من ترجيحات ابن تيمية الباطلة على أصل قوله في تعيين الطائفة المنصورة

قوله على وفق هذا الأصل الفاسد بأن معاوية ومن معه هم الطائفة المنصورة ، وأن الباغية ما هم إلا نفر قليل في جيش معاوية والحكم للأغلب !! ، أما حكم هؤلاء القلة فلا ينافي كون معاوية وأهل الشام هم الطائفة المنصورة ! .

والذي جره لهذا التأويل الفاسد والتكلف الظاهر ، وهمه في إدراك حقيقة تأويل أخبار الطائفة المنصورة ، الذي جره بدوره لهذا المنكر من الإعتقاد المخالف لأخبار المصطفى عليه الصلاة والسلام ، في أن عمار تقتله الفئة الباغية ، كذلك خبره عليه الصلاة والسلام في أن مدة الخلافة ثلاثون عاما ، وأيضا قوله عليه السلام في الخوارج كما رواه مسلم في الصحيح : ( تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين ، يقتلها أولى الطائفتين بالحق ) .

وقوى ذلك عنده لما رأى من ظهور الشاميين على جيش علي بحسب إدراكه ، ما تعين معه عنده أنهم هم الذين أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم .

وزاده افتتان بما قال أنهم من أهل الشام !! ، فظن بذلك أنهم المعنيين بالخبر ، وكان سبقه لهذا الفهم معاوية نفسه كما ورد في حديث يخامر ، وكل ذلك من الباطل والوهم على أخبار رسولنا عليه الصلاة والسلام .

وعلى حسب فهمه في ذلك ترجح لإبن تيمية رحمه الله تعالى ما ترجح وأنه وفق للجمع بين الأخبار في ذلك فقال بما قال ، مع أنه لم يبالِ في سبيل ذلك ولو وقع بالتأويل المتعسف الذي طالما ذمه من غيره في غير هذا الباب ، فجاء مع ذلك ضعف قوله أن الحق مع علي رضي الله عنه وأن إمامته هي الإمامة الشرعية ، وأن طائفة معاوية هم البغاة عليه ومن معه ، لما سلط على أوجه الحق في ذلك من قوارع بيانه ما أعاد ما لعلي منقبة لمعاوية وأهل الشام ، وما لأهل الشام ومعاوية منقصة لعلي وأهل العراق ، فجمع بذلك بين المتناقضات ولزم عليه فرعيتهم الأخرى الباطلة وهي صحة ولاية المتغلب ولو كان من كان ، مثل ما عليه معتقد المراق الأشرار اليوم في حكام السعودية ، واعتقادهم أنهم الفرقة الناجية الطائفة المنصورة بمجرد تغلبهم على البلاد وتحكمهم في الرقاب ، ظلمات بعضها فوق بعض نسأل الله السلامة في ديننا، ومن لم يجعل الله له من نور فلا هادي له ! .

قال رحمه الله تعالى : ثم إن هؤلاء الذين قاتلوه ــ يريد معاوية ومن معه ــ لم يخذلوا ، بل ما زالوا منصورين يفتحون البلاد ويقتلون الكفار . وفي الصحيح : ( لا تزال طائفة من أمتي .. ) قال معاذ : وهم بالشام . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا : ( لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة ) . قال أحمد وغيره : أهل الغرب هم أهل الشام .

وهذا كما ذكروه ، فإن كل بلد له غرب وشرق ، والإعتبار في لفظ النبي بغرب مدينته ، ومن الفرات هو غرب المدينة ، فالبتيرة ونحوها على سمت المدينة ، كما أن حران والرقة وسميساط ونحوها على سمت مكة . فما كان غرب الفرات فهو غربي المدينة إلى آخر الأرض ، وأهل الشام أول هؤلاء والعساكر الذين قاتلوا مع معاوية ما خذلوا قط ، بل ولا في قتال علي اهـ . ( المنهاج 7/58 ) .

