​​​​​​​

كثيرون الذين لهم سذاجة غريبة في بعض المعتقدات الغيبية في أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم عما يقع آخر الزمان ، ومن هؤلاء التويجري رحمه الله تعالى في اعتقاده وجود سد يأجوج ومأجوج إلى هذا الزمن ! .
 

وأنا معه رحمه الله تعالى في اعتقاده بوجود السد وهذا نص القرآن لا يشكك به إلا جاهل لا يعي ما يقرأ بكتاب الله تعالى ، لكن السذاجة الاعتقادية دخلت على التويجري رحمه الله تعالى من باب حصول الحفر فيه من قبل يأجوج ومأجوج إلى وقتنا هذا وإلى زمن خروجهم على عيسى روح الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان .
 

وهذا لا شك جهل من القول والإعتقاد مزري على التويجري رحمه الله تعالى من جهة إدراكه لوقتنا ، لكنه مع هذا غير ملم يبدو بأحوال الناس ومقدرتهم التي بلغوها في مسح الأرض والوصول لجميع شعوب بني آدم الموجودين على وجه الدنيا الآن ! .
 

لقد ثبت أنه على هذه السذاجة وبقوة قبل ما يموت رحمه الله تعالى قرر ذلك في كتابه ( الإحتجاج بالأثر ص 362 )
 

فقال : ولو كان السد قد زال وبقى أثره لما كان للحفر الذي يستمر إلى وقت خروجهم معنى ! اهـ .
 

وفات التويجري رحمه الله تعالى هنا أن الخبر في السد هنا كان رمزيا من رؤيا منام ، والرؤيا ليست على ظاهرها هنا وما ورد فيها من باب ضرب الأمثال ، وما فهمه التويجري خطأ شنيع ، أدخله من أوسع أبواب السذاجة إن صح التعبير فألزم قلبه عقيدة وجود يأجوج ومأجوج بدائيين متوارين عن أعين الناس يحفرون بالسد إلى آخر الزمان .
 

ومن المفارقة العجيبة في اعتقادات التويجري رحمه الله تعالى ، أنه أنكر على الجزائري عقيدته في حمار الدجال الذي بين أذنيه أربعون ذراعا وأن المراد في ذلك هذه الطائرات العصرية ، فسخر من هذا التويجري وعنف على الجزائري ، وقول الجزائري أقرب للصواب في التأويل ، وإن عدنا لقوله هو في السد فهو أجهل وأسخف .
 

قال التويجري : وقد زعم الجزائري أن الحديث يدل على وجود الطائرات في آخر الزمان ، وأن سرعة الدجال في الأرض إنما تكون على مثل الطائرات اهـ .
 

قلت : يريد حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه في ذكر الدجال . وفيه ، قلنا : يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال : " كالغيث استدبرته الريح " .
 

قال التويجري : وهذا مردود بما جاء في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الدجال : " وله حمار يركبه عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا " . ـــ ثم ذكر بعض الآثار ومنها قول أبي الطفيل : سمعت من بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثا في الدجال أنه يجيء على حمار . ثم قال ـــ :
 

وهذا الأثر له حكم المرفوع لأن فيه أخبارا عن أمر غيبي لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف .
 

وفي النص على ركوب الدجال على الحمار ، ومجيئه عليه أبلغ رد على من زعم أنه يجيء على الطائرات أو غيرها مما صنعه الآدميون ، وركوبه على الحمار الموصوف بما تقدم ذكره أبلغ في الإفتتان به من ركوبه على الطائرات وغيرها مما قد عرفه الناس واعتادوا ركوبه ، وسيره على الحمار العظيم الجسم قد يكون أسرع من سير الطائرات بكثير !! اهـ
 

وأعتقد أن في هذا أبين دليل على مدى سذاجة البعض في اعتقادهم بالدجال ، حتى قالوا في حماره أنه سيكون أسرع من طيارة نفاثة ، وهذه السذاجة أتت من جهة ادراكه للطائرات وحصول تيقنه سرعتها الهائلة ومع هذا قال بما قال ، ولو قال هذا من لم يدرك ذلك لقلنا له عذر فما زال الأمر عنده في حكم الغيب ، لكن من شاهد ما أدركنا وما يزال يعتقد بمثل هذا فلا شك أن في إدراكه خلل ، وهو كغيره كثير في هذا الباب وقد بالغوا في التزام ظواهر بعض النصوص حتى لم يتزحزحوا عن ظهر حمار الدجال .

