لقد خشيت أن أكون كاهنا أو في جُُنُـنٌ !! *
كان أول ما بُدئ به صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح .
قالت عائشة رضي الله عنها : فمكثَ على ذلك ما شاء الله ، وحبب له الخَلْـَوة فلم يكن شيء أحَـبّ إليه منها . متفق عليه
وما أشبه حال المهدي عليه السلام بحال جده المصطفى صلوات ربي وسلامه عليهما ، وجعل له بالاعتزال خلوة عن الناس .
لقد شابه أمره بالكثير والكثير ، ولو حدثت الناس بكل ذلك لفتحت بابا عريضا .
قال تعالى : ﴿ والله يعصمُك من الناس ﴾ . خير مثال على عصمة المهدي عليه السلام في هذه الحادثة التي قصها لي من نفسه فقال :
إن كان عُصِم جدي كبيرا ، فقد عصمت صغيرا وأنا لا أشعر من ذلك بشيء .
فقد كان والدي غيرُ خلي من جهل كالكثير من الناس في زمانهم السابق إلا من رحم ربي ، وقد غره دجال مشعوذ كاهن في السلامة من عارض يعتقد انه عمل له ولأهل بيته ، أن يذبح شاة ويخلط من دمها بالماء ويأمر أهل بيته كلهم ان يغتسلوا من ذلك الماء ، وفلت ذلك الطفل الصغير وعصى عليهم أن يستحم ، ففر هاربا لا يلوي على شيء .
وسلم يوم سلمه الله تعالى وعصمه من شرهم وشركهم .
ودارت الأيام وإذ بوالدته تقص ذلك من غير قصد ، مجرد ذكرى فانحفرت في ذاكرته تلك القصة ، ولما بُعث كانت عنوانا كبيرا ، وها أنا على حسب علمي أتشرف لأول مرة بذكر هذه القصة ، لم تُذكر من قبل ! .
يشكون الناس بأمره عليه السلام ، وهو بشر كسائر البشر قد يطرأ عليه من ذلك بادئ الأمر لكن الله يدفع عنه بمثبتات الحق ، والفِكر الرحمانية .
تتجلى أمام ناظريه وفي لحظ فكره المتقد مراتب الهدايات العظيمة تترى على فؤاده لا تزيده إلا تثبيتا ، وبالعروة الوثقى استمساكا ، ولو تزحزحت الجبال عن سبيلها لا يتزحزحُ هو عن سبيل ربه .
حتى المصطفى صلى الله عليه وسلم كـان يردُ عليه من ذلك ، والله يدفع .
وإن كان دفع الله عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بخديجة عليها السلام ، وورقة ابن نوفل ، فمن يدفع عن المهدي خليفة الله ، إنه الله بذاته سبحانه ، وعند الله تجتمع الخصوم .
قال يوما صلى الله عليه وسلم لخديجة : يا خديجة والله ما أبغضت بُغض هذه الأصنام شيئا قط ولا الكُهان وإني لأخشى أن أكون كاهناً ! .
فقالت : كلا يا ابن عم لا تقل ذلك ، فإن الله لا يفعل ذلك بك أبدا ، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدي الأمانة ، وإن خلقك لكريم ، ثم انطلقت به إلى ورقة بن نوفل .
عليك السلام يا أمَّة ، ما أعقلك وأحكمك ، والله المثبت وقوله الحق ، وآياته آيات الصدق ، وما كان صفيه من الممترين .
ومن قوله لها أيضا : يا خديجة إني أرى ضوءا وأسمع صوتا ، لقد خشيت أن أكون كاهنا .
ومن يراه هو بذاته ، فهل يخشى من ذلك شيئا ؟! ، قتل الخراصون .
وقال : إني أسمع صوتا وأرى ضوءا وإني أخشى أن يكون فيّ جُنُنٌ .
هو نور يهدي الله به من يشاء ، يخرجهم من الظلمات إلى النور ، ومن دونه لا يكون الناس إلا في ظلام .
ومن أظلم ممن استحب العمى على الهدى ، والظلمة على النور ؟ .
كانوا في الجاهلية يعلمون خبر النبي الآتي من العرب ، ويعرفون اسمه كيف سيكون حتى أن بعضهم كان يسمي بـ" محمد " رجاء أن يكون هو المقصود .
قال سعيد بن المسيب : كانت العرب تسمع من أهل الكتاب ومن الكهان أن نبيا يُبعث من العرب اسمه محمد ، فسمى من بلغه ذلك من العرب ولدَه محمداً طمعا في النبوة اهـ .
قال ابن إسحاق منهم : محمد بن خُزاعي بن حُزابة من بني ذكوان من بني سليم طمعا في النبوة .
وعن قتادة بن السكن العُرني قال : كان في بني تميم محمد بن سنان بن مجاشع ، وكان أسقفا ، قيل لأبيه : إنه يكون للعرب نبيّ اسمه محمد ، فسماه محمدا .
ومحمد الجشمي في بني سُواءة .
ومحمد الأسيدي .
ومحمد الفقيمي ، سموهم طمعا في النبوة اهـ(1).
وتعالوا الآن لأعجوبة المهدي عليه السلام : هل أسماه والده بـ " محمد " طمعا أن يكون هو المهدي ؟! ، بالتأكيد لا ، لأن اسمه الحسين ، وهذا مما ينكر بالإجماع في هذه الأمة المنكوبة بالخلل المعضل في فهم تراث نبيها عليه السلام ، فهم على النقيض من الحق الذي أتى به عليه السلام ، ومن وقاحة ينكرون ما ثبت عنه في خلاف معتقدهم ، ويصرون على ذلك .
وبالتأكيد هو نفسه لم يعتقد أنه المهدي من تلقاء نفسه ، وإلا لنردع أن يعتقد ذلك واسمه على خلاف ما أجمعت عليه الأمة في آخر زمنها ، ولا أقول في أول زمنها ، فالآخرين هم الضالين ومن خراج قرونهم أتوا بهذا الإجماع المزعـوم ولم يكن تأصيله في الأولين ، ومن قال ذلك أو ظنه فهو أضل من حمار .
نعم ، ما باله ليس اسمه محمدا ويقول انه المهدي ، ويخالف كل الأمة في وقته ،غير هياب ولا مبال قط بهم ، ولو لم يكن على الحق في ذلك ، واليقين من ربه ، لما جرأ على هذا أبدا يدري هذا ويستوعبه من يعقل .
ولو كان صاحب هوى متبعا الشياطين ، لما سلك ذلك فأهل الأهواء وأتباع الشياطين يتحايلون لتزويق أباطيلهم ، وتزييف مخاريقهم ، لا يرتقون مرتقاً صعباً محكوما عليه بالبطلان بديهة عند من يرجو منهم شيء ! .
لكن الأمر لما كان حق تحمل صعابه ، ولو سفهوه ، أو رموه بعظائم الأمور ، وهذه شيم أهل الحق الصادقين مع الله تعالى ، والراجين رحمته ، إن الله أعلم بالمتقين .