اقتباسات واضعي أناجيل الكذب من برنابا البار
" مزلة الجحش والأتان "
هالهم ما نادى به المسيح وبشر في إنجيله ، أولئك الكفرة من اليهود ومن ادعى الإيمان بالمسيح إلا أنه بقي على أسس الاعتقادات اليهودية ، ثاروا جميعا ضده خصوصا بعد تصريحه بأن المسيا الذي سمي بهذا الإسم في أسلافهم ولا زالوا ينتظرونه من بني إسماعيل لا إسحاق ، وكان ذكر مناقبه العظيمة ومنزلته عند الله تعالى مما زاد في حنقهم عليه وبغضهم الشديد له .
وكان أخبرهم أن اسمه المبارك محمد صلوات ربي وسلامه عليه وقبلوا ذلك واعترفوا له بما قاله المسيح ما قبل تصريحه بأنه من ولد إسماعيل ، وحين أيسوا من أن يكون من ولد إسحاق وباعتراف يسوع بذلك ، ردوا كل شيء عن المبارك محمد صلى الله عليه وسلم ولم يقبلوا بشارة المسيح به جملة وتفصيلا .
فاضطربت اليهودية جراء ذلك كلها ضده وتحالفت أمراء اليهود والوثنية عليه وأخذوا يتفننون بالمكر ضده ، جميع الكهنة ورئيسهم وأتباعهم من القراء ، مع أن العامة صدقت بأمره وآمنت بأنه رسول خلاص لبني إسرائيل ، أما أعيانهم فقهروا وفجعوا مما أتى به المسيح يسوع ، حين أقر بالهيكل في خطبته المشهودة أن المسيا سيكون من ذرية إسماعيل ومن قال بغير هذا في اليهودية فهو كاذب .
وكذلك أغضبهم بإقراره أنه ما بعث إلا لتوبتهم وتوبيخهم على الفساد الذي استحكم فيهم مع بشارتهم بمحمد الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك بشارته بحفيده المهدي ، فكان ذلك مع إعلانه بطلان ما عليه قراء اليهود وكهانهم من اعتقادات زائفة وأكلهم أموال الناس بالباطل ، وعلى الخصوص كاهنهم الأكبر الذي تواجه مع المسيح بالجدال ونال النصيب الأوفر من سلسلة الفضائح في مناظرات المسيح لليهودية ، لما عليه هذا الكاهن من باطل وعمل مخالف لناموس موسى وشريعته ، فكل ذلك راكب الغضب في قلوب الكهنة والقراء ورئيسهم معهم الذي تولى كبر حرب يسوع عليه السلام وبغضه .
أقول : بسبب هذا وغيره مما قاله المسيح عليه السلام ثارت ثائرة هؤلاء الحسدة الملاعين جامعي الأوز والماعز واللحوم المشوية وأكياس الدنانير الرومانية ، من أعطيات عوام اليهودية وسذَّجهم وكفارات أيمانهم وبلاويهم المخزية .
وأشد ما نفرهم منه ودعاهم لحربه وتلك كانت هي الفيصل النهائي ما بينه وبينهم ، التي أنكر فيها أن " مسيا " من ذرية إسحاق ، وأن الوعد بالتمكين سيكون من نصيب بني إسماعيل لا بني إسحاق بحق أن المخلص سيكون منهم لا من اليهود ، وهو المخلص الذي لطالما كانوا يرجون أمره ويتحينون قرونه ، ولن يؤمن به اليهود أبدا ما دام ليس مثل ما يريدون له أن يكون من بني جلدتهم ونسبهم .
والنبي الذي يقول بخلاف ما هم عليه ويريدون لا يمكن أن يقبلوا منه ما يقول ، وهذا هو السر الذي لأجله كان تمردهم على موسى عيه الصلاة والسلام ، وكل من قتل فيهم من الأنبياء كانت هذه جريمته ، فبغضوا لذلك كل أنبيائهم وعادوهم وسعوا لقتلهم وتشريدهم لأجل ذلك ، ولأجل أنهم كانوا يتنبأُون لهم بما قرر موسى عليه السلام من قبل ، أن عذاب الله تعالى سيكون من نصيبهم إن أصروا على الكفر ونقضوا الميثاق ، ولن تكون لهم بركة من الله تعالى ولا نصر ، وتوعدهم سبحانه مثل ما كان يتوعدهم على ألسنة جميع الأنبياء وآخرهم المسيح إن خالفوا ذلك فقال عز وجل : ﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً ﴾ .
هذا ما كانوا يوعدون من قبل لكنهم كانوا يصرون بقلوب قاسية إلا أن يرفضوا ما قدر الله تعالى وبارك على ذرية إسماعيل مثل ما بارك على ذرية إسحاق ، ومثل ما أعطى النبوة والكتاب لهؤلاء أنه قدر يعطي النبوة والكتاب كذلك لبني إسماعيل ، مثل ما قدر من ذلك الكثير لبني إسحاق ، لكنه الحسد والضلال وإتباع الشيطان على موازينه في المفاضلة ورفض الانقياد لتقدير الله تعالى ، فاستحقوا اللعنة على ذلك وسوء العاقبة .
أرادوا الله تعالى ينصاع لما يرغبون وهم يكفرون بما يريد ويقدر ، ولذا نراهم آمنوا بمحمد المبارك ! قبل أن يعلموا ممن سيكون بحسب اعتقاد المسيح عليه السلام ، ودعوا الله أن يعجل ببعثه ليعزهم ويعلي شريعتهم ، إلا أنهم بمجرد أن علموا من المسيح عليه السلام أن محمدا المبارك سيكون من نسل إسماعيل لا إسحاق إنقلب الإيمان لكفر ، والرجاء لعداوة وبغضاء ، وقام اليهود من داخل هيكلهم الزائف حين أعلن عن ذلك يسوع المسيح عليه السلام بحمل الحجارة لرجمه فورا لكن الله حفظه وغيبه عن أعينهم وخرج سالما في تلك الثورة حتى أنه مات خلق كثير بسبب شدة حنقهم عليه وبغضهم لما قال .
ولم يفد الحق عند اليهود أن الحجارة صاحت تنادي بتمجيد المسيح عيسى لما دخل الهيكل في تلك المرة التي أرادوا رجمه فيها ، حتى قالوا : " كيف لا يكون ساحرا وها هو اختفى أمامكم وخرج سالما " .
وهنا أقروا له بالسلامة وجحدوها هناك آخر الأمر لما ألقى المولى عز وجل شبهه على الخائن الأسخريوطي ! .