وقد سبق ونوقشت مسألة يأجوج ومأجوج وبين وجه اللبس الحاصل من ذكر السد في القرآن ، حتى حسب الأكثر ومنهم ابن حزم حتمية وجوده بالدنيا ظاهرا وأنه هو السبب في حجز يأجوج ومأجوج عن الناس ، وأنه لوما وجود هذا السد لخرجوا وأفسدوا على الناس معايشهم !
 

وعلى ما بينت في مقدمة هذا الكتاب أن الأمر لم يقف عند حدود السذاجة بهذا الرجل في اعتقاداته في أخبار الدجال ويأجوج ومأجوج ، بل وصل لحدود التكفير وقطع بكفر من يعتقد أن المراد بيأجوج ومأجوج لفيف الشعوب المعهودة في الناس اليوم من أهل أوروبا وأمريكا وشرق آسيا وغيرهم ممن علم الله تعالى انهم سيشكلون تحالفا لغزو شعوب الشرق الأوسط ، تقليدا لذاك الشيخ التونسي .
 

وفي هذا أخطر ما يمكن أن يبلغه هذا الرجل في باب النبوءات عن يأجوج ومأجوج ، ويا ليته وقف على فكرة أنهم ما زالوا يحفرون بجدار ذلك السد الذي ما زال لم يعييهم ويثنيهم طول القرون المتتابعة عن التصميم على تنفيذ هذا الهدف ، الذي ما بين تنفيذه والعجز إلا اختراق ذاك الجدار الخفي في الإعتقاد خفاء جدار الصمت على طرف قبر التويجري الآن ، والذي لوما تصديقنا للمصطفى صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عن المغيبات لما صدقنا بوجود ذاك البرزخ وتلك المسائلات ، لكنا آمنا بذلك ما دام الأمر باقٍ في عالم الغيب لا الشهادة .
 

لكن الأمر يبقى مختلفا باليقين والإيمان مع الأمور الحسية التي تحتاج لشيء من الواقعية ليتحصل الإيمان بتصديق وجودها ، وإيمان بها ما لم تكن مشاهدة ، فهنا الكلام ليس في علم الغيب الروحي ، بل بالوجود البشري الذي لا بد للإيمان به من أثر يوجب وجوده التصديق واليقين .
 

لكن ماذا نقول إذا كان عقل الكبار ساذجا لهذا الحد ؟!
 

ومثل التويجري الذي لعله لم يخرج من حدود الرياض ليصل لعمان أو يتجاوز البحر الأحمر لما وراءه أو بحر العرب ، فأنى لمثل هذا أن يتعدى حدود ما وقف عنده ابن حزم رحمه الله تعالى الذي كان يجادل في هذا الأمر بظاهريته ، ويستدل بالوجود على ذلك فيزعم أن لا أحد مسح الأرض كلها ، لكن التويجري قد أدرك من مسح الأرض كلها ومع هذا لم يفقه أسرار المسألة فعليه قلنا بسذاجته ، بل مكابرته في جحود شواهد الواقع .
 

والغريب في أمره رحمه الله تعالى أنه مع هذه السذاجة وجحود الواقع بالغ بالتشدق بنهاية كتابه ( الإحتجاج بالأثر ) على خطأ السعدي لقوله بخلاف ما يذهب إليه ، وتباهى بموقف طاغوت الجزيرة الأعرابي ابن سعود حين أجبر السعدي رحمه الله تعالى بجبروت الحنبلية السفيهة على اعلان تراجعه عن هذا الإعتقاد ، لا بسلطة العلم والبرهان ، بل بسلطة الحنبلية المتأخرة السفيهة ، ويتعامى عن هذه الحقيقة التويجري على ما أورد بكتابه الاحتجاج بالأثر أن السعدي كما في تفسيره الراجح أنه تراجع عن هذا القول لا أن الأعرابي قهره وفرض عليه التراجع !!
 

قال التويجري رحمه الله تعالى : وكون السائحين في الأرض لم يروا يأجوج ومأجوج ولا سد ذي القرنين فلا يلزم منه عدم السد ويأجوج ومأجوج ، فقد يصرف الله السائحين عن رؤيتهم ورؤية السد ، وقد يجعل الله فوق السد ثلوجا متراكمة بحيث لا تمكن رؤية السد معها ، أو يجعل الله غير ذلك من الموانع التي تمنع من رؤية يأجوج ومأجوج ورؤية السد اهـ .
 

