأَ دَمًا ، اطَّلَى بِشَحْمٍ ، بِدَمِ خِرَافٍ وَتُيُوسٍ ، بِشَحْمِ كُلَى كِبَاشٍ لأَنَّ لِلرَّبِّ ذَبِيحَةً فِي بُصْرَةَ وَذَبْحًا عَظِيمًا فِي أَرْضِ أَدُومَ لأَنَّ لِلرَّبِّ يَوْمَ انْتِقَامٍ ، سَنَةَ جَزَاءٍ . وَتَتَحَوَّلُ أَنْهَارُهَا زِفْتًا ، وَتُرَابُهَا كِبْرِيتًا ، وَتَصِيرُ أَرْضُهَا زِفْتًا مُشْتَعِلاً .
لَيْلاً وَنَهَارًا لاَ تَنْطَفِئُ إِلَى الأَبَدِ يَصْعَدُ دُخَانُهَا ... فَتِّشُوا فِي سِفْرِ الرَّبِّ وَاقْرَأُوا وَاحِدَةٌ مِنْ هذِهِ لاَ تُفْقَدُ لاَ يُغَادِرُ شَيْءٌ صَاحِبَهُ ، لأَنَّ فَمَهُ هُوَ قَدْ أَمَرَ، وَرُوحَهُ هُوَ جَمَعَهَا 

وبهذا تم التعيين الحق أن أدوم وبصرة على ساحل الخليج وهي الكويت الآن ومنها خرجت تلك النيران والأدخنة وانقلبت أرضها أنهار زفت كما أخبر النبي تماما .

وأن موسى وقومه صلى الله عليه وسلم كانوا هناك ، ومن هناك ارسل مستكشفيه ليعبروا نهر الأردن من أجل تمليكهم تلك الأراضي على ما وعد الله عز وجل نبيه ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام بتمليك ذريته كل تلك البلدان وحين انتهوا من الجزيرة العربية توجهت النية لغزو بلدات وقرى ما وراء النهر ، وصارت حروب ونزاعات تارة لهم وتارة عليهم ومن ذلك القصة الواردة في القرآن في عبور نهر الأردن لقتال المتسلطين هناك على اليهود هذا بعد ما ملكوا تلك النواحي من بعد عهد يشوع صاحب موسى صلى الله عليهما وسلم ، لكنهم يتنازعون ويفشلون فيتغلب عليهم نتيجة ذلك أعدائهم ، ثم يعيد لهم المولى عز وجل الكرة على أعدائهم وهكذا حتى كانت قصص داود المشهورة ، لكنهم في الجزيرة استتب لهم الأمر واستكانت لهم الأرض ، عكس ما وراء النهر فكانوا تارة وتارة على مر تورايخهم .

ومن الثابت في تأريخهم ذكرهم انتقال عيسو ابن اسحاق لسعير وهناك استوطن ابنه أدوم وكثرت ذريته ، وأدوم على ما ذكرت قبل المقصود به ساحل الخليج من مشرق الشمس ونصت نبوءة اشعيا أن هناك شعبا سيحرم للدينونة وليس إلا الكويت وشعبها من ستحل بهم تلك اللعنة وهي البطشة الكبرى كما في سورة الدخان من القرآن .

وسيمر لاحقا إن شاء الله تعالى في الفصل الخاص بمبحث رد دعوى قداسة الأرض والمدينة بحسب اعتقاد اليهود ، والوقوف مع تلاعب كاتب عهدهم في ذكره تلاعب يعقوب بأبيه اسحاق وسرقته المباركة التي كان مقرر أنها لأخيه الأكبر عيسو وكيف اختار عيسو السكن في الجزيرة العربية وأن هناك دعى عليه اسحاق بعدم البركة عكس السارق يعقوب والمخادع لأبيه حلت عليه البركة واختصت به فيما وراء نهر الأردن ، في سرد أكاذيب مبناها على العنصرية والتمييز وكره عيسو ابن اسحاق لما تعلق به من اسماعيل عليه الصلاة والسلام ، لاختصاصه بالزواج من بنت اسماعيل عليه الصلاة والسلام واختياره السكن في جزيرة العرب في البرية ، وربما كل ذلك ليس باختياره بل هو ما كتب الله تعالى له واختصه به ، عكس يعقوب أقله برأي الكاتب وإلا ثبت معنا تعدد مساكن النبي يعقوب عليه الصلاة والسلام وكان منها مدينة طيبة المقدسة كما سيمر معنا بفصل خاص عن قداسة طيبة وأنها هي حقا المدينة المقدسة لا ما زعم اليهود عن مدينة داود واختزال كل النبوءات في أخبار المدينة المقدسة فيها .

ومن أكاذيب كاتب عهدهم القديم والذي لا يشك المهدي أنه هو من كتب عهد عباد الصلبان الجديد ، وأنه ليس إلا الشيطان يتمثل لهم ويكتب لهم من الأسفار ما يختار ويحلو له ليحرف دينهم باسم وحي الله تعالى كذبا وزورا .

ومن أكاذيبه أن عيسو بأرضه هناك سيكون غير مبارك ومسخوط عليه ، في خباثة وحقد كان ينقط في أسفار وتأريخ بني إسرائيل مع حبره ذلك الملعون الكافر والذي من حقده على الملة الإبراهيمية حتى لم يسلم منه يعقوب نفسه إذ كتب أن ابنه البكر كان يضاجع سرية أبيه يعقوب ، في كفريات ملعونة تنم عن خباثته وأنه مهووس بالمعاشرات الجنسية ما يكشف عن نزعته الشيطانية والتي كان ينفثها هنا وهناك خلال تسطيره تلك الأسفار ما ينم عن أن التبديل هناك كان مقصوده تحريف دين اليهود والطعن بالأنبياء مثل ما طعن بلوط عليه الصلاة والسلام وبناته من قبل ، وطعن بسليمان واتهمه بالنساء وعبادة الأوثان إلى غير ذلك مما ينم عن حقد لذلك الكاتب به حرف دين اليهود واتبعوه فكانت عليهم اللعنة إلى يوم الدين ، وإن دل هذا فإنما يدل على أن ذلك الكاتب ليس بشر بل هو إبليس يتمم رسالته التي بدأها من بينهم من خلال السامري حين عبدهم لذلك العجل الذهبي الذي نثر رماده النبي موسى عليه الصلاة والسلام في نهر جبل سعير كما مر معنا ، فعل ذلك وموسى وهارون لا زالا بينهم فما بالكم سيعمل بعد رحيلهم ، ألعله سيجلس مكتوف الأيدي ومقعد بينهم ؟!

أبدا لا يفتر ولا ينام ولا يغفل عن اضلال البشر يهود وغير اليهود ، فتشكلت بمكايده كل تلك الأمم والفرق وتلك الأديان المحرفة ، لكنه بلحظة سيفقد كل شيء حين يتجلى مجد القدوس العظيم ، وتنزل ملائكته على وجه الأرض ، والشيطان ينظر لمكره كيف يتبدد بقوة الله العليم الحكيم القوي على كل شيء .

وفي سفر القضاة ورد ما يلي :

 

﴿ وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ ، فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَانَ سَبْعَ سِنِينَ فَاعْتَزَّتْ يَدُ مِدْيَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ عَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمِ الْكُهُوفَ الَّتِي فِي الْجِبَالِ وَالْمَغَايِرَ وَالْحُصُونَ وَإِذَا زَرَعَ إِسْرَائِيلُ ، كَانَ يَصْعَدُ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَبَنُو الْمَشْرِقِ ، يَصْعَدُونَ عَلَيْهِمْ ، وَيَنْزِلُونَ عَلَيْهِمْ وَيُتْلِفُونَ غَلَّةَ الأَرْضِ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى غَزَّةَ ، وَلاَ يَتْرُكُونَ لإِسْرَائِيلَ قُوتَ الْحَيَاةِ ، وَلاَ غَنَمًا وَلاَ بَقَرًا وَلاَ حَمِيرًا لأَنَّهُمْ كَانُوا يَصْعَدُونَ بِمَوَاشِيهِمْ وَخِيَامِهِمْ وَيَجِيئُونَ كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ وَلَيْسَ لَهُمْ وَلِجِمَالِهِمْ عَدَدٌ ، وَدَخَلُوا الأَرْضَ لِكَيْ يُخْرِبُوهَا . فَذَلَّ إِسْرَائِيلُ جِدًّا مِنْ قِبَلِ الْمِدْيَانِيِّينَ. وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ. 

وَكَانَ لَمَّا صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ رَجُلاً نَبِيًّا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقَالَ لَهُمْ : « هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ : إِنِّي قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَخْرَجْتُكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ ، وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ جَمِيعِ مُضَايِقِيكُمْ ، وَطَرَدْتُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ وَأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضَهُمْ . 
وَقُلْتُ لَكُمْ: أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. لاَ تَخَافُوا آلِهَةَ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ أَرْضَهُمْ . وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي » .
وَأَتَى مَلاَكُ الرَّبِّ وَجَلَسَ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي فِي عَفْرَةَ الَّتِي لِيُوآشَ الأَبِيعَزَرِيِّ . وَابْنُهُ جِدْعُونُ كَانَ يَخْبِطُ حِنْطَةً فِي الْمِعْصَرَةِ لِكَيْ يُهَرِّبَهَا مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ فَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ : « الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ ».
فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي ، إِذَا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هذِهِ ؟ وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ : أَلَمْ يُصْعِدْنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ ؟ وَالآنَ قَدْ رَفَضَنَا الرَّبُّ وَجَعَلَنَا فِي كَفِّ مِدْيَانَ ». فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الرَّبُّ وَقَالَ : « اذْهَبْ بِقُوَّتِكَ هذِهِ وَخَلِّصْ إِسْرَائِيلَ مِنْ كَفِّ مِدْيَانَ. أَمَا أَرْسَلْتُكَ ؟ » .
فَقَالَ لَهُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، بِمَاذَا أُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ؟ هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى ، وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي » 

الحاصل أن الله تعالى اختار لهم هذا النبي القاضي مخلصا وكان زمانه زمن من يسمونهم بالقضاة والذي انتهى لصموئيل ثم أتى بعهده زمن الملوك وكان ثاني الملوك النبي داود عليه الصلاة والسلام ، واختياره وشاول قبله كان علي يدي النبي صموئيل . 

والذي يهمني في قصتهم تلك مسألة عبور نهر الأردن لاعتبارين :

الاعتبار الأول : أن يوقن القارئ هنا أن نهر الأردن هو الفاصل الطبيعي ما بين الأراضي التي وعد ابراهيم الخليل من الله تعالى أن يورثها لذريته ، فكانت الجزيرة ما بين مشارقها ومغاربها وكان ما وراء نهر الأردن ، وكان العبور لتلك الأراضي ذاهبا للجزيرة أو مجيئا لها لا بد يتم من خلال عبور ذلك النهر ليمكنهم التنقل ما بين كل تلك المدن والقرى وآفاق التوريث الرباني لذرية الخليل ابراهيم على ما وعده تعالى بذلك .

وكان أغلب النزاع والضعف والقوة لهم في أراضي ما وراء النهر عكس الجزيرة كما قلت قبل استتب لهم التوريث خلاف ما وراء النهر ، والقوم جبناء في الأصل وعصاة فطرة متقلبون إن لم يداهمهم عدو سطى بعضهم على بعض ، وتأريخهم فضيحة في ذلك سودوا وجه سيرتهم بتلك النزاعات وتلك الأكاذيب .

والاعتبار الثاني : لما حصل من تناقض فيما قصوا في خبر هذا النبي المبعوث بتلك الفترة واسمه قالوا : جِدْعُونُ بن لِيُوآشَ الأَبِيعَزَرِيِّ . قالوا أنه بعث لخلاصهم من اضطهاد الْمِدْيَانِيِّينَ وَالْعَمَالِقَة وَبَنُو الْمَشْرِقِ ، فإن لم يكن هذا النبي هو صموئيل وطالوت هو معاصره شاول ملك اليهود الأول بأمر من الله تعالى أعلنه للناس بحسب طلبهم من خلال النبي صموئيل ، فإن في تلك القصة منهم ريبة إذ أن الله تعالى نص بكتابه أن من قاتل معه داود النبي عليه الصلاة والسلام والنبي داود عليه الصلاة والسلام إنما قاتل تحت قيادة ملكهم الأول شاول ، وهم قد أغفلوا ذكر النبي داود بتلك القصة وعبور نهر الأردن ، بل إن النهر لم يذكر إنما نكر وذكر بتلك القصة أنه مجرد ماء عين لا نهر ، ولم يذكروا شاول فيها فقط ذلك النبي وان ذكر له اسما إلا أنه مجهول ليس له إلا تلك القصة وهي قصة عبور النهر المنصوص عليها في القرآن ، فهل هي قصة غير التي ذكر الله تعالى بكتابه فيحمل ذلك على التعدد ؟

أو أنها ذات القصة المذكورة في القرآن وأن ذلك العبور لما تم التحق بذلك الجيش داود عليه الصلاة والسلام وهناك قتل جالوت الفلسطيني ، وهذا هو المرجح والمريب تفريقهم ما بين قصة قتل داود لجالوت الفلسطيني وقصة عبور جيش شاول للنهر ، وأن ذلك النبي المذكور في قصتهم ما هو إلا النبي صموئيل .

وكان النبي داود بحسب قصتهم حين قتل جالوت صغيرا في العمر ولم يبعث بالنبوة بعد ومثبت ذلك هناك بتأريخهم كان يرعى غنما لأبيه وطلب منه أبوه الذهاب بالطعام لإخوته الذين كانوا يقاتلون تحت راية شاول الفلسطينيين ولما ذهب هناك وسمع كلام جالوت في طلب المبارزة والسخرية من اليهود مع شاول خرج له داود وقتله بالحجر واعجب ذلك شاول والحقه معه ثم صار من قصصهم ما ذكر بعد ذلك :

 

﴿ وَمَدَّ دَاوُدُ يَدَهُ إِلَى الْكِنْفِ وَأَخَذَ مِنْهُ حَجَرًا وَرَمَاهُ بِالْمِقْلاَعِ ، وَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيَّ فِي جِبْهَتِهِ ، فَارْتَزَّ الْحَجَرُ فِي جِبْهَتِهِ ، وَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ 

وعلى العموم أيا كان ذلك النبي وحقيقة تلك القصة فنحن في تقرير تلك الحقيقة بالتنقل من أرض الجزيرة لما وراء نهر الأردن والعكس ، وهو ما يثبت حجج هذا الكتاب في تقرير الكلام في اثبات تلك الحقيقة ، لأن من قال أن خروجهم من صحراء سيناء للأرض التي وعد الله الخليل نبيه بتمليك ذريته اياها ، لم يقل ولم يقع بقرارة ذاكرته أنهم رجعوا لصحراء سيناء بعد ذلك ، ومع أنها كذبة من الأساس تلك الدعوى ومبناها على غباء جغرافي فسيناء لا يفصل ما بينها والشام نهر الأردن إنما الفصل واقع ما بين تلك الناحية وأرض جزيرة العرب ، ومع هذا لم يعتقد أحد من أصحاب ذلك التصور والقول السخيف أنهم رجعوا وخرجوا ورجعوا وخرجوا لصحراء سيناء ، مثل هذا النص التالي وفيه اشارة لصعود ملكهم شاول نفسه لوسط الجزيرة العربية وهو الشيء المعتاد بذاك الوقت فقالوا في سفر صموئيل الأول :

 

﴿ وَبَعْضُ الْعِبْرَانِيِّينَ عَبَرُوا الأُرْدُنَّ إِلَى أَرْضِ جَادَ وَجِلْعَادَ وَكَانَ شَاوُلُ بَعْدُ فِي الْجِلْجَالِ وَكُلُّ الشَّعْبِ ارْتَعَدَ وَرَاءَهُ 

وعليه تكون جاد وجلعاد في جزيرة العرب ، وقولهم : ( وكان شاول بعد في الجلجال ) . أي لم يصعد بعد ، صعد لاحقا .

وكانت تلك القصة في عبور النهر من أرض الجزيرة لأرض فلسطين التي ذكرها تعالى في القرآن ، ولم يكن ذلك التحريف والتبديل والطمس لغير غاية حتى يطمس ذكر النبي المشهور في آخر عهد القضاة وهو صموئيل عليه الصلاة والسلام وذكر ملكهم الأول شاول في عهد ذلك النبي واختياره من الله تعالى ، بل وذكر النبي داود قاتل ذلك الفلسطيني وقصته مشهورة ، لكن كل ذلك مسح من تلك القصة وليس لغير معنى ، بل لأجل معنى هادف بحسب مكر ذلك الكاتب الشيطاني ، والمقصود قطع ذكر اتصال شعب اليهود في الجزيرة عن شعبهم الآخر في ما وراء النهر ببلاد فلسطين ، فلا يعلم الناس عن وجود ملك اليهودية الأول في الجزيرة العربية ولا النبي صموئيل ، ولا أن شعبهم في ما وراء النهر تلقى نصرة من اليهود الذين استوطنوا في جزيرة العرب ، علما أن النص بتلك القصة يبين فيمن اجتمع لذلك الجيش استجابة لاستدعاء جدعون من جميع قبيلة منسى وقبيلة منسى مما علم توريثهم من زمان موسى وخادمه يوشع المدينة المنورة طيبة الخير ، ما يدل على أن انطلاق ذلك الجيش إنما تم من الجزيرة العربية ، فقال الكاتب نصا ما يلي :

 

﴿ وَلَبِسَ رُوحُ الرَّبِّ جِدْعُونَ فَضَرَبَ بِالْبُوقِ ، فَاجْتَمَعَ أَبِيعَزَرُ وَرَاءَهُ ، وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى جَمِيعِ مَنَسَّى 

ومما يدل على أن ذلك الحشد إنما تم على أرض الجزيرة طلب ذلك النبي بحسب رواية الكاتب الشيطاني لقصة ورودهم على الماء ، أن يرجع البعض منهم من جبل جلعاد وهو من جبال الجزيرة قرين جبل باشان بالذكر كما سيمر معنا ما يدل على ذلك من كلام النبي ميخا وارميا عليهما الصلاة والسلام .

