هل سيكون لابسوا البشوت وواضعوا العقل من أتباع الدجال *

 


 

 

 

 

روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده عن عثمان بن أبي العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله في خبر الدجال : ( ومعه سبعون ألفا عليهم السيجان ) .

 

قالوا السيجان : جمع ساج وهو الطيلسان . وهو مشهور في اليهودية من أردية كهنتهم ما زالوا يتميزون به عن سائر الناس ، ورد ذلك في عهد النصارى الجديد المزعوم فيما ينسبونه لما يسمى إنجيل لوقا في الإصحاح العشرين قوله : وفيما كان جميع الشعب يسمعون قال لتلاميذه : احذروا من الكتبة الذين يرغبون المشي بالطيالسة ! ، ويحبون التحيات في الأسواق والمجالس الأولى في المجامع والمتكآت الأولى في الولائم ، الذين يأكلون بيوت الأرامل ولعلةٍ يطيلون الصلوات ، هؤلاء يأخذون دينونة أعظم اهـ (1).

 

وهنا غريبة في صفة أتباع الدجال هؤلاء تحتاج إلى تعليق لإيضاحها :

 

التعليق الأول : قولهم في لفظة الحديث ( السيجان ) أنه الطيلسان ، وهو المشهور والمتداول في معـنى هذه الكلمة عندهم حـتى قرر هذا في بعض كتب اللغات ، وفيما قالوا وهم مبناه على تصحيف كلمة ( التيجان ) إلى ( السيجان ) ومن ثم التكلف في تفسير المعنى .. ** .

 

ويبدو والله أعلم أن هذا الخلط قد حصل قديما على معنى الخبر ، قال الشماخ :

 

وليلٍ كلون الساج أسود مظلم  ***  قليل الوَعَى داجٍ كلون الأرَنْدَجِ

 

لكن يبقى القول ما علاقة هذا بأمة محمد صلى الله عليه وسلم إن كان هذا في صفة أتباع الدجال وأصحابه ؟! ، ومن يكون هؤلاء ؟! .

 

والجواب : أن أصحابـه هؤلاء في تلك الصفـة هم أخص أتباعه وعليه نص الخبر في بعض ألفاظه على صفتهم تلك وأنهم أصحابه ! ، وبعضها أتباعه ! .

 

وقد يوهم لفظ حديث عثمان بن أبي العاص أن هؤلاء من اليهود لقوله في الخبر : .. ومع الدجال سبعون ألفا عليهم السيجان ، وأكثر تبعه اليهود والنساء . لكن تأكد هذا في حديث المسند عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : ( يخرج الدجال من يهودية أصبهان معه سبعون ألفا من اليهود عليهم السيجان ) . هكذا أثبته بعض النساخ بـ( السيجان ) مع إقرارهم أن المثبت بالمسند ( التيجان ) أيضا !! ، وهذا من الخلط ولا شك .

 

لكن الصحيح أن هذه صفة أتباعه من أمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا لما روي صريحا في هذا الخصوص عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا وفيه التصريح أنهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ! ، وذلك في قوله : ( يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفا عليهم السيجان ) .. رواه عبد الرزاق في مصنفه (2) وفيه : ( السيجان ) مثل ما ورد في مسند أحمد رحمه الله عن عثمان بن أبي العاص .

 

على خلاف مـا روى نعيم بن حماد رحمه الله تعالى خبر عبد الرزاق السابق عنه عن معمر عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفا عليهم التيجان ) (3).

 

وهذا هـو الراجـح عندي والله أعلم ( التيجان ) نسبة إلى هذه العُقُل المعهودة في زماننا من زي الخليجيين ! ، يضعها أغلبهم على الرؤوس للزينة ، وهي الأقرب لهيئة التاج حلت محله ، وعليه قلت بأن هؤلاء هم المعنيين بهـذا الخبر وأن مـآل أمـرهم لصحبة الدجـال لعنهم الله تعالى ، وسيكونون من خاصة أتباعه والأمر جدا منطقي ، فهم اليوم أتباع للدجاجلة الصغار ! ، فما الذي سيمنعهم من أتباع دجالهم الأكبر حين يخرج ويمكن في الأرض غدا ، وهو على ما بلغنا في الأخبار سيغري الناس بالكنوز ، ويلبس عليهم بالأباطيل والتخييل ، حتى أنه يخرج للناس شياطين على صور آباء وأمهات هؤلاء ، يقول لهم أنا ربكم الأعلى وبمقدوري بعث أمهاتكم وآبائكم ، فيفعل ذلك بما يخرج معه من الجن فيصدقونه .