المهم أن الحجارة في ذلك اليوم لم تردع كهنة اليهود بالإيمان بالمسيح المبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم وحفيده المهدي على أن الأنبياء المرسلين إنما يأتون بالمعجزات من الله تعالى ، فلم تشفع لصدق ما يقوله المسيح عليه السلام كل تلك الآيات الباهرة التي أجراها المولى عز وجل على يدي المسيح ، من إحياءٍ للموتى وشفاءٍ للمرضى ، وكان صف الكاهن الرئيس اليهودي القائد أقوى بسلطان الدنيا الباطل ، والقراء بصفه أكثر وأشد مكرا ممن كان مع المسيح وآمنوا به من بسطاء الناس وضعفتهم .
نطق الحجر وأوقف الله تعالى الشمس وأحدث الزلزال الكبير شهادة لما يقوله المسيح وغير هذا كثير وكله رد ولا كأنه شيء ، ولا كأن الله تعالى من فوق سمائه يؤيد المسيح وينصره ويشهد لصدقه فيما يقول ، ومع هذا كذب الكاهن القائد في اليهودية وحاشيته ما أتى به المسيح وختموا ذلك بالكيد لقتل نبي الله تعالى وصفيه المبشر .
بل بلغ الكفر به وببشارته عليه السلام بحسب ما ذكر في أخباره الصحيحة أن اليهود هموا بقتل الرجل الذي بأمر الله تعالى أعيد للحياة بعد موته على يد المسيح ، نووا يقتلونه حتى لا يشاع أمره فيتأثر عامة الناس أكثر من الذين شهدوا تلك الواقعة ، لكن لوجاهة الذي أحياه الله من الموت على يد مسيح الله تعالى ولكثرة ماله وضياعه وأشياعه انردعوا عن ذلك خشية الفضيحة ، إلى هذا الحد بلغ بهم الإصرار والرد على الله تعالى أمره .
هذه هي حقيقة اليهود عليهم لعنة الله تعالى ، العناد والكبر ورد أمر الله تعالى ولو قامت كل البراهين على أن هذا أمر الله تعالى وقضائه ، ولن يزالوا هذه حالهم إلى أن يقفوا أمام عرش الله تعالى جاحدين رادين لأمره سبحانه بكل كبر وعناد ، حالهم كحال إبليس وبلواه بحب ما يريده ويقتنع به ، لا ما يريده الله تعالى ويحبه ويقضي به ، وهم شياطين الإنس الذين قص ذكرهم الله تعالى وحذر منهم .
وسيكون جزاء هؤلاء الكفرة في الدنيا قبل الآخرة عظيما مخزيا حتى أن الحجر الذي ردوا شهادته للمسيح سيأتي يوم يقيمه الله تعالى شاهدا للمهدي وجيشه على خزيهم ينادي بالحرب ضد اليهود الذين أنكروا شهادته للمسيح من قبل لما دخل عليهم الهيكل دخوله المشهود العظيم على ظهر " جحش " ومعه أتان والناس مصطفين من حوله يزفونه في ذلك الدخول المشهود ، والجمهور من الدهماء يتلقونه بالنداء والمباركة وحين طلب منه رئيس الكهنة إسكاتهم ، قال : " لو أسكتهم لنطق الحجر بما يقولون " . ومن فوره الحجر نطق بالفعل أمام رئيس الكهنة والقراء والناس ، بما كانوا يقولونه ترحيبا بالمسيح يسوع .
في تلك الحادثة العظيمة والواقعة المشهودة كان تورط الكذبة المقتبسة الصليبية من الإنجيل لعدم إدراكهم حقيقة قصة " الجحش " و" الأتان " ولو أنهم فهموا بعض المغزى بحسب برنابا وأن ذلك الدخول كان لإعلان حقيقة اعتقاد المسيح عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم المسيا ، ولذلك كان دخول المسيح يوم ذاك مشهودا ، معد له بإذن الله تعالى مثل ما ذكر أن أحدهم هيئ له الجحش والأتان ، ليصح بذلك أدنى مشابه للمواكب الملكية أو الأميرية التي لا بد يصاحبها شيء من الدواب المركوبة ، لكن مكر الباطل أمسك بذكر الجحش والأتان وسرد قصة ذلك الحدث بعد التحريف بالطبع والتلاعب بالكلام إنقاصا وزيادة بحسب إرادتهم للباطل والكفر ، وبكل سخف وبلاهة وتعمد أغفلوا ذكر ما حصل على الحقيقة بحسب ما ذكره كاتب الإنجيل الصحيح برنابا رضي الله عنه ، على عادتهم في إخفاء الحق الذي قاله الأنبياء وإبداء الباطل الذي يريدون ، فتم لأحدهم ذلك النقل المحرف وهو المدعو بـ ( متى ) فقال :
قولوا لابنة صهيون انظري إن مليكك قادم إليك إنه وديع ويركب أتانا ، أو يمتطي جحشا وهو ابن الأتان اهـ .
وزوروا ما ورد في زكريا أو نسبوه له لتأييد خبالهم هذا فقالوا هناك :
افرحي كثيرا يا ابنة صهيون ، واصرخي يا بنت القدس انظري إن مليكك قادم لك ، إنه على صواب ومعه الخلاص وهو وديع ويركب على حمار أو على جحش ! اهـ .
يعني لما تكون هذه نبوءة نبي فإنه لا يدري سيركب حماراً أو جحشاً ، لأنهم جحوش لم يفهموا معنى ذكر " الجحش " و " الأتان " في هذه النبوءة فقفزوا إليها تحريفا وعبثا مضحكا على ما قاله قس كان على دينهم فهداه الله تعالى للإسلام فسخر منهم على هذا القول ، فقال :
في هذه العبارة الشعرية يود الشاعر ببساطة أن يصف الحمار الذي يمتطيه الملك بقوله :
إنه كان حمارا فتيا وهذا الحمار يوصف أنه إبن الأتان وما كان إلا جحشا ذكرا أو حمارا صغيرا ذكرا ، وإليك العبارة التي ينقلها متى اهـ .
ونقل ما ذكر في متى ، بالطبع كان ذلك اقتباسا من برنابا وسخافة ما كتب بـ( متى ) كفيلة بتعريف الفطن حين يقارن بين النصين ، من صاحب الأصل ومن هو المزور الكذاب .
وعقب هذا القس على هذه المهزلة في ( متى ) بالقول :
وليس بالأمر المهم أن يؤمن الشخص الذي كتب هذه الأناشيد المذكورة أعلاه أو لا يؤمن حقيقة بأن عيسى لدى دخوله الظافر إلى القدس كان يمتطي أتانا وابنها معا في وقت واحد كمعجزة يحترمها من المعجزات ، إلا أن الصحيح هو القول بأن معظم الآباء المسيحيين آمنوا بذلك ولم يدر بخلدهم أن مشهدا كهذا سيظهر أقرب إلى الكوميديا منه إلى أبهة الموكب الملكي المهيب ، بيد أن لوقا حذرٌ ولم يقع في خطأ " متى " فهل كان هذان المؤلفان يستمدان الإلهام من نفس الروح ؟ اهـ (1) .