وكيف يقدر ذلك الكاتب بالتصريح عن تلك الحقائق وهو لا زال ينزل لعنات اسحاق هناك على الجزيرة مسكن منسى وعيسو ، ولا يبارك لهم إلا في ما وراء النهر في أرض فلسطين دون أرض الجزيرة العربية والتي بوركت أكثر مما بورك ما وراء النهر وملأها تعالى لهم سمنا وعسلا مباركة لنبيه يعقوب وأبيه من قبل ابراهيم ، وهي على الصحيح أرض البركة والخير ــ مر معنا في الفصل السابق تفصيل ذلك ــ الذي كان سليمان النبي يرحل من خلال الريح إلى هناك بانتظام ليريه الله عز وجل من آياته وتنبوءاته عن تلك الأرض وما سيكون فيها آخر الزمان من مجد الله تعالى العظيم وتجلياته المقدسة ، فالإفصاح عن خير تلك الأرض والناحية وما قسم لها تعالى من بركاته وخيراته لن يكون برأي ذلك الكاتب الشيطان ولا بد من تبديل وتحريف فحوى تلك القصة وأن تهندس على وفق أفكاره لا وفق الحقيقة التأريخية ، فلا بد كل ذلك يبدل لهدف بعيد وهذا ما يؤكد على أن ذلك الكاتب كان يمتلك مقدرة غير بشرية وتخطيطها دهري ليس لسنة ولا سنتين ولا قرن أو قرنين ، لا بد تكون الخطة معدلة على وفق هدف استراتيجي بعيد المدى جدا ، ويطمع أن يصيب أكثر عدد من الناس للنهاية في الكفر واللعن ، لحين تفتح أبواب جهنم ما بين مكة والمدينة وحين ذاك فقط سيعلن عن حقيقته :

 

﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾

أقول والخلاصة : أن اغفال ذكر النبي هناك داود عليه الصلاة والسلام في تلك القصة مع تعظيمهم لذكره وتمجيدهم لسيرته بشكل كبير جدا ، واغفل أيضا ذكر شاول صريحا في ذلك العبور لأن شاول كان في زمان صموئيل والنبي المذكور في تلك القصة وأنه مبعوث خلاص غير صموئيل بل مجهول ودخيل عليها ، وهذا إما يفيد تعدد قصة العبور أو أن هناك عبثا وتحريفا ما لأن القرآن يخالف قصتهم تلك ويذكر فيها داود تصريحا وأنه في قصة ذلك العبور قتل الفلسطيني جالوت ، والمعتمد كلام الله عز وجل في ذلك الثابت السالم من عبث ذلك الشيطان بما حفظه تعالى أن يجري عليه مثل ما جرى على كتب السابقين .

ولا أرى تفسيرا لذلك أيضا إلا تجنيبا للنبي داود عليه الصلاة والسلام ما اوقعوا به ابنه سليمان النبي عليه الصلاة والسلام عيبا في سيرته وطعنا فيه حين كان ينقله الله تعالى من خلال تلك الريح للمدينة وتلك الناحية المباركة ، وعابه لذلك كاتب عهدهم القديم اللعين واتهمه بتهم شنيعة جراء ذلك كما سيمر معنا في فصل لاحقا خاص في بيان ما يتعلق باسم جبل احد عندهم بـ (ـاشان ) ، وهناك سأبين كيف سكن داود النبي في ذلك الجبل ، فأغفلوا ذكره هناك في قصة عبور النهر ليجنبوا أي ذكر للنبي داود بذكر عبور اليهود للنهر من الجزيرة العربية حتى يقطع برأي ذلك الكاتب اي اثبات اتصال ما بينه عليه الصلاة والسلام وبين أرض الجزيرة العربية ، فعليهم لعائن الله تترى إلى جهنم ثم تتبعهم أبدا هناك ، فهم حريصون على اغفال الذكر الصريح للجزيرة حتى ما يعلم ارتباط ابناء ابراهيم بتلك الأرض مثل ما أغفلوا ذكر بيت الله عز وجل الذي بناه هناك وبدلا من ذكر ذلك البيت عظموا ذكر ما قالوا بناه يعقوب عبر الأردن من بيت لله تعالى ومذبح وأسموه " بيت إيل " وصار ذكره يردد بعهدهم القديم بدلا من بيت الله تعالى المقدس بمكة استبدالا للملة وتلاعبا بالعهد ، وحصر الأمر العظيم ذاك بيعقوب ونسله عنصرية وتعصبا وتحزبا ، حتى أني أجد من حقد كاتبهم الكافر الملعون تنكيره الأرض التي انتقل لها عيسو ابن اسحاق كرها أن يذكر ذلك صريحا وتستقر معرفته عند الخلق فقال هناك عن انتقال عيسو : ثُمَّ أَخَذَ عِيسُو نِسَاءَهُ وَبَنِيهِ وَبَنَاتِهِ وَجَمِيعَ نُفُوسِ بَيْتِهِ وَمَوَاشِيَهُ وَكُلَّ بَهَائِمِهِ وَكُلَّ مُقْتَنَاهُ الَّذِي اقْتَنَى فِي أَرْضِ كَنْعَانَ ،وَمَضَى إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى مِنْ وَجْهِ يَعْقُوبَ أَخِيهِ اهـ .

نكر ذكر أرض مهاجره مع قوله بعد ذلك : فَسَكَنَ عِيسُو فِي جَبَلِ سَعِيرَ. وَعِيسُو هُوَ أَدُومُ . مثل ما نكر ماء النهر حتى ما يعرف كل ذلك .

لأن الناس لن تعرف سعير أين لكن الجزيرة معروفة لو صرح لكنه نكر ذكرها فقال : ( ومضى إلى أرض أخرى ) . لا يريدون لجزيرة العرب مسكن اسماعيل عليه الصلاة والسلام أي ذكر واثبات وارتباط بتأريخ اليهود والأنبياء ، ولا يريدون أي ذكر للعهد في ذرية إسماعيل ولا أي مباركة ولا أي توريث ، سرقة سرقوا ذلك منه ومن ذريته مثل ما قرروا كذبا وزورا سرقة يعقوب ذلك من أخيه عيسو وهو البكر ، تلاعب شيطان وتحريف للعهد والميثاق من قديم ، حتى جاء المسيح عليه الصلاة والسلام وفضحهم في ذلك ووبخهم على دعوى قداسة تلك المدينة وذلك المسجد مثل ما كان يوبخهم نبي الله اشعيا من قبل على ذلك فقتلوه ومن ثم هموا بقتل المسيح عليه الصلاة والسلام لكن الله تعالى نجاه منهم ليرجع آخر الزمان يوم الدينونة فيشهد على كل أكاذيبهم تلك ، ويشهد مع سائر الأنبياء والمهدي عليهم الصلاة والسلام .

وتلك الصخرة المعظمة والتي أسس عندها بيت إيل بزعم الكاتب الشيطاني ، ما هي إلا صخرة صغيرة بقدر وسادة رأس وضع يعقوب بزعمهم عليه الصلاة والسلام رأسه عليها فنام فرأى ربه هناك متمثلا بصورة رجل وتصارعا حتى ما قدر الله بجلاله طرح يعقوب القوي ، وما قدر إلا على ضربه لما تعب معه على فخذه ونشأت من ذلك قصة عرق النساء ، فالكاتب الملعون الشيطاني مغرم بمثل تلك الحكايات والتسميات ( وسمي المكان بكذا وكذا ) ويكثر من مثل ذلك ليعطي مصداقية لما يسطر لهم من أكاذيب .

ومن تلك الأكاذيب ذلك المنام وتلك الصخرة التي قدست فيما بعد وللأسف سرى ذلك على دين المسلمين وعظمة بتلك الخرافة بل ثبتت تلك الصخرة بما يدعون اليوم في بيت المقدس كذبا وزورا حتى قال الكذاب وهب بن منبه :قال الله لصخرة بيت المقدس : لأضعن عليك عرشي ولأحشرن عليك خلقي . " أخرجه عبدالرزاق في مصنفه "

ولم تتعدى تلك الصخرة حجم وسادة رأس يعقوب عليه الصلاة والسلام لكن التعصب ليعقوب عند هؤلاء تكبر كل شيء أكبر من حجمه الطبيعي ، في حين تصغر الكبير ليكون بحجم يعقوب أو مثله أو أصغر مثل افتراء قصة مقاتلة الله عز وجل ليعقوب فصار له ندا حتى ما قدر يغلبه ، فتحولت تلك المرائي للأنبياء الجليلة لهزء ووضاعة وتحقير من شأن حتى الذات الإلهية وما يقوم مثالا عنه تبارك وتعالى سبحانه عما يشركون ويكفرون .

وأبدأ بنقل نص كلام الكاتب في قصة عبور ذلك النهر قبل ما أنقل كلام الله عز وجل في ذلك لتقارنوا وتستكشفوا بأنفسكم مدى كذب القاص وتلاعبه في عهدهم القديم ومثل ما قرر بسرد الأكاذيب تغيير اسم يعقوب لإسرائيل بعد أن لم يقدر الله تعالى عن أكاذيبهم من طرحه فلقبه بإسرائيل وباركه .

وبالمثل ذلك نبي الخلاص المبتكر في قصة عبور النهر غير الكاتب الشيطاني اسمه من " جدعون " إلى " يَرُبَّعْلَ" ، فهو مهووس بالتسميات الجديدة سواء للأشخاص أو المناطق ، فمبنى مكره على التغيير والتبديل فهو بمهمة التحريف موكل ولم يستطع الفكاك عن ذلك من بداية قصة الخلق إلى النهاية ، من خلق آدم إلى دانيال هناك مع نبوخذ نصر .

والمهم : ملاحظة دعواه أن ذلك الماء مجرد عين نكره حتى ما يعرف أنه نهر ، لأنه في قرارة نفسه أراد يخفي ذلك للمعلومية البدهية عندهم في ذلك الوقت حين يذكر النهر فمعلوم لدى الناس في ذلك الوقت أي نهر المعني ويفصل بين أي الممالك والآفاق ، وبحسب المتحدث سيعلم أي جهة المقصودة بالكلام ، فقال كاتب العهد :

 

﴿ فَبَكَّرَ يَرُبَّعْلُ ، أَيْ جِدْعُونُ ، وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ وَنَزَلُوا عَلَى عَيْنِ حَرُودَ. وَكَانَ جَيْشُ الْمِدْيَانِيِّينَ شِمَالِيَّهُمْ عِنْدَ تَلِّ مُورَةَ فِي الْوَادِي.
وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: « إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لأَدْفَعَ الْمِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ ، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَدِي خَلَّصَتْنِي . 
وَالآنَ نَادِ فِي آذَانِ الشَّعْبِ قَائِلاً : مَنْ كَانَ خَائِفًا وَمُرْتَعِدًا فَلْيَرْجعْ وَيَنْصَرِفْ مِنْ جَبَلِ جِلْعَادَ ». فَرَجَعَ مِنَ الشَّعْبِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَبَقِيَ عَشَرَةُ آلاَفٍ.

وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: « لَمْ يَزَلِ الشَّعْبُ كَثِيرًا اِنْزِلْ بِهِمْ إِلَى الْمَاءِ فَأُنَقِّيَهُمْ لَكَ هُنَاكَ وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ : هذَا يَذْهَبُ مَعَكَ ، فَهُوَ يَذْهَبُ مَعَكَ وَكُلُّ مَنْ أَقُولُ لَكَ عَنْهُ : هذَا لاَ يَذْهَبُ مَعَكَ فَهُوَ لاَ يَذْهَبُ».
فَنَزَلَ بِالشَّعْبِ إِلَى الْمَاءِ. وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ : « كُلُّ مَنْ يَلَغُ بِلِسَانِهِ مِنَ الْمَاءِ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ فَأَوْقِفْهُ وَحْدَهُ . وَكَذَا كُلُّ مَنْ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِلشُّرْبِ ».
وَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ وَلَغُوا بِيَدِهِمْ إِلَى فَمِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةِ رَجُل . وَأَمَّا بَاقِي الشَّعْبِ جَمِيعًا فَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ لِشُرْبِ الْمَاءِ.
فَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «بِالثَّلاَثِ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِكَ وَأَمَّا سَائِرُ الشَّعْبِ فَلْيَذْهَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكَانِهِ».

فَأَخَذَ الشَّعْبُ زَادًا بِيَدِهِمْ مَعَ أَبْوَاقِهِمْ وَأَرْسَلَ سَائِرَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ ، وَأَمْسَكَ الثَّلاَثَ مِئَةِ الرَّجُلِ. وَكَانَتْ مَحَلَّةُ الْمِدْيَانِيِّينَ تَحْتَهُ فِي الْوَادِي ﴾

وهذا أصل تلك الرواية لدى ذلك الكاتب لكن اقرأوها هنا من كلام الله تعالى :

 

﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ، وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ .

فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ، وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ، فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ، تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾

اسم ذلك الملك الأول في بني اسرائيل " شاول " ووصفوا من تميز خلقته الطول ، ولعل الله تعالى هنا سماه بأخص صفاته وهو الطول لأنهم ذكروا ذلك أنه مما يميزه فلقبه الله تعالى بذلك وصيره اسما له "طالوت " ، وهو من قاتل النبي داود تحت رايته وصار من أبرز قواده في الحروب ثم اختاره تعالى بعد ملكا ثانيا بحياة شاول طالوت لسخط الله تعالى عليه بسبب آثام منها أنه لم يكن يقدس الله تعالى من السلب إلا سيئ المواشي بحسب زعمهم ويعزل خيارها - صموئيل الأول - :

﴿ وَعَفَا شَاوُلُ وَالشَّعْبُ عَنْ أَجَاجَ وَعَنْ خِيَارِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالثُّنْيَانِ وَالْخِرَافِ ، وَعَنْ كُلِّ الْجَيِّدِ ، وَلَمْ يَرْضَوْا أَنْ يُحَرِّمُوهَا وَكُلُّ الأَمْلاَكِ الْمُحْتَقَرَةِ وَالْمَهْزُولَةِ حَرَّمُوهَا 

 

﴿ فَقَالَ شَاوُلُ: مِنَ الْعَمَالِقَةِ ، قَدْ أَتَوْا بِهَا ، لأَنَّ الشَّعْبَ قَدْ عَفَا عَنْ خِيَارِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ لأَجْلِ الذَّبْحِ لِلرَّبِّ إِلهِكَ وَأَمَّا الْبَاقِي فَقَدْ حَرَّمْنَاهُ 

ولا يفوتني هنا وقفة تجلت بالمقارنة ما بين النص عن ذلك العبور بخط الكاتب الشيطاني ، والنص من كلام الله تعالى في القرآن ، واعتبروا من الكشف عن ذلك بالمقارنة بين النصين مدى حقد ذلك الكتاب لأنه شيطان يحط من قدر من اتبع النبي وعمل بما أوصى تعالى لكن مع التحريف المقصود منه شبههم بالكلاب ، ولم يكتف بوصف شربهم كما تشرب الدواب ولم تطب نفسه بذلك حتى صرح بتشبيههم بالكلاب فقال : ( وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ : كُلُّ مَنْ يَلَغُ بِلِسَانِهِ مِنَ الْمَاءِ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ ) . والله تعالى وصف ذلك بقوله : ( إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) .

وهذا من فعله بتلك القصة ينم عن حقد دفين على طاعة الله وبغض شديد لمن يطيعه ، يدس سمه بين الكلمات والأسطر ، لا يكاد يدع نبي من غمزة ولمزة ولا المؤمنين ، وبذلك براهين تعرف بشخصية ذلك الكاتب وأنه شيطان لا إنسان .

كذلك من أبرز تلك التعيينات للمدينة المقدسة ونهرها تلك المدينة التي حكت عن مجدها كل تلك النبوءات بعهدهم القديم وعن نهرها وأين يصب وجبلها الذي سيحل عليه مجد قداسة الرب عز وجل وتجليات ذاته العظيمة ، ففي ذلك التعيين الحسم وقطع كل أكاذيب اليهود ، وقد بان بذلك التعيين موقع البحرين البحر الشرقي والبحر الغربي وبان دخان ونار المشرق ولم يتبقى إلا نار ودخان جهنم يظهر كل ذلك الله تعالى من حولها ثم يستدعى اليهود الكذبة ليسود الله تعالى ويخزي تلك الوجوه الكافرة ، وينتهي أمرهم للأبد هم وكل من صدق أكاذيبهم وآمن بمكرهم وتحريفاتهم .

أقول : كذلك من أبرز تعييناتها ما وافق قول تلميذ النبي إرميا " باروك " عليهما الصلاة والسلام ، قول النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام في مصب ذلك النهر للجهة الشرقية ، فقال وقد سبق لي نقله في الفصل السابق عند كلامي عن مباركة طيبة السلام وما حولها في الجزيرة العربية ، وأعيد ذكره هنا من اجل تعيينها جغرافيا حيث قال :

 

﴿ ثُمَّ أَرْجَعَنِي إِلَى مَدْخَلِ الْبَيْتِ وَإِذَا بِمِيَاهٍ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ عَتَبَةِ الْبَيْتِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ ، لأَنَّ وَجْهَ الْبَيْتِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْمِيَاهُ نَازِلَةٌ مِنْ تَحْتِ جَانِبِ الْبَيْتِ الأَيْمَنِ ..

وَقَالَ لِي: «أَرَأَيْتَ يَا ابْنَ آدَمَ ؟». ثُمَّ ذَهَبَ بِي وَأَرْجَعَنِي إِلَى شَاطِئِ النَّهْرِ وَعِنْدَ رُجُوعِي إِذَا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ أَشْجَارٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ.

وَقَالَ لِي: « هذِهِ الْمِيَاهُ خَارِجَةٌ إِلَى الدَّائِرَةِ الشَّرْقِيَّةِ وَتَنْزِلُ إِلَى الْعَرَبَةِ وَتَذْهَبُ إِلَى الْبَحْرِ . إِلَى الْبَحْرِ هِيَ خَارِجَةٌ فَتُشْفَى الْمِيَاهُ وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ حَيَّةٍ تَدِبُّ حَيْثُمَا يَأْتِي النَّهْرَانِ تَحْيَا وَيَكُونُ السَّمَكُ كَثِيرًا جِدًّا لأَنَّ هذِهِ الْمِيَاهَ تَأْتِي إِلَى هُنَاكَ فَتُشْفَى ، وَيَحْيَا كُلُّ مَا يَأْتِي النَّهْرُ إِلَيْهِ .

وَيَكُونُ الصَّيَّادُونَ وَاقِفِينَ عَلَيْهِ يَكُونُ لِبَسْطِ الشِّبَاكِ ، وَيَكُونُ سَمَكُهُمْ عَلَى أَنْوَاعِهِ كَسَمَكِ الْبَحْرِ الْعَظِيمِ كَثِيرًا جِدًّا ، وَعَلَى النَّهْرِ يَنْبُتُ عَلَى شَاطِئِهِ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ كُلُّ شَجَرٍ لِلأَكْلِ ، لاَ يَذْبُلُ وَرَقُهُ وَلاَ يَنْقَطِعُ ثَمَرُهُ . كُلَّ شَهْرٍ يُبَكِّرُ لأَنَّ مِيَاهَهُ خَارِجَةٌ مِنَ الْمَقْدِسِ ، وَيَكُونُ ثَمَرُهُ لِلأَكْلِ وَوَرَقُهُ لِلدَّوَاءِ 

ثم يوافقه النبي يوئيل عليه الصلاة والسلام في مصب ذلك النهر المبارك لناحية الشرق وتحديدا قال بوادي السنط ، وذلك الوادي هو الوادي الذي أمر الله عز وجل نبيه موسى أن يصنع من شجره تابوت العهد وكل ما يتعلق بقدس الأقداس من اغطية وغيره ، وبجانب ذلك المرج تلول كاظمة القديمة المشهورة والمعروف بالنبوءات بجبل سعير نسبة لنار العلامة لبعث المهدي ونار الله تعالى أعلى الجبل حين ارادة الله عز وجل الحلول فوقه ، ومن على ظهر ذلك الجبل كلم موسى عليه الصلاة والسلام ، فيقول النبي يوئيل :

 

﴿ جَمَاهِيرُ جَمَاهِيرُ فِي وَادِي الْقَضَاءِ ، لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ فِي وَادِي الْقَضَاءِ 
اَلشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَظْلُمَانِ ، وَالنُّجُومُ تَحْجُزُ لَمَعَانَهَا ، وَالرَّبُّ مِنْها يُزَمْجِرُ يُعْطِي صَوْتَهُ ، فَتَرْجُفُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَلكِنَّ الرَّبَّ مَلْجَأٌ لِشَعْبِهِ وَحِصْنٌ فَتَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ ، سَاكِنًا فِي المدينة بجَبَلِ قُدْسِي ، وَتَكُونُ دار السلام مُقَدَّسَةً وَلاَ يَجْتَازُ فِيهَا الأَعَاجِمُ فِي مَا بَعْدُ .

وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الْجِبَالَ تَقْطُرُ عَصِيرًا ، وَالتِّلاَلَ تَفِيضُ لَبَنًا ، وَجَمِيعَ يَنَابِيعِها تَفِيضُ مَاءً ، وَمِنْ بَيْتِ الرَّبِّ يَخْرُجُ يَنْبُوعٌ وَيَسْقِي وَادِي السَّنْطِ ... وَالرَّبُّ يَسْكُنُ فِيها 

وباتفاق نبوءة حزقيال وزكريا على أن مصب ذلك النهر للشرق فوادي السنط يكون من ناحية الشرق والذي فيه قال نبي الله تعالى موسى :

 

﴿ فَصَنَعْتُ تَابُوتًا مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ ، وَنَحَتُّ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ مِثْلَ الأَوَّلَيْنِ ، وَصَعِدْتُ إِلَى الْجَبَلِ وَاللَّوْحَانِ فِي يَدِي " التثنية "

ولم يأمره تعالى بعمل التابوت من عصي ذلك المرج فقط ، بل أمره بكل ما يتعلق بخيمة العهد التي كان يحل عليها تبارك وتعالى ليكلم نبيه موسى من هناك من وسطهم ، وكل ما يتعلق بتلك الخيمة وقدس الأقداس أمر بعمله من شجر ذلك المرج ، ليكون ذلك توثيقا وارتباطا يعلمه تعالى ما بين الخلاص الأول والخلاص الثاني .

تفاصيل عمل التابوت : 

 

﴿ فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِسًا لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ
بِحَسَبِ جَمِيعِ مَا أَنَا أُرِيكَ مِنْ مِثَالِ الْمَسْكَنِ ، وَمِثَالِ جَمِيعِ آنِيَتِهِ هكَذَا تَصْنَعُونَ .
فَيَصْنَعُونَ تَابُوتًا مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ ، طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ ، وَارْتِفَاعُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ
وَتُغَشِّيهِ بِذَهَبٍ نَقِيٍّ مِنْ دَاخِلٍ وَمِنْ خَارِجٍ تُغَشِّيهِ ، وَتَصْنَعُ عَلَيْهِ إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ حَوَالَيْهِ.
وَتَسْبِكُ لَهُ أَرْبَعَ حَلَقَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ ، وَتَجْعَلُهَا عَلَى قَوَائِمِهِ الأَرْبَعِ عَلَى جَانِبِهِ الْوَاحِدِ حَلْقَتَانِ ، وَعَلَى جَانِبِهِ الثَّانِي حَلْقَتَانِ.
وَتَصْنَعُ عَصَوَيْنِ مِنْ خَشَبِ السَّنْطِ وَتُغَشِّيهِمَا بِذَهَبٍ .
وَتُدْخِلُ الْعَصَوَيْنِ فِي الْحَلَقَاتِ عَلَى جَانِبَيِ التَّابُوتِ لِيُحْمَلَ التَّابُوتُ بِهِمَا .
تَبْقَى الْعَصَوَانِ فِي حَلَقَاتِ التَّابُوتِ لاَ تُنْزَعَانِ مِنْهَا.
وَتَضَعُ فِي التَّابُوتِ الشَّهَادَةَ الَّتِي أُعْطِيكَ. 
وَتَصْنَعُ غِطَاءً مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ طُولُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ وَنِصْف
وَتَصْنَعُ كَرُوبَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. صَنْعَةَ خِرَاطَةٍ تَصْنَعُهُمَا عَلَى طَرَفَيِ الْغِطَاءِ
وَتَجْعَلُ الْغِطَاءَ عَلَى التَّابُوتِ مِنْ فَوْقُ، وَفِي التَّابُوتِ تَضَعُ الشَّهَادَةَ الَّتِي أُعْطِيكَ. 
وَأَنَا أَجْتَمِعُ بِكَ هُنَاكَ وَأَتَكَلَّمُ مَعَكَ، مِنْ عَلَى الْغِطَاءِ مِنْ بَيْنِ الْكَرُوبَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَى تَابُوتِ الشَّهَادَةِ، بِكُلِّ مَا أُوصِيكَ بِهِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ 

وفي خبر ذلك النهر المبارك قال في الزبور عنه :

 

﴿ تَفْرَحُ مَدِينَةُ اللهِ حَيْثُ مَسَاكِنُ الْعَلِيِّ بِنَهْرٍ دَائِمِ الْجَرَيَاناللهُ فِي وَسَطِ الْمَدِينَةِ فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ يُعِينُهَا اللهُ فِي الفَجْرِ المُبَكِّرِ . مَاجَتِ الأُمَمُ وَهَاجَتْ ، فَتَزَلْزَلَتِ الْمَمَالِكُ ...

تَعَالَوْا وَانْظُرُوا أَعْمَالَ اللهِ الَّذِي صَنَعَ عَجَائِبَ فِي الأَرْضِ يَقْضِي عَلَى الْحُرُوبِ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا ، يَكْسِرُ الْقَوْسَ وَيَشُقُّ الرُّمْحَ ، وَيُحْرِقُ الْمَرْكَبَاتِ الْحَرْبِيَّةَ بِالنَّارِ ، اسْتَكِينُوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ ، أَتَعَالَى بَيْنَ الأُمَمِ وَأَتَعَالَى فِي الأَرْضِ 

وأخيرا نبوءة زكريا عليه الصلاة والسلام في تعيين ذلك النهر وتعيين مصبه وسماه بجبل الزيتون فقال :

 

﴿ فَيَخْرُجُ الرَّبُّ وَيُحَارِبُ تِلْكَ الأُمَمَ .. وَتَقِفُ قَدَمَاهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ الَّذِي قُدَّامَ المدينة مِنَ الشَّرْقِ ، فَيَنْشَقُّ جَبَلُ الزَّيْتُونِ مِنْ وَسَطِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ وَنَحْوَ الْغَرْبِ وَادِيًا عَظِيمًا جِدًّا ، وَيَنْتَقِلُ نِصْفُ الْجَبَلِ نَحْوَ الشِّمَالِ ، وَنِصْفُهُ نَحْوَ الْجَنُوبِ ..

وَيَأْتِي الرَّبُّ إِلهِي وَجَمِيعُ الْقِدِّيسِينَ مَعَه ، وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ نُورٌ الْدَّرَارِي تَنْقَبِضُ , وَيَكُونُ يَوْمٌ وَاحِدٌ مَعْرُوفٌ لِلرَّبِّ ، لاَ نَهَارَ وَلاَ لَيْلَ، بَلْ يَحْدُثُ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ يَكُونُ نُورٌ ، وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ مِيَاهًا حَيَّةً تَخْرُجُ مِنْ المدينة نِصْفُهَا إِلَى الْبَحْرِ الشَّرْقِيِّ ، وَنِصْفُهَا إِلَى الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ فِي الصَّيْفِ وَفِي الْخَرِيفِ تَكُونُ ، وَيَكُونُ الرَّبُّ مَلِكًا عَلَى كُلِّ الأَرْضِ ، فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ الرَّبُّ وَحْدَهُ وَاسْمُهُ وَحْدَهُ 

وبهذا يتم من كلام الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين تعيين تلك المدينة بما يوافق جغرافيا طيبة السلام لا أورشليم داود على ما يزعم كذبة اليهودية محرفة العهد ، مدينة داود تلك التي أفسدوا فيها بأعمالهم الشريرة حتى رد على أكاذيبهم في دعوى التقديس لها النبي إشعيا عليه الصلاة والسلام وكان يوبخهم على ذلك كثيرا وبشدة حتى نقموا منه وقتلوه صلوات ربي وسلامه عليه ، فقال :

 

﴿ اسْمَعُوا هَذَا يَابَيْتَ يَعْقُوبَ الْمَدْعُوِّينَ بِاسْمِ إِسْرَائِيلَ الْخَارِجِينَ مِنْ صُلْبِ يَهُوذَا ، الْحَالِفِينَ بِاسْمِ الرَّبِّ ، الْمُسْتَشْهِدِينَ بِإِلَهِ إِسْرَائِيلَ بَاطِلاً وَكَذِباً الَّذِينَ يَدْعُونَ أَنْفُسَهُمْ أَهْلَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ 

وأشد منه قول المسيح عيسى صلوات ربي وسلامه عليه فيهم وفي مدينتهم المقدسة المزعومة :

 

﴿ ولعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو لم يفسد كتاب موسى مع كتاب أبينا داود بالتقاليد البشرية للفريسيين الكذبة والفقهاء لما أعطاني الله كلمته . 

ولكن لماذا أتكلم عن كتاب موسى وكتاب داود فقد فسدت كل نبوة حتى أنه لا يطلب اليوم شيء لأن الله أمر به بل ينظر الناس إذا كان الفقهاء يقولون به والفريسيون يحفظونه ، كأن الله على ضلال والبشر لا يضلون فويل لهذا الجيل الكافر لأنهم سيحملون تبعة دم كل نبي وصديق مع دم زكريا بن برخيا الذي قتلوه بين الهيكل والمذبح .

أي نبي لم يضطهدوه ؟ أي صديق تركوه يموت حتف أنفه ؟ لم يكادوا يتركوا واحدا وهم يطلبون الآن ان يقتلوني يفاخرون بأنهم أبناء إبراهيم وأن لهم الهيكل الجميل ملكا .

لعمر الله إنهم أولاد الشيطان فلذلك ينفذون ارادته ولذلك سيتهدم الهيكل مع المدينة المقدسة تهدما لا يبقى معه حجر على حجر من الهيكل  " الإنجيل الصحيح - الفصل 189 "

وعليه يعرف من كلام النبيين هنا في دعوى قداسة تلك المدينة عند اليهود أنها كاذبة ، وإلا أي مخبول سيدعي على المسيح التعدي بدعوته على تلك المدينة التي باتت وكرا للأشرار والكذبة أولئك الكهنة وفقهاء السوء فريسيي إبليس ، بل قال الحق وابان عن حكمها عند الله عز وجل ، ومن قبله نبي الله تعالى اشعيا صلوات ربي وسلامه عليه ، وتلك الحقيقة التي انطلى على المسلمين في دينهم خلافها وأخذوا بدعاوى الكذبة بدلا مما قاله رسل الله وأنبياءه وهم الأدرى والأعلم بمثل ذلك ، ومثل تلك الأحكام لا تؤخذ من الأدعياء الكذبة الشياطين أو الجهلة الذين لا يعلمون في ذلك شيئا بل تؤخذ من الأنبياء والرسل ، فهل أنتم منتهون ؟

ومما قاله نبي الله زكريا صلى الله عليه وسلم في تمام رؤيته تلك في مجد المدينة ويحسن التعليق عليه هنا في هذا الفصل ، التالي :

 

﴿ فَرَجَعَ الْمَلاَكُ الَّذِي كَلَّمَنِي وَأَيْقَظَنِي كَرَجُل أُوقِظَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ لِي: « مَاذَا تَرَى؟ » فَقُلْتُ: «قَدْ نَظَرْتُ وَإِذَا بِمَنَارَةٍ كُلُّهَا ذَهَبٌ ، وَكُوزُهَا عَلَى رَأْسِهَا ، وَسَبْعَةُ سُرُجٍ عَلَيْهَا ، وَسَبْعُ أَنَابِيبَ لِلسُّرْجِ الَّتِي عَلَى رَأْسِهَا ، وَعِنْدَهَا زَيْتُونَتَانِ ، إِحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِ الْكُوزِ ، وَالأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ . فَأَجَبْتُ وَقُلْتُ لِلْمَلاَكِ الَّذِي كَلَّمَنِي قَائِلاً: مَا هذِهِ يَا سَيِّدِي ؟

فَأَجَابَ الْمَلاَكُ الَّذِي كَلَّمَنِي وَقَالَ لِي: «أَمَا تَعْلَمُ مَا هذِهِ؟» فَقُلْتُ: «لاَ يَا سَيِّدِي». فَأَجَابَ وَكَلَّمَنِي قَائِلاً: «هذِهِ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى زَرُبَّابِلَ قَائِلاً : لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ ، بَلْ بِرُوحِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ.

مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الْجَبَلُ الْعَظِيمُ ؟ أَمَامَ زَرُبَّابِلَ تَصِيرُ سَهْلاً فَيُخْرِجُ حَجَرَ الزَّاوِيَةِ بَيْنَ الْهَاتِفِينَ: كَرَامَةً، كَرَامَةً لَهُ.

وَكَانَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلاً : «إِنَّ يَدَيْ زَرُبَّابِلَ قَدْ أَسَّسَتَا هذَا الْبَيْتَ ، فَيَدَاهُ تُتَمِّمَانِهِ ، فَتَعْلَمُ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ». 

لأَنَّهُ مَنِ ازْدَرَى بِيَوْمِ الأُمُورِ الصَّغِيرَةِ . فَتَفْرَحُ أُولئِكَ السَّبْعُ ، وَيَرَوْنَ الزِّيجَ بِيَدِ زَرُبَّابِلَ . إِنَّمَا هِيَ أَعْيُنُ الرَّبِّ الْجَائِلَةُ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا.

فَأَجَبْتُ وَقُلْتُ لَهُ: « مَا هَاتَانِ الزَّيْتُونَتَانِ عَنْ يَمِينِ الْمَنَارَةِ وَعَنْ يَسَارِهَا؟ ».

وَأَجَبْتُ ثَانِيَةً وَقُلْتُ لَهُ: «مَا فَرْعَا الزَّيْتُونِ اللَّذَانِ بِجَانِبِ الأَنَابِيبِ مِنْ ذَهَبٍ، الْمُفْرِغَانِ مِنْ أَنْفُسِهِمَا الذَّهَبِيَّ؟». فَأَجَابَنِي قَائِلاً : «أَمَا تَعْلَمُ مَا هَاتَانِ ؟ » فَقُلْتُ : « لاَ يَا سَيِّدِي ».

فَقَالَ : « هَاتَانِ هُمَا ابْنَا الزَّيْتِ الْوَاقِفَانِ عِنْدَ سَيِّدِ الأَرْضِ كُلِّهَا » 

ولما كانت هذه الرؤيا للنبي مرموزة وغير مفسرة لا يمكن لأي كان العلم بحقيقة تلك الرموز فهي من علم الغيب والغيب إذا تحقق حينها يدرك ويكون بحكم المعلوم ، لكن لمن آمن به وصدقه واختص به دون غيره من الخلق ، وتلك الآية بهذه المثابة ، وإليكم شيءً من تفسير تلك الرموز .

فالزيت كناية عن التقديس والمقدس ولهذا ترون في أسفار الأنبياء لدى بني إسرائيل كثيرا ما يقرر هناك مسح المختار كما مسح داود عليه الصلاة والسلام وقبله شاول الملك وغيرهم ، فالزيت كناية عن التقديس ولعل أصله بما قرر تعالى في القرآن في سورة النور قوله : ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ . ومن فعل صموئيل النبي مع شاول والنبي وما تقرر قبل كل ذلك بنسك موسى النبي صلى الله عليه وسلم بالتوراة عن المسح بالزيت حتى صار ذلك شعارا للتقديس من الله عز وجل ، وقريبا قرأنا بنبوءة زكريا عليه الصلاة والسلام وصف فيها جبل احد ونسبه للزيتون وهو من هذا الباب ، أي الجبل المقدس الذي قدسه المولى عز وجل ، ونظير ذلك ذكره تعالى للزيت بتلك الصورة اشارة لمسحه لخليفته ورسوله المهدي حين واعده هناك واجرى تلك الآية العظيمة الباهرة فوق رأسه وكان ذلك بمثابة العمل للمسح ببني إسرائيل ، كان النبي لما اختار أول ملكا لهم مسح الزيت على رأسه والشعب كله يشاهد الختم على ذلك الإختيار بهذا الاسلوب الذي شرعه الله تعالى فيهم ، ومثله داود لما أتى به النبي صموئيل من وراء الغنم ومسح رأسه بالزيت اعلانا عن اختيار الله تعالى له نبيا ملكا ثان في بني إسرائيل .

وانظروا لثاني اختيار من الله تعالى في أمة المسلمين كيف تم المسح على رأسه بتلك الآية الباهرة والماسح الله عز وجل بنفسه نصب القمر وتلك الهالة بسبب نوره فوق رأسه ، مسحا نورانيا ربانيا باهرا عظيما ليعلن عن نفسه اختياره له وأن هذه علامة مسحه له ، ولهذا نص على ذكر الزيت هناك بقوله : ﴿ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ﴾ . 

لا شرقية ولا غربية لأن القمر كان بدرا في وسط السماء ، ونسبة الإيقاد للنبوءات في ذكر المختار من زمان آدم لآخر نبي وهو المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وتلك الشجرة المباركة منها مستمد زيت ذلك المبارك المختار :

 

﴿ ورفعت المختار من الشعب ، وجدت عبدي بدُهن قداستي مسحته ، معه تثبت يدي وذراعي تؤيده 

﴿ أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى جَبَلِ قُدْسِي ...إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ : قال لي : اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ ، وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ
تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ  " الزبور "

وأقسم بالله العظيم أن أول رؤيا عن الله عز وجل في بعثه حين رأى رآئيها نفسه وهو يسير فوق سطح ماء متجمد جمودة ماء به رقة وتتخلله تشققات وأنه يسير عليه وهو متيقن أنه ساقط به ، بل انشق فعلا وانشعر من تحت قدميه ذلك الجليد وانفرج حتى تباعدت ساقيه وأيقن أنه ساقط بالهاوية تحته ، وإذا بنور يشرق من الأفق أمامه وإذا بصوت يأمر الجليد من خلال ذلك الضوء فيقول : " اثبت جليد " . فيقسم الرائي أن الجليد يخيله قبل ما تنتهي تلك الجملة أنه صفق سريعا يسابق الأمر واشتد تماسكه وقوة طبقته وكأنه الأرض تحته .

