مقدمة الكتاب
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
سبق وتم نشر الفصول التالية العام ( 26-2-2004 ) بمنتديات المهدي ، وفيها الرد على التويجري رحمه الله تعالى وتفنيد سذاجة معتقده في تصور حقيقة وجود ياجوج وماجوج ، وكذلك نوقش في أمر الدجال ، وتصوره لحقيقة بعث المهدي ووجوده الشرعي في آخر عمر الدنيا .
واغرب ما في امر هذا الشيخ في تلك المباحث غلوه بتكفير من يخالف معتقده وتصوره الساذج ذاك ، وفوق مكابرته للحس وحقيقة وجود شريحة عريضة من البشرية المكلفة من الله تعالى بأن يجعل وجودها بحكم العدم أو بحكم وجود الجن أو مردة الشياطين ، بل على العكس فوجود الجن ومردة الشياطين لهم تأثير ما والتماس مع الوجود الآدمي قال بثبوته ربنا تعالى بكتابه ونبيه صلى الله عليه وسلم بسنته ، مثل عبث الشياطين بدبر احدهم ليوهمه بالحدث فيخرجه من الصلاة فوجه صلى الله عليه وسلم أن لا يعتبر المرء بذلك ما لم يسمع صوتا أو يجد ريحا ، لكن بحسب اعتقاد التويجري في وجود ياجوج وماجوج فليس لذلك اي اثبات وجود من أي وجه ما لم ينهدم ذاك السد المتخيل في ذهنه ثم يخرجون من كل حدب وصوب ، أما قبل ذلك فلا وجود لهم مشهود له في عالم البشرية اليوم وقبل اليوم ، رغم ما بلغه بني البشر من مقدرة على استكشاف خبايا السماء وباطن المحيطات والأنهر وزوايا الأرض ، وحتى الميكروبات وتلك الجراثيم الصغيرة جدا استكشفت ، بل بلغوا تقسيمات الذرة ، وياجوج وماجوج التويجري لم يجد لهم أولئك المستكشفون ريحا ولا صوتا ، ويجمع أيضا لهذا المعتقد الساذج الكاذب تكفيره من خالفه وقال بل هم هؤلاء اللفيف المتحالفون بالسياسات الدولية وعلى الخصوص دخولهم لجزيرة العرب من كل حدب وصوب لتحرير الكويت من احتلال الجيش العراقي .
فهؤلاء هم من اخبر تعالى عنهم بالقرآن ومن قبله على السنة بعض الأنبياء في بني اسرائيل ، وليس خبرهم الآن إلا حقيقة واقعة مشهودة ، ولم يقص أولئك الأنبياء عنهم بمجرد ضرب الأمثال بالمنامات كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم فنبأه الله تعالى عنهم بنوع من ضرب الأمثال بالمرائي ، فقال : " ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح من ردم ياجوج وماجوج قدر هكذا ( وحلق بأصابعه )" .
بينت احدى زوجاته انه قال ذلك بعد ما فزع محمرا وجهه من منامه ، أي رؤيا عنهم من ضرب الأمثال اريها النبي صلى الله عليه وسلم بنومه ، وهؤلاء السذج اخذوا ذلك منه لا على ضرب الأمثال بالمنام ، بل على الحقيقة فعدوا بعقيدتهم أن أولئك لا زالوا ولن يزالوا يحفرون ذاك الردم بحسب ما ركب قصاص المساجد قديما من أحاجي وترهات في خلقة ياجوج وماجوج ، فاعتمد مثل التويجري كل ذلك وشكلوا قصصا من الخيال والأوهام فأرادوا تركيبها على الواقع البشري اليوم فالتزموا مضحكات مبكيات تنعى بتصديقها نعمة العقول .
وما قص الأنبياء في ذكرهم حقيقة لا خيال ، فهم من بني البشر ولهم قوة وتحالف شعوب سموا معهم حتى فارس ورد اسمها هناك في تحالفهم والحبشة وغيرهم ، فهم تكتل وتحالف لبني البشر معلوموا الجنس لا اخفياء ولا مجاهيل ، ومعلومة الجغرافيا التي سيتحركون عليها ، بلدان معهودة وشعوب معلومة تنسب لتلك الجغرافيا بكل تقسيماتها ، وليس هناك أي ذكر لمجاهيل ومختفين ، بل أحد تلك النبوءات تنص على قدومهم من اقصى السماوات كناية لعبورهم من الآفاق من خلال الطائرات اليوم وتجاوزهم البحار والمحيطات لأن قدومهم سيكون من بعيد ، وان كان هناك سد ما فهي تلك المحيطات والبحار الفاصلة لتلك الأراضي وما عليها من قوى ، عن سائر القارات .