قلت : يلزم عليه أنها طائفة الأمويين فلم لم يضمن بقاؤهم وظهورهم لقيام الساعة كما هو ظاهر لفظ الخبر ، وأن يدركوا الدجال ويقاتلوه مع المسيح ، بل كبتوا على يد العباسيين ، مثل ما كبت العباسيين على يد غيرهم ! ، وهكذا ما رأينا طائفة ضمن الله لهم دوام النصرة منذ عهد معاوية ليومنا هذا ما يفيد أنهم ليسوا من الطائفة المنصورة وأخطأ كل من تأول لهم في ذلك شيء وأدخلهم في عموم معنى الخبر مثل ما زعم ابن تيمية وصرح به في موضع آخر فقال تعليقا على حديث مسلم : ( لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة ) . قال أحمد : أهل الغرب هم أهل الشام . وقد بسطنا هذا في موضع آخر ، وهذا النص يتناول عسكر معاوية اهـ . ( المنهاج 4/462 )

وهذا وهم كبير على ما قررت هنا ويلزم من ترجيحه الوقوع بالتناقض الشديد ، بل جر إلى أقوال منكرة مربكة في التصديق والإيمان ، مثل عودة ابن تيمية رحمه الله تعالى مع ما قال ورجح هنا للقول تارة أخرى أن القتال في زمان علي رضي الله عنه في الجمل وصفين ما هو إلا قتال فتنة ، ومدح الممسكين عن القتال في ذلك الزمان مع عده طائفة معاوية هم الطائفة المنصورة ! وبذلك التزم على الطائفة المنصورة عنده أنها تقاتل في زمان الفتن التي حذر من القتال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد القاتل والمقتول فيها في النار ! ، وهذا هو لازم ما ذهبوا إليه وجمعوا له من تناقضات ومنها ما تقرر هنا .

وهو مذهب ابن عمر وعليه اعتزل ، وجرأ في نزاع ابن الزبير والأمويين فأنزل على قتلاهم وجوب دخول النار لقتالهم بالفتنة على حسب ما روي عنه ! .

وهنا فائدة عنَّ لي إيرادها بما أن ابن تيمية رحمه الله تعالى جمع ما بين ترجيحه في معاوية ومن معه أنهم الطائفة المنصورة ، وما بين ذمه لقتال عليٌ رضي الله عنه من نازعَه من الصحابة وهو إمام وجبت طاعته ، فمدح المعتزلين على ذلك وصوب فعلهم على رغم أنه على خلاف مذهب معاوية نفسه ! ، فقد كان يوجب القتال معه ضد علي ويحمل أمر كل المعتزلين على التشيع ! ، جاء ذلك في معارضته لما روى وائل بن حجر يرفعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال وائل : حضرت رسول الله وقد رفع رأسه نحو المشرق ، وقد حضره جمع كثير ، ثم رد إليه بصره فقال :

أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم ، فشدد أمرها وعجله وقبحه ، فقلت له من بين القوم : يا رسول الله وما الفتن ؟! ، فقال : يا وائل إذا اختلف سيفان في الإسلام فاعتزلهما .

فقال معاوية : أصبحت شيعيا ؟ قلت : لا ولكن أصبحت ناصحا للمسلمين . ( الطبراني في الصغير 2/286 ) .

وفي هذا خلاف ما ترجح عند ابن تيمية والمعتزلين للقتال مع علي رضي الله عنه بعدما ولي وبويع إماما عاما للمسلمين في ذلك الوقت ، ولازم اختيار ابن تيمية هنا التناقض لا شك في ذلك حسب ما هو ظاهر .

وهو قول الأكثر : تصويب من اعتزل القتال مع علي رضي الله عنه ، من أهل السنة كانوا يرونه المذهب الأحق بالإتباع وقد وهموا في هذا وهما عظيما ، وأنزلوا على تأويل ذلك ما ليس له ، مثل ما أنزل ابن تيمية رحمه الله تعالى وغيره في تأويل الطائفة المنصورة على غير مستحقي هذا الوصف في الخبر .

وقد جرأ سفيان الثوري فيما حسبه معتقدا راسخا لا مدخل عليه فقال : لو أدركت عليا ما خرجت معه . ( الخلال 138) .

ومذهبه في ذلك اشتراط اجتماع الناس على الإمام حتى يصح القتال ! ، حتى غلا فقال مقولته المشهورة : وإن مر بك المهدي وأنت في البيت فلا تخرج إليه حتى يجتمع الناس !! .

ثم جاء بما لا تأويل له به فقال في صفين : لا أدري أخطـــــــــأوا أم أصــــابوا . ( سؤالات الآجري أبي داود في الجرح والتعديل 94 )

وهذا من جمع التناقضات في المعتقد ، حتى زاد فيما حكي عنه قوله : لا أقاتل إلا مع نبي .

