الفصل الرابع
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُون ﴾
وهكذا كانت مشيئة الرب عز وجل أن القضاء فيهم سيرجع إلى مصر ومن هناك سيكون إعلان الفصل بينهم ، ولهذا اقتضت حكمته تبارك وتعالى بأن يخبء تابوت الشهادة والعصا في وسط مصر وعليه كانت مقولة نبي الله تعالى اشعيا عليه الصلاة والسلام : ﴿ فأين هم حكماؤك ؟ فليخبروك ليعرفوا ماذا قضى به رب الجنود على مصر ﴾ .
وقد سبق لي ذكر ذلك والإشارة إليه تحت العنوان التالي وهو ما اعتبر الإشارة الثانية بالترتيب الخاص في بيان أصول دعوتنا المباركة : ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين).
وقلت هناك : إنه القضاء العظيم الذي جهله كافة الناس لا حكماء مصر فقط ، وحين أمر الله تعالى بذهاب مريم وابنها عليهما الصلاة والسلام إلى هناك فوق ذلك المخبأ ، إنما أمر بذلك ليعطي لمحة في القرآن عنه بما نقلت هنا من قوله في سورة الأنعام ، فالحمد لله على هدايته وانارته بصائرنا ليعرفنا بأسراره ومكنونات كتابه المجيد ، والتي منها أمر تابوت الشهادة والعصا الربانية ، وحين يقول النبي اشعيا عليه الصلاة والسلام : ﴿ اِهْتِفِي يَا أَسَافِلَ الأَرْضِ ﴾ ، وقوله أيضا : ﴿ لتنفتح الأرض حتى يثمر الخلاص ، وينبت البر ﴾ ، وقول هوشع عليه الصلاة والسلام : ﴿ إِنَّهُمْ إِلَى مِصْرَ يَرْجِعُونَ ﴾ ، نجد الله عز وجل بكتابه القرآن يجمع كل ذلك بآيات من سورة الروم ، ما تعد باعتقادنا في أصول دعوتنا المباركة بمثابة الإشارة الرابعة لأمر تابوت الشهادة هذا وذلك في قوله عز وجل في تلك السورة : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ، وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ، وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ .
فالدعوة هنا لقيام الشهادة بتابوت الشهادة وما فيه على الجميع وليس أهل الكتاب فقط بل على الجميع وعلى رأسهم اليوم الأمريكان ومن دار في فلكهم من الروم عموما ولهذا دس لهم في ثنايا آيات تلك السورة التي سميت باسمهم ذلك الوعيد والنبأ العظيم ، وحين يُدّعَون من الأرض في ذلك الشأن فيخرجون كل من جحره يتبينون ماذا جرى وإذا بهم أمام الله تعالى وجها لوجه صامتون كما قال النبي حبقوق عليه الصلاة والسلام : ﴿ فاسكتي قدامه يا كل الأرض ﴾ . ويقول النبي زكريا عليه الصلاة والسلام : ﴿ اسكتوا يا كل البشر قدام الرب ، لأنه قد استيقظ من مسكن قدسه ﴾ .
