من ترجيحات ابن تيمية الباطلة على أصل قوله في تعيين الطائفة المنصورة
قوله بتأويل ظهور اليهود أنه مما مضى وليس هو من أشراط الساعة ( 1 ) لمخالفة ذلك أصلهم في دوام ظهور الطائفة المنصورة ، قال ذلك تعليقا على قوله تعالى : ﴿ ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموالٍ وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا . إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها . فإذا جاء وعدُ الآخرةِ ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا . عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا ﴾ ! الآية 6-8 الإسراء
قال رحمه الله تعالى : ثم بعث المسيح وخُرِّب بيت المقدس الخراب الثاني ، حيث أفسدوا في الأرض مرتين ، ومن حينئذ زال ملكهم وقطعهم الله في الأرض أمماً ، وكانوا تحت حكم الروم والفرس .. حتى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم فصارت يد ولد اسماعيل فوق الجميع ، فلم يكن في الأرض سلطان أعز من سلطانهم ، وقهروا فارس والروم وغيرهم من الأمم ، وقهروا اليهود والنصارى والمجوس والمشركين والصابئين ، وهذا أمر مستمر إلى آخر الدهــر !! اهـ . ( الجواب الصحيح 5/224 )
بل زعم أن على ذلك التواتر فقال : كثير من علماء المسلمين الأكابر لا يعلمون ما هو متواتر عند أهل الكتاب ، بل وعند غيرهم من علماء المسلمين ، مثل : خراب بيت المقدس مرتين ، ومجيء بخت نصر إلى بيت المقدس ، والله سبحانه قد ذكر في القرآن المرتين .. ، فكانت الأولى بعد سليمان ، والثانية بعد زكريا ويحيى والمسيح ، لما قتلوا يحيى بن زكريا الذي يسميه أهل الكتاب يوحنا المعمداني .
وكثير من المذكورين بالعلم يظن أن ( بخت نصر ) هو الذي قدم الشام لما قتل يحيى بن زكريا ، وهذا عند أهل العلم من أهل الكتاب وعند من له خبرة من علماء المسلمين : باطل . والمتواتر : أن ( بخت نصر ) هو الذي قدم في المرة الأولى اهـ ( الجواب 6/337 )
وهذا وهم منه رحمه الله تعالى مثل ما وهم في قوله بظهور النصارى ، وكل ذلك تخريجا على تأصيلهم دوام وجود الطائفة المنصورة ، ذلك التأصيل بين المخالفة كما للأدلة النقلية للواقع المشاهد أيضا .
ولو صح قول ابن تيمية وغيره في حتمية دوام ظهور المسلمين على اليهود والنصارى مثل ما ادعوا لما تحقق خبر تلك الآيات !! ، وها هو تأويلها ماثل أمامنا اليوم لا ينكره إلا جاحد للضروريات مكذب للنبوءات القرآنية .
العالم كله في هذا القرن رأى عودة اليهود واستيطانهم في فلسطين ظاهرين قاهرين لمن حولهم ، فعلمنا يقينا أن الله تعالى إنما أخبر عن هذا وأن كل من قال أن ذلك فيما مضى مثل ما اعتقد ابن تيمية وجزم ، أخطأ ولا شك ولو أدرك لعاد عن قوله فإن الحق لا يتناقض عنده ، وكلمات الله تعالى كلها صادقة ! .
وهنا حقيقة مرة يجب التنبيه عليها على مقتضى دلالة تلك الآيات فيما وعد الرحمن يهود بالظهور على مرتدي العرب ومنافقي ملة الإسلام ، ذاك الظهور الحتمي المقدر عليهم في التوراة لقوله تعالى : ﴿ وقضينآ إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ﴾ .
وها هم العرب ومنافقي الملة لما ارتدوا على أدبارهم ونقضوا دينهم سلط عليهم اليهود فباتوا عليهم ظاهرين ، خائرة عزائمهم واهنة مجامعهم يعلو وجوههم الذل يمخر في قلوبهم الوهن ، لحبهم الدنيا وكراهيتهم الموت ، فطالب الدنيا لا يحب الرحيل ، وفاقد الدين كيف له أن يرجو ويطيع رب العالمين ، وهكذا لما استووا مع غيرهم في الكفر وباتوا على ملة الدنيا ، غلبهم يهود وغير يهود بما حرصوا على ما عندهم من مواعيد ما زال مطلبهم الأسمى السعي لتحقيقها ، فظهروا عليهم وكبتوهم فصاروا أذلة بين أيديهم ، عبيدا مأجورين ، فمن خرج من عبودية الإله الحق ، حتما سيصير عبدا للأمريكان واليهود وسيتعس ولا غرابة ، فقد تعس عبد الدرهم والدينار وهم عبيد في الحقيقة لكل ذلك ، وإلههم الأكبر الذهب الأسود ! يسبحون بحمده ليل نهار ( أَعْـلِ بترول ) .