فقال له : من أنت ؟ ، أنت ربي ؟

قال : نعم ، أنا ربك 

فقال له : ربي هل أنا من أهل الجنة ؟

فرد عليه بقوله : لا أقول أنك من أهل الجنة ولا من أهل النار ، لكن أقول : حبيبي أبو عبدالله حبيبي أبو عبدالله حبيبي أبو عبدالله من أهل الجنة . وأخيرا وجدت الذي يدافع عني اهـ . 

وأنا أقسم بالله العظيم : أن هذه الرؤيا رؤيا حق وهي من أعلى مراتب الرؤى ومبشرات الحق ، وأن الرائي يومها لا علم له بتوراة ولا إنجيل ولا زبور ، فكيف توافقت كلمة الله عز وجل في الزبور قوله : ﴿وجدت عبدي  ، مع كلمته في تلك الرؤيا :﴿ وأخيرا وجدت  ؟!

إلا أن يكون المتكلم بذلك هو المتكلم بالزبور وهو يعلم ما قاله قبل وما قاله توا ، وأن المعني هو هو بقوله بالزبور وبقوله بتلك الرؤيا ، وملعون كافر من افترى على الله عز وجل وغيبه .

وأيضا قوله بمحبته أتت بتلك الرؤيا هي الأخرى لتواطئ ما سبق وقاله على لسان نبيه اشعيا عليه الصلاة والسلام في مختاره ، قال هناك :

 

﴿ اِجْتَمِعُوا كُلُّكُمْ وَاسْمَعُوا مَنْ مِنْهُمْ أَخْبَرَ بِهذِهِ ؟ قَدْ أَحَبَّهُ الرَّبُّ يَصْنَعُ مَسَرَّتَهُ بِبَابِلَ ، وَيَكُونُ ذِرَاعُهُ عَلَى الْكَلْدَانِيِّينَ
أَنَا أَنَا تَكَلَّمْتُ وَدَعَوْتُهُ أَتَيْتُ بِهِ فَيَنْجَحُ طَرِيقُهُ 

أقول : والسبع الأنابيب التي نص على ذكرها النبي زكريا عليه الصلاة والسلام برؤياه ، وبالمناسبة أنتم ترون تقديس اليهود للشمعدان بمناراته السبع ويريدون بذلك ما ذكر النبي هنا ، ولا أحد يعلم ويدرك ما المراد من ذلك إلا بما وقع للمهدي من رؤيا عظيمة عين له من خلالها تحديد وقت تحقق تلك الآية فوق رأسه في وسط السماء ، وكان الموعد الذي ضرب له بسبعة أيام تحديدا ، ثم وقعت الآية بعد تنفيذه للأمر في منتصف الليل من بعد نظره لوسط السماء تلك الليلة المعينة وبتحديد ذلك الوقت والتأريخ .

وأجمل كل ذلك برمز الزيج وهو كناية عن الجدولة أو المواقيت التي تتعلق بحركة الكواكب والنجوم كما هو معلوم لدى علماء هذا الأختصاص من قديم ويسمون ذلك بهذا الإسم ، وأشهر الأزياج على ما قيل التي وضعها الفلكيون المسلمون الزيج الإلخاني لأولغ بك وكان ثمرة كبرى للأعمال الفلكية في مرصد سمرقند ، والزيج الجديد لإبن الشاطر ، والزيج الشامل لإبي الوفاء البوزجاني .

واشتهر : زيج سند بن علي والزيج الدمشقي وزيج الهمداني ، وهي عبارة عن جداول فلكية تعين شروق الشمس وغروبها وشروق القمر وغروبه وكذلك خسوف القمر وكسوف الشمس . ( رواد علم الفلك في الحضارة العربية والإسلامية لعلي بن عبدالله ) .

فكانت نبوءة النبي زكريا هنا في منامه عن تلك الآية ورمزت بالزيج لموعد تحقق تلك الآية الهالة من الغيوم حول القمر فوق رأس المهدي ، فناسب الإشارة لذلك بتلك الرؤيا بذكر الزيج والذي هو على ما قررت لكم ، وضرب له الميعاد تحديدا بآخر ليلة من العام حسب اعتقاد عباد الصليب ، وكان الميعاد بعد السبع أيام من حصول الرؤيا :
الشمعدان .. النبوءة الغامضة 

وسأبين هنا النبوءات التي أشارت لتلك الآية الهالة فوق رأس المهدي وأولها قول نبي الله تعالى أيوب عليه الصلاة والسلام :

 

﴿ لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ بِالْقَدِيرِ وَتَرْفَعُ إِلَى اللهِ وَجْهَكَ تُصَلِّي لَهُ فَيَسْتَمِعُ لَكَ ... وَعَلَى طُرُقِكَ يُضِيءُ نُورٌ 

وفيها قوله تعالى :

 

﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾

ومثل ما توهم الناس في الظلمة هنا أنها معنوية لا حسية ، وهي حسية وليس كما فهموا عن الآية والمراد بها ظلمة السماء التي يبحر بها كفار عصرنا يبحثون عن كوكب مأهول لعلهم يجدون ذلك حقا ، وهم في الظلمات ليسوا بخارجين منها كما أخبر تعالى ، أي لن يجدوا شيئا وسيبقون في تلك الظلمات ليسوا بخارجين منها .

هو كذلك النور المعني هنا حسي كما الظلمات ، ولمعاصرة المهدي عليه الصلاة والسلام لأولئك الكفرة الذين زين لهم عملهم هذا حتى بذلوا في سبيله المليارات ، قابل تعالى ما بين وصف حاله بحالهم ، فهو في ذلك النور وهم بتلك الظلمات ، وكلها حسية لو تعلمون لا كما أجمعت الأمة وأخطأت في ادراك معنى تأويل تلك الآيات ﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ﴾ . ولهذا لا نجد القمر في القرآن قرين تلك الآية إلا موصوفا بالنور : ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً ﴾ .

بل جعل القمر رمزا للجد والحفيد لكل منهم شق من القمر : ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ ، وهما يكملانه فيكونان قمرا كاملا ، وبهذا القمر كان قسم الله تعالى كما في سورة المدثر : ﴿ كَلا وَالْقَمَرِ  . والانشقاق : ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ، لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ ﴾ .

وفي الانجيل تشبيه الرسول بالجنة بالقمر قال هناك عليه الصلاة والسلام نقلا عن الله عز وجل :

 

﴿ رسولي هو القمر 

وفي ضمن كلاما له عليه الصلاة والسلام بالانجيل عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وحفيده المهدي وهو يشبهما بالقمر قال :

 

﴿ إن القمر سيعطيه رقادا في صباه ، ومتى كبر هو أخذه كفيه 

وتفسير ذلك أن المهدي حين يكون بعثه سيكون بمثابة فيء القمر أي ظله ، فيكون من القرآن مما يحسب لجده فيكون له فهذا معنى وتفسير نبوءة الإنجيل تلك .

ويقول النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام :

 

﴿ أشرق النور على الصديق والفرح على المستقيمي القلوب ، إفرحوا أيها الصديقون بالرب ، واعترفوا لذكر قداسته

مراده تلك الآية ونسبة الإشراق لنور القمر ينعكس على الهالة فينعكس كل ذلك فوق رأس المهدي عليه الصلاة والسلام ، ويرى كل ذلك بعينيه ويدركه من بعد الموعدة لذلك ، فمن يُكونُ السحاب ويحركه ؟

من يشكل الغيوم ويتصرف بها ؟

فمن آمن بذلك كله وأن تلك الآية منه تعالى فقد آمن بذكر قداسته عز وجل ، ومن فاته ذلك أو بعضا منه ، فقد فاته الخير وبركة الإيمان بالذكر واليقين بعاقبة الآخرة .

وفيها قال النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام :

 

﴿ لأَنَّهُ هَا هِيَ الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ ، أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى 


وقال تعالى فيها أيضا بكتابه القرآن :

 

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ 

يريد نور تلك الآية والمعني بذلك المهدي بهذه الآية ، فهو الصديق والشاهد عند الله عز وجل وله ذلك النور لا لغيره ، وهو المعني بقوله تعالى أيضا :

 

﴿ أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾

كذلك بقوله في الزبور :

 

﴿ إكشف عن عيني فأبصر معجزات من شريعتك 

﴿ يُشْرِقُ فِي أَيَّامِهِ الصِّدِّيقُ ، وَكَثْرَةُ السَّلاَمِ إِلَى أَنْ يَضْمَحِلَّ الْقَمَرُ 

فالكشف له عن تلك الآية كان حسيا والمعني بها عينيه على الحقيقة لا المجاز ، ومعنى اضمحلال القمر زوال تلك الهالة الآية بتغطية الغيم كل القمر بزوال تلك الهالة ، هذا المراد باضمحلال القمر ، وإلا القمر باق ما بقت الدنيا ، مثل ليلة القدر قال فيها عز وجل : ﴿ سلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ .

وكثير ما لمح عنها بالنبوءات كقوله في الزبور : ﴿ كلمتك مصباح لقدمي ونورٌ لسبيلي  . أو قوله : ﴿ لأَنَّكَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهِي تَضِيءُ مِصْبَاحِي ، وَتُحَوِّلُ ظَلاَمِي نُوراً  . 

وكقول أيوب عليه الصلاة والسلام : ﴿ إِنْ كُنْتُ قَدْ نَظَرْتُ إِلَى النُّورِ حِينَ ضَاءَ ، أَوْ إِلَى الْقَمَرِ يَسِيرُ بِالْبَهَاءِ  .

أو قوله في الزبور عنها كذلك عليه الصلاة والسلام : ﴿ مِثْلَ الْقَمَرِ يُثَبَّتُ إِلَى الدَّهْرِ ، وَالشَّاهِدُ فِي السَّمَاءِ أَمِينٌ  . شهد القمر على ذلك لأن به حصلت تلك الآية .

وكقوله تعالى في القرآن : ﴿ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ﴾ .

ومن تعظيم ذكر تلك الآية التي استقرت فوق رأسه أن ذكرها تعالى بانجيل المسيح فقال هناك :

 

﴿ من خصوصي فإني قد أتيت لأهيئ الطريق لرسول الله الذي سيأتي بخلاص العالم ولكن احذروا أن تغشوا لأنه سيأتي أنبياء كذبة كثيرون يأخذون كلامي وينجسون انجيلي 

حينئذ قال اندراوس : يا معلم اذكر لنا علامة لنعرفه ؟
أجاب يسوع عليه الصلاة والسلام : 

 

﴿ أنه لا يأتي في زمنكم بل يأتي بعدكم بعدة سنين ، حينما يبطل انجيلي ولا يكاد يوجد ثلاثون مؤمنا في ذلك الوقت يرحم الله العالم فيرسل رسوله الذي تستقر على رأسه غمامة بيضاء يعرفه أحد مختاري الله وهو سيظهره للعالم ، وسيأتي بقوة عظيمة على الفجار ويبيد عبادة الأصنام من العالم ، وأني أوسر بذلك لأنه بواسطته سيعلن ويمجد الله ويظهر صدقي وسينتقم من الذين سيقولون أني أكبر من إنسان ، الحق أقول لكم أن القمر سيعطيه رقادا في صباه ومتى كبر هو أخذخ كفيه  " الفصل 72 "

جعل تلك الآية العلامة التي يعرف بها ارسال الله عز وجل لرسوله ذاك ، وأن أحد من يختارهم الله عز وجل سيعرف به العالم ، وهذا عين ما حصل مع ذلك الرائي وتعريفه به تم من خلال تلك الرؤى وبالخروج لجزيرة العرب لإخبار أعيان مشائخ هناك عن بعثه ، وتم ذلك كله بأمر من الله تعالى تفصيلي يعلمه من آمن به واتبعه في ذلك الوقت ، حتى أن أولئك سجنوا واضطهدوا ﻻحقا من حكومة تلك الناحية هناك ، ولا زال بعضا من أتباعه مسجونا لهذه الساعة بسبب ذلك الأمر .

ونعود لتقرير الكلام في معنى نبوءة زكريا عليه الصلاة والسلام فأقول : 

أما ذكر هذا الإسم " زربابل " فهو من تلاعب اليهود بالنبوءات وتحريفهم للكلم من بعد مواضعه مثل فعلهم مع اسم جبل الله عز وجل اسموه ( باشان ) وهو ( جبل الزيتون ) ومسمى كذلك في نبوءات أخر .

ويستبدلون الإسم من النبوءة الدال على وصف للمهدي ويضعون بدلا من ذلك اسما من عند أنفسهم ليخفوا أي دلالة تعرف به ، ويحفظون ذلك فيما بينهم خاصة من دون الناس : ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ، ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ ﴾ ، ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  .

وأما الزيتونتان ابناء الزيت فالمراد بهما المصطفى صلى الله عليه وسلم وحفيده المهدي ، نسبا للتقديس الرباني بالرؤيا كما نسب حفيده للزيت في سياق آيات سورة النور : ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ ﴾ . فعد صاحب تلك الآية بمثابة الزيت ووصفه بالإضاءة أنه يكاد لنور الله تعالى بقلبه أن يضيء ، عده زيتا لتلك الآية ، وكيف لا وقد استقرت فوقه تلك الغيمة بشكلها العجيب من عمل الله تبارك وتعالى ومن ورائها القمر بدرا يرسل نوره له من خلال تلك الهالة العظيمة ، وقد فصل خبرها بالإنجيل وأنها ستستقر فوق رأسه وعدها العلامة المعرفة به على ما بينت قبل ، وهناك صرح عليه الصلاة والسلام بأن المهدي مرسل من الله عز وجل في ثاني موضع يصرح بذلك عنه في الإنجيل .

ولنرجع لذكر نبوءة الزبور في قداسة جبل أحد في المدينة كما قدس جبل سنا أو سينا من قبل : ﴿ الْجَبَلِ الَّذِي اشْتَهَاهُ اللهُ لِسُكْنَاهُ ، إِنَّ اللهَ سَيَسْكُنُ فِيهِ إِلَى الأَبَدِ ...فَصَارَ جَبَلُ باشان مُمَاثِلاً لِجَبَلِ سِينَاءَ فِي القَدَاسَةِ

وحين نستخلص العبرة من نص هذه النبوءة بغض النظر عن تلك التسمية التي قد تكون دست على عادة اليهودية في تحريف الكلم من بعد مواضعه ، فإني أريد هنا استخلاص المعنى من قوله في هذه النبوءة "فَصَارَ جَبَلُ باشان مُمَاثِلاً لِجَبَلِ سِينَاءَ فِي القَدَاسَةِ " .

وهو النص الذي شهد له القرآن العزيز شهادة إقرار بحسب قوله تعالى :

 

﴿ وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ ﴾


فإن الله تعالى في قوله هذا نص على اعتقاد اليهود في ذلك وبين على وفقه امتناعهم من التسليم للحق في بعثه للمصطفى صلى الله عليه وسلم ، وحين ألزمهم الرب تعالى بتصديقه واتباعه لنيل النجاة والخلاص الأبدي ، وأن من كفر به ولعنه سيكون ملعونا مطرودا من رحمة الله تعالى وسيخلد بجهنم مخذولا مدحورا .

حين ألزمهم الله تعالى بذلك زعموا في عقيدتهم جدلا وعنادا بأن لا تسليم لذلك ما لم يؤتى هذا المبعوث مثل ما أُوتي موسى عليه الصلاة والسلام من قبل .

والشاهد هنا بحسب سياق هذه الآيات أن الله تعالى لم ينف ذلك ويبطله ولو كان باطلا زعمهم على الإطلاق لما جاز منه تعالى تأخير البيان عن وقت الحاجة في كشف ذلك اللبس ، والله عز وجل بكتابه لا يقر الباطل وما يورد له ذكرا إلا ويرد بما يبطله لا يترك بيان ذلك أبدا ، لكنه هنا اقتصر على الإخبار عن كفرهم بما أوتي موسى من قبل وتجاوز الرد على شرطهم للإتباع ، وكان ذلك إقرارا منه بصحة اعتقادهم هذا لأنه لم يفنده ويبطله ويرده عليهم واكتفى ببيان كفرهم بما أنزل على موسى من قبل وتجاوز التفصيل في شرطهم الذي وضعوه في غير محله ولا وقته ، وبات شرعا وعقيدة ذلك الإعتقاد والتصديق معترفا به في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وبأعلى مصادرها القرآن الكريم .

والسؤال هنا هو : ما الذي أوتيه موسى عليه الصلاة والسلام من قبل وأراده هؤلاء شرطا لصحة اتباعهم لمحمد صلى الله عليه وسلم لما بعث ؟

إنه التكليم الذي حصل لموسى عليه الصلاة والسلام من أعلى جبل سنا وتلك العصا بيده ، وهم من حيث الذي تقرر في نبوءة الزبور بخبر المماثلة بالقداسة ما بين جبل الله المقدس " الزيتون " أو " باشان " على ما أسموه بهذا ، مع جبل " سنا " ، يننتظرون تحقق ذلك بشوق شديد ، وهذا ما كانوا يجدونه بكتبهم في نبوءات كثيرة .

والمعنى مثل ما كلم موسى من على جبل سنا نحن لا نعترف إلا بمن يكلمه الله عز وجل من قمة جبله المقدس الثاني ، فرد الله عليهم ذلك مكتفيا كما قلت بالإخبار السابق عن كفرهم بما أوتي موسى من قبل والمعنى : " ما وجه الإحتجاج بذلك " وأنتم قد كفرتم به ولم تسلمو له إلا أن يكون فيكم رغم أن موسى أخبر عنه : ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ 

وقد جاء بكتاب الله تعالى التصريح بذلك عنهم فقال عز وجل : 

 

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾

والحقيقة أن اليهودية هنا وبشكل مربك جدا إلتبس عليهم دينهم الذي كفروا به من قبل وفتنوا بأسوأ أعمالهم ، ووجه كفرهم به من قبل أنهم ردوا على الأنبياء ما أوحى لهم المولى عز وجل من موسى إلى كل من اتى بعده يبشر بأن الله عز وجل كما بارك وأنعم على آل إسحاق ويعقوب سيبارك بمثل ذلك وأكبر على آل اسماعيل ومحمد الخليل صلوات ربي وسلامه عليهما جميعا وحفيده من بعده ، فاليهود ردوا هذا ردا جازما على المولى عز وجل ولن يقبلوه إلا فيهم وهذا وجه فتنتهم وكفرهم ، وزادهم حنقا عليه عز وجل لما أيقنوا رفضه لهم وابطال القداسة فيهم حتى سلط عليهم نبوخذ نصر لينهي بذلك كل تلك الحقبة من التقديس والهيكل وما حل به في قدس الأقداس تابوت العهد وما به ، فحنقوا بسبب ذلك أشد الحنق وجزموا على رد ما قدر الله تعالى وقضى ، أبدا إلا تكون تلك فتنتهم يتواصون بها إلى النهاية .