أجيب بالقول : نعم كانوا يستمدون الإلهام من برنابا ويقطعون منه ما كان أمره المسيح بكتابته وإعلانه للناس من بعده ، وقد فعل فجحد عليه وتمت سرقته منه بما حصل في طرحهم بعض ما قاله في هذه الأناجيل المكذوبة السخيفة والتي اعتمدت على ما دونه برنابا في تأريخ حياة المسيح عليه السلام وما أوحى له المولى عز وجل من علم الغيب .
تَقطَّعوا ما كتب فيما بينهم يدونون على وفقه بعد العبث به وتقرير ما يريدونه من باطل ، ليصدروا للناس ما كتبوا ويقدموها على أنها الإنجيل الصحيح وهي زائفة كاذبة متضادة فيما بينها مع زعمهم أنها الحق كله الذي جاء به المسيح مع أن ما للمسيح عليه الصلاة والسلام إلا كتابا واحدا لا أربعة أو أقل أو أكثر ، ما أوحى الله تعالى له إلا بكتاب واحد هو الإنجيل الذي كتبه برنابا بأمر منه ، لم يستأمن عليه إلا هذا التلميذ البار والكاتب الوحيد من بين تلاميذه الذي وثق به وأمره أن يدون كل ما يسمعه منه ولم يأمر غيره بذلك ، وبات بذلك هذا الكاتب هو المصدر الوحيد الثقة لما ينسب للمسيح عليه السلام فهو المستأمن وهو الذي كان يملي عليه المسيح ما يحب أن يدونه حتى أنه أوصاه لما رجع لأمه ليطمئنها بعد ما رفع للسماء بأنه ما قتل وما عذب ، وكان أوصى حين ذاك وأكد على برنابا بأن يكتب كل ما شاهده وقاله له من قبل مما أوصاه بكتابته إلى هذه اللحظة .
أما غير هذا وهي تلك المعترف بها من قبل رؤوس الكفرة الشياطين عباد الصليب التي تلقتها عنهم جموع الحمير البشرية مصدقين أنها هي إنجيل المسيح وهم يرونها أربعة متضادة كلها كاذبة تقتبس عن برنابا لتقرر الكفر والشرك والكذب على الله تعالى ورسوله المسيح عليه السلام .
وكل من قارن النصوص المقتبسة وكلها مقتبسة عن برنابا رأى بعينه وذهنه المدرك أن نور الله تعالى على ما كتب برنابا وظلمات الجهل وركاكة العبارات في تلك الأناجيل المزورة وهي متناقضة جدا فيما بينها ، وكأنهم كل ما رأوا أنه فاتهم شيء مما يريدون له أن لا يظهر ، أو رأوا ما بقي في برنابا مما لم يلبس عليه أو يزيف ضده أسفوا وكتبوا إنجيلا آخر وهكذا إلى أن وصلوا ربما لأعداد غير هذه لكن قافلة أكاذيبهم استقرت على هذه الأربعة واقتنعت بها دون سواها ، وأيضا ما يزعم في ملتهم الشركية أنها كتابات رسلهم للآفاق وفيما بينهم ! .
وما كان جزاء إنجيل الحق منهم ، إنجيل الحق والصدق إلا أن يجرموا بحقه جريمتين جريمة السرقة منه ، ومن ثم الحكم عليه بالإبادة لكن الله شاء خلاف ما يريدون فحفظه حتى وقع بأيدي أمينة لترفعه وتطهره من دنس هؤلاء الأرجاس بين يدي نزول صاحبه عليه الصلاة والسلام ليشهد بأنه إنجيله وأنه الكتاب الذي أوحاه الله إليه ، وسيكذب كل الأناجيل سواه .
وهنا أذكر قصة دخول المسيح للهيكل بمناسبة عيد " الفصح " عند اليهود حين أرسل بطرس ويوحنا إلى المدينة وقال لهم : تجدان أتانا بجانب باب المدينة مع جحش ، فحلاها وائتيا بها إلى هنا لأنه يجب أن أركبها إلى أورشليم ، فإذا سألكما أحد قائلا : " لماذا تحلانها ؟ " قولا لهم : المعلم محتاج إليها . فيسمحان لكما بإحضارها .
فذهب التلميذان فوجدا كل ما قال لهما يسوع عنه فأحضرا الأتان والجحش ، فوضع التلميذان رداءيهما على الجحش وركب يسوع وحدث أنه لما سمع أهل أورشليم أن يسوع الناصري آت فرح الناس مع أطفالهم متشوقين لرؤية يسوع حاملين في أيديهم أغصان النخل والزيتون مرنمين : " تبارك الآتي إلينا باسم الله مرحبا بابن داود " .
فلما بلغ يسوع المدينة فرش الناس ثيابهم تحت أرجل الأتان مرنمين : " تبارك الآتي إلينا باسم الرب الإله مرحبا بإبن داود " . فوبخ الفريسيون يسوع قائلين : " ألا ترى ما يقول هؤلاء ؟ مُرهم أن يسكتوا .
حينئذ قال يسوع : لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لو سكت هؤلاء لصرخت الحجارة بكفر الأشرار الأردياء .
ولما قال يسوع هذا صرخت حجارة أورشليم كلها بصوت عظيم : " تبارك الآتي إلينا باسم الرب الإله " . ومع ذلك أصر الفريسيون على عدم إيمانهم ، وبعد أن التأموا إئتمروا ليتسقطوه بكلامه (2) .
ومن هذه القصة نفهم أن المسيح بإذن الله تعالى رتب أمرا مقضيا به أمام كل بني إسرائيل وبأقدس مكان لديهم " الهيكل " وبأشرف أعيادهم وهو عيد " الفصح " ، وهو الدخول على هيئة ملكية وموكب يزف فيه كما يزف رئيس اليهودية بالمناسبات المقدسة العامة ، ولا يستبعد أن التلاميذ أرسلوا بإمارة وجود ذاك الجحش والأتان لملكين أعداهما لتلك الغاية أو أن يكون قد سبق له تكليف أحد المؤمنين في تجهيزهما له ، وكان بذلك الدخول وبتلك الجلبة شهد على رؤوس اليهودية بما قال عليه الصلاة والسلام .
نعم كان دخول ملكي لكنه متواضع جدا منافي لكبر أصحاب المواكب الملكية والأبهات الزائفة ومع ذلك كان استقباله حافلا من غير جنود للحشد تجبر الناس لإستقبال هذا النبي ، فأغاض ذلك رئيس الكهنة وكتبة اليهودية حتى قال له الرئيس الكافر : فما المراد إذا من المجيء إلى الهيكل بهذا الجم الغفير ؟ لعلك تريد أن تجعل نفسك ملكا على إسرائيل ؟ احذر من أن يحل بك خطر .