وفي الزبور : ﴿ إنك رهيب فمن يقفُ أمام وجهك حال غضبك ، من السماء أسمعت الحكم ففزعت الأرض وصمتت عندما قام الله للقضاء ليخلص جميع ودعاء الأرض ﴾ . نعم ، صمتوا كما صمتوا من قبل في زمان موسى عليه الصلاة والسلام حين عبر ببني إسرائيل البحر الأحمر ، من بعد ما عمل الله عز وجل بفرعون وجيشه العجائب ، وحين علمت الممالك بذلك صمتوا هناك رعبا ودهشة ، وسيكون هذا حال المتأخرين كما الأولين : ﴿ مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزًّا فِي الْقَدَاسَةِ ، مَخُوفًا بِالتَّسَابِيحِ ، صَانِعًا عَجَائِبَ ؟، تَمُدُّ يَمِينَكَ فَتَبْتَلِعُهُمُ الأَرْضُ ، تُرْشِدُ بِرَأْفَتِكَ الشَّعْبَ الَّذِي فَدَيْتَهُ ، تَهْدِيهِ بِقُوَّتِكَ إِلَى مَسْكَنِ قُدْسِكَ ، يَسْمَعُ الشُّعُوبُ فَيَرْتَعِدُونَ. تَأْخُذُ الرَّعْدَةُ سُكَّانَ فِلِسْطِينَ ، حِينَئِذٍ يَنْدَهِشُ أُمَرَاءُ أَدُومَ ، أَقْوِيَاءُ مُوآبَ تَأْخُذُهُمُ الرَّجْفَةُ ، يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ ، تَقَعُ عَلَيْهِمِ الْهَيْبَةُ وَالرُّعْبُ ، بِعَظَمَةِ ذِرَاعِكَ يَصْمُتُونَ كَالْحَجَرِ حَتَّى يَعْبُرَ شَعْبُكَ يَا رَبُّ ، حَتَّى يَعْبُرَ الشَّعْبُ الَّذِي اقْتَنَيْتَهُ ، تَجِيءُ بِهِمْ وَتَغْرِسُهُمْ فِي جَبَلِ مِيرَاثِكَ، الْمَكَانِ الَّذِي صَنَعْتَهُ يَا رَبُّ لِسَكَنِكَ الْمَقْدِسِ الَّذِي هَيَّأَتْهُ يَدَاكَ يَا رَبُّ ، الرَّبُّ يَمْلِكُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ ﴾ " الخروج "
وجعل لقرب تحقق ذلك علامتان لا يخطئهما من هدي قلبه للعلم بالحق المبين ، ذوبان الجليد وتواتر زلزلات الأرض فقال في الزبور : ﴿ ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب ، قدام سيد الارض كلها .. ايتها الارض تزلزلي من قدام الرب ﴾ .
وكل ذلك وغيره قد تحقق بالفعل لا يمكن لأي أحد جحد ذلك من بعد لم يكن ذلك ولا غيره من علامات وأشراط لقرب قيام الساعة .
وكما قال تعالى أنه يبدئ الخلق ثم يعيده بذلك وقوله الحق والصدق ، فمثل ما بدأ أمر التابوت والعصا وذلك الفرقان والفصل في عصر موسى عليه الصلاة والسلام مع الفرعون المصري وجيشه ، هم كذلك سيرجعون لمصر ليتم مثل ذلك الفصل والشأن العظيم مع الفراعين وجيشهم بل مع العالم كله ، وبزيادة لا يعلمها إلا الله عز وجل فيصدق على ذلك أنه يبدأ الخلق ثم يعيده وأن ذلك سيكون عليه أهون ، فتبارك الله العليم القوي الحكيم القائل : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلا غُرُوراً ...
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلا نُفُوراً ، اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾ .
والسنة هنا التي سينظرون اخراج التابوت والعصا لهم من باطن الأرض ، كما عملت من قبل في فراعين مصر ستعمل في فراعينهم الأخيرة ، سنة من سبق لن يجدوا لها تبديلا ولن يجدوا لها تحويلا ، وعيد شديد لهم مثل ما هي أمل للمؤمنين وخير مردا.
والغريب في الأمر هنا أن اليهود موقنون بهذا الوعيد كل اليقين والإيمان لكن ايمانا مبطنا بالجحود والكفر العنيد ، لقوله تعالى على ألسنتهم في شأن هذا النذير خاصتهم وذلك الوعيد : ﴿ وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى ، وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ، قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ﴾ . يريدون بالآية عودة التابوت والعصا ، ولذا طلبوا شبهتهم أن لا يؤمنوا إلا برسول يأتيهم من الله عز وجل بذلك ، فهم كما ترون يؤمنون بذلك حق الإيمان لكنه كما قلت مبطن بالجحود والعناد ، وإنهم مع ذلك لعلى يقين جازم أنهم سيذلون ويخزون هناك نتيجة ذلك الكفر والجحود والعناد ، فسبحان من يقلب بصائرهم كأن لم يؤمنوا به أول مرة .
