ومن كذباته عليَّ قوله : جعل اللحيدي الرؤيا دليلا على الرسول لأجل أنها جزء من أجزاء النبوة اهـ ( 1 ) .
وهذا من أبين التلبيس من جندي إبليس على أمري ، وهي كذبة تبعت أختها حشوا من هذا اللعين وافتراء الكذب عليَّ ، وإنما يأخذ الصادقون من قولي دليلا على إرسال المهدي في هذه الأمة استدلالي بآيات سورة الدخان التي عجز الحميد عن إبطال دلالتها على ذلك وما أتى إلا بهذيان مكشوف وجهل لا ينفق إلا على حدثاء سفهاء عرفنا قدرهم وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم والرؤيا إنما هي الدليل على تلقي المهدي للوحي في أمره ، الوحي الذي مبناه على صحة دعوى أن المهدي يرسل من الله ويبعث بأمره ، فإن صحت الدعوى بإرساله من الله ، وهذا ما لا يمكن للحميد ولا من هو أكبر من الحميد أن يأتي بثبوت بطلانه عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، صح القول بأن المهدي يوحى له بالرؤيا ، وإن لم يصح ذلك بطل القول بتلقي الوحي من الله عز وجل خلال الرؤيا .
قال أبو حصان : المهدي رجل صالح ودعوى أنه يوحى إليه هي دعوى أنه نبي ، واللحيدي يجعل المهدي نبيا رسولا ويدعي ذلك لنفسه وقد كذب ، ولا شك أن دعوى النبوة أو الرسالة بأي وصف بعد النبي ص كفر اهـ ( 2 ) .
قلت : كما قررت سابقا أن دعواه عليَّ أن المهدي نبي كذب من هذا الملعون ليتوصل إلى تكفيري ويلبس على الجهال من حوله ، وليضرب السنة بالقرآن والقرآن بالقرآن ، وهيهات أن يمكن من هذا كما قلت سابقا لصحة قولي واعتقادي أنه لا نبي بعده .
أما قوله عني أنه يوحى إليه وأنه رسول فنعم هذه لي أبا حصان وإن رغم أنفك .
والعجيب من هذا أنه نقل هنا عن ابن تيمية ما يوهم به الأغرار من حوله أن كلام ابن تيمية هنا في نفي تحقق التحديث والوحي في هذه الأمة ، وقد لبس في تعميم كلامه وكلام تلميذه في معارضة الضلال ودعواهم التحديث بالباطل حتى أدخل في مفهوم كلامهما كذبا عليهم رحمهم الله أنهم يمنعون وقوع التحديث الحق في هذه الأمة والوحي الحق في هذه الأمة ، وهم من أقوى وأكثر من قرر هذا في الأمة ، ويعلم الله تعالى أني أعلم بكتابات ابن تيمية وتلميذه من هذا الضال الكاذب الملبس ، وأعوذ بالله أن يقع مني كذب عليهما أو تلبيس في كلامهما كما نقل هذا الضال المضل ، وفي أدنى مقارنة ما بين ما ينسبه هذا لهما ولما نقلته سابقا عن ابن تيمية في الإلهام والعمل به في تنقيح المناط أو قول تلميذه بالعمل بموجب الرؤيا في كتاب الروح ، أو عدها من مراتب الهداية وأنها بالتواتر لا يمكن أن تأتي بما يخالف الشرع كما قرر هذا في كتابه مدارج السالكين ، ما يتبين به كذب هذا وفضيحته ، وقد أراد التوصل لرد الحق في هذا الإدعاء عليَّ خيب الله تعالى مسعاه ورد كيده في نحره .
وانظر أخي المؤمن تقريره في المهدي ، بقوله : ودعوى أنه يوحى إليه هي دعوى أنه نبي اهـ . ثم نسبته لمفهوم كلام ابن تيمية ، وفي هذا فقط منه ظلمات والعياذ بالله تعالى :
أولا : لأن فيه إنكار أن يوحى للمهدي في أمره الذي صح القول بأنه لن يكون إلا إرسالا من المولى جل ثناؤه ، ونفي الوحي عنه بالرؤيا دعوى مجردة وزعـم باطل ومن البرهان مجرد عاطل ، ولا أدري كيف استساغ تقرير هذا شرعا لولا عمى بصيرته والعياذ بالله ، إذ أنه ثبت أن الهداية قد تحققت لأفراد من هذه الأمة بأكثر من رؤيا فكيف يعدم المهدي من فضيلتها أو أن يقطع بحرمانه من خيرها مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على اختصاصها آخر الزمان بالصدق ، وفهم منه بعض أهل العلم أن ذلك لاختصاصها بأمر المهدي آخر الزمان ، وأنها عوض من الله تعالى لهذه الأمة عن انقطاع الوحي ذكره ابن حجر في الفتح عن بعضهم .