وبدلا من أن يروا ذلك محققا بالمصطفى صلى الله عليه وسلم تمهيدا له على ما كانوا يتحرون ولأجله استوطنوا المدينة ، وتكون بركة التسليم لله تعالى وقدره منهم أن تهدى لما تناقلوا من بينات الذكر ذرياتهم من بعدهم ليومنا هذا لكنهم ضلوا وأضلوا ومكر بهم بما خبأ لهم المولى تبارك وتعالى بالمهدي حفيده وأُتِيَ القوم من حيث لا يشعرون ، وبحسبانهم أن الله تعالى سينسى أو ينثني أمام عزمهم بالكفر والرد ، لكنه ليس نسيا ولا راد لما قضى وقدر من أين كان من بشر أو ملائكة أو جان ، له الحول والطول وكل القوة عنده وإليه المكر جميعا سبحانه وتعالى عما يكفرون .

وبدلا من استمرار السكن مقابل جبل " أحد " بالمدينة ينتظرون تحقق التأويل ، أُرجعوا يخبطون بالعمى والظلمات لجبلهم المغضوب عليه من قديم المحرق والمداس تحت أقدام الوثنية وحوافر خيولها ، ولا فائدة فلن يكون لهم هناك شيئا أبدا ، ولو استقروا مثل ما فعل أسلافهم بقرب المدينة يتحرون من جبل أحد تحقق نبوءات الأنبياء مستسلمين لأمره تعالى مؤمنين بعدالة قدره في ذلك ، لكانوا أهدى مما هم فيه الآن ، الديجور لفهم والخزي مستقبلهم ، حرق الحسد قلوبهم يفاضلون بالباطل ما بين ذرية إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام والله قطع أن يبارك في ابنه اسماعيل كما بارك في اسحاق ، أوجب ذكر ذلك بنهاية صلاة كل مسلم .

نعم هناك ستكون المماثلة والمباركة كما في جبل سنا بجبل المدينة " أحد " المقدس ، ومن على ظهره سيكلم الله تعالى مهديه وخليفته ورسوله وسيملك الله تعالى الأرض كلها من هناك :

 

﴿ إني رافعٌ عيني إلى الجبال إلى حيث تأتي مِنـهُ نُصرتي ، نصرتي من عند الرب صانع السماوات والأرض 

﴿ الَّذِي يَجْعَلُ رِجْلَيَّ كَالإِيَّلِ ، وَعَلَى مُرْتَفَعَاتِي يُقِيمُنِي 

وسيأخذ رسوله من يمين الله تعالى هناك عصا التأديب عصا موسى الكليم من قبله عليه الصلاة والسلام ، وهذا عين ما كان ينتظره اليهود وأقره كتاب الله تعالى لهم ولم ينكره على ما بين هنا ، الكتاب الذي لا يقر به باطلا أبدا ، ولا كذبا مطلقا .

ومما بين عنه وشبه صرح به في كتابه في قوله عز وجل ما يلي :

 

﴿ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

مثل ما أوتيتم من فضل ومباركة ، وأن يحاجوكم بالبراهين والبينات كما هو حاصل ببعث المهدي وما سيؤتيه تعالى من حجج قاطعة من الله تعالى بالعصا بيده والتابوت بين يديه ، ما لا يسع يهود رده والتلبيس عليه أمام الخلق على ما اعتادوا في ذلك مع سائر ما قاله الأنبياء .

وعند ربهم تكون المحاججة بما بين هنا من على جبل أحد ، حين يحل المولى عز وجل عليه ويكون كل ما فصل هنا وبين بكتاب " يوم نطوي السماء .. " ، ولله الأمر في الأولى والآخرة .

وهذا عين ما يجدونه بنبوءات الأنبياء وينتظرونه أكثر من أي أحد من الخلق وهو ما قرر وبين لهم مجددا بكتاب الله عز وجل القرآن تصريحا منه في مواضع وتلميحا في أخر .

ومما بين لهم بالأنبياء خبر قيادتهم بالعصا آخر الزمان مثل قول النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام :

 

﴿ وَأُمِرُّكُمْ تَحْتَ الْعَصَا ، وَأُدْخِلُكُمْ فِي رِبَاطِ الْعَهْدِ

أو قول نبي الله تعالى ميخا عليه الصلاة والسلام :

 

﴿ اِرْعَ بِعَصَاكَ شَعْبَكَ غَنَمَ مِيرَاثِكَ ، سَاكِنَةً وَحْدَهَا فِي وَعْرٍ فِي وَسَطِ الْكَرْمَلِ. لِتَرْعَ فِي بَاشَانَ وَجِلْعَادَ كما في الأيام القديمة كما في أيام خروجك من أرض مصر أُريه مُعجزات ، فيرى الأمم ويخزون من قوتهم كلها ، ويضعون أيديهم على أفواههم ، وتصم آذانُهُم 

انظروا الكلام هنا يعود بنا لباشان جبل الله عز وجل المقدس ، وتعود بنا هذه النبوءة للماثلة أيضا ، أي يرعاهم كما في زمان موسى عليه الصلاة والسلام من قبل .

وهنا أذكر بما سبق وذكر في كتاب " غرف السطيح " عن رؤى الحق ومبشرات الخير أول مبعثه ، فقد رؤيت له رؤيا منام ولا أقول هو رأى ، بل رأى له من رأى في موعدة آية المشكاة ، أن بيده عصا والناس متجمهرة حوله ، خلق كثير وهو يقول لهم :

هل تريدوني أن أزلزل لكم الأرض ؟!

فيقول الجمهور : نعم .

فيضع العصا التي بيده على الأرض ، ويقول : بسم الله تزلزلي بإذن الله ، فتتزلزل الأرض حتى يرتعب الناس من حوله .

ثم يقول لهم : تريدون أن اوقفها ؟ ، فيقولون : نعم .

فيقول لها : قفي بإذن الله تعالى ، فتقف .

ثم يقول لهم : هل تريدون لهذه الغيمة أن تمطر عليكم . 

فيقول الجمهور : نعم . فيشير لها بعصاه ويقول : بسم الله امطري بإذنه تعالى . فتمطر السماء ، ثم يقول :تريدون اوقفها بإذنه تعالى ، فيقولون : نعم . فيقول :

قفي بإذنه تعالى . فيقف المطر اهـ .

وهو يرى أنها عصا موسى عليه الصلاة والسلام ، بذلك يفسر تلك الرؤيا من المصدر الموثوق .

وورد عن النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام التصريح بهذا المعنى عن المهدي الصديق فقال :

 

﴿ أقطري أيتها السماوات من فوق ، ولتمطر الغيومُ الصديق ، لتنفتح الأرض وليثمر الخلاص ، ولينبت البِّر 

وهنا الخبر صريح بتلك النبوءة في أمر الغيوم أن تمطر الصديق ما يصدق تلك الرؤيا ويفسر معناها على الوجه المبين فيها .

وهناك ما روي عنه صلى الله عليه وسلم يشهد لهذا قول أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه : سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول : 

 

يخرج في آخر أمتي المهدي ، يسقيه الله الغيث ، وتخرج الأرض نباتها ، ويُعطي المال صحاحا ، وتكثر الماشية ، وتعظم الأمة " .

فانظروا لتطابق ما قاله النبي اشعيا مع ما قاله المصطفى صلى الله عليهما وسلم في أمر المهدي ، لتوقنوا أن الأنبياء جميعهم كانوا يخبرون عن هذا الأمر العظيم ، وأن " الصديق " من أوصاف المهدي .

ويقول النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام : ﴿وَعَصَاهُ عَلَى الْبَحْرِ ، وَيَرْفَعُهَا عَلَى أُسْلُوبِ مِصْرَ

على أسلوب مصر يريد مثل ما حصل في زمان النبي موسى عليه الصلاة والسلام بحق فرعون مصر وجيشه وشعبه .

ويورد النبي إرميا عليه الصلاة والسلام نبوءة تقابل ما بين الخلاص في زمان موسى والخلاص بالمهدي للمماثلة ، فيقول : 

 

﴿ ولا يقولون بعد حيٌّ هو الرب الذي أصعد بني إسرائيل من أرض مصر ، بل حيٌّ هو الرب الذي أصعد وأتى بهم من أرض الشمال ومن جميع الأرض 

وفي الزبور عن العصا قال : ﴿ إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا ، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي ، عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي 

وفيه أيضا : ﴿ وباسمي قرنهُ يرتفع ، فأجعل على البحر يده وعلى الأنهار يمينه  . بيده يريد العصا كما موسى من قبل عليهما الصلاة والسلام .

وإليكم النص المهيمن على كل ما سبق من التوراة شريعتهم في ذكر العصا ليفهم من لم يكن يفهم ذلك من قبل أو علم به أصلا :

 

﴿ رُدَّ عَصَا هَارُونَ إِلَى أَمَامِ الشَّهَادَةِ لأَجْلِ الْحِفْظِ ، عَلاَمَةً لِبَنِي التَّمَرُّدِ ، فَتَكُفَّ تَذَمُّرَاتُهُمْ عَنِّي لِكَيْ لاَ يَمُوتُوا

ومعنى هذا النص أن تحفظ تلك العصا بالتابوت ولهم بذلك وعيد من الله عز وجل ، بأن تعود على من سيتمرد عليه ويرد أمره وقدره ، ويكون لهم فيها تأديب وهلاك ، وعلامة كذلك لمن سأبعثه آخر الزمان ، فلن يكون المهدي مني إلا بتلك العصا :

 

﴿ وَيَكُونُ قَائِدُهُمْ مِنْهُمْ ، وَيَخْرُجُ حَاكِمُهُمْ مِنْ وَسَطِهِمْ فَأَسْتَدْنِيهِ فَيَدْنُو مِنِّي ، إِذْ مَنْ يَجْرُؤُ عَلَى الاقْتِرَابِ مِنِّي مِنْ نَفْسِهِ ، وَتَكُونُونَ لِي شَعْباً وَأَكُونُ لَكُمْ إِلَهاً ﴾ " ارميا عليه الصلاة والسلام "

﴿ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ، فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ، وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴾

وحفظت تلك العصا بالتابوت مع لوحي العهد ولهذا لما سلبت منهم قداسة بيت المقدس وحطم أمامهم فقدوا التابوت وما به ليأتي به المولى عز وجل في زمن المهدي حتى يكون شهادة تقديس عليهم وتمكين له ، كما كان فيهم ذلك من قبل :

 

﴿ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 


وسيكون آية للمتأخرين كما الأولين لهذا حفظت العصا فيه على مرأى ومشهد من جمهورهم ، وأتت به الملائكة تحمله شهادة تعيين لأول ملك في بني اسرائيل ، وسيكون بالمثل مثل ذلك شهادة لتعيين الرب عز وجل للخليفة والرسول في هذه الأمة بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم ومعه العصا .

وأنبه على أمرين هامين في قصة ذلك التابوت الرباني المقدس والذي ما كان يحفظ فيهم إلا بما يسمى قدس الأقداس ، سأشرح سبب حمل الملائكة له زيادة على الشهادة :

الأمر الأول : حرمة مسه في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام ، وحين مسه ابناء لهارون أهلكهم الله عز وجل !

ولا كان يقربه بقدس الأقداس للضرورة إلا من أقره الله تعالى كاهنا لخدمة تلك المقدسات ، كهارون عليه الصلاة والسلام ، لهذا حملته الملائكة فهي من يقربه مع الكهنة ، ومن قربه من غيرهم هلك أو نزل به ضرر عظيم ، كما حصل مع الفلسطينيين لما سلبوه من بني إسرائيل في حروبهم معهم ، سلطت عليهم البواسير في أدبارهم ، والجراذي في حقولهم ، والجفاف في محاصيلهم .

بل استودع مع صنمهم الأكبر وكل صباح يدخلون على صنمهم فيجدونه بإذنه تعالى وتقديسا لذلك التابوت ، خارا على وجهه ذلك الصنم ، ثم خرة أخيرة فتهشم ، فصاح الناس ردوا تابوت بني إسرائيل لتسلموا من إله بني إسرائيل ، وردوه مع وزنه ذهبا يطلبون الشفاعة ورفع العقوبات !!

وعليه لن يؤتى به آخر الزمان إلا محمولا من الملائكة كما المرة الأولى ، وإلا من سيمسه من البشر أو الجان ليأتي به فيوصل لتلك العصا ؟!

الأمر الثاني : صمت مطبق عن ذكره بعد تدمير الهيكل في بني إسرائيل ، ويقينا لم يحصل عليه نبوخذ نصر ، لأن لو كان ذلك لإشتهر أمره ولأتلفهم الله تعالى جراء ذلك كما حصل مع الفلسطينيين لما سلبوه من اليهود ، فضربهم الله عز وجل بالآفات حتى ارجعوه لهم .

ولا يمكن افتراض تحفظ بني إسرائيل عليه لحرمة مسه في الشريعة وهم يعلمون ذلك جيدا ، فكيف التعامل معه مع هذه الحال والحكم ، هذا وجه .

والوجه الآخر سلب الله تعالى منهم القداسة فلا يمكن يبقى بينهم على ذلك .

والحاصل لو أنه لا زال فيهم من ذاك الوقت لما وسعهم كتمان خبره لا من الخاصة ولا الجمهور ، فيقينا أن الله تعالى ذهب به تحمله الملائكة عنهم لما قدر عليهم ما قدر من تدمير ونفي وخزي ، وهم من خزي لخزي أكبر منه ولا شك .

ولا يبقى إلا تقرير الحق الذي سطر هنا ، أنه عند الله عز وجل وسيأتي به للمهدي اثباتا لملكه أنه من الله عز وجل وبعثه أنه من الله عز وجل ، فيجعل ذلك التابوت وتلك العصا شهادة لذلك لا يسع أي أحد رد ذلك لا من يهود ولا نصارى ولا مسلمين ولا حتى أهل الأوثان ، فالكل سيسلم ويصمت صمت الحجر .

ومن العجب في شأن التابوت أن قدر الله تعالى على من سلب منهم تلك القداسة ونجسها أعني جيش العراق ، أن يقدر على جيش العراق نظيره أن يدمر لما يحين وقت رجعة القداسة ببعث المهدي ، لهذا عليكم تدركوا الحكمة من ارتباط تدمير جيش العراق من بعد غزوه محل سكنى المهدي ، أن بذلك ارتباطا قدريا ربانيا ، والله يحب أن يبدئ ويعيد هكذا هي سنة من سننه تبارك وتعالى ، اقداره بانتظام وأعماله مرتبة مقدرة مكتوبة غالبا على المماثلة والمشاكلة , ومن ذلك أمره صنع التابوت من أعواد شجر مرج كاظمة محل سكنى المهدي ، ليكون قدرا لموسى ثم للمهدي ، ومثل ذلك تحطيم الهيكل المقدس قبل بجيش عراقي ثم يكون جيش عراقي ثان يثير علامات الخلاص الثاني وابتداء تحقق تأويل المقدس الثاني على يدي نظير الجيش الذي على يديه حطم المقدس الأول .

وقد فصل أحد الأنبياء عن ذلك تفصيلا عجيبا شبه صريح مع ما أجرى ربنا تعالى من تقدير على جيش العراق مؤخرا ، وهو اشعيا عليه الصلاة والسلام ، فقال :

 

﴿ وَيَسْقُطُ أَشُّورُ بِسَيْفِ غَيْرِ رَجُل ، وَسَيْفُ غَيْرِ إِنْسَانٍ يَأْكُلُهُ ، فَيَهْرُبُ مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ ، وَيَكُونُ مُخْتَارُوهُ تَحْتَ الْجِزْيَةِ . وَصَخْرُهُ مِنَ الْخَوْفِ يَزُولُ ، وَمِنَ الرَّايَةِ يَرْتَعِبُ رُؤَسَاؤُهُ ، يَقُولُ الرَّبُّ الَّذِي لَهُ نَارٌ وَلَهُ تَنُّورٌ فِي أُورُشَلِيم 


ذكر نار المدينة وتنورها لتعيين تلك الأحداث أنها ستكون آخر الزمان حين بعث المهدي والتمهيد لتمكينه في الأرض ، وأن الجيش الذي سلب بني إسرائيل تلك القداسة ، آخرهم سيدمر تمهيدا لرجعة القداسة الربانية لأهلها في النهاية .

ويقول في وصف هروب جيش صدام من أمام جيوش التحالف بقيادة الولايات المتحدة ما يلي :

 

﴿ وَتُوَلِّي جُيُوشُ بَابِلَ الأَدْبَارَ حَتَّى يَنْهَكَهَا التَّعَبُ ، عَائِدِينَ إِلَى أَرْضِهِمْ كَأَنَّهُمْ غَزَالٌ مُطَارَدٌ أَوْ غَنَمٌ لاَ رَاعِيَ لَهَا ، كُلُّ مَنْ يُؤْسَرُ يُطْعَنُ ، وَمَنْ يُقْبَضُ عَلَيْهِ يُصْرَعُ بِالسَّيْفِ ، وَيُمَزَّقُ أَطْفَالُهُمْ عَلَى مَرًْأى مِنْهُمْ ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ ، وَتُغْتَصَبُ نِسَاؤُهُمْ 

فما أشد انطباق هذا الوصف على ما جرى عليهم ، حقا فروا ودمروا ورجعت بقيتهم لديارهم ، وعثت ببقيتهم بنات آوى والذئاب أذناب المجوس ، ولا زالت تجري على بقيتهم الويلات والمحن ليومنا هذا .

وبمناسبة ايراد نبوءة اشعيا عليه الصلاة والسلام هنا عن نار وتنور أورشليم ، أعود لذكر النص الكامل لنبوءة باروك بن نيريا عن نار المدينة من حولها وذلك التنور الرباني الذي أخذت حممه تتحرك هناك وتتزلزل من تململه للخروج من تلك المنطقة على ما بينت في الفصل السابق الرابع .

وهي نبوءة عظيمة قاطعة في التعيين سواء لمحل سكنى المهدي أو لما سيكون في المدينة طيبة السلام ، ولن تكون تلك النبوءة إلا لنبي إن كان مصدرا لها ، وإن لم يكن مصدرها هو فلن تكون إلا من نبي ، وسفره بالعهد القديم المقدس لدى اليهود وعباد الصليب ، والذي قيل أنه كان أمين سر نبي الله تعالى إرميا عليه الصلاة والسلام ، شارك معلمه حياته ومحنه ورافقه مسيره لمصر ، وكان بذلك السفر من التنبوءات الهامة عما سيكون آخر الزمان من محن على الأخيار وتعذيب الله تعالى لمضطهديهم الأشرار .

وتواطؤ ما ذكر فيه مع ما ذكرت نبوءة النبي اشعيا عليهما الصلاة والسلام عن نار المدينة وتنورها وما سيجري على جيش العراق قبل ذلك ، عجب عجاب ومذهل لأقصى حد ، فقد قال هناك في نصها المطول غير المختصر بنقلي كما السابق :

 

﴿ ويل للمدن التي استعبدت بنيك ويل للتي أخذت أولادك ، فإنها كما شمتت بسقوطك وفرحت بخرابك ، كذلك ستكتئب عند دمارها ، وأبطل مفاخرتها بكثرة سكانها وأحول مرحها إلى نوح ، لأن نارا تنزل عليها من عند الأزلي إلى أيام كثيرة وتسكنها الشياطين طول الزمان .

تطلعي يا " أورشليم " من حولك نحو المشرق وانظري المسرة الوافدة عليك من عند الله .