فأجاب يسوع عليه السلام بالقول : لو طلبت مجدي ورغبت نصيبي في هذا العالم لما هربت لما أراد أهل نايين أن يجعلوني ملكا ، حقا صدقني أني لست أطلب شيئا في هذا العالم (3) .
والأمر هنا لا كما فهم " ديفيد كلداني عبد الأحد داود " حين سخر من مزاعم النصارى بحسب رواية هذا الحدث المقتبس لـ " متى " السخيف حيث زعم أن زكريا بنبوءته المزعومة عن هذه الحادثة لم يكن يدري المسيح ركب الجحش أو الحمار أما الأتان فأطارها من النبوءة ذلك الخبال اليهودي .
مع أن نص الرواية في الإنجيل على التعيين وانه ركب الجحش واستصحب معه الأتان ، لكنهم لما وجدوا بذكر القصة في الإنجيل الصحيح أن المستقبلين بتلك الحفاوة كانوا يطرحون أرديتهم تحت أرجل الأتان حاروا بعد ذلك من هذا الذكر وحسبوه على التخصيص ، يعني طرح الأردية تحت أقدام الأتان وذكر ذلك دون ما حصل للجحش أوجب على المقتبس المغفل الحيرة ولعله حسب أن المسيح قد يكون ركب الأتان حين مباشرة الدخول لذا كان الناس تفعل ذلك معها دون الجحش ! .
وهذا لا يعني شيء وليس هو دليل على ما حسبه هذا المقتبس الأحمق ، لكن هكذا هو الذكر قد يغفل شيء ويذكر شيء لكن المهم انه لا يغفل أمرا هاما يعني ، ولو كان المسيح استبدل قبل الدخول المباشر للهيكل ، فامتطى الأتان بعد أن كان ممتطيا من البداية الجحش لذكر ذلك ، فكان المقتبس قد حار من ذلك فبنا ليؤكد على جهله وضلاله رواية الامتطاء على الشك كما هو ظاهر نصه ، وأغفل المغزى الأهم للدخول كله .
والمغزى في الحقيقة أكبر مما يتصوره هذا القس الناقد لهم وحتى المقتبس والمقتبس له كلهم لم يدركو على أيهم ركب المسيح عليه السلام ، منتهين لظاهر الحدث غير قادرين على تقرير المغزى الحقيقي منه ، فذلك الدخول وتلك الحفاوة من الآلاف الذين لم يحصل على ربعهم أي كاهن رئيس لإسرائيل حتى اغتاظ رئيس الكهنة وأخذ يعرض بالمسيح أنه طالب ملك وهي التهمة التي ألب شياطين الإنس الرومان على يسوع ، كل ذلك كان لتأكيد البشارة بالمسيا محمد صلى الله عليه وسلم ، وتقرير أنه من ذرية إسماعيل لا إسحاق .
فتقرر الحق وبكل تواضع بعد ما تم دخول ذلك الموكب المكلف بالبلاغ العظيم والشهادة الخالدة ، حتى أن رسول الله يسوع عليه الصلاة والسلام ركب ظهر ذلك الحمار لإعلان تلك البشارة وهو يكفر بكل أبهة ملكية وصولجان زائف ذليل خانع للرومان ، وبكل تلك العفوية الرسولية الصادقة وتلك الاستكانة الحقيقية للمولى عز وجل كان الكفر لكل مواكب الزيف التي دخلت الهيكل المقدس في اليهودية وكان المسيح من على ظهر ذلك الجحش وبجانبه الأتان يدخل أقدس أماكن اليهودية ويعلن أمر الله تعالى العظيم وليمجد وليه الله ورسوله ويكشف عن حقيقته التي طمسها اليهود على مر تأريخهم ، حتى كانت الناس تنادي بالسلام عليه ونادت الحجارة معهم لتحية هذا المبشر المؤيد المنصور بالحجة والبرهان على رؤوس كاهن اليهودية كلها وفريسييهم الكذبة معه .
فهذه القصة وهذا وجهها الصحيح ، وهذه حقيقة اقتباساتهم السخيفة الكاذبة ومدى تحريفها وخبطها الوضيع حتى أنه لا يرى لها نورا مثل ما نرى لهذا الإنجيل من نور الحق وصدق البيان .
قال " عبد الأحد داود " ساخرا من متى هذا وتلاعبه :
من خصائص الإنجيل الأول وهو إنجيل متى ـ عند الصليبية يعني ـ إظهار وإثبات تحقق بعض الأقوال أو النبوءات في العهد القديم ، والتي تتعلق بكل حدث تقريبا من أحداث حياة المسيح ، ومتى هذا لا يكترث ولا يبالي أن يقع في التناقضات .
كما أنه غير دقيق في اقتباساته من الكتب العبرية المقدسة ، وهو بالتأكيد ليس ضليعاً في أدب لغته . وقد أتيحت لي فرصة للإشارة في المقالة السابقة من هذه السلسلة إلى أحد أخطائه الفاحشة حول الحمار الذي ركبه عيسى ، وهذه نقطة في غاية الخطورة وتمس بصورة مباشرة صدق الأناجيل وموثوقيتها ، فهل من الممكن أن الرسول متى نفسه جاهل بالطابع الحقيقي لنبوءة " ملاخي " ويعزو لسيده عن جهل اقتباسا خاطئا قد يضع موضع التساؤل تلك الخاصية التي تميز بها النبي وهي كونه يوحى إليه من الله .
إذ ماذا يجب أن يكون رأينا في مؤلف الإنجيل الثاني " مرقص " الذي ينسب العبارة الموجودة في ملاخي إلى إشعيا ؟! ( مرقص 1/2) كما أن متى يقول عن عيسى (11/1ـ 15) وهذا القول أيضا ينقله ويتبعه لوقا (7/18 ـ 28 ) وهو أن عيسى أعلن للجمهور أن يوحنا المعمدان كان أكثر من نبي ، وأنه هو الذي كتب عنه : ( أنظروا إنني مرسل ملاكي أمام وجهك ، وأنه سوف يمهد السبيل أمامك ) وأنه ( لم يوجد بين من ولدتهم النساء من هو أعظم من يوحنا ، لكن أقل َّ مَنْ في ملكوت السماء أعظم منه ) .
إن تحريف نص ملاخي واضح ومقصود اهـ (4) .