ثانيا : قطعه أخزاه الله أننا إذا اعتقدنا أن المهدي يوحى له أن لازم ذلك أننا نعتقد أنه نبي وقد جرأ ونسب هذا لي ولأصحابي ظلما وكذبا ، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من هذا الكذب ، وإنما نلتزم تصديق ما نص عليه القرآن والسنة فى الخبر أن رسولا يبعث آخر الزمان والدخان يعاصره ولن يكون إلا المهدى ، صدَّق من صدَّق ، وكذَّب من كذَّب و : ﴿ كل نفس بما كسبت رهينة ﴾ ( 3 ) . وقد بلغ بالحميد الكذب والردى أن ينسب هذا أيضا لمعنى كلام ابن تيمية وتلميذه حين شد بكلامهم سخافاته تلك وكذباته المكشوفة مستدلا بما قالوا على باطله ، وابن تيمية يكذب دعواه ويفضح مسعاه بقوله الآتي : ليس كل من أوحي إليه الوحي العام يكون نبيا ، فإنه قد يوحى إلى غير الناس قـال تعالى : ﴿ وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي ﴾ ( 4 ) . وقوله : ﴿ وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ﴾ ( 5 ) . فيتناول وحي الأنبياء وغيرهم ، كالمحدَّثين الملهمين . كما في الصحيحـين : " كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر " اهـ ( 6 ) . وقال في موضع آخر : غير النبي قد يلهم ويحدَّث ويوحى إليه أشياء من الله ويكون حقا اهـ ( 7 ) .
وكما تضمن كلام ابن تيمية هنا إبطال مزاعم الحميد وما نسبه إليه من نفي وقوع التحديث في هذه الأمـة كذلك أكذبه بكلامه هنا أنه ليس كل موحى له يكون نبيا ، ولولا جهل الحميد لما قرر هذا ونسبه إليه غافلا عن تحقق الوحي للحواريين ولمريم والدة عيسى عليها السلام ولإمـرأة فرعون والأسباط ولأم موسى عليه السلام كما في قوله تعالى : ﴿ ولقد مننا عليك مرة أخرى . إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ﴾ ( 8 ) . وقوله : ﴿ وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ﴾ ( 9 ) . وهذا من أعلى مراتب التكليف جاء به الوحي لغير النبي ، وفيه أبلغ رد على من أنكر العمل بالوحي لغير النبي ، كما هو معتقد راسخ عند حنابلة السوء سفهاء العصر وغيرهم من ضلال هذه الأمة . وكل هؤلاء أوحي إليهم وليسوا بأنبياء بل ولا رسل ، فكيف يقال بحرمان المهدي من الوحي في أمره وقد ثبت بعثه وإرساله بنص الكتاب والسنة .
ولا شك أن معتقد صحة ما قرره الحميد في هذا الباب خير له أن يكون كحصان أبي حصان غير مكلف ولا وقع بهذا الرد لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
وعلى الرغم من كل هذا فقد ذكر الجوزجاني في كتاب الأباطيل ونسبه إلى الوضع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا نبوة بعدي إلا ما شاء الله " . وقد دونت كتابي وأنا أعلم بهذا وأدريه ولو كنت مستدلا بالباطل صاحب باطل لأكثرت من مثل هذا ، ولكن يخسأ الحميد فلن يفرح بهذا ، ولذا لم يجد إلا الكذب عليَّ والتلبيس والله مبطل كذبه ومكره برحمته سبحانه .
قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله تعليقا على ما ورد في هذا الحديث معناه : الرؤيا والله أعلم التي هي جزء منها ، كما قال عليه السلام : " ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة " اهـ ( 10 ) .
وقال القرطبي تعليقا على قوله تعالى : ﴿ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ﴾ ( 11 ) . وذكر قول ابن عطية : هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفا وسلفا متلقاة على العموم التام مقتضية نصا أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم . وقال القرطبي : وما ذكره القاضي أبو الطيب في كتابه المسمى بالهداية من تجويز الاحتمال في ألفاظ هذه الآية ضعيف ، وما ذكره الغزالي في هذه الآية وهذا المعنى في كتابه الذي سماه بالاقتصاد ، إلحاد عندي ، وتطرق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين في ختم محمد صلى الله عليه وسلم النبوة ، فالحـذر الحذر منه اهـ ( 12 ) .
