الفصل الأول
بطلان اعتقاد أن الله تعالى يعجب من أفعال مخلوقاته
قال البغوي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى ﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ﴾ : ضم التاء من عجبتُ بمعنى : بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا ، ومن قرأ بالفتح فمعناه : بل عجبتَ أنت يا محمد ، ويسخرون من هذا القرآن . وقال :
إذا فهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار ، فأيهما قرأ القارئ فهو مصيب اهـ .
وقال الطبري في تفسير معناها : بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكا وتكذيبهم تنزيلي وهم يسخرون . وقرأ عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة بالفتح بمعنى : بل عجبت أنت يا محمد ويسخرون من هذا القرآن .
والصواب من القول في ذلك : أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
فإن قال قائل : وكيف يكون مصيبا القارئ بهما مع اختلاف معنييهما ؟ قيل : إنهما وإن اختلف معنياهما فكل واحد من معنييه صحيح ، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل ، وسخر منه أهل الشرك بالله ، وقد عجب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله ، وسخر المشركون بما قالوه .
فإن قال : أكان التنزيل بإحداهما أو بكلتيهما ؟ قيل : التنزيل بكلتيهما ، فإن قال : وكيف يكون تنزيل حرف مرتين ؟
قيل : إنه لم ينزل مرتين ، إنما أنزل مرة ولكنه أمر أن يقرأ بالقراءتين كلتيهما اهـ .
قلت : هذا مخالف أولا للتفسير الحق في أن المتعجب هناك ليس هو الله عز وجل بذاته ولا هو النبي صلى الله عليه وسلم بل المهدي حفيده صلى الله عليهما وسلم ، أما بخصوص ما قاله الطبري فقد داخله الكذب على الله تعالى ورسوله ، فمن أين جاء أنه أمر أن يقرأ بالقراءتين كلتيهما ؟!
فهذا كذب وأشد ما يكون حين ينسب الأمر هنا لله تعالى نفسه ولو أن نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم كذلك من الباطل بحكم أن ما يأمر به النبي حتما هو من الله تعالى إما بالإبتداء أو الإقرار ، وفي كل وجه هذا باطل لم يكن منه شيء ، فالقراءة بالضم تضمنت إثبات صفة فعل لله تعالى بحسب أفهامهم وذلك باطل غير صحيح كما سيتضح معنا لاحقا ، ورغم أن الطبري والبغوي رحمها الله تعالى قالا بتأويل ذلك على النحو المذكور لكن غيرهما عدوا ذلك في جملة الصفات كالضحك والنزول للباري عز وجل ، فكيف يعجب من علم الغيب قبل ما يكون كيف سيكون ؟!
ولو اقتصر ذلك منهم على ما قاله الطبري والبغوي : عظم عندي وكبر . لكان هان الأمر ، ولكن على اعتبار أكثر المثبتة للصفات من أهل الحديث أن في ذلك إثبات صفة فعل لذات الإله عز وجل غير متعدي حتى بوب له بعض المصنفة منهم ممن تقدم وصرح شراحهم على أنه عجب ليس كعجب البشر ، وبسبب ذلك وما جره الباس البعض منهم ذلك بالقراءة بالضم لتلك الآية من سورة الصافات تعين نقض ذلك عليهم وصار من الفرض رد ذلك مع بيان بطلان نسبته لله تعالى صفة فعل غير متعدي ويستدل لها من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فضلا على أن يكون اثبات ذلك من كتاب ربنا عز وجل الذي نفى فيه تعالى أن يماثله أحد من مخلوقاته .
وصفة التعجب من صفات المخلوقين التي يتنزه عنها الإله تبارك وتعالى وهي ليست كسائر الصفات التي يثبتها من يثبتها على أصلهم ، إذ أن العجب من الشيء يأتي على ضروب عدة منها للجهل بحقيقة الشيء ، ومنها لإنكار الفعل أو الشيء ، ومن ذلك للإندهاش المجرد من الفعل أو الشيء ، ولما كان بعض ذلك متضمنا للنقص وأنها ليست صفة كمال من كل وجه تعين اعتقاد بطلان ذلك صفة لله عز وجل لذلك الذي قد يعتري تلك الصفة ويعتبر بها نقصا فهي ليست كإثبات صفة الكلام مثلا الذي نقيضه البكم وعدم المقدرة على النطق ، ولا كإثبات النظر الذي نقيضه العمى ، ولا كإثبات صفة الحركة التي نقيضها التعطيل والجمود وهي صفة نقص طبيعية للأصنام وعموم الجمادات ، لهذا وصف الرحمان عز وجل نفسه بما هو من صفات الكمال لا عكسه كالتعجب فتلك يعتريها كما قلت بعض النقص فلا يجوز اطلاق ذلك صفة لله تعالى كالرؤية والكلام والحركة وما شابه ذلك من صفات الحمد والكمال ، لا النقص الذي لا يليق بكماله وعظيم مقدرته سبحانه .
