الفصل الثاني

 

تعلق الرحم بالعرش وحقيقة

مذهب إمام اهل الحديث البخاري في ذلك

 

بعد ما انتهيت من الكلام في مسألة اهتزاز العرش وكشفت هناك عن أن هذا الإعتقاد ما هو إلا فرية كبرى على رسول الله صلى الله عليه وسلم روج لها المتقولون على أمره ، بحجة أن صحابيا قال ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من غير تمييز منهم ولا تدقيق في مدى مصداقية ذلك وثبوته عن رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وكأن المعتقدات تشهيا ، يتعجلون في إثبات مثل هذا ولا يتريثونه لحين بذل الوسع في التحقيق وإطالة النظر في ذلك ، ثم بعد ذلك يرجحون ما تقتضيه الأدلة بعد جمعها بكل مصداقية وأمانة ، فأمور الإعتقادات الغيبية لا يجوز القول فيها بالظن ، ولا بالإستدلال المحتمل ، وحين يختلف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك يجب التوقف بكل صدق وأمانة وتمحيص ما ينقل عنهم بكل وعي وإبانة ، وأن يجمع ذلك عنهم من كل جهة ممكنة ومصدر حتى تفقه المسألة على وجهها الصحيح فقد كان بعض الأئمة العارفين يقولون : ( لا نفقه الحديث حتى يردنا من أربعين وجه ) .

 

فما بال هؤلاء يفترون الكذب ولو اختلف الأصحاب بينهم ، فهل هم أولى بالصواب ممن قال بنفي اهتزاز عرش الرحمن ، أو أن جابر علم ذلك دونهم ؟

 

فكم كان حاضر منهم يومئذ جنازة سعد ؟

 

فهم أصحاب شهدوا كما شهد وسمعوا مثل ما سمع ، ويكاد ينفرد بما قال من بينهم ، ولو كان قاله مثل ما زُعم على جابر لكان ذلك مشهورا بينهم .

 

والمرفوع أولى من كل موقوف ، وقد أثبت سابقا اقرار النبي صلى الله عليه وسلم قول من قال أن أعواد سرير سعد هي التي اهتزت ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وهذا ينهي ويقطع في المسألة فهو اقرار من المصطفى صلى الله عليه وسلم في التعيين وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، وبذلك بان بغير شك خطأ رفع ذلك عن جابر ، وعليه يجب اعتبار ذلك من كلامه وتقرير أنه وهم واخطأ في فهم الخبر .

 

أقول : الذي ينبغي على المرء أن لا يتعجل في مثل هذا ثم يندم بعد ذلك ، وقد يفوت أمره ويترك ورائه هذه المحدثة من القول لمن قلده حتى إذا جائه من يريد له اصابة الحق وترك تلك البدعة ، ما قدر على زحزحته ، تزحزح الجبال ولا يمكن لأحد أن يرجعه ، من تراكم التلبيسات وإيهام الجيل بعد الجيل أن تلك المقولة ثابتة محكمة ، وأن اللاحق مهما بلغ لن يكون بمنزلة من سبق .

 

وها أنتم رأيتم كيف البخاري لما ساق بكل أمانة قول الصحابيين في تلك الترجمة وأبان عن قوليهما ، أن تعقبه من حمل ذلك على أن اهتزاز العرش هو ما رجحه ، وهذا وهم من ابن حجر وكل من قلده على البخاري رحمه الله تعالى ، فليس ذاك منه إلا لبيان أنها من مسائل الخلاف بين الصحابة ، وترك الباب لذلك هكذا من غير ترجيح صريح ولو كان في فحوى صنيعه اختيارا بتلميح ، إلا أنه لما عز على أكثر الأذكياء دون غيرهم إدراك منهج البخاري في التراجم ، وسلوكه في سبل الترجيح في بعضها أساليب الإشارة دون صريح العبارة ، حتى قال قائلهم ( فقه البخاري في نظام تراجمه ) والفقه لما كان أغلب اخراجه استنباط ، ترك البخاري الباب مفتوحا لمستنبطه ، ليتعرف أين يرجح وأين يقف ، ويتفنن بتخريج دقائق اللطائف على ذلك ، تشويقا وإيناس يخط عناوينها فيما خفى من نكت الفقه أو ما عرف وبان ، فتراجمه ليست على سبيل واحد وهذا معلوم لكل عارف في هذا الشأن .