والقول قول القرطبي في هذا ونحن معه على التمام ما دام يعد مـا قرره في هذا وغيره غير معارض لإرسال المهدي والوحي له بالرؤيا ، فإذا ما عد هذا على هذيان أبي حصان معارضا لختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم سواء بالوحي أو بالإرسال فحينها نقول لا كرامة لخلافكم فالقرآن محكم في ردكم وإبطال قولكم ، ولا منافاة عندنا بين هذا والختم بسيد البشر ولا نراه محققا إلا بأفهامكم الضعيفة وآرائكم الغير مصيبة في هذا الأمر ، فالإرسال للمهدي ثابت بمحكم القرآن ، ولا يكون إرسالا من الله بغير وحي منه ، والرؤيا من أجزاء الوحي المتبقي في أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونعتقد ونوقن بأنها ما أبقيت من أجزاء الوحي بعده إلا لبعث المهدي وتسديده ، ومن عد هذا منافيا للختم برسول الله فهو جاهل ، فالمهدي وأمره من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معه بمنزلة ظل الشيء ، والختم برسول الله صلى الله عليه وسلم ختم بأمره ورسالته ولا يخرج المهدي عن أمر رسول الله ورسالته وشريعته كما لا يخرج عيسى وغيره من رسل الله إذا عادوا على رسالته وشريعته إلا ما جاء الدليل بتقريره وما عدى ذلك فلا ، ولذا لا تجد من عد عودة عيسى بعد رسول الله معارضا للختم ، والأمر برمته من تدبير الله تعالى وحكمته ، ألا ترى أخي المؤمن لو فحصت الأمر لوجدت مرده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه ، ومن هنا جـاء التقدير الرباني بعودته ، وقوله : " بعثت أنا والساعة كهاتين " ( 13 ) . من هذا الباب .
فمن صدق فبها ونعمة ومن أبى فسبيل أبي حصان على مباهلته ، وبيننا وبينكم صيحة الحق تسلب من الحكام أفاحيصهم ، وتطير من الشعوب سكراتهم ، ينخرس لها كل لسان ، وتنقطع منها الأرسان .
فبماذا يخادع الحميد ويزايد ، أعلى هواي وضلالي ، أم على فتنتي وإضلالي ، قبح الله وجهي وأهلكني إن كنتَ ومن معك يا الحميد أهدى مني وأرشد ، ووالذي نفسي بيده أنك الكذوب الضال المضل عن سبيل الحـق المورد من يصدقه النار ، داعية من دعاة جهنم ، أما أنا فيعلم الله أني آمن شيء من الناس على الناس ، بابٌ مانعٌ دون الفتن ومغوياتها .
أبمضلات الفتن ترميني يا الحميد الضال وأنا الذي قطعت لأصحابي وها أنا أقطع لكل الأمة على رؤوس كل الناس كتابا لا يمحى ، وخطبة لا تنسى ، أني لا أحكم للناس أمرا ولو على ألف منهم أو أكثر من دون صيحة الرحمن تدوي بإسمي ، فلإن أحكم دجاجتين خير لي من أن أحكم هذه الأمة الضالة التي انفرجت عن دينها انفراج المرأة ، ولولا بقية الأولياء القلة الطريدة فاقدة الأمان ، محبوسة السجان ، مرعوبة الجنان ، لما رجونا في دنياكم هذه خيطا ولا مخيطا أخزاكم الله تعالى فما أنتم إلا غثاء كغثاء السيل ، قراؤكم أشر من تحت السماء وعن الحق باتوا أخفى من الحرباء ، تأصل فيهم النفاق واستحكم ، حتى صاروا ألد أعداء الدين وأفجر وأظلم ، أعملوا فيه التأويل والتلبيس حتى عاد أتباعه فروخاً لإبليس ، ينشؤهم على الضلال والتدليس .
أمِّنْ أبا حصان على أمتك من فتنتي وعلى نفسك ولا تخف ، وقل لي من يؤمنك ومن معك من فتنتك ، أم لعلك تأمل السلامة مما أنت فيه وترجو الإمامة فيما دخلت فيه .
أظن خطوب الدهر مني ومنهم .... ستحملهم مني على مركب وعرِ
قال ابن تيمية رحمه الله : قد يخص الله تعالى بعض عباده بما يريه من المبشرات ( 14 ) . وقال : إن ما يلقيه الله في قلوب المؤمنين من الإلهامات الصادقة العادلة هي من وحي الله ، وكذلك ما يريهم إياه في المنام ، قال عبادة : رؤيا المؤمن كلام يكلم به الـرب عبده في منامه اهـ ( 15 ) .
وقال أيضا رحمه الله في كشف تلبيس الجهمية : وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم ، وما أظن عاقلا ينكر ذلك ، فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه ، وهذه مسألة معروفة وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين اهـ . وقال ابن حجر : جوز أهل التعبير رؤية الباري عز وجل في المنام مطلقا اهـ .