ومما يؤكد على هذا قوله تعالى عنهم في سورة القصص ما يلي : ﴿ وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ﴾ . وبماذا أوتي موسى إلا بالتابوت والعصا ولوحي الشهادة والتوراة * ، فهم يدركون وبعلم ويقين أن كل ذلك عائد لهم آخر الزمان ولهذا طلبوا أن يؤتى الرسول الذي يشترطون الإيمان به بما أوتي موسى من قبل ، يريدون التابوت والعصا ، لكن الله عز وجل أثبت عليهم الكفر والجحود بهذا لما يأتي مثل ما كفروا به من قبل ، وهكذا محاججة الله عز وجل لهم في أمرهم الباطن هذا وهكذا هي ردوده عليهم ، وعليه ترون بغضهم الشديد لرسالة محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم وللكتاب الذي أنزل عليه ولكل تلك المحاججات ، فهم يعلمون بيقين في قرارة أنفسهم عماذا يخاطبهم الله تعالى ، والناس من حولهم طرشان !!
ولقد أكثروا في طلب ذلك على ما قص علينا تعالى عنهم من ذلك بكتابه القرآن ، إلا يؤمنوا بالرسول الذي ينتظرون أن يتحقق علي يديه مجيء تلك الآيات ، ومن ذلك قوله تبارك وتعالى في سورة الرعد : ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ .. لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ .. لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ . وهادي كل قوم الشاهد عليهم من أولئك الأنبياء الأشهاد ، وحين يأتي الله تبارك وتعالى بأمره وتلك الآيات ، سيأتي الله تعالى بأولئك الهادين الأشهاد فيشهد كل منهم على قومه كالمسيح عليه الصلاة والسلام ، حين يستجيبون بحمد ربهم ويقولون الحق والصدق ويتبرأ ممن أشركوا به واتخذوه وأمه إلهين من دون الله عز وجل .
وأولئك هم من استجابوا لربهم فجازاهم بالحسنى ودخول تلك الجنان ودار السلام ، وأعدائهم ممن ستقوم عليهم تلك الشهادات إلى النار وسوء الحساب : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ، ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ ، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ ، ﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ، تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ، لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ، فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ .
فالإله الحق ميز نفسه عن آلهة الباطل المعبودة من دونه بأن ليس لها دعوة من الأرض في الدنيا والآخرة وليس لها القضاء في ذلك ، بل لا يكون ذلك إلا للإله الحق سبحانه ، فكان تدبيره تبارك وتعالى في شأن ذلك التابوت وتلك العصا .
ثم انظروا له تعالى كما في سورة الروم كيف جعل الإستجابة لتلك الدعوة منكرة غير مضافة لمكان الخروج لأنه يريد خروج غير ما سيكون في الأخرى حين يدعوهم الداعي يومئذ لأمر عظيم كذلك ، لأنها دعوة على خلاف الأمر والدعوة المذكورة في سورة الروم ، فقال في سورة القمر : ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ ، خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ، مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ ﴾.
وهنا لم يضف دعوته لهم من الأرض لكنه نص على خروجهم من الأجداث - والذي يراد به باجماعهم على تفسير ذلك أنها القبور ، وإن تجوزنا معهم في ذلك فقد يراد بالأجداث البيوت التي هي قبور موتى الأحياء - ، وفي سورة الروم نسب دعوته لهم من الأرض لكنه لم يفسر خروجهم من أين كما فعل هنا في سورة القمر ، لقصد المغايرة بين الدعوتين ، فيكون المراد بسورة الروم دعوة من الأرض للأحياء ليخرجوا لأمر التابوت والعصا وذلك الفصل ، ويكون المراد في سورة القمر إن سلمنا وتجوزنا معهم أن المراد كما اعتقدوا ، دعوة لخروج الأموات كافة من القبور ليوم الحساب الأكبر ، فهنا دعوة لله تعالى وهناك دعوة كذلك لله يدعو لها عباده للحساب ، ففي سورة الروم الحساب الخاص لذلك القرن الأخير ، وفي سورة القمر الحساب العام لكافة البشر لهذا صرح بالأجداث وقيده بذلك عكس ما ورد في سورة الروم نكر ذلك ، وعليه يحمل قول مؤمن آل فرعون :﴿ لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ ﴾ ، أي مردنا له تعالى في الإستجابة له في كلا الدعوتين .