ها إن بنيك الذين ودعتهم قادمون يقدمون مجتمعين من المشرق إلى المغرب بكلمة القدوس مبتهجين بمجد الله .

تسربلي ثوب البر الذي من الله واجعلي على رأسك تاج مجد الأزلي ، فإن الله يُظهر سناك لكل ما تحت السماء ، ويكون اسمك من قبل الله إلى الأبد سلام البر ومجد عبادة الله 

﴿ وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون . لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ﴾

ودائما الزبور لا يكون بعيدا عما يقرر الأنبياء عنها ، بل هو من أصول الوحي في ذلك ، وإلا يجد القارئ لأبرز النبوءات والبينات اشارة لذلك فيه . فعن نار المدينة مما قاله هناك فيها التالي :

 

﴿ هناك كسر صواعق القوس والمجن والسيف والقتال ، إنك تنير بأبهة من الجبال الأبدية ... إنك رهيب فمن يقفُ أمام وجهك حال غضبك . 

من السماء أسمعت الحكم ففزعت الأرض وصمتت عندما قام الله ُ للقضاء ليخلص جميع ودعاء الأرض ... هو يستأصلُ رُوحَ الرؤساء وهو الرهيبُ عند مُلُوك الأرض 

قال عن نار المدينة ( تنير بأبهة من الجبال الأبدية ) وصف يدل على العظمة وكيف لا يدل على العظمة وفيها قيل : ﴿ فإن الله يُظهر سناك لكل ما تحت السماء 

ويقول النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام :

 

﴿ فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا ، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ 

أي يراها كل من على وجه الأرض كل من تحت السماء ، وهذا من الفروق ما بين عظمة الخلاص الثاني عن الأول كما قررت ذلك قبل عن انشقاق الجبل ليخرج الماء وانشقاق الحجر ليخرج الماء في زمان موسى عليه الصلاة والسلام ، وشتان ما بين الأمرين وكل من عمل الله عز وجل وأعماله تتفاوت في العظمة ولا شك ليست كلها بمرتبة واحدة .

وهناك كانت نار في زمان موسى وفي زمان المهدي ستكون نار أخرى مغايرة في العظمة حتى يراها كل أهل الأرض لما تيسر لهم من وسائل اعلامية ولإيماننا بصدق مواعيد الله تعالى فقد يتم لهم ذلك قبل ما تطوى عنهم اقمارهم الصناعية فلبرهة يتم رصد ذلك من قبل أن تفنى تلك الاقمار والله أعلم .

الحاصل أن كل من تحت السماء سيراها على ما أخبر تعالى وعلى النحو الذي يشاء ربنا تعالى .

أما نار موسى فمهما عظمت لم يكن قد اطلع عليها كل الناس في ذلك الجيل بل شاهدها من كان حولها وقت ذاك فقط ، ولا كثرة الناس يومئذ كاليوم ولا الاستطاعة على الاحاطة بالأمور كانوا كالناس اليوم .

قال في الزبور عليه الصلاة والسلام :

 

﴿ بَسَطَ سَحَابًا سَجْفًا ، وَنَارًا لِتُضِيءَ اللَّيْلَ سَأَلُوا فَأَتَاهُمْ بِالسَّلْوَى ، وَخُبْزَ السَّمَاءِ أَشْبَعَهُمْ شَقَّ الصَّخْرَةَ فَانْفَجَرَتِ الْمِيَاهُ جَرَتْ فِي الْيَابِسَةِ نَهْرًا لأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَةَ قُدْسِهِ مَعَ إِبْراهِيمَ عَبْدِهِ فَأَخْرَجَ شَعْبَهُ بِابْتِهَاجٍ ، وَمُخْتَارِيهِ بِتَرَنُّمٍ .

وَأَعْطَاهُمْ أَرَاضِيَ الأُمَمِ ، وَتَعَبَ الشُّعُوبِ وَرِثُوهُ ، لِكَيْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ وَيُطِيعُوا شَرَائِعَهُ 

وهذا ما قرر فيه أن الخلاص الثاني سيكون نظير الخلاص الأول ، ومن البركة الربانية في بني ابراهيم من جهة اسحاق سيكون مثله في بني ابراهيم من جهة اسماعيل عليهم الصلاة والسلام ، ولعن الله تعالى كل من ينكر بركة الله تعالى على ذرية بني اسماعيل سواء كان من الأقدمين أو المتأخرين ، يجب الايمان واليقين بأن هذا سيحصل تصديقا لمواعيد الله تعالى لخليله ابراهيم بأن يبارك في ذريته ويورثهم أراضي الكفار والفاسقين مثل ما فعل مع ذرية اسحاق ، مثل ما كان قديما سيكون آخرا .

 

﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ، وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ، سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ، وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾

والكلام السابق عن انتقام الله تعالى من جيش العراق صريح ويطابق الحال التي جرت عليهم مطابقة ظاهرة مثل ما تقرر بتلك النبوءات عن اشعيا وباروك ، وارميا بقوله الآتي لاحقا .

أما في تعيين المدينة بهذا النبأ العظيم فهو عجب حقا ، وبذلك التعيين ابطال واظهار لكذب اليهود بتعيينهم الخلاص والسلام بغير المدينة وجبل أحد ، من حيث التالي :

أن المشرق من المدينة وبخط مستقيم منها تقريبا باعتبار مشرق الشمس تقع هناك الكويت ، والنبوءة هنا تبشر المدينة واحد بقرب مقدم المهدي عليه الصلاة والسلام بعد ما يجري على جيش العراق ما سيجري ، فلتنظر المدينة لتلك الناحية فمن هناك ستأتيها قالت النبوءة المسرة من عند الله عز وجل ، ومسرة الله عز وجل كما نصت نبوءات أخرى عن اشعيا والزبور ستكون ببعث المهدي ، ما يعني بنبوءة باروك أن القادم لها من المشرق هو المهدي ، ووصف ذلك صريحا حزقيال برؤياه أنه المجد سيأتي للمدينة من المشرق فقال :

 

﴿ وَإِذَا بِمَجْدِ الله جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْقِ وَصَوْتُهُ كَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ ، وَالأَرْضُ أَضَاءَتْ مِنْ مَجْدِهِ 

أما بحسب تعيين اليهود اليوم فمن المشرق لبنان وطرف المتوسط وشتان بين التعيين ، وهذا على اعتبار تعيينهم أن وقته زماننا هذا .

أما باعتبار تعيين وقت الخلاص بزمان كذبهم الأكبر الأساس في عهد عزير ونحميا ولفيف الكذب والنفاق والدجل ذاك ، فعليه يكون الرجوع من العراق لفلسطين وهنا على أورشليم تنظر للجنوب لا المشرق ، قادمون لها من الجنوب للشمال ، لا من المشرق للمغرب على ما تقرر في افتتاح هذا الفصل ، ولا استقامة لهم مع نبوءة باروك بأي التعيينين قالوا فإن أرادوا انزال تلك النبوءة على عصرنا هذا والذي سيفضح به كذبهم على التمام والختم كما بينت ، فعلى أورشليم بحسب تعيينهم ان تنظر كما قلت للبنان وطرف البحر المتوسط والذي فلسطين على ساحله وليس هو من مشرقها ، وهنا أؤكد على كذبهم في ذلك بما نصت عليه نبوءة للنبي اشعيا عليه الصلاة والسلام بأن مبعث المهدي المخلص سيكون من المشرق من أقصى الأرض وفلسطين ولبنان على هذا كلهم أقصى بالنسبة لبحر فلسطين أو المتوسط ، واشعيا كما هو معلوم انما عين مكان مبعث المهدي من أقصى الأرض أنهم يأتون فقال :

 

﴿ فَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ مِنْ بَعِيدٍ ، وَيَصْفِرُ لَهُمْ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ ، فَإِذَا هُمْ بِالْعَجَلَةِ يَأْتُونَ سَرِيعًا 

وفي الزبور قال : 

 

﴿ مِن أقْصى الأرْض أدْعُوكَ إِذَا غُشِيَ عَلَى قَلْبِي ، إِلَى صَخْرَةٍ أَرْفَعَ مِنِّي تَهْدِينِي 

وسبق وقررت في هذا الكتاب عن معنى الأقصى كما مر معنا في تعيين المسجد الأقصى ، أن لذلك شرطا وهو اتصال المكان ما بين الحدين الأقصى والأقصى منه ، ولا يقال ذلك لما فصل بينهما فاصل طبيعي كنهر أو بحر ، مثل قوله من أقصى السماوات فصح لها أقصى للإتصال على ما بينت فالسماء لا تنقطع ولا يفصلها شيء فتصير أجزاء كالأرض اليابسة المتصلة .

ويتبين المعنى أكثر بقوله تعالى : ﴿ وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ ، و ﴿ وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴾ . فهذا لا يقال لما بعد وفصل بينهما فاصل طبيعي كبحر أو نهر ، بل هم بالاتصال بالمكان بلد كان أو جزيرة وهكذا .

كما لا يصح أن يقال كذلك لمثل فلسطين ولبنان وهما على ساحل واحد هذا أقصى من هذا .

ومعنى الكلام عند اشعيا وذاك التعيين في الزبور ، أنهم سيأتون لعمق الجزيرة من المشرق من أقصى أرضها لمغربها في عمق جزيرة العرب ، وهذا مما لا ينطبق بتاتا على حسب كذب اليهود وزيف دعواهم في التعيين اليوم بالنسبة لفلسطين فمن مشرقها لبنان لكنه ليس أقصى منها بما يصح اختصاصه عن غيره من أماكن لتنطبق عليه نصوص تلك النبوءات ، وأما تعيينهم قديما للخلاص والرجوع للمقدس فهذا منتهي وكذبة مكشوفة للغاية لا يدعيه الآن ويحتج به إلا ساقط عقلا مثل ما هو ساقط من قبل دينا وشرعا .

وأقول أيضا على هذا : أي مشرق هناك بحسب ادعائهم بالخلاص في عصرنا مما ارتبط بجيش العراق احفاد من سباهم أولا في قديم الزمان ، ليصح ارتباط منطوق تلك النبوءات عن الإنتقام فيهم ، فمن لهم بلبنان وتلك الشعوب ليأتي مخلصا لهم ، ومن لهم هناك ممن تسلط عليهم ليتم على ذريتهم الإنتقام ، إلا الأوهام وسيء الأكاذيب وحصاد الخزي .

لكن من الكويت من مشرق المدينة سيأتي الحق المبين ومن تلك الناحية انبثق الدخان العلامة واتحدت النبوءات كلها بأخبارها على ما جرى بالكويت والمدينة وسيجري وصح انجرار جيش بابل إلى هناك كما نص على هذا جمهرة من الأنبياء اشعيا وارميا وحزقيال وغيرهم كلهم ينص على ذلك بحق جيش بابل ويربط ما حصل منهم قديما وما سيحصل منهم وعليهم في آخر الزمان ذلك الربط الوثيق .

عكس تعيين هؤلاء الباطل الكاذب خصوصا على اعتبار دعواهم الخلاص أنه الذي تبجحوا به من قديم في عهد عزير ونحميا ، فهناك الكذب صارخ والخداع مكشوف وهو أساسهم في دعوى الخلاص على النبوءات وما يدعونه اليوم في الخلاص ما هو إلا عبث وتكرار فج فاجر عيال على إدعائهم الأول في الخلاص وما هي إلا أكاذيب تبنى بعضها فوق بعض ويأتي من الناس بكل بلاهة فيصدقهم مع أنها مكشوفة كل تلك الأكاذيب ، ومن مغرب اورشليمهم المخزي أتاها لفيف نحميا وعزير لا من المشرق كما نطق بذلك هذا النبي أو صاحب النبي عليهما الصلاة والسلام . 

أتي بهم من هناك مسبيين ثم رجوعهم من بابل الذي ادعوه خلاصا وعلى يد كورش الفارسي هل كان وهم منصورين مخلصين من الشر ؟!

بل كان ذلك منهم وهم مهانون كاذبون مخالفون لوصايا النبي ارميا عليه الصلاة والسلام الذي حرصهم على البقاء هناك بعد الجلاء لحين يأتي أمر الله تعالى ، فاستعجلوا ذلك وادعوا خلاصا من عند أنفسهم ، بل نص لهم النبي نبوءة أنهم سيكون بسلام ما لم تزل بابل بسلام ومتى ما أتى بابل الشر أتاهم هم الشر كذلك ، يعني هم عملوا لهلاكهم الآن ودبروا لقطع دابرهم ودابر من استعانوا بهم !!

وإن دل هذا فإنما يدل على غباء اليهود حين فاتهم هذا فلم يحرفوه وفيه فضح دعاوي اليهود القديمة بالخلاص ما يبطل به أصلهم الذي زعموا قديما وحديثا ، وأحمق من اليهود من تنطلي عليه تلك الأكاذيب والتزييفات المكشوفة مثل ريغان وبوش واوباما الحثالة . 

وسأقرر لكم هنا كيف بالفعل تبنى أكاذيبهم بعضها فوق بعض ، فمثلا غير ما فات وذكر عن كاتب عهدهم الشيطاني فحين زان له دعوى خلاصهم الأول الكاذب على يد كورش الفارسي ، أخذ ينسب الأمر بوضع النبي دانيال عليه الصلاة والسلام في الجب مع الأسود لدَارِيُّوسُ الْمَادِيُّ الذي قالوا أنه قتل ابن نبوخذ نصر وأخذ منه ملك بابل ، وعلى هذا كيف ينسبون لمن يريدون نسبة الخلاص له أنه هو من أمر بوضع النبي دانيال بالجب ليموت مع الأسود ، فانقلبت تلك القصة من حاكم لآخر ، وهكذا يتم التحريف وتبديل الكلام لا على الله تعالى ورسله فقط ، بل حتى على الملوك في زمانهم ، محرفة في كل شيء وعلى كل شيء ، والذي فضح ذلك الكاتب الشيطاني لعهدهم القديم المقدس هو انجيل المسيح عليه الصلاة والسلام الصحيح الذي كشف فيه أن كورش الفارسي هو من أمر بوضع النبي دانيال في الجب مع الأسود لا من نسبوا له ذلك .

الحاصل أن كلام باروك في سنا النار صريح أنه سيجري بالمدينة دار السلام طيبة الخير والبهاء والمجد ، ولا استبعد هنا أن يكون جبل أحد هو الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه الصلاة والسلام أيضا ، ولا أحسب ذكر السنا هنا إلا اشارة لسنا جبل موسى عليه الصلاة والسلام ، وقد كنت قبل أرى أن تلك السنا نسبة لنار آبار الكويت في تلك النبوءة لباروك ، وأنها نسبت للمدينة على اعتبار انها مقدمات مجيئه لها ، لكن الصحيح أن تنسب لها على الحقيقة لا المجاز والأضافة البعيدة ، فهي قريبة منها والأولى تضاف وتنسب لها ، فتلك سنا وهذه سنا ، ولكل نصوصها الخاصة بها ولا يفيد سياق الكلام بالنبوءة هنا إلا ما قررت أنها نار المدينة الخاصة بها وشعلة ذلك التنور ، وأن جبل الزيتون أو باشان جبل النار تلك ما هو إلا جبل النار في زمان موسى نفسه عليه الصلاة والسلام ، كلم من عليه موسى وسيكلم من عليه المهدي عليهما الصلاة والسلام ، وعليه ورد بعهدهم أن داود عليه الصلاة والسلام سكنه وتنسك عنده للتوبة ، وعليه لا يستبعد أنه جبل الله عز وجل جبل موسى عليه الصلاة والسلام ، ولا ينفي هذا تكليم الله تعالى لموسى من على جبل سعير في المشرق فقد كانوا بتجوال وبنص عهدهم كلم موسى من على جبلين . 

وفي مراثيه النبي ارميا عليه الصلاة والسلام انظروا كيف يتوجع على مسجد بيت المقدس وما جرى له على أيدي ذلك الجيش العراقي ، وكيف الأنين بتلك الكلمات الحزينة على ما جرى لهم ، ثم يختم بمرثيته الطويلة بهذا القول عن ارجاع الكرة على من فعل بهم ما فعل بإذن الله عز وجل فيقول :

 

﴿ سَمِعُوا أَنِّي تَنَهَّدْتُ لاَ مُعَزِّيَ لِي ، كُلُّ أَعْدَائِي سَمِعُوا بِبَلِيَّتِي. فَرِحُوا لأَنَّكَ فَعَلْتَ . تَأْتِي بِالْيَوْمِ الَّذِي نَادَيْتَ بِهِ فَيَصِيرُونَ مِثْلِي . لِيَأْتِ كُلُّ شَرِّهِمْ أَمَامَكَ وَافْعَلْ بِهِمْ كَمَا فَعَلْتَ بِي مِنْ أَجْلِ كُلِّ ذُنُوبِي ، لأَنَّ تَنَهُّدَاتِي كَثِيرَةٌ وَقَلْبِي مَغْشِيٌّ عَلَيْهِ 

ويعين في ذلك ارميا فيقص ما سيحصل على جيش العراق في ذلك الزمان فيقول :

 

﴿ اِصْطَفُّوا عَلَى بَابِلَ حَوَالَيْهَا يَا جَمِيعَ الَّذِينَ يَنْزِعُونَ فِي الْقَوْسِ. ارْمُوا عَلَيْهَا. لاَ تُوَفِّرُوا السِّهَامَ لأَنَّهَا قَدْ أَخْطَأَتْ إِلَى الرَّبِّ. اهْتِفُوا عَلَيْهَا حَوَالَيْهَا. قَدْ أَعْطَتْ يَدَهَا. سَقَطَتْ أُسُسُهَا. نُقِضَتْ أَسْوَارُهَا. لأَنَّهَا نَقْمَةُ الرَّبِّ هِيَ ، فَانْتَقِمُوا مِنْهَا . كَمَا فَعَلَتِ افْعَلُوا بِهَا .

مِنْ وَجْهِ السَّيْفِ الْقَاسِي يَرْجِعُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ ، وَيَهْرُبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ.

هأَنَذَا أُعَاقِبُ مَلِكَ بَابِلَ وَأَرْضَهُ كَمَا عَاقَبْتُ مَلِكَ أَشُّورَ . وَأَرُدُّ شعبي إِلَى مَسْكَنِهِ ، فَيَرْعَى كَرْمَلَ وَبَاشَانَ ، وَفِي جَبَلِ أَفْرَايِمَ وَجِلْعَادَ تَشْبَعُ نَفْسُهُ.

كَيْفَ قُطِعَتْ وَتَحَطَّمَتْ مِطْرَقَةُ كُلِّ الأَرْضِ؟ كَيْفَ صَارَتْ بَابِلُ خَرِبَةً بَيْنَ الشُّعُوبِ؟
قَدْ نَصَبْتُ لَكِ شَرَكًا ، فَعَلِقْتِ يَا بَابِلُ ، وَأَنْتِ لَمْ تَعْرِفِي قَدْ وُجِدْتِ وَأُمْسِكْتِ لأَنَّكِ قَدْ خَاصَمْتِ الرَّبَّ. أَهْلِكُوا كُلَّ عُجُولِهَا. لِتَنْزِلْ لِلذَّبْحِ. وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّهُ قَدْ أَتَى يَوْمُهُمْ ، زَمَانُ عِقَابِهِمْ.