والتويجري ممن رفع راية الانتصار والانتساب لتلك الخرافة المضحكة ، تصور وجود عدد هائل من بني البشر لكن بشرط عدم المخالطة والادراك من سائر بني البشر ، ولو أن البشر بلغوا من المقدرة على الاستكشافات على ما ذكرت الحد الغير مسبوق لكن رغم هذا يفترض وجود اولئك حقيقة خلف ردم ما ، ثم هم معزولون سيبقون طوال القرون الماضية ولقرننا هذا دون ان يعلم بهم احد ، ثم فجأة يخرجون ويحيطون بالناس ، وأن وعد الله تعالى لن يقترب حتى يخرج أولئك خرافة فوق خرافات معبأة بها كلها رؤوس أولئك الحمقى ، حتى يبقى امر الله تعالى مقطوعا عن بني البشر انقطاع أولئك المفترض وجودهم كما وجود الجن أو مردة الشياطين ، بل لأولئك التماس وحقائق معلومة مع بني البشر قص ذكر ذلك في القرآن والسنة ، أما هؤلاء فلا ذكر ولا وجود ولا اي حقيقة رغم أنهم من بين البشر ومكلفون كما سائر بني البشر ويكذب ذلك الله تعالى في كتابه لكن أولئك السفهاء لا يعقلون : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ .
وهذا حكم عام مبناه على مقتضى حكمة الله تعالى من خلقه لمجاميع بني البشر ، وهؤلاء بسفههم يستثنون مما عمم الله تعالى بتلك الحكمة فيعطلونها وأخباره عن شريحة هائلة من بني البشر سيبلغون من القوة والكثرة أنهم سيغلبون سائر بني البشر بمجرد تحررهم وخروجهم ، وأسلاف هؤلاء السفهاء كذبوا لتعطيل حكمة الله تعالى تلك وما أخبر بأن زعموا مديد أعمار لهؤلاء ولو عاشوا قرونا ما كان أولئك الكذبة ليتخيلوا إلى أي مدى سيصلون له وهم مخفيين ، فافترضوا بذلك الكذب وذلك السفه عقوبة على أولئك بالحجز والعزل طوال كل تلك القرون يتوارثون تلقي وتحمل تلك العقوبة بالعزل عن سائر اخوانهم من بني البشر ولو لم يكن لهم ذنب في أصل حرمان أسلافهم وسبب عقوبتهم تلك انما توارثوها من غير جرم من أنفسهم يتحملون عقوبة ما استحقه أسلافهم ، وهذا مع انه مناف لرحمة الله تعالى وعفوه لقوله : ﴿ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يظلمون ﴾ ﴿ أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى ﴾ ، فهو أيضا مناف لحقيقة الوجود البشري والحكمة التي اراد الله تعالى من ايجادهم جماعات ليتعارفوا وينظر من اتقاهم لله تعالى بأنواع تلك الابتلاءات .
وبلمحة واحدة فقط هنا ارتكز لبيان مدى سخافة تلك الكذبة التي اعتقدها التويجري وأن جوج وماجوج ما هم إلا شعوب معروفة بعرف الأنبياء وصريح أخبارهم ليسوا معزولين ولا مخفيين وراء أي ردم ، فبينما يقول عنهم النبي حزقيال صلى الله عليه وسلم ما يلي :
" هآءنذا إليك يا جُوجُ رئيس روش وماشك وتوبل "
الزبور ينص على أن ماشك ما هي إلا بلاد المهدي عليه الصلاة والسلام وأنها من بلاد العرب ، فيقول هناك :
" ويل لي فإني تغربتُ في ماشك سكنتُ في أخبية قيدار ، ما أطول سُكنى نفسي مع مُبغضي السلام ، إني للسلم وحين انطقُ به فإنهم للحرب "
فأي جهل بعد ذلك حتى تعد بلاد ياجوج وماجوج التي من وراء الردم وأهلها اخفياء عن أعين سائر بني البشر ، وهم بنص النبوءات تلك من بلاد العرب ومسكن المهدي عليه الصلاة والسلام ؟!