ولا ينفع مع ذلك تقييدهم ذلك بالقول " ليس كتعجب المخلوقين " لما يعتري تلك الصفة من نقص لا يجوز نسبتها معه لله عز وجل .
قال الزجاج في كتابه " معاني القرآن واعرابه " : من قرأ بالضم فهو إخبار عن الله وقد أنكر قوم هذه القراءة وقالوا :
الله لا يعجب . وإنكارهم هذا غلط لأن القراءة والرواية ! كثيرةٌ والعجب من الله عز وجل خلافهُ من الآدميين كما قال ( ويمكرُ الله ) و ( سخر الله منهم ) و ( خادعهم ) ، والمكر من الله والخداع خلافه من الآدميين .
وأصل العجب في اللغة أن الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقل مثله قال : عجبت من كذا وكذا ، وكذا إذا فعل الآدميون ما ينكره الله جاز أن يقولَ فيه عجبتُ والله قد علم الشيء قبل كونه ، ولكن الإنكار إنما يقع والعجب الذي يلزم به الحجة عند وقوع الشيء اهـ .
وهذا قلد به ما قاله قبله يحي بن زياد الفراء بكتابه " معاني القرآن " قوله : القراءة بالرفع أحبّ إليَّ لأنها قراءة علي وابن مسعود وابن عباس . ثم ذكر ما روي من انكار شريح لتلك القراءة وانكار إبراهيم النخعي عليه ، وسيأتي ذكر ذلك ، ثم قال :
والعجب وإن أسند إلى الله فليس معناه من الله كمعناه من العباد ، ألا ترى أنه قال ( فيسخرون منهم سخر الله منهم ) ، وليس السخرى من الله كمعناه من العباد ، وكذلك قوله ( الله يستهزئ بهم ) ليس ذلك من الله كمعناه من العباد ، وفي هذا بيان لكسر قول شُـرَيح وإن كان جائزا لأن المفسرين قالوا : بل عجبتَ يا محمد ويسخرون هم فهذا وجه النصب اهـ .
قلت : ولا تصح المقارنة والمقابلة ما بين اعتقاد العجب صفة لله تعالى وما بين مكره بالظالمين وسخريته منهم ومخادعتهم ، فتلك صفات أفعال متعدية محلها ما كتبه وقدره من أعمال تقابل ما يعمله أولئك في كفرهم ، فهو يقابل مكرهم بعمله الخاص لإبطال ذاك المكر وسماه للمقابلة بعملهم المكر مكرا ، والسخرية سخرية ، والخداع مخادعة ، أما في العجب فهي باعتبار محل ذلك اعتقادهم بذاته العلية وهذا من أبطل الباطل بأن تكون ذاته العلية مصدرا للتعجب من أي عمل كان ، فذلك لا يليق بصفة كماله تعالى وطرق اثباتها متهاوية كما سترون ، لا تصح لا من القرآن ولا حتى من الحديث عند التحقيق وحسن النظر كما سيمر معنا بيان بعض أوجه ذلك لهدم جهلهم وضلالهم في تقرير ذلك صفة للباري عز وجل ، وقد خفى عليهم في ذلك ما يعارض أصلهم ويبطله ، فاعتبار ذلك من صفات الأفعال التي محلها ذات الله عز وجل من أشنع الباطل وأبين الكذب عند من هدي وأنار الله تعالى بصيرته ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ في ذاته العلية ، أما في ضرب الأمثال وما اختلفت عليه المرويات فذلك شأن دون هذا ، لكن أكثرهم لا يعلمون ولا يعقلون .
ثانيا : هو من الباطل وعدم الصدق على كلا الوجهين ، فلا المتعجب هناك الله عز وجل على أي وجه تأول المتأولون ذلك ، كما أن المعني بذلك ليس هو النبي صلى الله عليه وسلم بل حفيده المهدي صلوات ربي وسلامه عليه وجاء ذلك عن الله تعالى في ذكره بالزبور صريحا لا يداخله لبس وسيمر معنا نقل شيئا من ذلك كما سأنقل نفي التعجب عن الله تعالى عن أحد الأنبياء .