اُدْعُوا إِلَى بَابِلَ أَصْحَابَ الْقِسِيِّ. لِيَنْزِلْ عَلَيْهَا كُلُّ مَنْ يَنْزِعُ فِي الْقَوْسِ حَوَالَيْهَا. لاَ يَكُنْ نَاجٍ. كَافِئُوهَا نَظِيرَ عَمَلِهَا . افْعَلُوا بِهَا حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَلَتْ ، لأَنَّهَا بَغَتْ عَلَى الرَّبِّ . لِذلِكَ يَسْقُطُ شُبَّانُهَا فِي الشَّوَارِعِ ، وَكُلُّ رِجَالِ حَرْبِهَا يَهْلِكُونَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ ، يَقُولُ الرَّبُّ.

سَيْفٌ عَلَى خَيْلِهَا وَعَلَى مَرْكَبَاتِهَا وَعَلَى كُلِّ اللَّفِيفِ الَّذِي فِي وَسْطِهَا ، فَيَصِيرُونَ نِسَاءً. سَيْفٌ عَلَى خَزَائِنِهَا فَتُنْهَبُ.حَرٌّ عَلَى مِيَاهِهَا فَتَنْشَفُ، لأَنَّهَا أَرْضُ مَنْحُوتَاتٍ هِيَ، وَبِالأَصْنَامِ تُجَنُّ 

والشاهد هنا قوله عن جفاف أنهارها وهو مما لا يكون إلا آخر الزمان كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم وتقرر ذلك في الزبور : ﴿ أَنْتَ فَجَّرْتَ عَيْنًا وَسَيْلاً . أَنْتَ يَبَّسْتَ أَنْهَارًا دَائِمَةَ الْجَرَيَانِ  . قرن ذكر تفجير العيون وجريان السيول مع ايباس الأنهر القديمة الجريان ، لأن كل ذلك مما سيحصل آخر الزمان .

وحين نضيف لدلالة جفاف الأنهر لتعيين زمان تحقق تأويل تلك البينات ، ايضاح معنى قوله في الزبور : ﴿ هناك كسر صواعق القوس  ، سندرك على التمام صحة تعيين زمان ذلك التحقق وأنه ما جرى ويجري بزماننا ، فهذا الوصف لنوع ذلك السلاح لا ينطبق إلا على اسلحتهم العصرية ، فهي التي تطلق ما يشبه الصواعق من لهب وبرق , ولا يعني ذلك بحال اقواسهم القديمة البدائية فتلك لا يمكن أبدا تشبيه مقذوفاتها بالصواعق ، فالصاعقة نسبة للبرق والقوس الآلة التي تطلق تلك البروق ، وبمثله توعدهم ربي عز وجل على لسان نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام فقال :

 

﴿ إِنْ فَرَّ مِنْ آلَةِ حَرْبٍ مِنْ حَدِيدٍ ، تَخْتَرِقْهُ قَوْسُ النُّحَاسِ 

وألمح تعالى لذلك بكتابه القرآن بقوله : ﴿ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنحاسٍ فَلا تَنتَصِرَانِ ﴾ . يريد بروق الغيوم يكني عن ذلك ولا يعلن فيضيفها للغيوم التي تنطلق منها ، وتلك صواعق الله عز وجل وما ذكر في الزبور صواعق الكفار ، فمن أغلب وأقوى ؟!

 

﴿ وَتَّرَ قَوْسَهُ وَهَيَّأَهَا ، أَعَدَّ لَهُ الأَسْلِحَةَ الْقَتَّالَةَ ، وَجَعَلَ سِهَامَهُ مُحْرِقَةً  " الزبور "

وقد صرح ابنه سليمان في ذلك فقال :

 

﴿ فتنطلق صواعق البروق انطلاقا لا يُخطئُ وعن قوس الغيوم المحكمة التوتير تطيرُ إلى الهدف ، وسخطه يرجمهم ببردٍ ضخم ومياه البحر تستشيط عليهم والأنهار تلتقي بطُغيان شديد ، وتثور عليهم ريحٌ شديدة زوبعةٌ تُذريهم والإثم يُدمر جميع الأرض والفجور يقلب عُرُوش المقتدرين 


وليس تلك أول توصيف أسلحتهم ففي كتابي " الرد الحاسم " توسعت هناك وبسطت الكلام في وصف أسلحتهم بشرح تلك النبوءات يراجع لزيادة الفهم والإدراك ، ومثل ذلك عن معنى النحاس والشواظ يراجع كتاب " فصل الخطاب في معنى أنباء حرائق الغاب " .

وقال هناك في فصل الخطاب : 

وإذا أدركتم ما فات ، فأيقنوا زيادة عليه أن تلك الصواعق ستكون من الله تعالى سلاحا فتاكا بوجه أعداء الدين والملة الربانية وبيد المهدي خليفته ورسوله ، تسليطا له على كل أعدائه كما يسلطه عليهم بالزلازل تهتز الأرض بأمره بإذن الله تعالى ، وتمطر السماء بإذنه تعالى إذا أمرها ، وكذلك الصواعق ، حتى يغيظ به الأعداء الكفار الأشرار الذين طالما تشامخوا بأسلحتهم وتباهوا بقوتها على الخلق واستضعفوهم حتى قهروهم وعذبوهم وسرقوهم وقتلوا منهم الكثير .

نعم ، ستكون قوة البرق الإلهي بيد المهدي عليه الصلاة والسلام تسليطا يسلطه عليهم ، ليظهر عليه البهاء والمباركة ، وتعالوا معي لروضة من رياض زبور داود لترتلوا معنا في ذلك :

 

﴿ فِي ضِيقِي دَعَوْتُ الرَّبَّ وَصَرَخْتُ إِلَى إِلَهِي ، فَسَمِعَ صَوْتِي مِنْ هَيْكَلِهِ ، وَصَعِدَ صُرَاخِي أَمَامَهُ ، عِنْدَئِذٍ ارْتَجَّتِ الأَرْضُ وَتَزَلْزَلَتْ ، ارْتَجَفَتْ أَسَاسَاتُ الْجِبَالِ وَاهْتَزَّتْ ، لأَنَّ الرَّبَّ غَضِبَ . 

طَأْطَأَ السَّمَاوَاتِ وَنَزَلَ ، فَكَانَتِ الْغُيُومُ الْمُتَجَهِّمَةُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ .. وَصَارَ ضَبَابُ الْمِيَاهِ وَسُحُبُ الْسَّمَاءِ الدَّاكِنَةُ مِظَلَّتَهُ الْمُحِيطَةَ بِهِ ، مِنْ بَهَاءِ طَلْعَتِهِ عَبَرَتِ السُّحُبُ أَمَامَهُ .

أَرْعَدَ الرَّبُّ فِي السَّمَاوَاتِ ، أَطْلَقَ الْعَلِيُّ صَوْتَهُ فَانْهَمَرَ بَرَدٌ ، وَانْدَلَعَتْ نَارُ ، أَطْلَقَ سِهَامَهُ فَبَدَّدَ أَعْدَائِي ، وَأَرْسَلَ بُرُوقَهُ فَأَزْعَجَهُمْ . 

مَعَ الرَّحِيمِ تَكُونُ رَحِيماً ، وَمَعَ الْكَامِلِ تَكُونُ كَامِلاً ، وَمَعَ الطَّاهِرِ تَكُونُ طَاهِراً ، وَمَعَ الْمُعْوَجِّ تَكُونُ مُعْوَجّاً ، لأَنَّكَ أَنْتَ تُخَلِّصُ الشَّعْبَ الْمُتَضَايِقَ ، أَمَّا الْمُتَرَفِّعُونَ فَتَخْفِضُ عُيُونَهُمْ . 

لأَنَّكَ أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهِي تَضِيءُ مِصْبَاحِي ، وَتُحَوِّلُ ظَلاَمِي نُوراً ، لأَنِّي بِكَ اقْتَحَمْتُ جَيْشاً ، وَبِمَعُونَةِ إِلَهِي اخْتَرَقْتُ أَسْوَاراً . 

يَشُدُّنِي اللهُ بِحِزامٍ مِنَ الْقُوَّةِ ، وَيَجْعَلُ طَرِيقِي كَامِلاً ، يُثَبِّتُ قَدَمَيَّ كَأَقْدَامِ الإيَّلِ وَيُصْعِدُنِي عَلَى مُرْتَفَعَاتِي الْوَعِرَةِ . 

يُدَرِّبُ يَدَيَّ عَلَى فَنِّ الْحَرْبِ ، فَتَشُدُّ ذِرَاعَايَ قَوْساً مِنْ نُحَاسٍ 

وَسَّعْتَ طَرِيقِي تَحْتَ قَدَمَيَّ ، فَلَمْ تَتَقَلْقَلْ عَقِبَايَ ، أُطَارِدُ أَعْدَائِي فَأُدْرِكُهُمْ ، وَلاَ أَرْجِعُ حَتَّى أُبِيدَهُمْ ، أَسْحَقُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ النُّهُوضَ ، يَسْقُطُونَ تَحْتَ قَدَمَيَّ ، تُمَنْطِقُنِي بِحِزَامٍ مِنَ الْقُوَّةِ تَأَهُّباً لِلْقِتَالِ ، تُخْضِعُ لِسُلْطَانِي الْمُتَمَرِّدِينَ عَلَيَّ ، يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ هَرَباً أَمَامِي ، وَأُفْنِي الَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي ، يَسْتَغِيثُونَ وَلاَ مُخَلِّصَ ، يُنَادُونَ الرَّبَّ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ ، فَأَسْحَقُهُمْ كَالْغُبَارِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ ، وَأَطْرَحُهُمْ مِثْلَ الطِّينِ فِي الشَّوَارِعِ . الْغُرَبَاءُ يَتَذَلَّلُونَ لِي الْغُرَبَاءُ يَخُورُونَ ، يَخْرُجُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ مُرْتَعِدِينَ . 

يُخْضِعُ الشُّعُوبَ لِسُلْطَانِي ، مُنْقِذِي مِنْ أَعْدَائِي ، رَافِعِي عَلَى الْمُتَمَرِّدِينَ عَلَيَّ ، وَمِنَ الرَّجُلِ الطَّاغِي تُخَلِّصُنِي . 

لِهَذَا أَعْتَرِفُ لَكَ بَيْنَ الأُمَمِ وَأُرَتِّلُ لاَِسْمِكَ ، يَامَانِحَ الْخَلاَصِ الْعَظِيمِ لِمَلِكِهِ ، وَصَانِعَ الرَّحْمَةِ لِمَسِيحِهِ 

﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ . إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ . وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾


وللحمقى الذين قد يستعظمون هذا فينكرونه بعقولهم الحقيرة الوضيعة ، نذكرهم بالصواعق التي كانت في بني إسرائيل تنزل من السماء بأمره تعالى فتحرق قربانهم آية من الله تعالى لمن يتقبل منهم ، ومن لم يتقبل منه لا تنزل على قربانه نار الصواعق ، ولما كان خبر الصادق المصدوق أن كل ما كان في بني إسرائيل سيكون مثله في هذه الأمة في الخير والشر ، فليقل لنا أولئك السفهاء على من ستنزل تلك الصواعق وتأكل قربان من ؟!

المؤمنون سيفترضون كل الكفرة الأشرار قربانا لله تعالى اليوم وستأكلهم الصواعق بإذنه تعالى على يدي المهدي يرفعهما عليهم باسم الله القوي العزيز ، كما رفع إيليا النبي صلوات ربي وسلامه عليه يديه فأنزل الله تعالى صاعقته فأكلت قرابينه وأكلت أعداء النبي معها .

وكما أنزل تعالى على بعض العصاة في بني إسرائيل نارا من السماء فأكلت جماهيرهم من الكفرة أيضا حين خسف الله تعالى بهم نصرة لموسى نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم بِقُورَحَ وأهله ومن ناصره وأهلك بالنار ، شهودهم الزور اهـ .

يسخر له المطر وزلازل الأرض وحتى صواعق البروق كما شهد بذلك الزبور ﴿ فَتَشُدُّ ذِرَاعَايَ قَوْساً مِنْ نُحَاسٍ  .

ويقول النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام : ﴿ من أنهض الصديق من المشرق ودعاه إلى قدمه وجعل الأمم بين يديه ، وأخضع له الملوك وجعلهم كالتراب لسيفه وكالعصافة المذراة لقوسه  .

 

﴿ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾

واقرأوا لهذا النبي عليه الصلاة والسلام حين يبين متى يكون ذلك :

 

﴿ وَأَقْطَعُ لَهُمْ عَهْدًا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَعَ حَيَوَانِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ السَّمَاءِ وَدَبَّابَاتِ الأَرْضِ ، وَأَكْسِرُ الْقَوْسَ وَالسَّيْفَ وَالْحَرْبَ مِنَ الأَرْضِ ، وَأَجْعَلُهُمْ يَضْطَجِعُونَ آمِنِينَ ، وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي إِلَى الأَبَدِ ، وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَالإِحْسَانِ وَالْمَرَاحِمِ ، أَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالأَمَانَةِ فَتَعْرِفِينَ الرَّبَّ.

وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنِّي أَسْتَجِيبُ يَقُولُ الرَّبُّ ، أَسْتَجِيبُ السَّمَاوَاتِ وَهِيَ تَسْتَجِيبُ الأَرْضَ ، وَالأَرْضُ تَسْتَجِيبُ الْقَمْحَ وَالْمِسْطَارَ وَالزَّيْتَ ، وَهِيَ تَسْتَجِيبُ المخلص ﴾ " هوشع "

إذاً ما يؤتى المهدي عليه الصلاة والسلام هو العهد الذي زعموا أخذه الرب عليهم حين رفع فوقهم جبل أحد ليلتزموه ، ويعنون بذلك فيما لا زالوا يجدونه بكتبهم وعلى ألسنة الأنبياء ، وبالعموم يريدون هذا الرسول أن يؤتى مثل ما أوتي موسى عليه الصلاة والسلام حتى يؤمنوا به :

 

﴿ فَمَدَّ مُوسَى عَصَاهُ نَحْوَ السَّمَاءِ ، فَأَعْطَى الرَّبُّ رُعُودًا وَبَرَدًا ، وَجَرَتْ نَارٌ عَلَى الأَرْضِ ، وَأَمْطَرَ الرَّبُّ بَرَدًا عَلَى أَرْضِ مِصْرَ . فَكَانَ بَرَدٌ ، وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ فِي وَسَطِ الْبَرَدِ . شَيْءٌ عَظِيمٌ جِدًّا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ مُنْذُ صَارَتْ أُمَّةً 


وفي الزبور : ﴿ وَدَفَعَ إِلَى الْبَرَدِ بَهَائِمَهُمْ ، وَمَوَاشِيَهُمْ لِلْبُرُوقِ .

أقول : وكل تلك التفاصيل السابقة عما سيجرى على جيش العراق قد حصلت ، فعوقبوا كما عوقب سلفهم أشور في زمان النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام ، وهم علامة نقمة في بني إسرائيل من قبل وفي هذه الأمة العصرية ، ينتقم بهم ثم ينتقم منهم ، نظير ما حصل منهم في سالف الأزمان على الهيكل ومقدسات بني إسرائيل ، يحصل منهم اليوم وعليهم ، هكذا شاء الله تعالى أن يكونوا علامة لذلك من الوجهين .

وبالفعل دمر جيشه وهلك وقادته معه ، وكل ما فصل في تلك النبوءات وقع عليهم وغيرها أكثر تفصيل لم أنقله اختصارا .

وأيضا أوردت تلك النبوءة خبر ذلك الجبل ( باشان ) وهو جبل أحد اقترن ذكره هنا مع ذكر جفاف أنهر العراق ، ما يدل على أن ذلك الذكر كله من أحداث ستكون آخر الزمان .

ولمن سيعجب من تكرار ذكره في نبوءات الأنبياء ، لعله سيعجب أكثر مما ورد وفيه ذكر سكن داود النبي عليه الصلاة والسلام فيه ، وربما هذا من أهم الأسباب التي جعلت اليهود يحرفون ويطمسون تعيينه حتى لا يعرف أنه كان موطنا لداود ملكهم المعظم ، كما عملوا على تحريف أي ارتباط في تأريخ اليهود مع الجزيرة العربية ، ولو كان ذلك ما بين الخليل ابراهيم عليه الصلاة والسلام وبيت الله الحرام في مكة لا تجدون لذلك ذكرا قط استدبل مكانه بيت إيل بمكان تلك الصخرة التي وضع رأسه عليها فنام ورأى مناما فقدس ذلك المكان وكان بيت لله هناك وتقدم عنده الأضاحي مضاهات للبيت والحج الذي نادى له ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ، ومثل ما فعلوا بتأريخ داود عليه الصلاة والسلام مع جبل أحد المقدس ، حرفوا وطمسوا كل ما يدل على ذلك الارتباط مع الأنبياء ، وستمر وقفات مع ذلك لإيضاح المزيد مما يكشف تلبيسهم وتحريفهم على اسم جبل باشان ، ما يهدم به أصولهم ويظهر ضعف أكاذيبهم ، فقط لو أن الناس يعقلون لكن لا عقول لقد ذهب بها وأراد تعالى أن يسلكه بقلوب أكثرهم فلا يؤمنون به حتى يروا العذاب الشديد .

ونعود لذكر العصا ففي الزبور في خبر تلك العصا أيضا :

 

﴿ كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ . قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ 


ويبين النبي بلعام واشعيا عليهما الصلاة والسلام في تأديب الله تعالى الشعوب بتلك العصا ما يلي :

اشعيا : لأَنَّهُ مِنْ صَوْتِ الرَّبِّ يَرْتَاعُ أَشُّورُ. بِالْقَضِيبِ يَضْرِبُ .

بلعام : وَيَقُومُ قَضِيبٌ ، فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ ، وَيُهْلِكُ كُلَّ بَنِي الْوَغَى .

ويقول النبي ميخا عليه الصلاة والسلام في ذكره :

 

﴿ اِسْمَعُوا لِلْقَضِيبِ وَمَنْ رَسَمَهُ 

وأخيرا قول المسيح في ذلك بانجيله الصحيح مقتبسا تلك النبوءة من الزبور يقول :

 

﴿ قال الله لربي إجلس عن يميني حتى أجعل أعدائك موطئاً لقدميك يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك ﴾

وهو الموضع الثاني الذي يصف فيه المهدي بالإرسال وسبق نقلت وصفه بذلك عند ذكر الغمامة العلامة على بعثه من الله عز وجل ، وهنا ينسبه للعصا وجلالة هذه النبوءة تأتي من اثباتها في الإنجيل نقلا عن الزبور ، وهي صريحة في قبض الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ورجعته آخر الزمان ، وتلك هي الموعدة التي وعده اياها ونص عليها في القرآن فقال :

 

﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ... وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ ولا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾

عد ذلك من آياته سبحانه وتعالى وأنه بذلك بمنزلة الظهير لله عز وجل لقوله تعالى : ﴿ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِّلْكَافِرِينَ﴾ لأنك ستكون ظهيرا لأمري بإرجاعي إياك عليهم للنصرة ، وأن الصد عن اليقين والإيمان بهذا بمنزلة الشرك وهو ظلم عظيم .