ولما كانت الدعوة تلك للصالحين مثل ما أنها للطالحين ، ولكل نصيبه من ذلك ، يدعى هؤلاء كما يدعى هؤلاء ثم يكون الفصل والفرقان بما فصل هذا التبيان عن تابوت الشهادة وآيات الله تعالى البينات المرافقة لذلك التابوت بقوله تبارك وتعالى : ﴿ قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً ، أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً ، يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ... وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ﴾ .
يقرر تعالى هنا البعث لكن بالجواب عن حال الأشهاد من الأنبياء الرسل وهم الأعلى في المنزلة والقرب من المولى عز وجل من بين سائر الأنبياء والرسل فكل من اتخذه تعالى من الأشهاد من الأنبياء هم الأرفع منزلة وأعلى درجة عند الله تعالى ولهذا قال تبارك وتعالى بعد تلك المحاججة بالتفضيل ما بين النبيين لتلك المناسبة ، وقوله بعسى أن يكون ذلك قريبا لأنه يحاجج بأصحاب تلك المقامات وبعثهم مجددا للحياة ليقوموا بما اصطفاهم تعالى له وهو مقام الشهادة ، ولهذا لما كان منهم من ذهب به للسماء ، ومنهم من بقى في الأرض لكنه سيبعث لذلك المقام الشريف العلي قال تعالى : ﴿ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ ، أي من هؤلاء جميعا وعليه أشار للمفاضلة ما بينهم وبين من لم يصطفى لذلك من الأنبياء ، ولا مناسبة لذكر هذا بعد ذاك إلا بما تقرر هنا والله الموفق .
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾
ولما كانت تلك الإستجابة من محمود مقرب مزكى قال تعالى في استجابتهم لذلك : ﴿ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ، فتكون استجابتهم تلك بحمد الله وفضل منه ، لقيامهم بالشهادة التي كتب الله تعالى وسرت نفسه أن يقوم بذلك مع كتبه ورسله الأنبياء على الكفرة والأعداء لملته ودينه وشريعته .
( لماذا انت منحنية يا نفسي ؟ ولماذا تئنين في ؟ ارتجي الله ، لأني بعد احمده ، لأجل خلاص وجهه ) " الزبور "
ومما في الزبور دال على أن الحمد له تعالى من أوليائه قوله : ( في الهاوية من يحمدك ؟ ) ، ( يحمدك يا رب كل ملوك الارض ، اذا سمعوا كلمات فمك ) ، ( الحي هو يحمدك كما انا اليوم ) .
وكان تقريره لذلك دائر على تقرير البعث لكن البعث الخاص لأولئك الأشهاد المؤقتون لذلك اليوم العظيم الفاصل ، لكن بلبوس عام في ظاهر النص وباطنه مخصوص بحال أولئك الأشهاد من الأنبياء ، فتوهم من توهم على ذلك حتى حسب انكار البعث عقيدة في العرب المشركين في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا من الكذب لا يصدقه الشذوذ وإن كان من فرد أو اثنين ، لكن من حسب أن ذلك عقيدة سائدة في الكل أو الأكثر من العرب ، فذلك من الكذب والإفتراء عليهم قبل الإسلام ، فقد ثبت من تأريخهم تعظيم البيت الحرام والقيام ببعض ما تبقى لديهم من شرائع تعظيم البيت من ملة الخليل إبراهيم ، وبلغ الناس من تعظيمهم لبيت الله تعالى ما بلغ ، فإن ذلك الإنكار للبعث مما كان من شذاذ إن افترضنا وجود مثل ذلك في زمانهم من بينهم ، لا يمكن يحمل عليه معنى تلك الآية ، والحق أنها تلميحات ربانية عن بعث أولئك الأشهاد ثم ليفهم من البعث على مبلغ علمهم ، وحسنا يكون ذلك المبلغ للحد الذي ينهون فيه عن عدم اعتقاد عدم مقدرة بعث الله تعالى لكافة الخلائق ليحاسبوا بين يدي الله عز وجل ، والقادر على بعث كافة الخلق ، هو قادر على بعث أولئك الأشهاد لليوم المخصوص ذاك من باب أولى ، والإيمان واليقين مطلوب في كل ذلك بأفعاله تعالى ، فمنهم إيمانه العام ومنهم إيمانه الخاص ، وكل يلزمه ذلك بما يخصه من أي الوجهين ، مثل اختصاص المسيح صلوات ربي وسلامه عليه بذلك الإيمان بالبعث الخاص دون العام بقوله حين تمنى بعض كتبة اليهودية أعدائه أن يموت وذلك في القصة التالية المذكورة في انجيله الصحيح : ( لا تبكوا لأن لعازر راقد وقد أتيت لأوقظه . فقال الفريسيون فيما بينهم : ليتك ترقد أنت هذا الرقاد . حينئذ قال يسوع : إن ساعتي لم تأت ولكن متى جاءت أرقد كذلك ثم أوقظ سريعا ) . الفصل 193