وصاحب هذا القول أراه لم يكن يرى عليه إمامة ولا جهاد ، فإن كان يرى إمامة المنصور العباسي ودولتهم مثل ما عليه أحمد وغيره ففي هذا منتهى التناقض ، وأسفي أن يقع هذا من مثله رحمه الله تعالى .

وكل ما أعملت الفكر في سيرة هذا الإمام أجزم أنه لم يرى ولاية بني العباس لعدم تحقق شرطه وهو الإجتماع ، وهذا سر شدته في أمرهم حتى شبه طعام أمرائهم بطعام الدجال !! ، ويعد متناقضا لاعتقاده رغم هذا وجوب صلاة الجمعة والعيدين خلفهم ، وهذا اضطراب في عقيدته ولا شك .

وكم كان ينكر على الحسن بن صالح بن حيي لمخالفته ما كان يذهب إليه وكان يحتج بقوله : نأخذ بقول عمر في الجماعة ، وبقول ابنه في الفرقـة . ( السنة للخلال 138 )

ومذهب ابن عمر رضي الله عنه معروفٌ في هذا : لا أعطي بيعتي في فرقة ولا أمنعها في جماعة .

جاء هذا عنه فيما رواه البيهقي في السنن عن أبي العالية البراء قال : طاف ابن عمر بالبيت وابن الزبير وعبدالله بن صفوان جلوس في الحجر ، فلما قضى طوافه أرسلوا في طلبه ، فلما جاء قال له ابن صفوان : ما يمنعك أن تبايع أمير المؤمنين ــ يعني ابن الزبير ــ ، فقد بايع له أهل العروض وأهل العراق وعامة أهل الشام !! ، فقال والله لا أبايعكم وأنتم واضعوا سيوفكم على عواتقكم تصبب أيديكم من دماء المسلمين .

وفي رواية سعيد بن حرب العبدي أنه قال : والله ما كنت لأعطي بيعتي في فرقة ولا أمنعها من جماعة . ( السنن للبيهقي 8/192 )

وذكر أحمد رحمه الله تعالى عن أبي بكر بن عياش : ما بقي أرض إلا ملكها ابن الزبير إلا الأردن !! . ( الخلال 1/523) وراجع ( التهذيب لإبن حجر 5/213)

انظروا ورغم هذا لم يبايع ابن عمر ابن الزبير ، وفي هذا أبلغ حجة على كلاب القراء في زماننا إذ أنهم على وفقه ليسوا على مذهب أياً من السلف فيما هم عليه من أحكام في ولاية هؤلاء الأشرار أمراء آخر الزمان .

فقد أوجبوا بيعتهم في الفرقة وهو خلاف ما كان عليه سلفنا الصالح ، وفي ذلك من الفساد والتناقض لحقيقة الجماعة بما يعد من أكبر محدثاتهم البدعية وضلالاتهم الخفية التي ألبسوها لبوسا شرعيا ، والشريعة ومذهب السلف من ذلك كله براء .

ومع عظم جرمهم هذا القبيح قال كبيرهم في الضلالة ابن باز الأعمى : أخطأ ابن الزبير اهـ . يريد في نزاعه مع بني أمية ، على ما هو فيه من تصويب لفاسد مذهبه وعقيدته في حكم الولاة ! ، فانظروا للمتبجح الضال المبتدع كيف يقول في ابن الزبير ، وانظروا لحاله وحال ولاته من فرقة وتشتت وعدم شمولية حكمهم مثل ما شمل حكم ابن الزبير وبويع له ، زد على ذلك أنه صحابي من قريش ، وهؤلاء خبثاء من ذاك التيس ، فهل يستوي مع هذا الجهل والضلال نسبة ما هم فيه لمذاهب السلف , لا والله ولا يزعم ذلك إلا هالك ساع في فتنة مثل ما عليه الحال اليوم مع هؤلاء الملاعين ( البريك ) و ( القرني ) .