 

ومثل مـا اختلفوا في حديث أبي سعيد اختلفوا في حديث أنس فقالوا بـ( التيجان ) بدلا من ( السيجان ) وأيا كان الأمـر ، فمن الكل سيكون له أتباع من اليهوديـة والإسلامية ، فاليهود أهل السيجان ( الطيلسان ) ، والمسلمين أهل ( التيجان ) أو ( السيجان = الطيلسان ) على ما بينته سابقا .

 

ومما أورد أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه الأضداد في صفتهم عن أبي هريرة قوله : أصحاب الدجال عليهم السيجان ، شواربهم كالصياصي ، وخفافهم مخرطمة .

 

قال أبو بكر : الصياصي قرون البقر ، أي يفتلون شواربهم ويحددونها ، حتى تصير كقرون البقر .


 ومخرطمة : معناه لها خراطيم اهـ (4).

 

قلت : وفي هذا زيادة إيضاح في صفة هؤلاء وهم في الغالب اليوم على هذه الهيئة خصوصا الوجهاء منهم حين يبدون في المناسبات العامة ، والمقربين منهم للدجاجلة الصغار يحبون يبدون بالجزم المخرطمة ! ، ولا نجد شواربهم إلا كقرون البقر على سنة المجوس لعنهم الله تعالى ، راغبين عن سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام في جز الشوارب وإعفاء اللحى .

 

التعليق الثاني : في أن نقول حتى في معنى ( السيجان ) على ما زعموا ولو كان ذلك عندي تصحيفا من ( التيجان ) التي قلت أنها هذه العُقُل التي يضعونها على رؤوسهم على هيئة التيجان ، وقد كان يقال قديما : ( عمائـم العرب تيجانهـا ) . واليوم يقال : ( عقل أتباع الدجاجلة الصغار تيجانها ) ! .

 

أقول : حتى على هذا المعنى فالوصف مطابق لهؤلاء بما أن الساج قالوا في معناه هذا الرداء المسمى الطيلسان . وقد زعـم بعض المتقدمـين أن لونه ( أخضر ) وهذا غير صحيح أولا : لقول الشاعر الشماخ أنه أسودا : وليلٍ كلون الساج أسود مظلم .

 

وثانيا : لما ثبت في زي كهنة اليهود على ما أسلفت ذكره .

 

ووجه مطابقة هذا الوصف لما عليه أتباع الدجاجلة الصغار المهيئين لأتباع الدجال الأكبر ، أنهـم يرتدون اليوم هذه الأرديـة السوداء يسمونها ( البشوت ) وهي أشبه مـا تكون من زي العرب اليوم بطيلسان اليهود الأسود ، ومن قال بخلاف قولي فليدلني على ما يشابه ذلك من زي عريب اليوم ؟! .

 

ومن أهل البشوت كذلك أكثر قراء النفاق في زماننا هذا وما أكثرهم في قـراء جزيرة العرب ، وفي عدادهـم قراء جهة المشرق ، لا يبدون في المناسبات التلفازية وإلقاء الكلمات الوعظية إلا بهـذا الزي الأميري ، وقد جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله : ( ينشأُ نشءٌ يقرءون القرآن لا يجـاوز تراقيهم ، كلما خرج قرن قطع .. ، حـتى يخرج في عراضهم الدجال ) (5).

 

والملاحظ : أن هؤلاء وصفوا بصفات الحدثاء السفهاء الذين يخرجون آخر الزمان وذلك في قوله : ينشأُ نشءٌ يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم .

 

وهذا عين ما وصف به الحدثاء الذين يخرجون آخر الزمان أنهم نشأ ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، ما يدل على أنهم هم المعنيين هنا بهذا الخبر .

 

 


 

* نشرت هذه المقالة في موقع المهدي بتاريخ 20/12/ 1424 هـ الموافق 11/2/2004 .

(1) لوقا (ص 134) .

** إلا ما كان من قول ابن كثير رحمه الله تعالى ، أن التيجان هي الطيالسة !! .

(2) مصنف عبد الرزاق ( 11/393) .

(3) كتاب الفتن (2/551) .

(4) الأضداد (347) .

(5) رواه ابن ماجه (1/100) ومثله عند أحمد رحمه الله تعالى في المسند ( 11/456) .