إن مرد هذا القصد للحسد الذي انتابهم من تعظيم يسوع لمحمد صلى الله عليه وسلم وجرهم لتحريف كل ما صرح به يسوع المسيح منقبة لمحمد الرسول وثناءً عطراً وجميلاً في كرامة هذا النبي الذي كان يبشر بأمره ويخبر أنه آت بعده ، وأوجب الإيمان به لمن يريد الخلاص الأبدي لنفسه ، وما فعله هؤلاء الأرجاس الأنجاس هو تحويل يسوع لمنزلة محمد صلى الله عليه وسلم ويوحنا لمنزلة المسيح ، فجعلوا خبر يسوع عن محمد صلى الله عليه وسلم بأنه لا يستحق حل سير حذائه تعظيما لشأنه في يوحنا ليسوع عليه السلام ، قلبوا ذلك وبالغوا حتى جعلوا يوحنا المعظم ليسوع بما قاله يسوع في رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، أكبر من كونه نبي بل صرحوا بأنه ملاك ونسبوا ذلك لنبي من أنبياء بني إسرائيل ، وخلط مغفل آخر منهم ونسب ذلك لنبي غير النبي السابق كما أشار لذلك الكلداني قبل قليل ، تخبط وكذب وعبث قوم لا يخشون الله تعالى بل هم شياطين وفي خدمة شيطانهم الرأس يفعلون ذلك .
وفي قول آخر في كذبهم أن يوحنا أعظم مولود لبني البشر ومع هذا يسوع سيكون أعظم منه بدليل قوله أنه لا يستحق أن يحل سيور حذائه ! ، وكل هذا لينتهي التعظيم الذي قاله يسوع في محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من يوحنا ليسوع ، حمية شيطانية لا تريد إلا وجه إبليس لطمس النبوءات وتحريفها عما يريد الله تعالى بالحق .
تخبط وضلال وتحريف شرير لما ورد في الإنجيل عن هذا النبي الكريم الخاتم صلوات ربي وسلامه عليه ، ولأجل ذلك أبعدوا الإنجيل الذي أنزله الله تعالى على قلب يسوع المسيح عليه السلام وأمر بكتابة كلماته تلميذه البار الصديق برنابا ، ثم تولوا بدلا منه هذه الترهات والتلفيقات المكشوفة الكذب والتي ما كتبت إلا بأمر بولص عادم التقوى لتدعيم أكاذيبه التي أوحى بها إليه الشيطان الذي تبدى له بالطريق وزعم له انه يسوع نفسه ، وخير من يفند مثل هذه الأكاذيب من كان يؤمن بها سابقا من أمثال ديفيد كلداني القس الذي علم مدى باطلهم فأعلن إسلامه بمحمد صلى الله عليه وسلم وكشف عن جانب من تحريفاتهم وتناقضاتهم وهي التي سأتتبع بعضا منها في هذا الفصل.
لقد هدي كلداني " عبد الأحد داود " ليبين للناس مثل ذلك ويذكر ، وكان قبل من الذين يؤمنون بهذه السخافات والترهات البينة ثم مجَّتها روحه لما وجد فيها من تحريفات وأكاذيب صارخة لا تنفق إلا على من باع قلبه وعقله للشيطان .
وسأتتبع كذلك في الفصول التالية أهم اقتباساتهم التي حرفوها على الإنجيل وأذهبوا نظارتها النبوية ليصرفوها إلى غير وجهتها الصحيحة كما قلت لا لحبهم للمسيح ولرفع كرامة له من بين الأنبياء ، أبدا فهم من أشد أعداء المسيح وكل من جاء قبله ، خصوصا منهم ورأسهم موسى الذي آتاه المولى عز وجل شريعة فرض عليهم العمل بها ، ولو كان هؤلاء أحباب للمسيح بحق ويتبعون كلامه لاستمسكوا بما أوصى به ، التمسك بشريعة موسى لكنا نرى من وراء هذه التحريفات يكفر بشريعة موسى ويجلب لعناتها على من أراد إتباع عيسى بحق ، وهذا ليس من أفعال وأقوال من يحب عيسى بحق عليه السلام بل هو من أشد أعداء المسيح حتى أنه دعا لما كفر به يسوع عليه السلام وأنكره أشد الإنكار ، ورأس ذلك دعوى أنه إبن الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
قال يسوع عليه السلام لما سألوه : ممن أنت ؟ ، قل لنشهد للذين أرسلونا ؟
فقال حينئذ يسوع : أنا صوت صارخ في اليهودية كلها ، يصرخ : " أعدوا طريق رسول الرب كما هو مكتوب في إشعيا (5) .
وقال في موضع آخر من إنجيله : " أما من خصوصي فإني قد أتيت لأهيئ الطريق لرسول الله الذي سيأتي بخلاص للعالم ولكن احذروا أن تغشوا لأنه سيأتي أنبياء كذبة كثيرون يأخذون كلامي وينجسون إنجيلي . .(6) .
وهنا بمقارنة ما كتبه بولص عادم التقوى الدجال وأثبته بالأناجيل المزعومة مع هذه النصوص عن يسوع المسيح عليه السلام كما ورد في إنجيله الصحيح يدرك العاقل مدى التلاعب بهذه النبوءات التي أطلقها المسيح عليه السلام من خلال إنجيله ، وكيف أنهم قلبوا الخلاص من أن يكون بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي بشر به المسيح عليه السلام ، ليكون في يسوع نفسه وبطريقة معاكسة تماما لما أخبر يسوع عليه السلام ، وبالتأكيد فعل هذا عادم التقوى بولص الملعون بعدما اطلع على ما ورد في هذا الإنجيل وهو مدرك معنى ما ورد فيه كيف لا ؟ ، وهو مصاحب لبرنابا وعرف عنه كل شيء قاله المسيح يسوع عن دعوته وأصولها وأخص ذلك البشارة بالخلاص بمحمد صلى الله عليه وسلم والذي انقلب بمكر شيطاني ليصبح خلاصا بيسوع نفسه وبأشنع ما أنكر ونفى عن نفسه وربه الذي أرسله بشير خلاص لليهود ، قلب كل ذلك هذا الدجال الذي انذر شره يسوع نفسه عليه السلام ، فادعى على يسوع القتل على الصليب وأن الإيمان بذلك هو الخلاص كما حرف في الفداء منقبة محمد صلى الله عليه وسلم وفضيلته في رفع العذاب عن أهل جهنم ليكون بدلا من ذلك الفداء بقتل وتعذيب يسوع على الصليب عن كل شرور الآثمين والمجرمين والسكيرة والنوكى من حثالة البشر ، وفي هذا منتهى امتهان المسيح وعقيدته وبشارته وتحريفها من الشيطان على يدي هذا المجرم الملعون ابن الشيطان البشري المخلص لوالده ، إن لم يكن هو بذاته نطق من خلال هذا الشرير .