وأزيد على ما تقرر سابقا وأقول :

هم مخالفون أيضا لما ذهب إليه ابن عمر رضي الله عنه حين أبى مبايعة يزيد في حياة معاوية ، إباءً شديدا ! ، وكان يقول : لا أبايع لأميرين !!( 2 )

 

وذكر أحمد رحمه الله تعالى عن أبي بكر بن عياش قال : لم يبايع ابن الزبير ولا الحسين ولا ابن عمر ليزيد بن معاوية في حياة معاوية ، فتركهم معاوية . (الخلال 1/520)

ولما مات معاوية بادر ابن عمر لبيعة يزيد جبنا ولم ينتظر حتى تكون جماعة ، لم ينتظر مثل ما انتظر في ولاية علي رضي الله عنه ، مثل أنه لم ينتظر مثل ما انتظر بعد يزيد وتحقق نزاع بني أمية مع ابن الزبير على الرغم من تسليم جميع المسلمين لإبن الزبير بالطاعة ما خلا الأردن من الشام ! ، ومع هذا توقف ولم يبايع لإبن الزبير ، على عكس الأمر بعد القضاء على ابن الزبير حينها فقط بادر لبني أمية بالتسليم والطاعة ! ، ولا نعيبه في هذا إلا مثل ما عاب عليه والده العادل رضي الله عنه لما شاروا عليه بتولية ابنه بعده ، فكان منه أن زجر من قال بذلك وقال مقولته المشهورة : كيف أولي من لم يحسن يطلق امرأته ! .

أما ابن الزبير والحسين بن علي رضي الله عنهما فلم يفعلا مثل ما فعل ابن عمر ، فكان من الحسين ما كان ، ومن ابن الزبير ما كان لما رأى له الأهلية بالولاية أولى من يزيد فهو صحابي مدرك ، ومع هذا يقول هذا الضال بازي الريال ما يقول في ابن الزبير على الرغم مثل ما قلت سابقا من واقعهم التعيس وشدة مخالفتهم لمذاهب من سلف على ما رأيتم في هذه النقولات ، وابن الزبير كادت أرض المسلمين كلها تسلم له بالإمامة ! .

أما هؤلاء من سلم لهم بالولاية ؟ ، بمباركة أميركا وعالمهم العلماني المعاصر شديد الفساد ، ما سلم لهم إلا هؤلاء المنافقين السوقة الأشرار من شذاذ القبائل وصعاليك نجد والحجاز الذين لا يعرفون من الدين معروفا إلا ما عرفه آل سعود ، ولا ينكرون من الدين منكرا إلا ما أنكره آل سعود ، يدينون لهم بالطاعة على رغم عصيانهم والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( لا طاعة لمن عصى الله تعالى ) .

وهؤلاء عصوا الله تعالى جهارا نهارا فأطاعوهم ، يسوقهم أشر قراء عرفتهم الدنيا لهذه الهلكة ، يزينونها لهم بزعمهم أن هذا ما عليه السلف ، وكذبوا ورب الكعبة بل هذا ما عليه أقوام مسيلمة الكذاب والأسود العنسي ، طاعة فيما عصي الله .

وكان سبب ما حصل من ابن الزبير والحسين رضي الله عنهما بعد موت معاوية ، ما أمر به يزيد حين كتب لأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان : خذ حسينا وابن عمر وابن الزبير بالبيعة ، أخذا شديدا ليس فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام . ( ذكره ابن كثير 8/146) فكان منهما ما كان على ما ذكرت سابقا .

أما ابن عمر رضي الله عنه فأزيد في شأنه وأقول : بعد موت يزيد لم يبايع ابن الزبير مع المطالبة الملحة من شورى ابن الزبير وأمرائه ابن عمر بذلك ليتم أمر الجماعة وتأتلف على الوحدة بطاعة هذه الإمامة ولا أن يبقى الناس كما الجاهلية من غير إمام ! ، وهذه هي السنة .

لكن ابن عمر كان يصر بالرفض بحجة تحقق الفرقة ! ويقول : لا أعطي بيعتي في فرقة .

مثل ما فعل مع علي رضي الله عنه ! .

مع التزامه الصلاة مع ابن الزبير ومخالفيه ، بل حتى الخوارج ! ، وكان يقبل اعطيات الهالك " المختار " وإذا وافق من أمرائهم أميرا صلى خلفه ، على عكس ما فعله ابن عباس فقد أقام سنتين لم يبايع أحدا واعتزلهم كلهم ! .