وأظن هذا المحروب في دينه ممن ينكر رؤية الله تعالى في المنام كما فعل قبله أستاذ العقيدة سفر الحوالي ، حين ذهل من أمرنا وأنكر علينا حتى القول بجواز رؤية الله في المنام فقال بكل ثقة من نفسه : لو علمت أنكم تجوزون رؤيته في المنام لما جالستكم وسمعت منكم . فانظر لهذا الجهل ، والحميد فيما قرر مموها على ابن تيمية أنه لا يجيز وقوع التحديث في الأمة إلا لعمر كاذب في دعواه وما نقلته عنه يكذب دعوى الحميد ، وهو بهذا واقع بالتعسف والمعاندة في وجه الدعوة ، ومثل هذا ليس أهلا للثقة في ذلك ولا أهلية له أصلا ليقوم بذلك وهو يروغ روغان الثعالب ، يكثر المطالب ويبدع المثالب ، لا صادق ولا أمين في دعواه الحق المستبين .
وعلى ما تقرر هنا عن ابن تيمية وغيره في جواز التحديث والإلهام لأفراد من الأمة على خلاف زعم الحميد في نفيه ذلك ، فالمهدي أولى من غيره أن يقع له ذلك ويختص به ، وهذا تجوزاً مني في قولهم بحقيقة التحديث ووجهه ، وإنما مرادي هنا وتأكيدي على الرؤيا ، فإن جوزوا وقوع ذلك في التحديث الذي هو الإلهام بمفهومهم فجواز ذلك بالرؤيا أحق وأولى ، وإنكار ذلك مطلب أسمى لأبي حصان ، تذرع في وجه التحديث بالإنكار ليتوصل للرؤيا بالإبطال ، وهي محط القرار ومنبع الإرسال ، ولذا تراه بعد تقريره الختم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا نبي بعده ، قال : ثانيا المحدث ليس برسول ، والمعنى على هذه القراءة ـ
يريد قراءة ابن عباس التي قطعت ظهره ـ أن المحدث الذي يقرأ لنفسه لا رسولا إلى غيره يلقي الشيطان في قراءته كما يلقي في قراءة الرسول والنبي ولا يعني هذا بوجه من الوجوه أن المحدث رسول ، وهذا عمر رضي الله عنه ثبت بنص الرسول صلى الله عليه وسلم أنه محدث فهل ادعى أو ادعى أحـد فيه أنه رسـول اهـ ( 16 ) .
وهذا من هذيانه وتخرصاته التي ملأ بها رده عليّ ، وهي تحفة غريبة أتى بها هنا ليشد بها ما قرره سابقا إنكارا على قولي أن نفي البعدية لا ينفي أن يرسل بعده رسول وعد الحميد هذا من الهذيان والتخليط بزعمه أن الرسول لا يكون رسولا إلا بالنبوة أولا ، فقرر هناك أن الرسالة نبوة وزيادة ولا تكون الرسالة إلا بالنبوة ، فلا تستلزم الرسالة كما جرى في بني إسرائيل ، وهذا ظاهر والمبشرات التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وفسرها بالرؤيا ، ولا يقول إنها رسالة أو أن صاحبها رسول إلا جاهل ضال فهي مقيدة بهذا الإسم ( مبشرات ) ومفسرة بالرؤيا الصالحة وما عدا هذا فهذيان أطلق فيه اللحيدي قلمه ولسانه اهـ ( 17 ) .
هذا قوله نقلته بالنص وسأعلق عليه هنا بالتفصيل بحول الله ليعرف أنه شديد التلبيس جاهل خسيس في جرأته وتقوله على المولى عز وجل ، فأقول :
أولا : في نقله عني في هذا الموضع ما يدل على أنه وقف على قطعي بصحة نفي النبوة بعد النبي وسياق كلامي الذي وقف عليه يدل على اعتقادي هذا الأمر أُؤْمن بظاهر سورة الدخان وأصدق بتحقق تأويلها أنا وأصحابي ، ثم هو بعد هذا يفتري عليّ وعلى أصحابي بإدعاء النبوة ويجعله لازما لاعتقادنا في هذا ، فهل بعد هذا الظلم ظلم يقع على بريء أن تنسب له ادعاء النبوة وهو يبرأ منها وفي هذا أكبر برهان على قلة أمانته وتجرده من الإنصاف فيما أتى به من لجاج .
ثانيا : يعيد ويكثر ترديد أن المحدث ليس برسول ليبطل دلالة قراءة ابن عباس وأُبَيّ وأتى هنا أبو العجائب بواحدة من الغرائب لم يسبق إليها على غفلة من الأوباش حوله سرقة الخفاش ، فزعم أن معنى القراءة هو أن المحدث حين يقرأ لنفسه لا رسولا إلى غيره يلقي الشيطان في قراءته كما يلقي في قراءة الرسول والنبي ولا يعني هذا بوجه من الوجوه أن المحدث رسول .