ومن اعتمد رسم المصحف العثماني ومن قام بتشكيله لاحقا لم يعول على من كان يقرأ ذلك الحرف بالضم لما تضمن من باطل في ذلك المعنى ولا نسلم لهم بحال إثباته من القرآن صفة لله تعالى ، ولو أنهم لم يفعلوا ذلك كما زعموه على السنة إلا قليلا منهم قديما وحديثا وسيمر معنا الإشارة لأقوالهم بطول تفصيلي هنا ، لأن المثبت في المصحف المجمع على رسمه بينهم على خلاف ما قرره أولئك البعض ، على الأقل هذا ما يلزم المتأخرين بحكم ما اثبت رسما للمصحف واتفق عليه بينهم ومع هذا نراهم يخالفون ويقرر الجهال منهم المتأخرون تلك صفة وينزع بعضهم لاعتماد ما قيل هي قراءة عن بعض الصحابة .
وسبق الإشارة لقول من أنكر تلك القراءة ، ذكر ذلك جماعة منهم الطبري وابن أبي حاتم في تفاسيرهم والفراء والبيهقي في كتابه الصفات .
قال ابن أبي حاتم بإسناده : أن شريحا كان يقرأها بالنصب ويقول : إن الله لا يعجبُ من الشيء إنما يعجبُ من لا يعلمُ ، فقال الأعمش : ذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال :إن شريحا كان معجبا برأيه وعبدالله كان أعلم منه كان يقرأها ( بل عجبتُ ) اهـ .
قلت : الصواب ما قاله شريح وصاحب الرأي هنا هو ابن مسعود ، ولا يستبعد على من زعم على الله تعالى أن له أصابعا يحمل على كل اصبع منها شيئا من خلقه ، أن يقرأ بذلك ويقلده من يقلده ، وإنما التعجب هنا وقع من المهدي بسبب ما كشف الله تعالى له عن أسراره وحقيقة أخباره الغيبية التي اختصه تعالى بالعلم بها في وقت تأويلها على ما ورد ذكر ذلك في الزبور عنه ، ومن لم تكشف له تلك الأسرار من الله تعالى من بعد أن لم تكن لأي أحد قبله ممن زعم له أو سيزعم هو نفسه أنه المهدي فأيقنوا بأنه كاذب مفتري على الله تعالى وغيبه وما قاله رسله .
﴿ اكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ .
طَرِيقَ وَصَايَاكَ فَهِّمْنِي ، فَأُنَاجِيَ بِعَجَائِبِكَ .
هذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي فِي مَذَلَّتِي ، لأَنَّ قَوْلَكَ أَحْيَانِي ، الْمُتَكَبِّرُونَ اسْتَهْزَأُوا بِي إِلَى الْغَايَةِ .
عَجِيبَةٌ هِيَ شَهَادَاتُكَ ، لِذلِكَ حَفِظَتْهَا نَفْسِي ، فَتْحُ كَلاَمِكَ يُنِيرُ ، يُعَقِّلُ الْجُهَّالَ .
وَرِثْتُ شَهَادَاتِكَ إِلَى الدَّهْرِ ، لأَنَّهَا هِيَ بَهْجَةُ قَلْبِي ، مِنْ خَلْفٍ وَمِنْ قُدَّامٍ حَاصَرْتَنِي ، وَجَعَلْتَ عَلَيَّ يَدَكَ .
عَجِيبَةٌ هذِهِ الْمَعْرِفَةُ ، فَوْقِي ارْتَفَعَتْ ، لاَ أَسْتَطِيعُهَا ، أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ ؟
وَصِيَّتُكَ جَعَلَتْنِي أَحْكَمَ مِنْ أَعْدَائِي ، لأَنَّهَا إِلَى الدَّهْرِ هِيَ لِي .
أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا ، عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذلِكَ يَقِينًا . مَا أَكْرَمَ أَفْكَارَكَ يَا اَللهُ عِنْدِي مَا أَكْثَرَ جُمْلَتَهَا ، إِنْ أُحْصِهَا فَهِيَ أَكْثَرُ مِنَ الرَّمْلِ ﴾
فهذه نصوص الزبور في نسبة التعجب لمن ، ومما ذاك .