ومثله ابن الحنفية اعتزل وكان يقول : لما رأيت الناس اختلفوا اعتزلتهم حتى يجتمعوا ، فآويت إلى أعظم بلاد الله حرمة . ( ابن سعد 5/110)

قال زيد بن أسلم : أن ابن عمر لا يأتي أمير إلا صلى خلفه ، وأدى إليه زكاة ماله . ( ابن سعد 4/193)

وقال لإبن مطيع في الصدقة : أدها لإبن الزبير فإنك لم تؤمر أن تدفعها إلا إليهم ، بر أو أثم . ( مصنف عبدالرزاق 4/45 )

يفتي بهذا ! ، ومع هذا ما كان ليسلم له بالبيعة ويشدد في نزاعه ومقاتلته مع الحجاج ويقول لمن استفتاه بالقتال مع أيهم : مع أي الفريقين قاتلت فقتلت ففي لظى ! . ( المستدرك للحاكم 4/471 ) و ( الإبانة 2/741 )

وعلى مذهب ابن عمر هذا كان مسير سفيان الثوري وعليه قلت ما قلت فيه سابقا .

حكى الخلال عن أبي بكر المروزي في السنة : أن رجلا أتى سفيان في زمن هارون فقال له : إن هذا الرجل قد خرج وأظهر ما ترى من العدل فما ترى في الخروج معه ؟ فقال له : كفيتك هذا الأمر ونقرت لك عنه ، إجلس في بيتك ! . ( الخلال 137 )

وهذا صريح منه أنه لم يكن يرى للعباسيين ولاية على مذهب ابن عمر ، وقد صرح بتفضيله لما عليه ابن عمر ، وعليه خرج قوله بعدم المقاتلة مع علي لو كان مدركا لعهده ! ، ذكرت هذا عنه آنفا .

والحق الذي لا مرية فيه فساد مذهب الثوري لتأسيه بفاسد مذهب ابن عمر لسبب قد لم يتفطن له أحد حسب ما تقرر هنا وأحسب أني لم أسبق إلى تقريره على هذا النحو ، فأنا أول سني علم الله يجرأ عليهم بهذا والحق احق ان يتبع عقيدة وإعلان ، وأولى أن يتقى الرحمن لا عباده في دينه .

ولا أعتقد يخالفني منصف عاقل في نقد مذهب سفيان هنا ولو كان على ما حسب الناس في أهل السنة ويعد كل من اتى بعده مقلدا له ليومنا هذا منهم ، فبطلان قوله ظاهر ومعتقده بخصوص أمر علي رضي الله عنه والمهدي عليه السلام .

وذلك أن ابن عمر نفسه رضي الله عنه عاد وقال بمرجوحية ما كان عليه عليٌ ، وأنه كان من الأولى أن يقاتل معه ولم يعتزل ، فبقى على هذا سفيان لوحده من دون ابن عمر !! .

روي عنه قوله في هذا الخصوص : لم أجدني آسى على شيء إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي . ( ذكره الهيثمي 7/245 وقال رواه الطبراني بأسانيد وأحدها رجاله رجال الصحيح )

وهذا إن صح عنه سيعتبر نقضا لمذهب ابن عمر على الثوري في الفرقة ، وهو من المذاهب التي كان يقول بها أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ويعتز بها تقليدا للثوري ، ويقول : الثوري أحب لنا في هذا ، وهو أتبع للسنة .

ويشهد لهذا المعنى أيضا ، أعني في نقض مذهب ابن عمر على سفيان الثوري في الفرقة ، ما رواه الزهري رحمه الله تعالى عن حمزة بن عبدالله بن عمر قال ، قال ابن عمر : ما وجدت في نفسي من شيء من أمر هذه الأمة ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عز وجل .

قال البيهقي : زاد القطان في روايته : فقلنا له ومن ترى الفئة الباغية ؟! ، قال : ابن الزبير ، يعني على هؤلاء القوم فأخرجهم من ديارهم ونكث عهدهم . ( الخلال 8/172) وذكره الحافظ من ( تاريخ سفيان 13/72 )

فانظروا لما كان عليه ابن عمر من اضطراب في هذا الباب لتوقنوا ضعف مذهب الثوري ومن ورائه أحمد بن حنبل وكل من قلدهم من بعدهم ، وعلى هذا من يعدون رؤوس مذهب أهل السنة من المتأخرين والسابقين ، وبناءا عليه كان تمنع أحمد الشديد في وجه فقهاء بغداد لما حصل من أولياء بني العباس ما حصل في حمل الناس على الكفر بقولهم أن القرآن مخلوق وما جر ذلك على العلماء من تشريد وقتل أو حبس واضطهاد حتى نال أحمد نفسه من ذلك ما نال .