أنظر إلى هذه الجرأة على التكذيب ورد كلام الله بحجة التأويل الذي هو من التعطيل لا التفسير ، وهذه فريدة لأبي حصان يلوح بها للعميان ، الله يقول : ﴿ أرسلنا ﴾ وهو يقول : لم يرسل . فانظر للكذب والتكذيب ، وهذه ليست من أول جهالات وحماقات هذا المنافق . قال تعالى : ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ﴾ ( 18 ) وهي قراءة عن ابن عباس وأبي بن كعب ( 19 ) , ذكرها البخاري في الصحيح عن ابن عباس معلقة بصيغة الجزم ، وقال الحافظ ابن حجر : إسناده صحيح ( 20 ) .
وواو العطف في الآية تقتضي التشريك في وقوع الفعل وهو الإرسال وهذا بَيِّنٌ ظاهر من معاني اللسان العربي المبين الذي عرف منه أن الواو تشرك بين الإسمين والفعلين في النفي ، كما تشرك بين النوعين في الإثبات ، ولا يحتاج إلى ( لا ) هنا إلا أنها زيدت لضرب من التأكيد وتحسين الكلام ، فدخولها كخروجها .
وما قام به الحميد من إخراج المحدَّث من مفهوم الآية أن يرسل هو الهذيان بعينه على هذه الآية ويكفي بهذا دليلا على جهله وتعسفه بمعارضة الدعوة المهدية فكيف إذا أضفنا إلى هذا كل ما أتى به من خزعبلات وتهويلات مموهة لا تمت إلى التحقيق العلمي والمعارضة الحقة التي يراد منها وجه الله تعالى وإظهار الحق بأي صلة ، والله المستعان ، ولو عقل الحميد هنا لما أقدم على قوله هذا في الآية وهو يعد تحريفا لمعنى الآية .
والعجيب في أمره واستهانته بعقل القراء أنه يتهمني ويأتي بمثل هـذه الأقوال التي لم يسبق إليها ولا تليق بجلال كلام الله سبحانه ، مثل قوله هنا أن الإلقاء من الشيطان إنما يقع في قراءة المحدث نفسه لكتب الأنبياء ، وهذا لا معنى له ولا مدخل له في جعل الإلقاء فتنة لو تعقل الحميد في كلام الله هنا .
ثالثا : قوله : أن الرسالة نبوة وزيادة ، ولا تكون الرسالة إلا بالنبوة ، فكل رسـول نبي وليس كل نبي رسـول فما بالك بالمحدث اهـ ( 21 ) .
من هذيانه الموشى بشيء من الحق ليتحصل له تعطيل دلالة قراءة ابن عباس وأبي في أن المحدث يرسل في السابقين ، وتتبعي له هنا في رد وإبطال دعواه في هذا ليس هو دفاعا عن الأصل الذي أعتمد برهانا في ثبوت بعث وإرسال المهدي كونه محدثا أو أن المحدث كان يرسل في السابقين أم لا ، وإنما طردا للكلام في هذا كشفا لزيفه وتلبيسه على قراءة الآية ، والمعتمد في إرسال المهدي آيات سورة الدخان التي هي أيضا قرر بطلانها ولم يأتِ بشيء ، والكلام في إرسال المحدث إنما سيق في تأصيلي استئناسا وتخريجا لاختيار ابن عباس أن الدخان آخر الزمان ، فجاء الحميد مستميتا لإبطال هذا التخريج لما تيقن قوة الاستظهار بمثل هذه الشواهد ولم يأتِ بشيء والحمدلله وخاب مسعاه ، لا في إبطال الحجـة على ثبوت وإرسال المهدي فقط ، بل وشواهد ذلك أعجزه أيضا ، وليس أدل على ذلك من تخبطاته لإبطال ما نقل عن ابن عباس .
وسواء قلت المهدي محدَّث أو مكلَّم بالرؤيا أو الإلهام فهو مرسل من الله ومبعوث رحمـة لا يشك في ذلك إلا منافق مطية شيطان ، أو جاهل مقلد لمن هو بالمنزلة مهما بلغ لن يمكن بحال من معرفة حقيقة تأويل القرآن في أمر المهدي آخر الزمان ، فهو سر من أسرار الرحمن ومن زعم معرفة تفاصيل تأويله قبل تحققه فهو كاذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وتأويله غيب لله ولا يمكن أن يحيط بعلمه لا الحميد ولا زيد ولا غيرهما فليُفهم هذا جيدا .
رابعا : يصر الحميد وغيره ممن خالف على إنكار أن المراد بآيات سورة الدخان هو المهدي مع كون رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن ظهور الدخان إنما يكون آخر الزمان ، واستندوا في معارضتهم بقول ابن مسعود وتأويله ، ويبقى قول ابن مسعود مجرد رأي وفهم ارتئاه في معنى الآيات ، ولم يوافقه على ذلك جمع من الصحابة ، وخالفه في ذلك كثير من العلماء وخطأوا قوله بذلك ، وقد سبق لي بيان هذا في كتابي الكبير ( وجوب الاعتزال ) .