قال يسوع بأن الله تعالى خاطب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو بعد لا زال روحا : اصبر يا محمد لأني لأجلك أريد أن أخلق الجنة والنار والعالم وجما غفيرا من الخلائق التي أهبها لك ! حتى أن من يباركك يكون مباركا ومن يلعنك يكون ملعونا ومتى أرسلتك إلى العالم أجعلك رسولي للخلاص .. اهـ (7)
بولص عادم التقوى الملعون أدرك أن مهمة يسوع التبشير بمبعث المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن الخلاص لن يكون إلا بالإيمان به ، وأنه بعد أن يقوم بهذه البشارة بمحمد سيأتي أنبياء كذبة لينجسوا إنجيله بدعوى أنه أكبر من إنسان ، وهذا عين ما قام به بولص عادم التقوى ونفذه ، ما يدل على أنه صاحب كفر وعناد عن قصد وعمد وعلم مسبق بكل ما قاله من باطل بغض النظر عمن يكون هو على الحقيقة ، وها هو يدعي على " يوحنا " أنه سبق مجيء المسيح ! (8) .
ليتسنى له دعوى هذا القلب للنبوءات من يسوع في فضيلة محمد ، ليوحنا لتكون في فضيلة يسوع لا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وأن الخلاص النهائي يكون بيسوع لا محمد كما بلغ عن ذلك يسوع نفسه عليه الصلاة والسلام .
قال عليه السلام في إنجيله الصحيح :
وقد جاء الأنبياء كلهم إلا رسول الله الذي سيأتي بعدي لأن الله يريد ذلك حتى أهيئ طريقه (9) .
أما من خصوصي فإني قد أتيت لأهيئ الطريق لرسول الله الذي سيأتي بخلاص العالم .
فتلاعب هذا اللعين بكل ذلك وحرف في الخلاص العام لكل البشرية فجعله في يسوع نفسه ، وأنه هو الفداء عن كل البشرية وكل من يؤمن به ويباركه سيكون مباركا ، هكذا قرر لهذه الجموع واتبعته على الكفر والكذب هذا حتى باتوا ملعونين معه مهما كثروا وزاد ادعائهم الإخلاص ليسوع ، فيسوع يلعن كل من قال بأنه أكبر من إنسان وصدق الأنبياء الكذبة .
قال الكلداني عبد الأحد داود في كتابه " محمد بالكتاب المقدس (10) " :
كل الناس يعرفون أن الكنائس النصرانية اعتبرت يوحنا المعمدان دائما تابعا لعيسى ومبعوثا له ، وكل المفسرين أو المعلقين النصارى يظهرون عيسى وكأنه موضوع شهادة يوحنا ونبوءته .
ومع أن لغة الأناجيل قد شوهها المزيفون في ذلك الاتجاه ـ هذا ظنه وإلا هي بالأصل موضوعة ولتلك الغاية متبوعة ـ إلا أن ذلك الزيف أو الخطأ لا يمكن أن يخفى إلى الأبد عن عين الناقد البصير ، أو العين الفاحصة المحايدة ، ولا يمكن أن يكون عيسى موضوع شهادة أو قول يوحنا للأسباب التالية :
أولا : أن نفس كلمة ( بعد ) (11) تستبعد عيسى بكل وضوح من أن يكون هو النبي المبشر به ، لأن عيسى ويوحنا ولدا في سنة واحدة وعاصر أحدهما الآخر اهـ .
أقول : هذا فيه نظر فإغفال ذكر يحيى عليه السلام في سيرة المسيح التي كتبها تلميذه البار برنابا دال على أن يحيى عليه السلام إبان نشاط المسيح في نشر بشارته في الناس لا يزال صغيرا لم يشتهر في بني إسرائيل ويعرف على أنه نبي يوحى له من الله تعالى ولا هو برسول ، ولم ينفرد الإنجيل الذي كتبه التلميذ البار برنابا بإغفال أي ذكر ليحيى عليه السلام ، بل حتى المصطفى نفسه عليه الصلاة والسلام بهذا النص التالي أغفل أي ذكر ليحيى النبي لقوله في عيسى : " ليس بيني وبينه نبني " . وآكد ما يكون هذا منه إغفالا لسيرة يحيى النبي عليه السلام إن كان يعني بالبينية ما كان من حياة المسيح الأولى ، أما إن كان يعني حياته بعد رجعة المسيح للدنيا فهذا أمر آخر لا وجود بالتأكيد ليحيى بين ذلك ، لكن يبقى إغفال ذكر يحيى في سيرة المسيح التي كتبها برنابا أمرا يحتاج لفحص أكثر لمعرفة أسباب ذلك والمرجح لدي حتى هذه اللحظة أن يحيى عليه السلام كان لازال لم يوح له بالرؤيا بعد أثناء عمل الله تعالى بالمسيح لنشر هذه البشارة العظيمة .
قال الكلداني متابعة للنقطة الأولى في نقاشه لنتائج هذا التحريف المكشوف في قلب تلك النبوءة :
كلمة ( بعد ) هذه تدل على مستقبل غير معلوم بعده ، وبلغة النبوءة فهي تعبّر عن دورة أو أكثر من دورات الزمن .
ثانيا : لم يكن عيسى مقصودا عند يوحنا ( يحيى ) حين أرسل تلاميذه ليسألوه : " هل أنت المسيح ؟ هل أنت إيليا ؟. . " . لأنه لو كان الأمر كذلك لاتَّبع عيسى وخضع له كتلميذ وكتابعٍ ، ولكن لم يكن الأمر كذلك ، بل على العكس نجده يعظ ويعمد ويستقبل التلاميذ ويلقنهم ووو ، دون أن يعير أدنى التفات لوجود ابن خالته في يهودا أو الجَليل .
ثالثا : جعلهم من عيسى إلها أو ابن إله ومختونا من كل الإسرائيليين ومعمدا على يد القديس يوحنا ، يثبت أن الأمر على العكس تماما ، فالكلمات التي جرى تبادلها بين المعمدان والمعمَّـد في نهر الأردن تبدو تحريفا أو ابتذالا لأنها ذات طابع خَدَّاع .
فلو كان عيسى حقيقة هو الشخص الذي تنبأ به المعمدان على أنه أقوى منه لدرجة أنه لم يكن أهلا للانحناء وحل سيور حذائه وأنه سوف يعمِّدُ بالروح والنار لو كان الأمر كذلك لما كان هناك ضرورة أو معنى لتعميده في النهر على يد شخص أقل منه ، ومثله مثل أي يهودي ، وأن تعبير عيسى القائل " يجدر بنا أن نحقق كل العدالة " قول غير مفهوم ، فلماذا تتحقق على أيديهم كل العدالة ؟ ، وكيف ذلك إذا كان عيسى معمدا ؟ هذا التعبير غير مفهوم البتة . فهو إما تحريف أو عبارة مشوهة عمدا .