ولما كان ذلك من أخبار الخلاص للمؤمنين آخر الزمان وفيه اقرأوا ما قاله نبي آخر وهو زكريا عليه الصلاة والسلام وفي ذات المناسبة ، وفيه اثبات وقوع التعجب من ذلك من البشر وبمقابله نفيه عن الله تعالى فيقول هناك الله عز وجل على لسان النبي :
﴿ هأَنَذَا إِنْ يَكُنْ ذلِكَ عَجِيبًا فِي أَعْيُنِ بَقِيَّةِ هذَا الشَّعْبِ فِي هذِهِ الأَيَّامِ ، أَفَيَكُونُ أَيْضًا عَجِيبًا فِي عَيْنَيَّ .
هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ : هأَنَذَا أُخَلِّصُ شَعْبِي مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ وَمِنْ أَرْضِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ ، وَآتِي بِهِمْ فَيَسْكُنُونَ فِي أرضي ، وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ ﴾
وهذا رد صريح لنسبة التعجب إلى الله تعالى بالخير وهو عنه بالرد في الشر أولى بأن يرد خلاف ما أثبتوه ادعاء كاذب على الله مولانا سبحانه في تلاوة ذلك الحرف على الضم ، ولو ما عرض ذلك في سياق تلك الآيات الخبرية عن بعض أشراط الساعة وتعلقها ببعث المهدي والتي هي أيضا وهموا في تفسيرها وبعدوا كل البعد بما قالوه فيها عن التأويل الحق الذي أراد الله تعالى بتلك الآيات الإخبار عنه من خلال تلك السورة ، ولوما ذلك لما تعرضت للجواب عن ذلك بهذا التفصيل فقد تعين بسبب ذلك رد ما روي عن ابن مسعود وغيره في قراءة ذلك الحرف ، فمباحث الكلام في صفات الباري عز وجل ان لم يعتمد في تقريرها على الوحي فالرأي لا يصلح معتمدا في ذلك أبدا ، فالرأي مما يختلف فيه لكن الوحي لا اختلاف فيه ودائما متوافق ، وإنما يدخل الخلل هنا من اختلاف النقلة عن مصادر الوحي وهنا يأتي لزاما دور التحقيق والتدقيق بالنظر فلا يجوز كلام أحد في ذلك ما لم يستوعب من ذلك المعتمد المشروع الحظ الأوفر كما تيسر للمهدي عليه الصلاة والسلام ما لم يتيسر لمن هم دون الأنبياء والرسل من قبله .
وإني لأحمد الله تعالى أن لم يتيسر لهم الزعم على كتاب الله تعالى في ذلك إلا ما كان من ذلك الحرف في اثبات تلك الصفة ، ولإعراض الأكثر عن ذلك لم يعول أصحاب الكلام من أهل الرأي ولا أهل الحديث على ذلك إلا قليلا منهم ، فرسم المصحف على خلافه ، ولو أن أثبته أكثر أهل الحديث من المثبتة عن السنة لا القرآن فقراءة ابن مسعود مسكوت عنها وسطهم في باب الصفات ولو جوز بعض المفسرة القراءة بها كالطبري والبغوي والبيهقي أيضا على تأويلها على خلاف ما يرمي إليه إجماع المتأخرين من مثبتة الصفات تقليدا لا اتباعا لمن سبقهم في ذلك ، وما علمت من أوردها في إثبات تلك الصفة منهم إلا قليل وإنما الأكثر منهم يثبتها ويستدل لذلك من الحديث دون ذلك الحرف من القرآن ، والذي فيه مجال أيضا لرده عليهم وتفنيد بطلان نسبته لله تعالى من خلاله ، فمن يثبت منهم تلك الصفة يثبتها مثل ما يثبت صفة الضحك وأصابع اليد لله عز وجل وغير ذلك من تشبيه لا يعلمون الأصل الذي لا يجوز إرجاع كل ذلك إلا إليه ، وإلا للزم بطلان كل ما قرروه من اعتقادهم في ذلك ولذهب كل جهدهم وإيمانهم في إثبات ذلك أدراج الرياح هباءً منبثا .