وأعجب ما في تأويل تلك الآيات وتحقق القضاء لليهود أن فضلهم الله تعالى على هؤلاء مرتدي العرب ومنافقي ملة الإسلام فقال : ﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ﴾ . وهذا بعد ما رد لهم الكرة عليهم وأمددهم بأموال وبنين وجعلهم أكثر نفيرا كما هو ظاهر من واقعهم اليوم ! .
والمراد بالإحسان هنا لا شك اتباع كلمات أنبيائهم وتصديقهم بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباع ملته ، وعليه فتح لهم باب الرجاء ثانية بعد ما قضى عليهم الطرد الأول والجلاء والخزي ، يدعوهم ما قبل الثانية للإنابة والتوبة مقدما أمرهم على أمر منافقي الملة ومرتدي العرب يحثهم على الإحسان ما يدل على أنهم والعرب ليسوا سواء في ذاك الحين ، وأن ما عليهم إلا أن يحسنوا فسيزيدهم أكثر مما أعطاهم وإن أبوا فحينها سينالهم شر القضاء وسيعود للتسليط عليهم مثل ما سلط بالمرة الأولى بل أشد .
وفي هذا أبين برهان على مدى السوء الذي بلغه هؤلاء العرب في زمان ظهور اليهود ، والكفر الذي أرداهم أمام الله تعالى حتى فضل عليهم اليهود وفتح لهم بين أظهرهم باب الرجاء بالدعوة للتوبة والإحسان لأنه قال موجها الخطاب لهم : ﴿ عسى ربكم أن يرحمكم ﴾.
وما ذلك إلا لإشتراك العرب واليهود في النسبة لأديان هي في أصلها سماوية لكن في تسليط اليهود وتفضيلهم هنا كناية على أنهم ليسوا في الكفر سواء وإلا ما فضلهم وفتح لهم باب الرجاء والرحمة من بعد الطرد واللعنة ، فلما استووا بالنسبة لدين سماوي ثم فاق العرب ومرتدي الملة كفر اليهود بما أحدثوا من انسلاخ عن أحكام دينهم السماوي ، جاء هذا لصالح اليهود فالردة أشد من الكفر ، واليهود باتوا كفارا أصليين بالتقادم ! ، أما هؤلاء فهم أحدث كفرا وردتهم أقرب وأصرح فعليه كان ما كان وغلبت كفة النصرة فتم الإمداد وزيد عليه طلب الإحسان !! الذي إن تحقق كانت مزية الغلبة لصالح اليهود مطلقة .
ومجرد طلبها من اليهود يفيد عدم تحقيق العرب ومرتدي الملة لها ، كما يفيد أيضا قوله تعالى : ﴿ عسى ربكم أن يرحمكم ﴾ . أن ليس للعرب ومرتدي الملة رحمة ترجى ! .
وهذه من أطم الفوائد المستخرجة من القرآن الكريم على رأس هؤلاء الملاعين المنبوذين لكفرهم الشديد حتى فضل عليهم يهود وسلط عليهم النصارى والعياذ بالله العظيم من شرهم ، فليهنأوا بحكامهم وليتشبثوا في دنياهم وأوطانهم ، وليبقوا تحت نير النصارى وتسلط اليهود حتى ينزل عليهم ربنا عذاباته وشر سخطه .
وهذا هو الطارد لشيخ الإسلام وغير شيخ الإسلام من علماء هذا الدين عن أن يقولوا هذا الوعد لليهود بالظهور مما يأتي ، تجنبا لهذا اللازم من تلك الآيات لما رأوا من تناقضه لعقيدتهم بحتمية ظهور الطائفة المنصورة وبقائها على مر الأزمان ، لكن الحق والصدق جانبهم وما قررته هو الصواب والله المستعان .
والمفارقة العجيبة أن ابن سبأ عليه لعنة الله كان أفقه بكتاب الله ووعده منهم في هذا الخصوص ، فقد صرح بذلك فيهم وأنكر بعضهم هذا عليه ، ولا أدري ما سيقولون فيَّ لذلك ، لكن تدرون الحق أحق بالتصديق والإتباع وليذهب العرب ومنافقي الملة للجحيم .
-----------
( 1 ) قال بهذا قبله بعضهم منهم ابن قتيبة في كتابه المعارف .
Powered by Backdrop CMS