 

وفي ترجمة مناقب سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه درج على منواله فتاه برحابه شارح كتابه ابن حجر ووهم عليه فرجح ما ليس من مذهبه وأوهم أنه مذهبه ولا بان من البخاري رحمه الله تعالى قطعه في ذلك ، بل بوب لتلك الترجمه بـ " الفضائل " وابتدأ بذكر المناديل تلميحا مليحا يرد به على جابر دعواه تحامل البراء رضي الله عنه في إنكار منقبة سعد باهتزاز العرش على ما زعموا ، فكان عندي تقديمه لخبر البراء عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم في مناديل سعد دحضا لتلك الفرية من جابر ، وترك في وجه اختياره في لب تلك الترجمة اعتراض البراء لمقولة أن العرش اهتز لموت سعد ، فنقل بأن المهتز " سريره " ، وهو مما وافقه عليه غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجابر يكاد يكون منفردا بذلك القول المنكر الكاذب.

 

ومن رجح قول جابر في هذا المعتقد يعد قائلا على الله تعالى كذبا ، وجابر على الصحيح والتحقيق على ما بينت سابقا لم يكن شاهدا ولن يستطيع أحد أن يثبت ذلك بطريق يصح فيه رفعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل ثبت أن أصل رواية جابر في هذا الخصوص ما هي إلا حكاية سياق ألفاظها دال على أنه لم يشهد وقت ما تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اهتزاز العرش ، بل الرسول نفسه أخبر بذلك من جبريل بقصة هذا الإهتزاز قبل ما يعرف من الذي مات أصلا ! ، وخرج يبحث عمن فتحت له السماء واهتز له العرش وهو لا يدري من هو من أصحابه ، وهذا إن دل فإنما يدل على عدم صحة رفع هذا الخبر من طريق جابر ومن رفعه فقد كذب على الله ورسوله ، بل الحق أنه موقوف من قول جابر نفسه ، ولأن نكذب من دون الصحابي في رفعه خير له من أن نكذبه هو ، وإلا فقد حضر جنازة سعد بن معاذ غير جابر فلم يقولوا ما قاله وقد ثبت هذا بما لا يدع مجالا للشك بخطأ رفعه عن جابر ، وكل ما في الأمر إن ثبت رفعه من جابر في حقيقة الأمر وباطنه فهو وهم منه إذ حسب ما ذكر من العرش أنه ليس السرير الذي حملت عليه جنازة سعد بل هو عرش الرحمن عز وجل فجزم بما جزم ، ولجابر طريقه غريبة في رفع المفهوم للنبي صلى الله عليه وسلم على الجزم مثل ما حصل له ذلك في قصة ابن صياد حين أقسم أنه الدجال وقد مر ذكر ذلك ، فجعل قسم عمر وسكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة الإقرار ، فأخذ بعد يحدث بهذا على القسم للقطع من نفسه ان هذا هو الحق ، وقد مر معنا تحديث أسيد بأنه سرير سعد ولم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا اقرار منه عليه الصلاة والسلام وهو مذهب لجابر ! ، فيتعين طرح اعتقاد جابر وقوله بالعرش على مذهبه ! .