رابعا : إن الحقيقة القائلة بأن يوحنا عندما كان في السجن أرسل تلاميذه لعيسى يسألونه : " هل أنت النبي الذي سيأتي ؟ ، أم نتوقع واحدا آخر ؟ " . هذه الحقيقة تُظهر بجلاء أن المعمدان لم يعرف موهبة النبوة في عيسى إلا بعد أن سمع وهو في السجن بمعجزاته ، هذه الشهادة من القديس متى (11/3) تتناقض مع شهادة الإنجيل الرابع ( يوحنا /1) وتضعفها ، حيث ينص فيه على أن المعمدان عندما رأى عيسى قال : " انظروا حمل الله الذي سيحمل خطيئة العالم " . ولا يعرف الإنجيل الرابع شيئا عن الاستشهاد القاسي ليوحنا (متى /14، مرقص 6/14 ـ 29 ) .
خامسا : لا يمكن أن يكون يوحنا المعمدان سلف عيسى المسيح المبشر به ، بالمعنى الذي تفسر فيه الكنائس بعثته . فالأناجيل تقدمه لنا على انه " صوت يصرخ في البرية " كتحقيق لعبارة جاءت في إشعيا ( 40 / 3) ، وكرسول لعيسى المسيح استنادا إلى قول النبي " ملاخي " (3/50 ) .
إن القول بأن مهمة المعمدان أو واجبه كان إعداد الطريق لعيسى ـ باعتباره سلفا من ناحية ، ومن ناحية أخرى باعتباره فاتحا منتصرا قادما فجأة إلى هيكله ، حيث يقيم دينه ( السلام ) ، ويجعل القدس بهيكلها أكثر مجدا من ذي قبل ( حجي 2/8 ) ذلك القول ـ إنما هو اعتراف بالفشل المطلق في المهمة بأسرها اهـ (12) .
واستمرارا من الكلداني في سرد تناقضات هذه الأناجيل الكاذبة حول التلاعب بقصة يوحنا واستبدالهم ما ذكر المسيح يسوع في محمد صلى الله عليه وسلم تحريفا ليكون من يوحنا في يسوع ، وكان كذبهم في ذلك مكشوفا على الآخر ، قال :
كما لا يذكر الإنجيل الرابع شيئا عن تعميد عيسى على يد يوحنا ، ويدعي هذا الإنجيل بأن " انرداوس " كان تلميذا للمعمدان يوحنا ، وبعد أن هجره سيده ، أحضر سمعان إلى عيسى ( يوحنا 1 ) وهي قصة تناقض بصورة واضحة أقوال الإنجيلين الآخرين ( متى4/18ـ 19 ) و ( مرقص1/16 ـ 18 ) .
وعند لوقا تختلف القصة كليةً ، فقد جاء فيها أن عيسى يعرف " سمعان بطرس " قبل أن يصبح حواريا ( لوقا 4/38 ـ 39 ) .
وتحتوى الأناجيل الأربعة للكنائس التثليثية على العديد من الأقوال المتضاربة حول الاتصال بين النبيين الذين تجمع بينهما آصرة القرابة . وجاء في الإنجيل الرابع أن المعمدان لم يكن على معرفة من شخصية عيسى ، حتى بعد تعميده ، عندما نزلت روحٌ كالحمامة وحلت فيه ( يوحنا 1 ) ، بينهما يقول لنا لوقا : إن المعمدان ـ وهو ما يزال جنيناً أصغر في رحم أُمه ـ كان يعرف عيسى ويعبده ، وعيسى بدوره كان عندئذ جنينا أصغر في رحم مريم ( لوقا1/44 ) .
ثم يقال لنا ثانية إن المعمدان وهو مودع في السجن حيث جرى قطع رأسه (متى11/14) لم يكن على علم بالطبيعة الحقيقية لرسالة عيسى !! .
وثمة إشارة غامضة في الأسئلة التي وُجهّت إلى النبي يحيى من قبل الرهبان واللاويين ، فهم يسألون المعمدان " هل أنت المسيح ؟ هل أنت إيليا ؟ " وعندما يجيبهم بالنفي يقولون : إذ لم تكن المسيح ولا إيليا ولا ذلك النبي ، إذاً فلماذا تُعَمَّـد ؟! . (يوحنا/1) .
ولذلك سوف يُلاحظ أنه حسب الإنجيل الرابع لم يكن يوحنا المعمدان هو المسيح ولا إيليا ولا ذلك النبي !! ، وإني أتجرأ فأسأل الكنائس المسيحية التي تؤمن أن مُلهِمَ جميع هذه الأقوال المتضاربة هو الروح القدس ، فمن يعني أولئك الأحبار اليهود واللاويين بقولهم " وذلك النبي ؟ " وإذا كنتم تدعون عدم معرفتكم مقصد رجال الدين العبرانيين ، فهل يعرف باباواتكم وبطارقتكم من هو ذلك النبي ؟ وإذا كانوا لا يعرفون فما هي الفائدة الدنيوية من هذه الأناجيل المشكوك في صحتها والمحرفة ؟ ، وإذا كان الأمر على العكس وكنتم تعرفون من هو ذلك النبي فلماذا إذا تبقون صامتين . . ؟! .
وفي الاقتباس الوارد أعلاه ( يوحنا1 ) يذكر بوضوح أن المعمدان قال إنه لم يكن نبيا ، بينما يُروى أن عيسى قال : " لم يوجد قط رجال ولدتهم النساء أعظم من يوحنا " . ( متى /11) فهل نادى عيسى حقيقة بقول كهذا ؟ هل كان المعمدان أعظم من إبراهيم وموسى وداود وعيسى نفسه ؟ .
ويروى أن المسيح أعلن أن يوحنا المعمدان كان تجسدا جديدا للنبي إيليا ( متى 11/14 و 17/12 ، لوقا 1/17 ) بينما قال يوحنا للوفد اليهودي " إنه لم يكن إيليا ولا المسيح ولا ذلك النبي " ( يوحنا /1) .
إذن هل في وسع المرء استخلاصا من هذه الأناجيل الحافلة بالأقوال المتناقضة المتضاربة ، أن يتوصل إلى استنتاج صحيح ؟ هل يستطيع الإنسان أن يعرف الحقيقة ؟ ، إن التهمة خطيرة جدا ، لأن الأشخاص المعنيين ليسوا بشرا عاديين مثلنا ، إنهما اثنان من الأنبياء ، خلقا في رحمي أميهما على يد الروح ، وولدا بصورة خارقة ، أحدهما لم يكن له أب ، بينما كان أبوا النبي الثاني عجوزين عقيمين غير قادرين على الإنجاب ، وفي التسعينات من عمريهما ، وتزداد التهمة خطورة عندما نأتي لدراسة طبيعة الوثائق التي كتبت فيها هذه الروايات المتناقضة ، والرواة هم الإنجيليون وهم أشخاص يُزعم أنهم مُوحى إليهم من الروح القدس ، وأن ما دونوه هو وحي !! ، إلا أنه توجد هناك أكذوبة أو قول خاطئ أو تزييف في مكان ما ( فيقال إن إيليا " أو إيلياس " جاء قبل " ذلك النبي " (متى 4/ 5 ـ 6 ) ويقول عيسى " يوحنا هو إيليا " . ويقول يوحنا " أنا لست إيليا " . وكلا القولين المثبت والمنفي وارد في الكتاب المقدس عند النصارى !! اهـ (13) .