وكان من أولئك القليل ممن تقدم وعولوا على إثبات ذلك من خلال تلك القراءة ، من أشرت لهما قبل وهما يحي الفراء والزجاج ، وإنما كان التوسع في ذلك والخبط فيه من مقلدة المتأخرة الجهلة كالملحد الهالك ابن جبرين في كتابه " الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد " فقد قرر هناك قوله : الشاهد من الحديث ( 4 ) إن الله ليعجب من الشاب ليس له صبوة . أن الله يعجب وهي صفة فعلية لا نكيفها بل نقول : هي كما يشاء الله تعالى ، وقد قرأ بعض القراء السبعة قوله تعالى في سورة الصافات ( بل عجبتَ ويسخرون ) بضم التاء لإسناد العجب إلى الله ، وهي قراءة سبعية اهـ .
ولي وقفة إن شاء الله تعالى مع هذا الملحد الهالك المنافق وما عمله هناك في شرحه للمعة الإعتقاد لإبن قدامة وكيف انه أتى بفضيحة فضحه الله تعالى بها يتجلى بها مدى جهله وتقليده وشدة تلبيسه وعمله هناك يعد زيادة على أنه عمل مقلد جاهل ، فإنه يعد قريبا من جنس الكذب ونظير أو أشد مما فعله الألباني بتخريجه لكتاب السنة لإبن أبي عاصم ، وكل ذلك سيمر معنا لاحقا إن شاء الله تعالى بيانه لتعرفوا بذلك وتتيقنوا مدى جهل هؤلاء ومدى تقليدهم وخبطهم بل تعمد بعضهم الكذب والتلبيس وهم يذكرون بعض ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل ذلك بسبيل تدعيم بدعهم وجهالاتهم التي يقلدون غيرهم في ترديدها من غير وعي ولا إدراك لما يخوضون فيه .
وقريب منه خبط شقيقه في الضلال في شرح تلك اللمعة وأعني ابن عثيمين أيضا فقد فعل جنس ما فعله شقيقه في الضلال الملحد ابن جبرين بل زاد عليه حين ادعى في شرحه بعد إيراده للآية واستدل في إثبات تلك الصفة بقراءة الضم ، ثم قال : العجب من صفات الله الثابتة له بالكتاب ! والسنة وإجماع السلف ! ، فيجب إثباته له .. ، وهو عجب حقيقي يليق بالله اهـ .
فانظروا للكذاب الدعي الجاهل المقلد ، فلا تلك القراءة مما أجمع عليها السلف وأكبر دليل على ذلك المثبت بالمصحف اليوم فكل الأمة تقرأ ذلك الحرف اليوم وقبل اليوم بالنصب لا الضم ، والمنافق الجاهل يغيب عقول الجهلة من حوله المقلدة مثله بما يزعم كذبا وتزويرا وكل ذلك غلوا منهم لإثبات باطلا حسبوا أنه حق فصدق عليهم قوله تعالى : ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾ .
ولا تلك الأحاديث مما يستقيم الإستدلال بها على ذلك هي أيضا ، ورغم هذا دعواه عريضة وإيجابه منكر شديد ، وكل هذا من مغبة الجهل والخوض بما لا يعلم حقيقته ولم يسعه اجتهاد صحيح عليه ، ومع هذا يتفوه بتلك الكلمات الضخمة وهو لا يعلم أن مرده وشرحه واعتقاده للخزي إن شاء الله تعالى على وفق القاعدة الذهبية المهدية المقومة لإعتقاد أهل الحديث وأولى منهم بذلك من تأول بالباطل والجهل وخالف الحق ، فهؤلاء جميعا آن وقت طي أكاذيبهم إن شاء الله تعالى وحشرهم للمحاسبة والغربلة فقد اكتفى الناس من ثرثراتهم وأكاذيبهم على الله تعالى ورسله .
وأقول : من ناحية الكلام على صفة العجب من الله تعالى دون سائر إثباتهم لصفات الذات والتي سيتم عليهم مناقشات أخرى غير ما نحن فيه هنا ، مما يعد فصولا مستقطعة من ذاك الكتاب وهو ( المقدمة الذهبية لتقويم اعتقاد أهل الحديث وبيان أنهم ليسوا على السبل المهدية ) .