كان رحمه الله تعالى يقف في وجه استنهاض الناس للخروج عليهم اعتمادا على ما سبق وله في ذلك تناقض إذ حين ينكر على من يريد الخروج عليهم ويجتهد يثنيه عن ذلك ، كان يترحم على من خرج عليهم وعلى رأسهم المروزي أحمد بن نصر ، خلاف ما عليه حال هؤلاء الكلاب من قراء السفه آخر الزمان ، فهم غلاة ضلال في هذا الباب ، لا هم على مذهب الحنبلي أحمد ولا الثوري ! ، ولا ابن عمر نفسه ، شذة الشاة التائهة في ظلمة الليل الحالك صادفت ذئبا جائعا فأكلها ولا منقذ .

وخلاصة القول في مذهب ابن عمر زمن علي رضي الله عنه أنه كان مجانب للصواب فيما فعل ولذا روي أنه عاد للقول الصواب في ذلك حسب ما نقلت سابقا ، بل أسف أنه لم يقاتل ابن الزبير !! ، وهذه بلية وربي عظيمة ، فابن الزبير كان أولى بالنصرة ممن خالفه لما كان عليه من إجماع لم يكن يقاربه من نازعه بالحرب حتى روي ان رأس المروانية هم ببيعته حتى قارب المدينة في طريقه لمكة ولما نصحه أحدهم بطلب الأمر لنفسه عاد للشام وأظهر النزاع لإبن الزبير ، وابن الزبير صحابي ومن نازعه دونه ومع هذا صار في بلية أهل السنة ما صار بمباركة ابن عمر وامثاله الذي رفض توليته والده رضي الله عنه الملهم وقال فيه ما قال .

وما يهمني هنا هو تراجعه عن ترك الأمور معلقة ، فمن ركب وغلب صار إمام الناس وتسبب في تأصيل هذا المذهب الفاسد في الناس بناء على ما قلت في اختياراته مع علي وابن الزبير ! .

وهذا مذهب فاسد ولا شك مثل ما قلت ولي السبق في تقرير هذا وتأصيله ولا فخر فالحق احق ان يتبع وإن رغمت انوف الخلق كلهم لا احابي احدا ولا أداهن ولو قطعت رقبتي .

وهذا المذهب الفاسد لا زالت الامة تجرجر أذيال الخيبة فيه ، وعليه اجماع الحمقى المتأخرين خصوصا حنابلة السفه منهم ، وعلى وفقه أقروا في الناس ولايات الشر والنفاق آخر الزمان عليهم من الله ما يستحقون لما أفسدوا من دين الله تعالى وأحكام شريعته .

والخلاصة هي : أن كل من اعتزل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانوا على قسمين :

الأول : من كف يده عن القتال والصلاة ولم يرو بيعة ، كالسعد وابن مسلمة وغيرهم كثير .

الثاني : لم يرى البيعة والقتال ، لكنه لم يمتنع من الصلاة ومخالطة الناس في الجمعة والعيدين ، كابن عمر وأبي موسى الأشعري .

وكل هؤلاء اعتقدوا تحقق الفرقة الموجبة لما فعلوا من كف اليد واللسان والإمتناع عن البيعة ، وقد جانب الجميع الصواب في ذلك بعد انعقاد البيعة لعلي وقبول إمامته ممن حضره من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، مثل ما جانبه هو نفسه الصواب والشهادة لله هنا ، وذلك حين قبل بعد امتناع والوقت كان وقت نزاع وفتنة ! وما كان الناس ليقدموا عليه أحدا لو اجتمعوا ، فكان من الحكمة التريث وهو موقفه الإبتدائي لحين إلزام الناس ما يلزموا به أنفسهم جميعا ، ليتم الأمر على وجهه ولا يبقى للئيم مدخلا على خلافة المسلمين ولا حوزتهم .

لكن لما تسرع تسرع بعده أهل المكيدة والمكر فحصل ما حصل .