إلى أن قال : والمقصود ههنا بيان أن إنكار السد ويأجوج ومأجوج بالكلية كفر بلا شك لما في ذلك من تكذيب ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم عن السد ويأجوج ومأجوج ، وأما الاعتراف بوجود السد في قديم الزمان والقول بزواله بعد زمان النبي صلى الله عليه وسلم وخروج يأجوج ومأجوج واختلاطهم بالناس ، فهذا أخف من القول الأول لما فيه من التأويل ولا ينبغي أن يطلق الكفر على قائله اهـ .
 

من هذا الكلام عرفنا أن محمل التويجري بالتكفير على من أنكر وجوده ويأجوج ومأجوج بالكلية ، أو أن التويجري مضطرب في الكلام في هذه المسألة ، فتارة يقول بكفر متأول ذلك ، وتارة يشترط للتكفير انكار وجودهما بالكلية ، وإلا فقول التونسي ظاهر في تكفير المتأولين والتويجري سبق له نقل كلامه مع إقراره ، وأنا اقول هنا أن التويجري حقيقة مضطرب في هذا أشد الإضطراب ، ويكثر بكلامه في المسألة فتارة ينقل الكفر ويقره في المتأولين وتارة ينفيه ويتملص منه خشية التزامه تكفير مثل السعدي رحمه الله تعالى ، وهذا إنما يدل على انعدام أهليته بتجويد الكلام في هذه المسألة ، فهل يقر عاقل إنكار وجود السد وأن ليس ظاهر القرآن على تأكيد وجوده ثم يسوغ بالتأويل تكذيب القرآن في وجود السد ؟!
 

لا شك هذا اضطراب وإكثار للكلام بما لا طائل منه .
 

وأعود هنا للتأكيد على شدة اضطرابهم في هذا الباب ، وتقولهم على غيب الله تعالى ما لا يقبله عاقل مدرك لواقع هذا الزمان ، فشدة تمكن أكثر الناس من الإحاطة بأخبار الشعوب وأحوال الدول المتعاقبة على حكم شعوب بني آدم على وجه المعمورة ، لا يدع مجالا للشك ولا للحظة أن التويجري يهرف بما لا يعي ويدرك حقيقته ، وأنه ممن يكذب الواقع ويجهله بما يضحك عليه الأطفال في زماننا ، كيف لا وهو من المعتقدين بأن يأجوج ومأجوج لا يموت أحدهم إلا ويخلف بعده من الذرية ألفا من البنين ، وهذه الألوف والملايين التي لا يهلك منها مليون إلا ويخلف بعده مليار ، مليارات متزاحمة محشورة خلف السد ، ثم يقول التويجري يصرف الله عنهم انظار السياح ، هذا تخريف ولا يدعي فيه الإيمان إلا سفيه عقل لا يعرف المسؤولية في مخاطبة العقلاء !
 

نعم السد موجود وهو ظاهر القرآن مثل وجود أوتاد فرعون وغيرها من آثار الأولين ، إلا إنه طمر وستر بركامات أتربة القرون البعيدة وليس من البعيد المستحيل أن يكون هذا ، كما ليس من المستبعد كما قلت قبل أن يكون طرفا مما يسمى الآن بسور الصين العظيم فهو شاخص مشهود ليومنا هذا ، وأن الله عز وجل قدر اندثاره ودماره علامة للساعة وكان وعده مفعولا سبحانه .
 

وليس من اللازم أن يكون دماره في زمن خروج يأجوج ومأجوج بعصر المهدي ، بل قد يكون ذلك في وقت خروج الذين يدركون قرب نزول المسيح عليه الصلاة والسلام ويكون في حينهم تحالف شعوب مثل الصين واليابان والكوريتين وغيرهم من هذه الشعوب الوثنية ، فيقررون لسبب الدين أو مجاعة أو غيره من الأسباب غزو المؤمنين في الأرض المقدسة فيكون من أخبارهم ما قص الله تعالى ورسوله .​​​​​​​
 

أما أن يكون الإعتقاد فيه على ما قال هذا الحنبلي ، فلا وربي فهذا ضرب من الخبل والتقول على عالم المشاهدة بالخيالات الأشبه بـ( فزورة ) لعجوز بلغ منها الخرف مبلغه .