وانظروا لمطابقة قول المسيح هنا صلوات ربي وسلامه عليه مع ما قاله تعالى في بعث أولئك حين قال : ﴿ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ، وهذا عين ما قاله رسوله هنا : أرقد كذلك ثم أوقظ سريعا . وما يدل عليه هذا التطابق والتوافق أنه هو مقصود في ذلك ، ويكون على هذا قصة احيائه لذلك الميت بإذنه تعالى شهادة له ولإعتقاد عودته ، كما قال في قصة المجذوم الذي شفاه تعالى أو المقعد على يديه ، بأن ذلك ما حصل إلا شهادة له ، وكذلك قصة احياء ذلك الميت ما هو إلا شهادة له ، وليذكر ذلك تعالى بكتابه تلميحا ، فيذهب بالتالين لكتاب الله عز وجل بالظنون .
ومما يدل على أنه هو المقصود بذلك ما تلى تلك الآيات من سورة الإسراء وبه اختصاص به قوله عز وجل : ﴿ قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً ، أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ، وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾ .
فهو المدعو هنا من دون الله عز وجل لأنه اتخذ من الكثير إلها يدعى من دون الله عز وجل ، لهذا لمح تعالى لما كان مقصود كلامه المسيح نفسه عليه الصلاة والسلام ، بأن لا شعور له حين يلبث في التوفي طويلا فيحسب أنه أوقظ سريعا ، وأن ليس بيده كشف الضر عمن يعبده ولا تحويلا ، ولما كان هو المقصود وهو البريئ من عبادتهم تلك له من دون الله عز وجل قال تعالى معقبا : ﴿ أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ﴾ .
ثم أعقب ذلك بقوله عز وجل : ﴿ وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾ . لأن كل تلميحاته السابقة إنما مقصودها القضاء آخر الزمان وعودة الأشهاد ، من ذهب به للسماء ومن بقي منهم في الأرض ، فكان بذلك كل تلك الآيات بذلك السياق تلميحات المعني بها خلاف ما فهمه القراء من ظاهر الكلام .
وأيضا أعقب ذلك قوله لما كان مقصوده من شأنهم بما يتعلق بالتابوت والعصا وما رافق ذلك ، بقوله عز وجل : ﴿ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً ﴾ .
يريد بالآيات هنا التابوت والعصا ، وإلا هو مانع ليس على التأبيد ومصير هذا المانع للزوال بدليل أن أخبر بكتابه متوعدا بمجيء آياته آخر الزمان ، بل مجيء الرب بنفسه تعالى لهم وذلك من أعظم حضور الآيات وتحقق البينات ، وهذا يدل على أن المانع من الإرسال بتلك الآيات على الإبتداء لكفر الناس بها من قبل ، فقد آتاهم الله عز وجل التابوت وشاهدوا عمل تلك العصا ، ومع هذا كان من أكثرهم الكفر والجحود لما يقتضيه وجود تلك الآيات من إيمان وانقياد ، فكان ذلك الكفر والجحود من السابقين المعاصرين لكل ذلك ، مانعا من الإرسال بها مجددا على الإبتداء يريد تعالى ، وذلك من رحمته بالناس وحكمته ، لأن لازم الإرسال بتلك الآيات ابتداء تعذيبهم من الإبتداء وأخذهم أخذة عزيز مقتدر ، وذلك لازم من يكفر بآياته الحاسمة الفاصلة إذا ما أرسل شخصا ما بها ، مثل ما جرى مع الفرعون الأول في زمان موسى عليه الصلاة والسلام ، ولكن من رحمته وعظيم لطفه وتدبيره أن أخر الإرسال بالآيات عن إرسال الرسول المعني ، حتى تقوم على الناس الحجة ويبتلى من يبتلى ويتم التمحيص والفرز ، ثم إذا انتهى الناس بعلمه لقضاء ما يلزم من ذلك ، أتى إرساله بتلك الآيات للحسم ولإيقاع ما لا بد من وقوعه ، وعليه أتبع ذلك بقوله تبارك وتعالى : ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً ﴾ .