أما عثمان رضي الله عنه ، فذاك الإمام الأكبر المظلوم ، وهو أزكى من كف يده على مقدرة ، وخشى الهرج على الأمة أشد ما خشى عليها رضوان الله تعالى عليه من إمام زكي ، وأسكنه المولى عز وجل فسيح جناته لما جاد بنفسه وسلطته درءً للفتنة وإراقة الدماء .

ومهما يكن من فعل الصحابة في تلك النزاعات التي توهم فيها من توهم منهم ، خصوصا رواة أحاديث فتن آخر الزمان حين أنزلوها على وقتهم ، وأخصهم بهذا حذيفة وسعد وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم جميعا وعلى وفق هذا الإختيار الغير موفق قالوا بالإعتزال وابطال من ناصر علي رضي الله عنه والتزم إمامته .

لكن يبقى على الرغم من هذا أن المتأخرين من حنابلة السفه ومقلدتهم اليوم ليسوا على ما كان عليه السلف في الفرقة والإختلاف مهما زعموا أنهم على مثل ما عليه أحمد أو الثوري أو ابن عمر وغيره من الصحابة ، بل هؤلاء المتأخرين مذهبهم محدث مخالف لإجماع السلف وقد بينت هذا في كتابي ( تعبيد الموارد ) ليراجعه من شاء .

وأظهر شيء في بيان عدم موافقتهم لما عليه السلف مخالفتهم لفعل ابن عمر في زمنه حين امتنع من بيعة ابن الزبير وقبله علي ، لإنتفاء قيام أمر الجماعة عنده .

كذلك امتنع عن بيعة يزيد في حياة معاوية ، وهؤلاء الأشرار قراء النفاق على خلاف كل ذلك ، فهم مقرين بالبيعة لولاة الردة والنفاق جميعهم على اختلاف دولهم وأحزابهم !! .

كما يقرون بالبيعة لنوابهم ولعوائلهم ، وكل حاكم جعل الولاية في أسرته وبالنية لقيام الساعة أقروه على هذا ! ، ومن نازعهم فهو خارجي ، أما إن غلب فهو شرعياً متغلب ، وهكذا خذ من سقط المذاهب وخبالات العقول على حساب أصول الشريعة المحكمة في كيف تكون الجماعة .

قال نافع : بعث معاوية إلى ابن عمر مائة ألف درهم ، فلما دعى معاوية إلى بيعة يزيد ، قال : أترون هذا أراد ؟ أن ديني إذا عندي لرخيص . ( البيهقي 8/159)

فانظر لحال قراء اليوم من حنابلة السفه على ضوء ما كان عليه ابن عمر ، إنهم باتوا بلاعات الريالات السعودية وما أرخص الدين عندهم أن يبيعوه بدنيا زائلة ، نسأل الله تعالى زوال دجلهم هذا قريبا على يد المهدي ، يحرمهم من سيئات مقاصدهم وما الجزاء العادل إلا بإفساد ما حرص عليه المبطل الأشر وحرمانه منه ، وكم أفسدوا بهذا خلق في دين الله حتى تركوهم في جهل مطبق لا يهتدون ولا يعون من الحق شيء .

وآخر محدثات السفهاء منهم قولهم وعملهم وجدهم وإخلاصهم في تأليف الجماعة على الولاة في فتنهم التي نرى ، ومنها فتنة هرج الحدثاء السفهاء من أتباع ( الشعيبي والخضير ) . فعليهم لعائن الله تعالى تترى ، وهل استقام أمر ولاتهم شرعا , حتى يضطروا دينا لتأليف الناس عليهم ، وهذا منتهى الظلم والجهل والتلبيس على الناس ، والإفتراء العظيم على الشريعة ومذاهب من سلف .

قال ضبيعة بن حصين التغلبي ــ ويقال ثعلبة بن ضبيعة ــ : لما كانت الفتنة خرجت فيمن خرج من الناس فأتيت أهل ماء فإذا بفسطاط مضروب مُتَنَحي تضربه الرياح ، فقلت : لمن هذا الفسطاط ؟ قالوا : لمحمد بن مسلمة ، فأتيته فإذا هو شيخ فقلت له : يرحمك الله أراك رجلا من خيار المسلمين تركت بلدك ودارك وأهلك وجيرتك ، قال : تركته كراهية الشر ! ، ما في نفسي أن تشتمل علي مصر من أمصارهم حتى تنجلي عما انجلت . ( ابن سعد 3/444 ) و ( الحاكم 3/433 ) وراجع ( المزي في تهذيب الكمال 13/258 ) و ( رواه أبو داود باختصار )

وكل هذا منه رضي الله عنه عملا بما روى عن المصطفى عليه الصلاة والسلام من أحاديث في الفتن ، ولما رأي من أمر الناس ما رأي بعد مقتل عثمان وظن أن هذا ما أخبر عنه رسول الله اعتزل .