وانظروا معي لصريح العبارة في هذا المعتقد عند اليهود حتى يثبتوه بعهدهم القديم على يد الكاتب " يشوع " الشيطاني تعليقا على تلك النبوءة من الزبور المثبتة بالإنجيل فيقول :

 

الرب وعد عبده أن يقيم منه الملك القدير الجالس على عرش المجد إلى الأبد ، هو يفيض الحكمة كفيشون ، ومثل دجلة في أيام الغلال ، ويملأه فهما كالفرات ، ومثل الأردن في أيام الحصاد ، ويبدي التأديب كالنور ، ومثل جيحون في أيام القطاف "

يحرفون الكفرة بأن هذا النص في داود عليه الصلاة والسلام يعده الله عز وجل بإرسال رجلا من ذريته والحق أن ذلك بالمصطفى صلى الله عليه وسلم موعودا بإرسال حفيده المهدي من بعده ، وتلك صفات للمهدي يطلقها ذلك الكاتب في مهدي الله تعالى وخليفته ورسوله الذي وعد جده بأن يرسل من الله تعالى بعد قبضه ليوطئ لرجعة جده عليه الصلاة والسلام حتى يكون ظهيرا ونصيرا لله عز وجل ، ومن ذلك جاء الاشتقاق من اسم صفته "المهدي " اشتقاقا من عمل الله تعالى التمهيد مثل أنه من الهداية وهو اسم صفة له جامعة ، وعلى الإضافة لله عز وجل كما أضيف له كخليفة ورسول اضيف له من صفة عمل الله عز وجل بالتمهيد لأمره فيقول هذا ( مهدي ) أي عملي بذلك ، وتلك النبوءة الزبورية الإنجيلية مصرحة بمعناه ﴿ حتى أجعل أعدائك موطئاً لقدميك  ، فمن هنا يأتي أيضا اسم صفة المهدي أي عمل الله تعالى بالتمهيد لرجعة جده عليهما الصلاة والسلام ، ولهذا قال بتلك النبوءة ﴿الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك ﴾ ، حتى يتم به التمهيد والتوطئة لرجعة جده ومن معه من رسل الله كالمسيح عليهم الصلاة والسلام . 

وقد ورد في القرآن التصريح بذلك عملا لله تبارك وتعالى : ﴿ وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً ﴾ . وفي الزبور عن المهدي قوله : ﴿ إنك مهدت مضجعه كله في سقمه  . وعند اشعيا عليه الصلاة والسلام : ﴿ أنا أسير قدامك والهضاب أمهد  .

فمن أعمال الله عز وجل التمهيد فوصف المهدي بذلك على الإضافة ، أي عمل الله عز وجل به ذلك ، أي مهد الله كقولك : مهدي أنا هذا . فهكذا يكون المعنى من اسم صفة المهدي عليه الصلاة والسلام .

واليهود يؤمنون بذلك في رجل من ذرية داود عليه الصلاة والسلام ، وعباد الصليب يحرفونه كذلك للمسيح عليه الصلاة والسلام ، أما دراويش اليوم ممن ينتسبون للإسلام فهم في عمى عنه وليكونوا يهودا أو نصارى بإيمانهم هذا أو أنهم من المشركين الذين لا يؤمنون بآيات الله ولا عاقبته ، وكيف لا يكونوا كذلك ومن هو بالإصطفاء عند الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم نهي عن عدم الإيمان بذلك وتيقنه حتى ما يكون من المشركين .

وتلك النصوص كلها عن الأنبياء في العصا فقط ، وهو ما ينتظره يهود على أحر من الجمر ، يتكاتمونه بينهم ويجهله الخلق كلهم ، ثم يعجب المؤمن كيف لا يأتي أمر الله تعالى والناس في غفلة وضلال مبين عن أمر الله تعالى وما قدر .

 

﴿ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ ﴾

ويتضح مما سبق بيان السبب من وراء طلبهم التكليم أو آية عظيمة للتصديق أو مثل ما أوتي موسى من قبل ، ونظير تلك الآيات آية أخرى قوله تعالى :

 

﴿ وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى . وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى . قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ﴾

هنا يرد عليهم المولى عز وجل بأن اتتهم البينات في ذلك وبهذا كفاية لمن هدى الله عز وجل قلبه وسلم بالإيمان لله عز وجل وقدره ، إذ أن لذلك ميعادا لن يخلفه ولا يجب مجيئه لكل أحد إلا للجيل الذي قدره تعالى أن يكون فيه وهو جيلنا هذا ، وإلا كل أحد منهم كان يتمناه من قبل ويتلهف لوقوع تأويله لكن بشرط أن يكون فيهم ذلك أيضا لا في سواهم : ﴿ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ ، وهذا منهم كفر على كفر ورد لقدر الله تعالى وأمره وتحكما عليه ، وبهذا أتى من هنا كفر اليهود الشديد بأمره تعالى هذا رغم ادعاءاتهم الكاذبة المتوارثة بدعوى الإيمان به مخادعة ، والله مبطل مكرهم وأكاذيبهم كلها لا محالة .

وما يبين هنا في هذا الأمر ما هو إلا تلك البينات : ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ . 

ومجيئ البينات في القرآن يريد به على وجهين : مجيئ اخبار واعلام ، ومجيئ تأويل ، والأول هو المراد هنا بتلك الآيات التي رد بها تعالى عليهم ونص على أن البينات أتتهم لكن لم تكفهم .

وانتبهوا هنا جيدا أن الله تعالى أعلن وكشف عن أن ارسال المهدي الرسول الخليفة حتما سيكون قبل مجيئ ذلك التأويل قاله وهو بصدد رد قولهم هذا الباطل وزعمهم الكاذب ولم يحكه من قولهم بل قوله هو تعالى ، فذكر حتمية ارسال ذلك الرسول على الإفراد قبل ما يأتيهم الموعود ، وقطعا ليس المراد بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم لأن القبلية بالآية لا تعنيه كما هو مقرر لدى الأمة إنما القبلية تلك المراد بها ما قبل تحقق تأويل تلك البينات ، وقد بعث بالفعل ولم يأت تأويل تلك البينات ما يدل على أنه ليس المقصود بذلك ، فقد بعث وقت الخطاب هذا صلوات ربي وسلامه عليه ومن قبل ما يتحقق تأويل تلك البينات وأمره على هذا مما فات .

ثم إن الهلاك لن يحيق بهم قبل مجيئ تأويل تلك البينات وارسال ذلك الرسول ، ولم يقع عليهم ذلك يقينا قبل مجيئ المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا بعده ولم يأتهم ما يبرهن على أنه المعني بذلك ، بل حفيده المعني بذلك : ﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً ﴾ ، أي من قبل تأويل أخبار تلك البينات وليس من قبل بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، بدليل أنه بعث ولم يحصل شيء من ذلك على ما تقرر بيانه هنا .

ولو كان المقصود بهذا الإرسال النبي عليه الصلاة والسلام لما استقام الكلام هنا كما هو ظاهر ، ولتناقضت دلالة الخبر مع تحقق بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وإنما التناقض لا زال ولن يزال برأس من يحمل تلك القبلية بالآية : ﴿ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ ﴾ على بعث النبي لا تأويل تلك البينات آخر الزمان ، وهذا مما لا يصح حمل معنى الآية عليه أبدا أيضا من وجه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرسل بالفعل فكيف يستقيم دعواهم ذلك على ما أخبر تعالى وقد تم إرساله بالفعل ، لكن لما كان المعني بذلك غيره وهو حفيده جاز ذكر ذلك وتقريره بحقهم في رده عز وجل .

ومما يدل عليه أيضا أنه وعيد مستقبلي وليس هو مما حضر أوانه وقت ذلك الخطاب وقت بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تعالى توعدهم بعد تقرير ذلك الخبر بقوله : ﴿ قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ﴾ ، وهذا يؤكد بشكل قاطع على أن تلك القبلية ليس معني بها النبي صلى الله عليه وسلم بل تحقق تأويل تلك البينات .

ومما يدل على ما تقرر هنا أيضا قوله عز وجل : ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ . وهذا صريح على أن تأويله وبيانه لم يحن وقت جمع القرآن وانزاله على محمد صلى الله عليه وسلم ، بل يأتي بعده ولا يكون بيانه أي تحقيق تأويله إلا له عز وجل .

فمن يكون هذا الرسول إلا حفيده ؟

ويؤكد على هذا بحسب أصول دعوتنا المباركة ما ورد في سياق آيات سورة البينة قوله تبارك وتعالى :

 

﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ، رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً ، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ، وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾

والمراد بهؤلاء هنا أهل الكتاب من كفار اليهود وعباد الصلبان وتحالفهم مع المجوس وهم المشركون ، فهؤلاء جميعا بين تعالى أنهم لن يتركوا باطلهم وكفرهم ما لم تأتهم البينة ويريد تحقق تأويل هذا الأمر يقينا الذي لا زال يهود بانتظاره وعباد الصلبان ، لأن بذات سورة البينة ذكر تعالى أن أهل الكتاب ما تفرقوا إلا من بعد ما أتتهم البينة كما في قوله تعالى السابق ﴿ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى ﴾ ، وهنا بتلك الآيات من البينة أن البينة لم تأتهم بعد بل ستأتيهم لاحقا وحينها فقط سيتركون ما هم عليه من كفر وشرك .

ومن لم يؤمن بهذا التفصيل والتأصيل لا شك حتما سيحمل كتاب الله تعالى وأقواله على التناقض والتضاد وهو زندقة من فاهمه لو آمن به على هذا النحو المتعارض ، أما من لم يعيه على ما تقرر هنا ولا يأبه له فهؤلاء هم الأنعام يقرأونه كشربهم للماء لا يجاوز تراقيهم ، أي لا يصل لعقولهم وأفهامهم بمعانيه .

وأما من أيقن هذا واستوعبه بذهنه وقلبه فحتما يلزمه وعليه اعتقاد أن هذا الرسول المذكور هنا بسياق تلك الآيات ما هو إلا المهدي حفيد النبي صلى الله عليهما وسلم ، ومن كذب ذلك فقد كفر بأمر الله تعالى وبيناته العظيمة بذلك .

ومما يدل على ذلك أيضا ما ورد بقوله عز وجل :

 

﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ﴾

هنا يقرر تعالى أن العذاب لم يأتهم وهو المقيم أي غير المنقطع بل المتصل ، فيزيدهم منه حين يقع إلى النهاية فيكون لازما ، وهذا لم يأتهم لا قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام ولا بعد مبعثه ما يدل أنه ليس الرسول المعني بالذكر سابقا ، ولا يزال من تحققه أولئك الكفرة بارتياب حتى يقع بهم ولأنه قرين الساعة وذلك العذاب قرن بهما بالذكر في قوله تعالى هنا .

وقال تعالى : •﴿ مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا ً﴾مع قوله عز وجل : ﴿ وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾ ، وهذا مما يؤكد على ما فات تقرير بعث رسول آخر الزمان فالقبلية بتلك الآية صريح أنه مما يكون قبل يوم القيامة حين يتحقق تأويل كل تلك البينات ، فهناك حين يحق عليهم العذاب الأكبر والأدنى منه فلن يكون ذلك ما لم يبعث الله تعالى رسولا من عنده ، وتلك سنة له لا تتبدل ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

وانتبهوا لتلك اللمحة هنا بقوله تعالى هذا عن أولئك أولوا العلم الموقنون المخبتة قلوبهم للإيمان به الذين سيهديم الله تعالى لذلك ، أنهم قوم معينين وليس ذلك في ذكره عام لكل أحد ، بل قوم يدركون تأويل تلك البينات فيهديهم المولى عز وجل لليقين به وتصديقه ، عكس أولئك الكفرة أهل الريب .

وقد قص خبرهم تعالى في موضع آخر ما يدل على أن تعيين أولئك كما قلت هنا ، هم قوم يدركون تحقق البينات ويؤمنون بالمهدي ويصدقون دعوته ويتبعونه ، وأنهم الذين سيدركون ارسال الرياح الصفراء على الكفار آخر الزمان وذكرهم هذا ورد بقوله تعالى :

 

﴿ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ ، فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ، وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ .. وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ، فَيَوْمَئِذٍ لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ، وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ ، كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ، فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ﴾

نفى عنهم اليقين والإفادة من مجيئ الآية والتي لا زال يثبت مطلبهم لها ، طبعا المعني بذلك هنا الآية العامة وليست الخاصة فجنس الآيات الأخير تحقق وعلى التكرار ، لكن المقصود الآية العامة فهذه منفي افادتها بحقهم من الله تعالى وبين أن لو أتتهم لقالوا : ﴿ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ ﴾ .

وبالفعل أتتهم الآيات وقالوا هذا القول من حيث عدم يقينهم أنهن آيات من الله عز وجل ، فتلك العواصف الصفراء مثلا لا يرون بها آية بل هي مجرد تحركات وتيارات هوائية تثير الأتربة ولا يمكن تكون آية ، ومنهم من يسبها أصلا كما ثبت هذا عن بعضهم ، ومن يقول عنها آية لإيمانه حقا بذلك يعجبون منه ويعود ذلك القول عند المكذبين ضربا من الخبال أو الجنون ونزعة للافتراء على الله عز وجل وهذا أكثر من قول أحدهم أنك : مبطل .

والحق ما قاله تعالى : ﴿ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾. وبالفعل ها هي جاءت وهم لا يؤمنون كما قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَاتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ﴾ . وبالفعل ها هي أتتهم الآيات بتصريف الرب عز وجل لعلهم يتذكرون لكنهم لم يؤمنوا بها لأنهم لم يتذكروا أصلا أنها منه وأنه أخبر عنها عز وجل بكتابه .

 

وﻻ حتى يعدوها آية بمعنى علامة ، وإﻻ هي من آيات الله عز وجل وعلاماته لبعث رسوله المهدي ولهذا ترونهم اليوم يعجبون منها أشد العجب أين ما أتت .

والأمر بالصبر هنا للرسول المقصود بكل تلك الآيات وهو حفيد المصطفى صلى الله عليه وسلم لا المصطفى نفسه ، فمن لن يدرك تأويل تلك البينات ومنها الصفراء والتي لا تعنيه بالتحقق ولا كل تلك البينات ، ولا يمكن أن يأمره بالصبر على واقع لن يدركه أصلا ، إنما يصح يؤمر بالصبر من يدرك أولئك الكفرة المطبوع على قلوبهم وعقولهم ومغشي على أبصارهم ولا يسمعون .

والبعث هنا المراد به بعث المهدي عليه الصلاة والسلام بتحقق تأويل تلك البينات ، فمدارها على بعثه المبارك ، ومن ذلك تلك العواصف الصفراء والتي لن يؤمن بأمرها ويفقه دلالتها إلا من اتبعه وهدي بهداه من الله عز وجل .

وهؤلاء المدركون لتصريفه تعالى للعواصف الصفراء هم المدركون لبعثه تعالى للدابة على أولئك الكفرة ، وليس لغير حكمة أن الله عز وجل جعل تلك الآيات من سورة الروم متطابقة حرفا ومعنا مع تلك الآيات من سورة النمل في خبر بعث الدابة آخر الدنيا والتي هي أيضا من أشراط الساعة كما العواصف الصفراء ولعل لله عز وجل هناك خبيئة ما فأمره ورجل مشورته لا يخلوا من أسرار .

وقال هناك تعالى مبينا أن أمره ذاك بتحقيق البينات وتمكين المؤمنين في الأرض هو هدى لهم ورحمة فقال عز وجل :

 

﴿ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ، فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ، وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ، وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ﴾

فنص هنا على أنه قضاء الله وكما فهمتم أن القضاء لا يكون إلا آخر الزمان حين تحقق تأويل تلك البينات وبتجليه تعالى فوق جبل أحد ليحكم العالم كله ويدين الشعوب ، ويكون هو الحاكم يومها ، فذلك معنى القضاء ، وربطه بالذكر مع خبر أولئك المؤمنين وبعث الدابة على الكافرين دال على أن ذلك بالفعل آخر الزمان وليس بعد انقضاء الدنيا وموت الخلق وبعثهم للحساب العام الشامل .

فبعث العواصف الصفراء والدابة لتنطق في الناس بأنهم كانوا عن أمر الله تعالى هذا غافلون ، وهناك بوقتهم يكون أولئك المؤمنون المعنيين بذلك الوصف أتباعا للمهدي يصدقون بأمره ويطيعونه ويؤمنون بآيات الله ويوقنون بها ويكونون فيها على علم وبصيرة .

وكما قرر في بيان معنى قوله تعالى في سورة الروم في العاصفة الصفراء ، كذلك القول في المخاطب هنا بآيات سورة النمل المدرك لبعث الدابة ، ليس هو إلا حفيد النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمدرك لكل ذلك هو من يعنيه ذلك الخطاب وتلك الأوامر ، وهو المبعوث للقضاء والمسلط على الأعداء ليتم الله تعالى أمرا كان مقضيا .

 

﴿ إِنَّ اللهَ سَيَسْكُنُ فِيهِ إِلَى الأَبَدِ مَرْكَبَاتُ الرَّبِّ كَثِيرَةٌ لاَ تُحْصَى والرَّبُّ فِي وَسَطِهَا ، فَصَارَ جَبَلُ باشان مُمَاثِلاً لِجَبَلِ سِينَاءَ فِي القَدَاسَةِ 

وهذا مما لا زال يقرأه اليهود في دينهم وعقيدتهم ولن يقبلوه أبدا إلا أن يكون فيهم ، فهل رأيتم مفتونا كهؤلاء وكفرة كهؤلاء ؟!

وكما حد لجبل سنا أو سينا حدوده المقدسة كذلك جبل أحد سيقدس ويحد له حدودا مقدسة على ما قال الأنبياء وقد سبق لي تفصيل ذلك في الفصل السابق عند الكلام عن البركة من حوله وتحريمه كما حرمت مكة وقدست ، فقال النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام في ذلك ما يلي :

 

﴿ هذِهِ سُنَّةُ الْبَيْتِ : عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ كُلُّ تُخْمِهِ حَوَالَيْهِ قُدْسُ أَقْدَاسٍ هذِهِ هِيَ سُنَّةُ الْبَيْتِ 

وهذا يرجع بنا إلى المفاضلة ما بين الخلاص الأول والخلاص الثاني ، فإن كان في الخلاص الأول قدس الأقداس خيمة العهد التي كان ينزل عليها الرب جل وعلا ليكلم نبيه موسى عليه الصلاة والسلام ، ومهما كانت تلك الخيمة من السعة ، فهنا بحسب كلام النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام ، فقدس الأقداس صار كل الجبل وما حواليه ، فأي قياس ما بين خيمة مهما كبرت مع جبل بتلك السعة والضخامة والقداسة وما حوله يقدس معه ، فتبارك الله الذي يؤتي فضله العظيم من يشاء من عباده .