 

قال الإمام الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى : عن يزيد بن الهاد عن معاذ بن رفاعة عن جابر بن عبدالله قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من هذا العبد الصالح الذي قد مات ، فتحت له أبواب السماء وتحرك له العرش ، قال : فخرج رسول الله فإذا سعد بن معاذ فجلس رسول الله على قبره وهو يدفن فبينما هو جالس إذ قال : سبحان الله فسبح القوم ، ثم قال : الله أكبر فكبر القوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لهذا العبد الصالح شدد عليه في قبره حتى كان هذا حين فرج له .

 

روى هذا الحديث ابن أبي شيبة في كتابه العرش غير متصل من طريق معاذ بن رفاعة الزرقي قال : حدثنا من شئت من رجال قومي أن جبريل ، وذكر خبر اهتزاز العرش غير مضاف ! ، وفيه أن ذلك كان من جوف الليل وأنه قال له : يا محمد من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش ؟ ، فقام رسول الله سريعا يجر ثوبه إلى سعد فوجده قد مات .

 

ورواه أحمد بن حنبل من طريق معاذ بن رفاعة عن جابر على سبيل الإختصار وأوله : لهذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش . هكذا من غير ذكر جبريل .

 

لكن رواه الطحاوي في مشكل الآثار من طريق ابن الهاد عن معاذ بن رفاعة عن جابر قال : جاء جبريل إلى رسول الله فقال : من هذا العبد الصالح الذي مات فتحت له أبواب السماء ، وتحرك له العرشُ ؟ قال : فخرج رسول الله فإذا سعدُ بن معاذٍ ، فجلس رسول الله على قبره وهو يُدفن ، فبينما هو جالس إذ قال : " سبحان الله " مرتين ، فسبح القوم ، ثم قال : " الله أكبر ، الله أكبر " فكبر القوم ، فقال رسول الله : " لهذا العبدُ الصالح شدد الله عليه في قبره حتى كان هذا حين فرجَ عنه " .

 

ورواه أيضا أحمد من وجه آخر عن معاذ بن رفاعة عن محمود بن عمرو بن الجموح عن جابر قوله : خرجنا مع رسول الله إلى سعد بن معاذ حين توفي ، قال : فلما صلى عليه رسول الله ووضع في قبره وسوي عليه ، سبح رسول الله فسبحنا طويلا ، ثم كبر فكبرنا ، فقيل : يا رسول الله ، لم سبحتَ ثم كبرتَ ؟ قال : " لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبرُه حتى فرَّجه اللهُ عنه " .

 

وهذا يدل على أن رواة الأخبار تصرفوا فيه كثيرا وأدخلوا نص خبر بنص آخر وزادوا وقصروا كل بحسب ما يناسبه في التحديث ، ودخل بذلك قول جابر نفسه بذلك وباتوا لا يميزون بين هذا وهذا حتى أتى في النهاية من يعتمد بالمعنى كل ذلك ويختزله باهتزاز العرش أنه عرش الرحمن عز وجل ، فرفعوا قول الصحابي في ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم حتى بات قول ذلك عقيدة والعياذ بالله من غير تمييز لكل ذلك ، وسرى التقليد في الناس على هذا ليومنا هذا وقد آن اوان رفع ما التبس في هذا الباب وربنا الموفق سبحانه .

 

قال الخطيب البغدادي : وهم ابن الهاد ( وهو يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد ) حين ساق الحديث هذه السياقة بإسناد واحد ، تارة عن معاذ بن رفاعة يرويه عن رجال من قومه ولا يسميهم عن النبي مرسلا ، وآخر الحديث كان يرويه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمعه من جابر كما حكى عبدالوهاب بن عطاء عنه وإنما سمعه من رجل هو محمود وقيل محمد بن عبدالرحمن بن عمرو بن الجموح عن جابر بين ذلك محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي في روايته إياه عن معاذ بن رفاعة وفصل بين أول الحديث وآخره وميزه إسناد كل واحد منهما .