يريد الرؤيا ببعث المهدي عليه الصلاة والسلام ليفتنهم بذلك ، مثل ما كانت فتنتهم بتلك الشجرة الملعونة في القرآن ومراده بذلك شجرة النفط المستخرجة من باطن الأرض ، فكل ذلك فتنة لهم في أمرهم ذاك ، ولو لم يشأ جعل بعثه بالرؤيا فتنة لهم وامتحان أيسمعون لله تعالى ولرسوله ، لكان إرساله بتلك الآيات من الإبتداء فيحسم الأمر ، لكنه شاء وقدر أن يجعل لهم دورا من السنين مقدرا ومعلوما عند الله عز وجل يبتليهم بما يجري خلال ذلك ، وربكم فعال لما يريد سبحانه .
ومما أراد تعالى من الحكمة بذكر تلك الآيات التي أبقاها لهؤلاء الأشرار آخر الزمان ، وخصوصا منها العصا التخويف بعاقبة تلم بهم كعاقبة الفرعون وجيشه في زمان موسى الكليم عليه الصلاة والسلام : ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً ﴾ .
وكيف لا والله عز وجل قال عن الفرعون الملعون الأول : ﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ ، فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ، فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ ﴾ . سلفا ومثلا بالتأديب بالعصا والمحق والسحق ، فمثل ما ضرب الله تعالى بها ذلك السلف والمثل ، سيضرب بها خلفتهم الأخيرة تأديبا ومحقا وسحقا .
ولهذا قدر تعالى بحكمته وعدله وقدرته العظيمة أمر ذلك التابوت وتلك العصا وجعل ذلك مرهونا بمصر ، لإرتباط ذكرها وسيرتها بما حصل هناك من قبل ، مثالا وسلفا كما قال تعالى لعلهم يخافوا ويردعوا عن غيبهم .
ولهذا ترون تواتر الذكر على خبر تلك العصا كقول النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام : ﴿ وَأُمِرُّكُمْ تَحْتَ الْعَصَا ، وَأُدْخِلُكُمْ فِي رِبَاطِ الْعَهْدِ ﴾ .
ويقول النبي ميخا عليه الصلاة والسلام : ﴿ اِرْعَ بِعَصَاكَ شَعْبَكَ غَنَمَ مِيرَاثِكَ ... كَأَيَّامِ الْقِدَمِ ﴾ .
أو قول اشعيا عليه الصلاة والسلام مصرحا أن عمل العصا فيهم سيكون كعملها السابق في مصر ، ألم يقل تعالى : ﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ ﴾ ؟
﴿ وَيُقِيمُ عَلَيْهِ رَبُّ الْجُنُودِ سَوْطًا ... وَعَصَاهُ عَلَى الْبَحْرِ ، وَيَرْفَعُهَا عَلَى أُسْلُوبِ مِصْرَ ﴾
وفي الزبور قال عن المهدي عليه الصلاة والسلام : ﴿ لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي ، عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي ﴾ .
وفيه : ﴿ وباسمي قرنهُ يرتفع ، فأجعل على البحر يده وعلى الأنهار يمينه ﴾ . كما قال النبي اشعيا تماما .
ويقول النبي أيوب عليه الصلاة والسلام : ﴿ بُيُوتُهُمْ آمِنَةٌ مِنَ الْخَوْفِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ عَصَا اللهِ ﴾ .