راجع تفصيلي عنهم في كتاب " الرد الحاسم " الفصل الأول تحت العنوان التالي : ( جوج وما جوجه وماشك ـ الكويت ـ من علامات تعيين المهدي )
وقد شنع رحمه الله تعالى على المدعو عبد الكريم الخطيب فيما نشر عنه في مجلة " المسلمون " وانكاره ظهور المهدي وخروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام ، واستنكر منه تصحيفه لحرف من حديث في الصحيح في خبر المسيح قال فيه : " ويقتل الخنزير ويضع الحرب " . وصحيحه ( ويضع الجزية ) فرد التويجري عليه بالقول :
من تعمد التصحيف في أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو داخل في عداد الكاذبين عليه وقد تواتر عنه قوله : " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " .
قلت : والتصحيف المعنوي ما عاقبته وبه يعطل الناس عن تصديق الله تعالى ورسوله فيما اخبرا ؟!
بل يكفر من يقول بالحق في ذلك ، ويصوب من يقول بالجهل والكذب .
وقد حمل التويجري راية الدعوة لذلك مقلدا شيخا تونسيا يدعى محمد بن يوسف الكافي، فقال في كتابه " الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر" :
ومن العصريين من يزعم أن يأجوج ومأجوج هم جميع دول الكفر ، وقد صرح الشيخ محمد بن يوسف بتكفير من قال ذلك ، ووجه القول بتكفير من قال به أنه يلزم عليه تكذيب ما أخبر الله به في كتابه عن السد وأنه قد حال بين يأجوج ومأجوج وبين الخروج على الناس وأنهم ما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا وأنه إذا جاء وعد ربنا جعله دكاء .
ثم نقل عن ذاك الشيخ التونسي قوله :
يأجوج مأجوج هم أناس بالغون في الكثرة عددا لا يعلمه إلا الله تعالى ولا يستطيع أحد مقاومتهم عند خروجهم من السد لكثرتهم وهم مفسدون في الأرض وهم الآن محازون عن غيرهم بالسد الذي بناه ذو القرنين .
ومن قال واعتقد أنهم هم اوروبا يكفر لتكذيبه الله تعالى في خبره اهـ . ( الاحتجاج بالأثر ص 313 )
وقد سبق له تقرير هذا في كتابه الآخر ( اتحاف الجماعة ) ما يدل على إصراره على هذا المعتقد والجزم بتكفير مخالفيه .
ويؤكد على ما قاله التونسي بالقول :
ومن المعلوم عند كل عاقل أن دول آسيا وأوربا وأمريكا لم تزل في أماكنها منذ زمان طويل وانه ليس بينهم وبين غيرهم سد من حديد يمنعهم من الخروج والاختلاط بغيرهم من الناس فصفة يأجوج ومأجوج لا تنطبق على الدول المعروفة الآن ..
وهم بلا شك أمة عظيمة قد حيل بينهم وبين الخروج على الناس بالسد الذي بناه ذو القرنين وهذا السد لا يندك إلا إذا دنا قيام الساعة كما أخبر بذلك في كتابه العزيز اهـ . ( الاحتجاج بالأثر ص 315 )
ومن ابرز المخالفين لما عليه التويجري وشيخه التونسي الشيخ عبدالرحمن السعدي ، وأخطر ما بني على باطلهم من باطل قولهم باعتقاد عدم خروج يأجوج ومأجوج ما لم ينزل المسيح عليه الصلاة والسلام من السماء ، وهذا مما يؤكد على ضلالهم وخلطهم ما بين ذكر يأجوج ومأجوج ممن سبق ذكرهم في زمان ذي القرنين ، ومن سيكون لهم شأن في زمان المهدي وأمرهم من أشراط الساعة ، كذلك من سيكونون في زمان المسيح عليه الصلاة والسلام ، فهم ليسوا جنسا واحدا من البشر ولو شملهم الذكر وعرفوا باسم صفتهم ، من الضجيج والتأجيج للكثرة والقوة لكنهم ليسوا جنسا واحدا من البشر حتى يتصلوا بالحقيقة والوجود من زمن ذي القرنين وسده الذي ضربه حولهم ، إلى زمان بعث المهدي ، ومن ثم الوقت الذي ينزل به المسيح عليه الصلاة والسلام من السماء ، وهذا الخلط في ذلك وعدم التمييز هو الذي اوقع ذاك الشيخ التونسي ومن قلده كالتويجري بتلك الأقاويل والمغالطات والغلو بالتكفير .