 

وقال : على ان الحمادين ، حماد بن سلمة بن دينار ، وحماد بن زيد بن ردهم قد رويا عن يحي بن سعيد عن معاذ بن رفاعة هذا الحديث وساقاه كسياقة ابن أبي حازم عن ابن الهاد غير أنهما أرسلاه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكرا فيه جابرا ، وهذا زيادة في الدلالة على وهم عبدالوهاب بن عطاء حين حكى في روايته أن معاذا سمعه من جابر اهـ .

 

ثم ذكر الطرق وألفاظها ليس في أي منها اهتزاز العرش مضافا ، وهذا مما يدل على تداخل ما روي في هذا الباب على بعض الرواة ، ما بين الخبر عن رسول الله وما رجحه جابر من قوله في ذلك ، فصار بعضهم يحدثه مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم وليس هو كذلك .

ثم نقل الخطيب البغدادي عن موسى بن هارون قوله : هذه الرواية التي رواها محمد بن إسحاق أصح عندنا وأثبت من الرواية التي رواها يزيد بن الهاد لأن ابن اسحاق فصل بين أول الحديث وبين آخره فروى اوله بإسناد ، وروى آخره بإسناد آخر ، وادرج ابن الهاد أول الحديث وآخره فرواه كله بإسناد واحد ، وقال موسى :

 

وقد وهم من قال في إسناد هذا الحديث عن معاذ بن رفاعة قال : سمعت جابرا لأن بينهما رجلا : هو محمود بن عبدالرحمن اهـ .

 

قلت : لا يستغرب من معاذ بن رفاعه أن يكون تلقاه على هذا النحو عن قومه ، فتارة لا يسمي وتارة يسمي فينشط ويصل ، وأن من سماه يكون من قومه واقتصر على أحدهم دون تسمية جميع من سمع منهم ذلك ، ولما كان ذلك على التعدد في السماع ، كان يحدث عنه على هذا السبيل ، ولم يخلو الأمر من التصرف فهذا ديدنهم ، خصوصا في متون الأحاديث ، لذا لا يستنكر أن يأتي منهم هذا الخبر على هذه الطريقة ، ألا يرى معي القارئ هنا أن ذكر العرش مقيدا بذكر جبريل وأنه هو من أخبر به رسول الله ، وكان تحديث جابر عن ذلك حكاية عما لم يحضره ، وآخر الحديث قصة الدفن لا يوردون بها ذكرا للعرش إنما يقتصرون على التكبير وتضييق القبر دون ذكر العرش ، وهو ما أدركه جابر وعاينه ، وعليه أقول : كل من روى في اهتزاز العرش من غير اعتبار لهذا التفصيل ، لن يدرك حقيقة الامر ويعرف وجهه ، وأن الخطأ في ذلك إنما جاء من تقطيع الرواية عن جابر والتصرف بألفاظ تلك القصة وتمامها ، والله الموفق .

 

 

البخاري يتجنب اثبات تعلق الرحم بالعرش ! :

وهذا مما يثبت صحة ما قلته قبل وأن البخاري ترك مسألة اهتزاز العرش من غير قطع بشيء واقتصر على اثبات الخلاف بين الصحابة في ذلك ، على عكس ما فهمه الكثير ومنهم شارح صحيحه .

 

فبينما مسلم وغيره يروي عن عائشة وعبد الله بن عمرو في اثبات تعلق الرحم بالعرش يصفح البخاري عن ذلك ويتجنبه على الإطلاق ، فهو لا يثبت في العرش شيء ولو وجد في هذا الباب مثل ما وجد بسابقه شيء من الخلاف لبينه لكنه لم يجد ، فأخذ لهذا يتجنب اثبات أي حرف في هذا المعنى مما يكشف لي عن مذهبه بكل جلاء ! في خصوص ذكر الرحم .

 

قال مسلم رحمه الله تعالى : عن وكيع عن معاوية بن أبي مُزَرَّدٍ عن يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الرحم معلقة بالعرش ، تقول : من وصلني وصلهُ الله ، ومن قطعني قطعه الله .