وأزيد هنا في بيان ثبوت خطأ قول ابن مسعود في تأويل الآيات ، وضلال من إعتمد على تفسيره في ردي وجحد تأويل الآيات على أمر المهدي وبعثه آخر الزمان على الرغم من صراحة الآيات في بعثه وتصريحها بإرساله ، مع تأكيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك إذ وصف خروجه وتحقق أمره ببعث الله له ، وهذا مما لا يكون إلا على وجه الإرسال ولذا جاءت الآيات في سورة الدخان ناطقة به ومصرحة بأخص صفاته وهي تعليمه من الله تعالى ، إذ قال الله تعالى في ذلك : ﴿ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين . يغشى الناس هذا عذاب أليم . ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون . أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين . ثم تولوا عنه وقالوا معلَّم مجنون ﴾ (22) . وهذا مع كونه إنما يتحقق آخر الزمان لذكر الدخان الذي هو من أشراط الساعة على ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاء فيه أيضا وصف هذا الرسول بالمعلَّم ، والمراد بذلك المحدَّث والمكلَّم وهذه ليست من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تحمل عليه تلك الآيات ، إنما هي صفة للمهدي فهو المعلَّم على الصحيح ، ويشهد لذلك وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه مهدي الله وخليفته ، فكيف يكون مهديا من غير أن يعلمه الله !! ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء عنه أن لكل أمة بعد نبيها ( معلَّم ) !! ، وسبق وأن أشرت إلى ثبوت القراءة عن ابن عباس وأبي ابن كعب رضي الله عنهم في أن ( المحدَّث ) و ( المعلَّم ) كان يرسل في السابقين ، فما الذي يمنع أن يرسل ( المعلَّم ) أو ( المحدَّث ) في أمة محمد كذلك ، كما كان في بني إسرائيل على ما أفادته قراءة ابن عباس وأبّي بن كعب في تحقق إرسال المحدَّث فيمن سبق ، وتعد آيات سورة الدخان نص في هذا الباب وأن ( المعلَّم ) و ( المحدَّث ) على وفق ما جاء في آيات سورة الدخان ما هو إلا المهدي ، فهو الذي يكون بعثه وخروجه آخر الزمان معاصرٌ لآية الدخان وهو علامة في تعيينه ، والقائل في المنع يعد بحـق متحكم ومتقول على غيب الله تعالى كذلك ، كيف لا وقد جاء عن رسولنا كما قلت بأن في أمته يكون بعده معلَّم ، وأحق بالمراد بذلك صاحب الدخان !! ، فيما رواه ابن سعد في الطبقات عن عبدالرحمن ابن أبي الزناد قال : سمعت ابن أبي عتيق يحدث عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من نبي إلا في أمته معلَّم أو معلَّمان ، وإن يكن في أمتي أحد فابن الخطاب ، إن الحق على لسان عمر وقلبه " ( 23 ) .
فالمعلَّم المذكور في سورة الدخان المراد به المهدي لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو الذي يدرك الدخان آخر الزمان .
ولا ينكر صحة القول بإرسال ( المعلَّم ) في هذه الأمة إلا جاهل ضال كالحميد هذا ، وقد جـاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استحقاق ( المعلَّم ) للنبوة وذلك في خبر عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب " (24) .
فإذا كان عمر في كونه من المعلَّمين استحق أن يكون نبيا لولا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فما الذي يمنع أن يكون المهدي المعلَّم الثاني في هذه الأمة مستحقا لوصف الإرسال كما استحق عمر رضي الله عنه لوصف النبوة إلا أن المانع لذلك تحقق بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء القرآن مصرحا في إطلاق وصف الإرسال على المهدي ما علم به انتفاء المانع الذي ثبت بحق عمر .
والحميد هنا كما قلت أتى بهذيانه الذي عودنا عليه في رده الموسوم كذبا بالحق المستبين وإنما حقيقته الجهل المبين ، وقد دخل عليه هنا فيما قرر من جهله وعدم تمكنه من التمييز ما بين الوحي المطلق والوحي العام المشترك ، والإرسال المطلق والإرسال غير المطلق .
