خلط التويجري في أمر المهدي عليه السلام
قال رحمه الله تعالى : الحقيقة الثابتة عند أهل العلم ، هي أن جميع الصفات والعلامات المذكورة في الأحاديث الثابتة تدور على شخص واحد يخرج في آخر الزمان ويسمى بالمهدي اهـ . ( الإحتجاج بالأثر 271 )
هذا قوله رحمه الله تعالى وبالرد عليه ونقضه من قوله وعقيدته وما سطرته يده سنطرح الستارة عن أكبر كذبة في حنبلية المتأخرين ، أو قولوا إن أحببتم أكبر سذاجة في المتأخرين وكثير من المتقدمين ، ذلك في اعتقادهم بالمهدي أنه ليس إلا رجلا واحدا يتسمى بالمهدي ويتصف بالصفات المذكورة بجميع أخبار المهدي .
ومما كتبه هذا الرجل مقررا القاعدة السابقة مناقضا لما قعّد ، سنعرف مدى خلطهم في هذا الأمر وعدم صحة ما يعتقدونه بهذا الشأن ، وسنرى هل الأمر بالفعل مثل ما قالوا أن ليس هناك في آخر الزمان من سيحثو المال حثيا سوى المهدي أم لا ؟! .
علما أنه يقول قوله ذلك وهو يُنظـّر في رد المكذبين لأمر المهدي ، ويقرر ما يقرر وهو عمدة عند الكثيرين من المتأخرين في علم أشراط الساعة ، لكنهم لما كان الغالب فيهم البلاهة والتقليد الأعمى مر عليهم هذا التناقض والاضطراب مرور الكرام لعدم أهليتهم ومقدرتهم على التمييز ما بين صحيح الكلام ونقيضه ، وإلا لصاح به منهم صائح مستشكلاً هذا من قوله ، فاعتبروا هل ترون قبل تاريخنا هذا منهم أحدا فعل هذا ؟! ، لن تجدوا خذوها مني موثقة ! .
قال رحمه الله تعالى : وكذلك أخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم بخروج القحطاني والجهجاه في آخر الزمان ، وأخبر أيضا عن الخليفة الذي يكون في آخر الزمان يحثو المال حثوا ولا يعده عدا ، وأخبر أيضا بخروج الدجال ، والمؤمن الذي يقتله الدجال ثم يحييه ، وهؤلاء كلهم من بني آدم وهم الآن مجهولون وفي عالم الغيب وسيخرجون إلى الوجود في آخر الزمان وليسوا ملائكة مقربين ولا أنبياء مرسلين ولا يأتون بدين جديد ومع هذا فالإيمان بخروجهم في آخر الزمان واجب على كل مسلم ، ومن لم يؤمن بخروجهم فهو فاسد العقيدة وإسلامه مشكوك فيه لأنه لم يحقق الشهادة بالرسالة اهـ . ( الإحتجاج بالأثر216 ) .
وقال في موضع آخر : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخروج المهدي في آخر الزمان وأخبر أنه من أهل بيته وأخبر بخروج القحطاني والجهجاه والخليفة الذي يحثو المال حثوا ولا يعده عدا ، ... وهؤلاء من لم يصدق بهم فهو ممن يشك في إسلامه اهـ . ( ص190)
وجمعه بالذكر هنا ما بين المهدي وهذا الخليفة دال على أن المراد بخبر الخليفة ليس هو المهدي عنده ، بل استدلاله هنا بخبر هذا الخليفة على المخالف القطري يفيد حمله الخبر على غير المهدي وإلا لما استدل به على هذا النحو ، بل ذهب في كتابه اتحاف الجماعة لتأكيد هذا التغاير بتبويب بابا خاصا يلي باب المهدي عليه السلام ، وذكر فيه من الأخبار ما يلي :
الخبر الأول : حديث أبي سعيد وجابر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده " .
وفي لفظ لأحمد رحمه الله تعالى : " ليبعثن الله عز وجل في هذه الأمة خليفة يحثي المال حثيا ولا يعده عدا " .
الخبر الثاني : عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يخرج عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن رجل يقال له : السفاح ، فيكون إعطاؤه المال حثيا " . رواه الإمام أحمد
الخبر الثالث ( أثر ) : عن أبي سعيد الخدري قال ، قلت : والله ما يأتي علينا أمير إلا وهو شر من الماضي ، ولا عام إلا وهو شر من الماضي . قال : لولا شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن من أمرائكم أميرا يحثي المال حثيا ولا يعده عدّا .. " . الحديث رواه أحمد رحمه الله تعالى (إتحاف الجماعة 2/311)
ساقها كلها ثم قال : في هذه الأحاديث إشارة إلى المهدي بدليل ما تقدم في بعض الروايات ــ يريد ما نصت على توزيعه المال بغير عدد ــ اهـ .
وفي قوله هذا مناقضة لما قرره متأخرا عن قوله هذا ، وهو ما أوردته عنه سابقا من كتابه (الإحتجاج بالأثر) إذ جزم بأن هذا الخليفة غير المهدي ، مع زعمه في نفس الكتاب أن الإتفاق انعقد على أن الصفات في المهدي كلها : تدور على شخص واحد يخرج في آخر الزمان ويسمى بالمهدي . مع أن منها ما وصف فيه هذا الخليفة .
هذا ما قرره في كتابه الإحتجاج بالأثر وفي ذلك جمع للتناقض ما دام انه عد هذا الخبر في غير المهدي عليه السلام .
وقوله المناقض هذا أتى لاحقا على الصحيح لقوله في القاعدة العامة ، وأرى أن ما ألجأه لذلك أحداث فتنة جهيمان واضطراره لمجادلة القطري منكر أخبار المهدي عليه السلام ، فالتزم لذلك أن هذا الخليفة غير المهدي على الرغم مما ورد في صفاته أنه يحثو المال بغير عدد ، وهذه من أخص صفات المهدي عليه السلام كما هو معروف من الخبر الصحيح الذي رواه مسلم وغيره .
وهم إلى الآن ومع أن بعض أخبار هذا الخليفة وردت في ثاني أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى عند أهل السنة وفيه النص على أن هذه أخص صفاته ، إلا أنهم إلى الآن يجهلون حقيقة هذا الخليفة وأنه يسبق تمكين المهدي عليه السلام محمد بن عبدالله ــ حديث أبي سعيد في أنه يخلف الشر صريح في الأمر ــ ، وها هو التويجري من أكثر المتأخرين تنظيرا في هذا الباب يخبط هذا الخبط ، ويضطرب كما رأيتم في تحقيق هذا الأمر فتارة يقول أن في هذه الأخبار إشارة للمهدي ، ثم يعود ويجزم بأنه خليفة آخر يكون آخر الزمان وهو غير المهدي ( محمد بن عبدالله ) ويقطع بالشك في إسلام من ينكر أمره ، فما بالكم إذاً وهو يضطرب إلى هذا الحد ، بغيره من الدهماء والجهلة المقلدة الذين هم اليوم من أنكر الناس لأمر وأخبار هذا الخليفة ما يجزم معه بالشك في إسلامهم وتسليمهم لصدق أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما قرر التويجري رحمه الله تعالى فيما مر معنا سابقا .