وفي الأمثال المنسوبة للنبي سليمان عليه الصلاة والسلام هناك : ﴿ اَلسَّوْطُ لِلْفَرَسِ وَاللِّجَامُ لِلْحِمَارِ ، وَالْعَصَا لِظَهْرِ الْجُهَّالِ . فِي شَفَتَيِ الْعَاقِلِ تُوجَدُ حِكْمَةٌ ، وَالْعَصَا لِظَهْرِ النَّاقِصِ الْفَهْمِ ﴾ .
إذا لا بد من العصا لمن طغى وتجبر ولا عاد ينفع معه نصح ولا مجرد تخويف ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ .
وبلغ من شأن تلك العصا العظيم أن يري الله عز وجل أنبياءه شأنها كما حصل مع النبي ارميا عليه الصلاة والسلام قال : ﴿ ثُمَّ صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ قَائِلاً : « مَاذَا أَنْتَ رَاءٍ يَا إِرْمِيَا ؟ » فَقُلْتُ : « أَنَا رَاءٍ قَضِيبَ لَوْزٍ ».
فَقَالَ الرَّبُّ لِي: « أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ ، لأَنِّي أَنَا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُجْرِيَهَا ﴾ .
بل يوصف المهدي الحفيد عليه الصلاة والسلام بالإرسال في الزبور والإنجيل بعد جده صلوات ربي وسلامه عليهما ، مضافا لجده معرفا بتلك العصا والإرسال من الله عز وجل تحديدا ، فيقول : ﴿ قال الله لربي اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك ، يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك ﴾ .
وهذا بخصوص العصا ، وعن التابوت يقول النبي حزقيال عليه الصلاة والسلام : ﴿ وأجعل مقدسي في وسطهم إلى الأبد ، ويكون مسكني فوقهم وأكون لهم إلها ويكونون لي شعبا ، فتعلم الأمم أني أنا الرب ﴾ .
ويقول : ﴿ وَأَتَجَلَّى بِقَدَاسَتِي بَيْنَكُمْ عَلَى مَشْهَدٍ مِنَ الأُمَمِ ﴾ . يريد نزول ظلل الغمام على التابوت فتحل قداسته هناك وسطهم كما قال تعالى في القرآن : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ﴾ .
لأن بالغمام فوق تابوت الشهادة مسكنا للرب وهكذا قال بذلك النبي سليمان عليه الصلاة والسلام حين غشى الغمام تابوت السكينة تابوت العهد لما أدخله للمسجد فقال : ﴿ الرَّبُّ إِنَّهُ يَسْكُنُ فِي الضَّبَابِ ﴾ .
وقبله قال أبوه داود عليهما الصلاة والسلام : ﴿ السَّحَابُ وَالضَّبَابُ حَوْلَهُ ، الْعَدْلُ وَالْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّه ﴾ .
وقال : ﴿ عَلَيهم جَلاَلُهُ وَقُوَّتُهُ فِي الْغَمَامِ ، مَخُوفٌ أَنْتَ يَا اَللهُ مِنْ مَقَادِسِكَ ﴾ .
ويقول النبي أيوب عليه الصلاة والسلام : ﴿ يَحْجِبُ وَجْهَ كُرْسِيِّهِ بَاسِطًا عَلَيْهِ سَحَابَهُ ﴾ .
ويقول النبي ميخا عليه الصلاة والسلام : ﴿ اسْمَعُوا يَاجَمِيعَ الشُّعُوبِ ، وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ وَكُلُّ مَنْ فِيهَا ، وَلْيَكُنِ السَّيِّدُ الرَّبُّ مِنْ هَيْكَلِهِ الْمُقَدَّسِ شَاهِداً عَلَيْكُمْ ﴾ .
وسيكون ابتداء كل ذلك من مصر حين يظهر الله تعالى آياته تلك فيرونها جميعا : ﴿ يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ، إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ .
------------
* والتكليم كذلك وقد بسط الكلام في بيان معنى طلبهم هذا لإتباع الرسول في الفصل السادس من كتاب مجد طيبة دار السلام تحت التعقيب (16) وعنوان الفصل : ( المدينة المقدسة في النبوءات من منظور جغرافي ) .
كذلك يراجع : ( هل سيكلم الله تعالى المهدي مثل ما كلم موسى عليهما الصلاة والسلام ؟ ) .
Powered by Backdrop CMS