والوحي للمهدي كما أنه لا يقتضي ثبوت النبوة له لأنه محقق له على سبيل الوحي المشترك الذي يشترك بأصله مع غيره من العباد وهم ليسوا بأنبياء ولا رسل ، كذلك الإرسال إنما هو على سبيل الإرسال الغير مطلق الذي يشترك بأصله مع غيره من الرسل والأنبياء والمحدثين الذين كانوا يرسلون إلى قومهم بمـا يعرفونه أنه حـق كالعالم المتضلع بالشريعة فهو مذكر ومعلَّم ، أما الرسول عند الإطلاق فهو الذي يرسل إلى قوم بمـا لا يعرفونه ، أمـرا من الله تعالى بتبليغ رسالته ، والإرسال اسم عام يتناول كلا النوعين ، الإرسال بالأمر والنهي ، والإرسـال بالخبر والعاقبة كما قال تعالى : ﴿ الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ﴾ ( 25 ) . وقالت الملائكة : ﴿ يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ﴾ ( 26 ) وهؤلاء إنما أرسلوا بالعاقبة وخبر حلول العذاب ولم يرسلوا بالتشريع والأمر والنهي كجبريل عليه السلام ومع هذا وقع عليهم الإسم العام ، كذلك بني البشر قد يشتركون بالإسم العام ويفترقون ويتفاوتون بحقيقته .
ومن المفارقة العجيبة أن أبا حصان ينزع بإبن تيمية رحمه الله إمام الأئمة ليموه على الجهال أنه لا يرى حصول التحديث في الأمة لغير عمر ليبطل دلالة الآية على قراءة ابن عباس ، وهو بعينه من أصّل ما قررته قبل قليل في اشتراك الرسل من الملائكة والإنس بالإسم العام للإرسال ، واحتج لذلك بعين الآية المنازع لإبطال دلالتها هذا الحميد وهذه غصة لأبي حصان لا أراكم الله مثلها . قال رحمه الله : قال تعالى : ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ﴾ دليل على أن النبي مرسل ( 27 ) ولا يسمى رسولا عند الإطلاق لأنه لم يرسل إلى قوم بما لا يعرفونه بل كان يأمـر المؤمنين بما يعرفونه أنه حق كالعالم ، وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة فإن يوسف كان رسولا وكان على ملة إبراهيم ، وداود وسليمان كانا رسولين وكانا على شريعة التوراة وقوله تعالى : ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ﴾ فذكر إرسالا يعم النوعين وقد خص أحدهما بأنه رسول فإن هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح عليه السلام وثبت في الصحيح أنه أول رسول وكان قبله أنبياء كشيث وإدريس ، وهؤلاء الأنبياء يأتيهم وحي الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم بكونهم مؤمنين بهم كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء عن الرسول ، وكذلك أنبياء بني إسرائيل يأمرون بشريعة التوراة وقد يوحى إلى أحدهم وحي خاص في قصة معينة ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالم الذي يفهمه الله في قضية معنى يطابق القرآن كما فهم الله سليمان حكم القضية التي حكم فيها هو وداود ، فالأنبياء ينبؤهم الله فيخبرهم بأمره ونهيه وخبره وهم ينبؤون المؤمنين بما أنبأهم الله به من الخبر والأمر والنهي ، فإن أُرسلوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، ولابد أن يكذب الرسل قوم اهـ ( 28 ) .
قلت : كذلك المهدي فإرساله وبعثه يتجاذبه الطرفين فهو إرسال وبعث خاص شرعي وهو قريب كذلك للإرسال والبعث المطلق ، ومن عدم القدرة على اعتبار الفرق بينهما والتمييز ، وجمع إلى ذلك استحالة وقوع تلقي الأمر والنهي والخبر على التفصيل في هذه الأمة من خلال الرؤيا ، فقد جمع الجهل كله وحيل بينه وبين اليقين بتأويل آيات سورة الدخان أنه واقع آخر الزمان كالحميد هذا ومن على شاكلته من جهلة هذه الأمة وما أكثرهم قبحهم الله في عصرنا هذا الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع العلم منه وتثبيت الجهل .
والحميد وأمثاله يستميتون في ادعاء اليقين ببطلان أن يكون الرسول المذكور في سورة الدخان هو المهدي وأن هذا الاعتقاد محال وذلك لنفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث في أمته رسولا من بعده ، وزعمهم هذا من أبطل الباطل وهو معارض لخبر الله في كتابه عن بعث الرسول الذي يعاصر آية الدخان ، وما فهموه من معنى النفي لا يُسلّم لهم فيه تحقق المعارضة مع ما ورد في سورة الدخان ، وإنما مبناه على فهمهم السقيم وإدراكهم الضعيف الكليل عن الإحاطة بجميع كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر ، والحق أبداً لا يتعارض والجمع بين خبر الله تعالى وكلام رسوله إنما يتعذر على فهمهم هم ولا يحق لهم أبداً الإنكار في ذلك على المهدي واستدلالاته فهو أعلم منهم وأفقه بأمره وبعثه وأحق منهم بالإدراك وفهم ما تعلق به من نصوص وأخبار شرعية ولذا ترى الاستدلال الذي ينطق به المهدي أظهر بالحجة من أقوالهـم وأسطع بالنور من جهالاتهم ، والله من ورائه مؤيداً وناصراً .