وهذا التفصيل لو هدي له أولئك المشائخ وغيرهم لتمكنوا من الجمع ما بين كل تلك التناقضات التي يرونها وقد أوجبت الخلاف بينهم حتى صعب عليهم التوافق على كل ما ورد في تلك الأخبار ، وما يهمنا هنا وباختصار الوقوف عند الدليل الذي به تم النقض عليهم في دعواهم اتحاد جنس يأجوج ومأجوج واستمرار وجودهم من زمن ذي القرنين للمسيح عليه الصلاة والسلام ، وأن قوله تعالى : ﴿ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ﴾. أنما هو في يأجوج ومأجوج الذين ورد ذكرهم في خبر ذي القرنين ، والحق أن هؤلاء غير أولئك وأن هذا الخروج انما يكون قبل نزول المسيح عليه الصلاة والسلام لأوجه قد سبق وبينتها في كتابي الأول " وجوب الاعتزال " فقلت هناك :
وما توهمه الكثير من الخلق في أن يأجوج ومأجوج جنس من البشر مخصوص ، لا بل ذهب بعض السذج إلى أن يأجوج ومأجوج هؤلاء ما هم إلا الذين ذكروا في سورة الكهف ، حتى لزمهم اعتقاد وجودهم أحياء إلى وقتنا هذا خلف السد المذكور لا يتمكنون من تجاوزه ، وهذا الاعتقاد عجب وغريب على العاقل اعتقاد صحته وتصديقه ، ومن اعتقد بوجود هؤلاء اليوم فلا شك أنه ليس في عداد العقلاء المتبصرين ، ومن جملة هؤلاء الواهمين من اعتقد أن المذكورين في سورة الأنبياء هم من سيخرج على عيسى عليه الصلاة والسلام بعد نزوله ، والصحيح في ذلك أن هؤلاء هم الروم وأشياعهم لا من ورد ذكرهم في سورة الكهف ولا هم من يخرج على عيسى عليه السلام ، ويكفي لإثبات بطلان هذا الوهم ما ثبت في الصحيح عن زينب أنها قالت : استيقظ النبي من النوم محمراً وجهه وهو يقول : " لا إله إلا الله ، ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هـذا .. " قيل : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : " نعم إذا كثر الخبث " .
وهذا قطعاً لا يكون إلا قبل المهدي ، فقبله يكون هلاك العرب بوقوع الفتن والهـرج كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " من أشراط الساعة هلاك العرب " . وقوله : " هلاك العرب على يد غلمة سفهاء من قريش " وقوله : " ويل للعرب من شـر قد اقترب ، من فتنة عمياء صماء بكماء " وغير هذا كثير في هذا المعنى . قال ابن حجر : خص العرب بالذكر لأنهم أول من دخل الإسلام ، وللإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع إليهم اهـ .
ثم إن كثرة الخبث علامة من علامات الفتن والساعة ، وهو مما يكون قبل خروج المهدي فضلاً عن نزول عيسى ، ولا يصح القول أن في العرب هذا الخبث بعد نزول عيسى عليه السلام ، خصوصا على اعتبار أن المراد بالعرب هنا أهل الإسلام .
وكذلك من المعلوم بالخبر أن العرب سيكونون قلة بعد نزول عيسى عليه السلام ، فكيف يصح إطلاق الخبث عليهم عند خروج يأجوج ومأجوج والإخبار عن هلاكهم ، وهذا مما لا يصح وقوعه إلا قبل عيسى وخروج المهدي المنتظر وتمكينه في الأرض .
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله ذكر جهدا بين يدي الدجال ، قلت : فأين العرب يومئذ ؟ قال : " العرب يومئذ قليل " ! ، قال ابن كثير : تفرد به أحمد وإسناده صحيح .
وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكالب الأمم عليهم مـا رواه أبو هريرة قال : سمعت رسول الله يقول لثوبان : " كيف أنت إذا تداعت عليكم الأمم كتداعيهم إلى قصيعة الطعام يصيبون منه " قال ثوبان : أمن قلة بنا ؟ قال : " لا بل أنتم يومئذ كثير ، ولكن يلقي في قلوبكم الوهن " قالوا : وما الوهن ؟ قال : " حبكم الدنيا ، وكراهيتكم القتال " .
وهذا الضعف والانهزام من الهلاك وزمنه في العرب عند الفتن والشرور ، ومن تكالب الأمم خروج يأجوج ومأجوج ، ومن الفتن تسلط أئمة الجور والظلم ، وكل هذا إنما يكون قبل التمكين للمؤمنين .
وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخبث المذكور إنمـا يكون عند الخسف ، ومن المعلوم أن الخسف لا يكون بعد عيسى بل قبله ، روى الطبراني بإسناده عن أنس قال : ذكر في زمان رسول الله خسف قبل المشرق ، فقال بعض الناس : يخسف بأرض فيها المسلمون ؟ فقال : " نعم ، إذا كان أكثر أهلها الخبث " .