ومن تلك الأخبار قوله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ستكون فتنة في أمتي وفرقة واختلاف فإن أدركت شيئا منها فالحق بالربذة وكن رب معيزة حتى تقتلك يد خاطئة أو منية قاضية ) .

وعنه من رواية زيد بن أسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيت الناس يقتتلون على الدنيا ، فاكسر سيفك ثم اجلس في بيتك ) . ( الصغير للطبراني 1/247)

وقال له في عزلته أبو بردة : رحمك الله إنك من هذا الأمر بمكان فلو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت ، فامتنع لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم !! . راجع ( ابن سعد 3/444 ) و ( الحاكم 3/433 ) و ( ابن بطة في الإبانة 2/578 ) و ( الداني 2/357 )

هذا فهم محمد بن مسلمة وحذيفة يروي أنه لن تضره الفتنة ويزكيه ، وهم من السلف رضي الله عنهم فهل هؤلاء الحثالة على هديهم ؟! ، أبدا بل هم يجرون في الفتن جري السلق كل يقول هذه غنيمتي ويبرر لنفسه من تلبيس رؤوس الجهل والضلال .

واعجبوا في الاعتزال من أمر حنظلة بن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب ، فذاك لم يعتزل بعد مقتل عثمان ، بل اعتزل بحياته رضي الله عنه لمجرد أنه سُب بالكوفة هجر الكوفة واعتزل الناس فيها ثم خرج إلى قرقيسيا ، وقال :

لا أقيم ببلد يشتم في عثمان . وتوفي بعد ذلك وهو معتزلا ، وكان يقول :

عجبت لمــا يخوض الناس فيــه  ***  يرومون الخـلافة أنْ تـــزولا

ولــو زالت لـــزال الخير عنهــــم  ***  ولا قوا بعدها ذُلاًّ ذَليـــــــلاً

وكـــانوا كاليهود أو النصــــــــــــارى  ***  سواءٌ كلُّهم ضَلّوا السَّبيلاَ

( المزي 7/440 )

فانظروا إخواني لحال هذا الصحابي وإنكاره ما أنكر واعتبروا بحال معاصريكم ومدى بلوغ الشر في نفوسهم حتى استحكم الشيطان بها وسوغ لهم الصد عن خلافة الله في الأرض ، أن يقيمها الله تعالى على ما يحب ويقدر ، ويبعث من يبشر بها ، ألا ترونهم بهذا على سنة الجاهلية أو النصرانية أو اليهودية ، في كراهة الحق الذي ارتضاه الله تعالى ؟ .

وممن اعتزل من صحابة رسول الله سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال البخاري في كتاب الفتن : باب التعرب في الفتنة .

فذكر فيه عن يزيد بن أبي عبيد قال : لما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة وتزوج هناك امرأة وولدت له أولادا ، فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال ، نزل المدينة .

قال الحافظ ابن حجر : يستفاد من هذه الرواية مدة سكن سلمة البادية وهي نحو الأربعين سنة ! اهـ .( الفتح 13/40 )

وهذا زمن طويل جدا يدل على طول مدة التزام بعض الصحابة لحكم الاعتزال على الرغم من زوال أسباب الخلاف الأول ومع هذا داموا على اعتزالهم ، وفي هذا خلاف ما عليه المتأخرين الجهلة من شدة النفرة وكراهة الاعتزال عند الإختلاف والتفرق .

 

.............

( 2 ) وهؤلاء قالوا بالبيعة لكل أمراء آل سعود وأطفالهم بآلافهم فلكل هؤلاء وجبت البيعة ، وتجوز بعضهم وغلا بإيجاب هذا فقال : لو وليتنا منهم عجوز شمطاء لعدلت في حكمنا ! .

ونراهم أجمعوا على هؤلاء في حكمهم وزعموا له مسوغا شرعيا وأدلة قطعية !! ، وكذبوا بل هي فتنتهم العمياء.