والآن سأختم هذا الفصل بسلسلة تناقضات أثبتتها الصليبية المشركة بأناجيلها رغم تناقضها الصارخ وكذبها البين مع زعمهم أنها كلها موحاة من الله تعالى لتلاميذ يسوع المسيح ، ولا يثبتها ويقر بها كلها دينا إلا من لا عقل له ، أو ساخر مستهتر بالله تعالى ما ينسب لأنبيائه ورسله وأتباعهم المخلصين ، وهذه حقيقة عادم التقوى بولص ومن اتبع ملته وكذبه .
وأول ذلك ما ذكرته سابقا في الفصل الأول ولا بأس من إعادة ذكره هنا :
وإذا اضطهدوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى أخرى . الحق أقول لكم إنكم لا تُتِمُّـون مُدُنَ إسرائيل حتى يأتي ابْنُ البشر (14) .
وهذا صريح في الكذب ، إذ انه لم يحصل ووعد الكذب لا يكون إلا من أنبياء الكذب .
ثانيا : وهو ما ذكر أيضا في هذا الفصل ، أن يوحنا المعمدان ( يحيى ) لم يكن يعرف يسوع حتى بعد تعميده بالماء ( يوحنا 1) ، بينما عند لوقا (1/44) إن المعمدان ـ وهو ما يزال جنيناً أصغر في رحم أُمه ـ كان يعرف عيسى ويعبده ، وعيسى بدوره كان عندئذ جنينا أصغر في رحم مريم .
ويذهب ( متى 11/ 3) أبعد مما في ( يوحنا ) ، إلى أن المعمدان وهو مودع في السجن حيث جرى قطع رأسه لم يكن على علم بالطبيعة الحقيقية لرسالة عيسى !! .
ثالثا : قالوا بأن المسيح أعلن أن يوحنا المعمدان كان تجسدا جديدا للنبي إيليا ( متى 11/14 و 17/12 ، لوقا 1/17 ) بينما قال يوحنا للوفد اليهودي " إنه لم يكن إيليا ولا المسيح ولا ذلك النبي " ( يوحنا /1) . وقد تساءل على وفق هذا العقلاء مثل الكلداني ، كيف يكون هذا كله وحي من الله تعالى وهو كذب ؟ على ما مر معنا قريبا في هذا الفصل ، وعلى هذا ومثله من تناقضات وكذبات مكشوفة ترك دينهم هذا الكلداني وفر يطلب سلامته من دجل الصليبية وان لا يحشره الله تعالى مع عادم التقوى بولص فيكون من أعداء يسوع المسيح عليه الصلاة والسلام .
رابعا : الاختلاف في نسب يسوع المسيح ما بين سرد ( متى ) و ( لوقا ) ، فبحسب ( متى ) أربعين جيلا ما بين يسوع وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، أما ( لوقا ) فبينهما خمسة وخمسين جيلا .
وأطم من هذا الاختلاف عدهم من أجداد يسوع المسيح ( فارص بن يهوذا ) مع أنه قد ورد عنه في سفر التكوين من العهد القديم والذي تقدسه النصارى ، أنه ولد وشقيقه ( زراح ) عن طريق الزنا !! ، ثم يرفعونه بعد ذلك إلى مقام الألوهية !! اهـ (15) .
خامسا : اختلاف إنجيل ( لوقا ) مع إنجيل ( يوحنا ) حول ذكر زمان قصة معجزة صيد السمك ، فالأول يعتبرها حدثت أثناء دعوة يسوع المسيح ، بينما الثاني يعتبرها حدثت بعد قيامة يسوع من الموت ! (16) .
سادسا : مضحكة نقض الناموس وعدم نقضه ، وهي سخافة صليبية مثبتة في إنجيل واحد وتعد من أصرخ التناقضات لكنها هذه المرة مثبتة في إنجيل واحد ، ففي ( متى ) عن يسوع قوله : لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأنقض بل لأكمل فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل ، فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا ، يدعى أصغر في ملكوت السموات .
ثم يعقب ذلك هذا القول وبه هدم للشريعة :
وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق . . ، وأما أنا فأقول لكم إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني ، ومن يتزوج مطلقة فإنه يزني ! .
أيضا سمعتم أنه قيل للقدماء لا تحنث بل أوفِ للرب أقسامك ، وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البتة اهـ (17) .
.........................
(1) محمد بالكتاب المقدس ( ص 109 ) .
(2) إنجيل برنابا (200/4 ص274 ) .
(3) إنجيل برنابا (206/6 ص 280 ) .
(4) محمد بالكتاب المقدس ( ص 116 ) لعبد الأحد داود .
(5) إنجيل برنابا (42/8 ص 92 ) .
(6) إنجيل برنابا (72/10 ص 130 ) .
(7) إنجيل برنابا ( 7/15 ) .
(8) أعمال الرسل ( 19/4 ) .
(9) إنجيل برنابا ( 36/6 ص 84 ) .
(10) ص 172 .
(11) يريد القول المنسوب ليحيى : " أنا أعمدكم بالماء وذلك للتوبة وغفران الخطايا ، ولكن هناك شخص قادم بعدي وأقوى مني لدرجة أنني لا أستحق حل سيور حذائه ، وسيعمدكم بالروح والنار " . وهذا النص أو معناه وقد ذكر بعبارات مختلفة ببعض أناجيلهم المحرفة الذي سبق لي الإشارة إلى أنه قد تم تحريفه من أن يكون من يسوع في محمد صلى الله عليه وسلم ليصبح من يحيى ليسوع نفسه ، ما جرهم للوقوع بسبب ذلك في تناقضات عديدة تسلط عليهم نتيجتها هذا القس الكلداني وأخذ يكشف لهم كثرة زيوف ما فعلوا وما يترتب عليه من تضادات منها أن يسوع لم يعمد بالنار ولم تكن له قوة بتاتا على مدعويه ، وغير ذلك على ما سأبينه في الأعلى .
(12) محمد في الكتاب المقدس ( ص 172 ـ 175 ) .
(13) محمد في الكتاب المقدس ( ص 167 ) .
(14) متى ( 10/16 ) .
(15) أفادته د . ساره العبادي عن " محمد عزت الطهطاوي " في كتابها التحريف والتناقض في الأناجيل الأربعة ( ص 114 ) .
(16) المصدر السابق ( ص 115 ) .
(17) راجع تعقيبات سارة العبادي بكتابها المذكور ( ص 207 ) فقد توسعت بمثل هذه الاستدراكات على هذه الكتب المحرفة والمحشوة بمثل هذه الترهات والتي لا تنفق إلا على من هم أضل البشر عقلا .