اما اعتقادهم في صفة التعجب ونسبة ذلك لله عز وجل فبطلانه من الكتاب المجيد على ما بينت ، وأما من السنة فيحتاج لمزيد تحرير لبيان بطلان ذلك حتى من جهة الأحاديث وقد تعين أن يكون تقرير ذلك في هذا الكتاب المفرد بهذه المسألة دون المقدمة الذهبية ولهذا اقتضى بيان الحق في ذلك كل هذا التوسع لنسبتهم ذلك لكتاب الله تعالى ، فأقول :
أولا : من تلك الأحاديث ما لا يصح سنده ومثل ذلك لا يعول عليه في هذا الباب ويجهل جدا من يعتبره مقبولا من باب الشواهد ، فنحن بالكلام هنا عن صفات الباري التي لا يجوز اثبات النسبة له فيها إلا من أصول متقنة مجودة ، ثم ينظر بعد ثبوتها بعرضها على أصول الإعتقاد الحق فما وافق ذلك من مفهوم يليق بجلاله تعالى وكمال صفاته قبل وما عارضه رد ولو كان القائل به من يكون فكتاب ربنا محكم في نفي المماثلة والمشابهة عن الله تعالى مطلقا ، أما في باب ضرب الأمثال في ذلك فبابه واسع علمه من علمه وجهله من جهله .
ثانيا : المختلف عليه كذلك وأعني في متنه لا سنده فهذا أيضا لا يجوز التعويل عليه في إثبات صفة للباري عز وجل ويجهل جدا من فعل ذلك مثل ما أقدم عليه الضال الهالك ابن باز من المتأخرين كما في حاشيته على شرح الحافظ ابن حجر لكتاب البخاري رحمهما الله تعالى إذ قال هناك تعليقا على حديث لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه مع ما يرى من اختلاف لفظه هناك وعلى الشك ، لكن من أين يرى وهو أعمى العين وأعمى القلب ، فأنكر هناك قول ابن حجر شرحا للخبر الذي ورد فيه : ( أو عجب من فعالكما ) . فقال الحافظ : النسبة مجازية والمراد الرضا بصنيعهما اهـ .
فتعقبه الأعمى بقوله : ليت المصنف نزه كتابه عن بيان غير بيان رسول الله واكتفى بأن قال : عجب يليق بجلاله عز وجل . والكلام في الصفات كالكلام في الذات : إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) وهذا هو مذهب الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يوم الدين اهـ . من كتاب مناقب الأنصار باب : قوله تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) .
قلت : حشو هذا الكلام من هذا الأعمى امتلأ بالجهل والكذب على قلة ما قاله ، أولا :
لأن معنى الخبر ضد القول بإثبات العجب لله تعالى لأنه هنا وهو في صحيح البخاري بالذات روي على سبيل الشك خلاف لفظه في صحيح مسلم ولم يعر ذلك أي اهتمام لأنه مجرد ناقل لقول واعتقاد غيره من غير تمييز ولا تمحيص ، وهو هناك قطع على أن ذلك صفة للباري رغم ذلك الشك ، وهذا كذب مبني على شك وهو لم يفصح بأكثر مما قاله لننظر مدى فهمه لما يقرأ واستيعابه عدم جواز اعتبار تلك صفة للباري عز وجل ومبنى ذلك على شك من راوي فيما رواه .
وثانيا : ليس صحيحا قوله ( اثبات بلا تمثيل ) وأن ذلك مذهب الصحابة ، فإبن مسعود مثل بالأصابع في ذات الله تعالى وعين تعيينا باطلا كاذبا وإن لم يلزم ذلك على مذهبهم باعتبار ذات الإله العظيم ليس لها مماثل وهي الأضحوكة الأشهر والكذبة الكبرى التي يزيفون بها على مقلدتهم الجهلة كثيرا من الباطل يخلطونه بالحق ، فذلك مما يلزم باعتبار مخلوقاته من شجر وحجر ومياه حين زعم ذاك اليهودي على صفات الله عز وجل ما زعم وقلده ابن مسعود بأن كل ذلك مما يحمل على أصابع يد الله تعالى على ما ذكر من تفصيل ، كل منها على أصبع تقليدا أعمى ضال ليهودي جاهل كذاب متشدق وكل من وقع على التوراة والعهد القديم كله أيقن كذبه وتقوله على الله تعالى .
ومما يؤسف له اتباع ابن مسعود لما قاله توهما على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك وهذا من أبين الكذب يرده كتاب الله تعالى قبل السنة ، قلد ابن مسعود تلك الجهالة وقلد ابن مسعود على ذلك كل المثبتة للصفات على ذلك ، فتعالى ربنا الجليل وتنزه عن كذبهم وجهلهم .
وقال السخاوي في المقاصد : ضعفه شيخنا - يريد ابن حجر شارح البخاري - في فتاويه لأجل ابن لهيعة اهـ.