وكذلك من المعلوم أيضا في رد قول من توهم في خبر يأجوج ومأجوج ، أن الهلاك عند خروجهم في زمن عيسى عليه السلام ، إنما يختص بهم لا بالعرب ! فليتنبه لهذا ، وهذا في ظاهره يعارض ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله المشار إليه سابقاً : " ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا " ولا يمكن حمل هذا إلا على مـا تقرر هنا وهو أن خروج يأجوج ومأجوج إنما يكون في زمان الفتن ، وزمنها مما يسبق زمن خروج المهدي ونزول عيسى عليه السلام ، فلم يبقَ إلا اعتقاد أن يأجوج ومأجوج الذين ورد ذكرهم في سورة الأنبياء إنما زمانهم قبل المهدي وعيسى ؛ وبهذا يصح القول بأنهم الروم ، فهم الذين حشروا من كل حدب وصوب ، وورد عند ذكرهم اقتراب الوعد ، بينما نصت سورة الروم على أن هزيمتهم هي الوعد !! اهـ . (وجوب الاعتزال 1/161)
فهل بقي لقطع التويجري رحمه الله تعالى أن أمر يأجوج ومأجوج لن يكون إلا بعد نزول المسيح عليه السلام ممسك بعد هذا الاستدلال ، فلينظر المنصف ليدرك ما خفى هؤلاء المشائخ ، وليوقن مدى قوة الجرم الذي وقع فيه التويجري ومن قلده حين قالوا بتكفير من خالفهم وهم على ما هم عليه من غفلة وسذاجة في إدراك دلالة الأخبار في أمر يأجوج ومأجوج ، والمؤسف أن عامة أهل السنة على هذا المعتقد لم يخرج عنهم إلا من اجتهد في الجمع بين دلالة النصوص في خبرهم .
والتويجري غلا في هذا الباب ولم يقتصر على القول بتكفير معتقد هذا في يأجوج ومأجوج ، بل زاد على أن نص على أن القول بإنكار وجود السد أصلا من جنس القول بأن يأجوج ومأجوج هم من دول الكفر المتفوقين في الصناعات الحديثة . " اتحاف الجماعة 3/170 "
وهذا غلو منه رحمه الله تعالى وإلا فالفرق بين القولين ظاهر لمن لم يعمه التعصب ، فالإيمان بوجود السد أوجبه التصديق بكلام ربنا سبحانه تعالى وهو قد نص عليه في كتابه ، لكن وجود يأجوج ومأجوج ومن أي أجناس البشر هم ، هذا مما يتطرق له الاحتمال ، وليس قول التويجري بأولى من قول المهدي في النظر والإستدلال حتى يقطع بكفر قائله سذاجة مثل ما فعل غفر الله له .
وسيأتي لاحقا بحول الله تعالى زيادة وقفات من هذا القبيل مع كتابي التويجري ( الإحتجاج بالأثر ) و ( إتحاف الجماعة ) حول أمر المهدي عليه السلام ووجوب البيعة لآل سعود وأخبار الفتن وغير ذلك من أشراط الساعة ، نسأل الله تعالى التيسير والسداد .
والراجح كذب ما زعمه التويجري في صرف انظار الناس عن ادراك حقيقة وجود ذاك السد ، بل هو معلوم ولو لم يدرك الناس حقيقة ذلك ولن يكون غير ما يسمى بوقتنا " سور الصين العظيم " ولا أقول كله على الهيئة الحالية بل جزء منه ، ثم بني عليه ومدد حتى بلغ طولا ما يراه الناس اليوم ، وإذا جاء قرب تحقق أمر الله تعالى أن يدكه ويجعله كثيبا مهيلا كشرط من أشراط الساعة أو كنتيجة لأحد أشراطها كالزلازل أو الطوفانات وما يسمونه اليوم بالانهيارات مما نشاهده من كوارث وعذابات تصب على الناس في كل مكان ، فإنه تعالى توعد الجبال لا مجرد سد بالانهيار والدك مثل قوله عز وجل : ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً ، إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ﴾
راجع الموضوع التالي : انتبه إن إنهيار الجبال اليوم لا بد يعني شيئا ... تعقيب رقم (46 )
وفي الختام : أسأله تعالى الهدى والرشاد والتوفيق بالعمل والاعتقاد كله ، والنيات أن تكون خالصة لوجهه الكريم بالأقوال والأعمال ، وأن يحمينا اضلال الشيطان ويجنبا شرور بني الإنسان .
كتبه / أبو عبدالله
الحسين بن موسى اللحيدي
7 رجب 1433 هـ
الموافق 28/5/2012