 

بينما البخاري ينزل عن مستوى تلميذه مسلم في سند هذا المتن فيرويه بأدنى منه برجل والحديث بعينه الذي رواه مسلم ، فبينما يرويه مسلم عن وكيع عن معاوية هذا ، البخاري ينزل فيرويه عن سعيد بن أبي مريم قال : حدثنا سليمان بن بلال أخبرني معاوية . هكذا قال ، فكان أدنى من مسلم برجل ، والسبب كما هو ظاهر لتجنب لفظة تعلق الرحم بالعرش ، يضطر للنزول برجل لتحصيل اللفظ الذي يتجنب فيه ذكر تعلق الرحم بالعرش ، فعلى ماذا يحمل هذا ؟!

 

وهذا صنيعه بحديث عائشة مع مسلم ، ولنرى صنيعه بحديث عبدالله بن عمرو بن العاص مع أحمد بن حنبل ، قال أحمد حدثنا يعلى حدثنا فطر عن مجاهد عن عبدالله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الرحم معلقة بالعرش ، وليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها . ( المسند 11/77 ).

 

وقال البخاري حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش والحسن بن عمرو وفطر عن مجاهد عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم : ليس الواصل بالمكافئ . وذكر الحديث من غير ذكر تعلق الرحم بالعرش . وقال : قال سفيان لم يرفعه الأعمش ورفعه الحسن وفطر اهـ .

 

جاء رفع الأعمش عن غيره والحديث ثابت ولو لم يرفع من طريق معين ، وليست هذه بأولى من البخاري من تنبيهي عليه لمَ لمْ يورد ذكر تعلق الرحم بالعرش ، وليس للامر جوابا غير الذي نبهت عليه هنا والله الموفق .

 

أقول : بل هناك ما هو أعجب من هذا وأكبر إذ روى مسلم من حديث قتيبة بن سعيد بإسناده عن معاوية بن مزرد عن عمه أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله خلق الخلق ، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحمُ فقالت : هذا مقام العائذ من القطيعة . ( 16/196)

 

فرواه البخاري بالموافقة على اللفظ مع مسلم إلا أن زاد عنده ما يلي : عن خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان حدثني معاوية بن أبي مُزَرد عن سعيد عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال : خلق الله الخلق ، فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن !! . ( 9/552 التفسير ) الحديث .

وهنا الغريب فهو من طريق سليمان بن بلال والذي روى عنه قبل حدث عائشة وفيه تعلق الرحم بالعرش ولم يذكرها ، ولما أتى هنا من طريقه عن أبي هريرة ذكر تعلق الرحم لكن في هذا الحديث " بحقو الرحمن نفسه ! " ، ومع هذا أثبتها ، ما يدل دلالة صارخة على أنه تعمد تجنب ذكرها في حديث عائشة ولذا كما قلت نزل برجل عن تلميذه مسلم ، وفي صنيعه هذا أبين دليل على أنه ليس كما فهم شارح صحيحه والكثير من أنه يعتقد تعلق الرحم بالعرش قول جابر ، بل هو لا يقول بذلك ولذا قدم خبر البراء في مناقب سعد على ما روي عن جابر ، وساق ذكر قول البراء بحقيقة ان الذي اهتز سرير سعد لا عرش الرحمن ، والأمر بين في مذهب البخاري لا مزيد عليه في تقريري هذا .

 

والمفارقة أن مسلم لم يثبت تعلق الرحم بحقو الرحمان في حديث أبي هريرة وخالفه البخاري وأثبتها مع فرق ما بين البابين ، مع أن مسلم أثبت تعلق الرحم بالعرش في حديث عائشة والبخاري لم يثبتها ، والله أعلم وهو الهادي لما اختلف عليه في كل ذلك .

 

وإن دل هذا فإنما يدل كما قلت أن البخاري لا يرى ذلك ولو كان يراه لحرص على ذكره كما ذكره مسلم ، بل اثباتها في حق الرحمن سبحانه أقوى وأكثر في الإثبات بما لا مقارنة معه على مذاهبهم وأصولهم ومع هذا نراه أثبتها فيه ولم يثبتها في العرش ! دليل على أنه لا يرى ذلك ولذا نراه تذرع بترك رفع الخبر من الأعمش ، والأعمش ثبت عنه رفع الحديث من طرق أخرى غير التي أشار لها البخاري رحمه الله تعالى .

 

إذا ما القَلاسي والعَمَائِمُ أُخْنِســتْ * * * ففيهنَّ عن صُـلْـعِ الرَّجال حُسُــور

 

 

 

الحافظ ابن حجر وتلبيسه على طريقة أهل الكلام ، في شرح البخاري :

 

ما أحدثوا في هذا وغيره من أبواب مباحث الصفات هو أقرب منه للكذب من التلبيس ، بل وجدت لهم في ذلك جرأة قبيحة وكذب صريح على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أنهم يتعمدون ابدال الألفاظ بغيرها مما يوافق ما يعتقدونه من تأويل ، ومثال ذلك ما جرى من الحافظ ابن حجر على شرح البخاري في باب تعلق الرحم بـ " حقو الرحمن " فقال :

 

وتقدم ما يتعلق بزيادة في الحديث من وجه آخر عن معاوية بن مزرد وهي قوله : "فأخذت بحقو الرحمان " ووقع في حديث ابن عباس عند الطبراني : " إن الرحم أخذت بحجزة الرحمان " .

 

قال : وحكى شيخنا في شرح الترمذي : أن المراد بالحجزة هنا قائمة العرش ! ، وأيد ذلك بما أخرجه مسلم من حديث عائشة : " إن الرحم أخذت بقائمة من قوائم العرش " اهـ . ( الفتح 12/24 ) .

 

وما خجل من الله ورواة حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا الحجري أن يكذب هنا وبكل وقاحة وصفاقة وجه ، وينسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله في هذا الخبر ، على علم منه بهذا التبديل والتحريف ، إذ سبق وقال تعليقا على حديث أبي هريرة رضي الله عنه بتعلق الرحم بحقو الرحمن :

 

قوله : " فأخذت " . وهي كذا للأكثر بحذف مفعول أخذت ، وفي رواية ابن السكن : " فأخذت بحقو الرحمان " وفي رواية الطبري : " بحقوي الرحمان " بالتثنية .

ثم قال ابن حجر : قال القابسي : أبى أبو زيد المروزي أن يقرأ لنا هذا الحرف لإشكاله ، ومشى بعض الشراح على الحذف ، فقال : " أخذت بقائمة من قوائم العرش " اهـ . ( الفتح ( 9/552 )

 

قلت : طبق هذا ابن حجر شارح البخاري بغير أمانة وكذب به على رسول الله ، فقال مقولته قبل شهادة لشيخه شارح الترمذي بالقول : وحكى شيخنا في شرح الترمذي : أن المراد بالحجزة هنا قائمة العرش ! ، وأيد ذلك بما أخرجه مسلم من حديث عائشة : " إن الرحم أخذت بقائمة من قوائم العرش " .

 

وهذا كذب سخيف بارد وأبرد منه عدم تعقبه من الشارح في الصحيح ، يعلمون أنه كذب ويصدقونه فيرددونه ، رأيتم ؟! ، وينسبونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذا ، وهو التحريف اليهودي بكل ما يعنيه الوصف وأشد .

 

 أمة غبية حتى في العلم بذات الله تعالى وما يليق بجلاله ...

من أروع المناظرات في اثبات استحالة رؤية الله عز وجل

حسبي الله عليكم يا أهل الحديث ...

سؤال عن عقيدة اللحيدي في صفات الله تعالى

* إلى مؤمن بالله من هنا ناقش كتب اللحيدي . .