وكما أن الإرسال اسم عام يندرج تحته الإرسال المطلق والإرسال الغير مطلق ، كذلك البعث ، منه البعث الشرعي والبعث القدري ، والإرسال الشرعي والبعث الشرعي اللذين يحبهما الله تعالى ، معناهما واحد عند العقلاء ولعل الحميد يخالف اللحيدي في ذلك فهو قد ركب الجهل لمخالفته عنادا ومكابرة ، والبعث في لغة العرب معناه الإرسال ، وإذا ورد في أخبار المهدي مضافا إلى المولى عز وجل فلا يكون هذا إلا البعث والإرسال الشرعي كما قال عز وجل : ﴿ كان الناس أمـة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ﴾ ( 29 ) . وقال تعالى : ﴿ وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ﴾ ( 30 ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق المهدي كما جاء في رواية أبي سعيد عنه : " أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل " (31) .
وقد علم مما سبق ذكره عن كتب بني إسرائيل أن بعث أول ملك لهم في دينهم قد تم تعيينه على وفق رؤى نبيهم صموئيل ، وقد عاد الأمر في أمة محمد مثلما وقع في بني إسرائيل تعيين الملك عن طريق النبي ، فهناك صموئيل وهنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد سمى الله تعالى ذلك استخلافا وبعثا على ما جاء في قوله تعالى : ﴿ وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ﴾ وقوله : ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ﴾ ( 32 ) . وبهذا سيكون استخلاف المهدي على سنة الاستخلاف في بني إسرائيل والكاف في الآية المذكورة سابقا للتشبيه , ويشهد لهذا المعنى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهدي بلفظ : " لا تقوم الساعة حتى يستخلف رجل من أهل بيتي " ( 33 ) . والمهدي غير مسبوق بخلافة شرعية ليصح استخلافه ممن سبقه وإنما الاستخلاف هنا له من الله تعالى ، ومن هذا الباب مـا جاء عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة .." ( 34 ) . وذكر البخاري في الصحيح معلقا عن أبي أيوب الأنصاري رفعه بلفظ : " ما بعث الله من نبي ولا بعده من خليفة .." . جعله قرينا في البعث مع النبي صلى الله عليه وسلم , لعظيم شأن هذا الخليفة , وهو بهذا ليس كسائر الخلفاء ، مثل ما وصف بذلك ملك بني إسرائيل على ما جاء في آية سورة البقرة . وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ : " ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة " ( 35 ) . وقد استشكل الحافظ ابن حجر لفظ الحديث من طريق أبي هريرة وأبي أيوب الأنصاري , لقوله ببعث الخليفة في هذه الأحاديث , وقال : لفظ الرواية عن أبي سعيد تفسر المراد بهذا , وأن المراد ببعث الخليفة استخلافه اهـ ( 36 ) .
قلت : الاستخلاف والبعث في هذه الأخبار المعنى والمراد في ذلك سواء لا فرق بينهما , وكل ذلك لا يكون إلا من الله تعالى مثل ما هو في النبي هو في الخليفة كذلك , ومن الخطأ حمل الأمر في الخليفة هنا على العموم , ولذا لما استشكل ابن حجر القول ببعث الخليفة , لاذ بلفظ الحديث عن أبي سعيد ـ في الاستخلاف ـ , وأبو سعيد نفسه رضي الله عنه روي عنه في أخبار المهدي على كلا الوجهين , سواء بالاستخلاف ومراده أن المستخلف الله تعالى , وسواء بالبعث ومراده أن ذلك لا يكون إلا من الله تعالى , وعلى هذا فالحافظ لاذ بما هو عليه لا له !! . ولما كان هذا الملك والاستخلاف من الله تعالى ذكره سبحانه كما قلت سابقا في امتنانه على بني إسرائيل في جعله قرينا للكتاب والنبوة وفي هذا المنتهى في بيان فضيلة ومكانة هذا التمليك والاستخلاف عند الله تعالى .
والآن يقال لأبي حصان حدت عن سورة الدخان أن تكون في إرسال المهدي ، فمن سيكون معك الآن في إنكار السنة أن تكون نصت على إرسال المهدي آخر الزمان ، وإذا جاز تحقق إرساله من الله تعالى في السنة فما المانع من أن ينص القرآن على إرساله كذلك ، أم هو عظيم في القرآن هين في السنة ، والحق أن الإرسال من المولى عز وجل سواء كان خبره في الكتاب أو السنة فهو الإرسال الشرعي المحبوب لله تعالى المعهود ونسبة الكفر لمعتقد تحقق إرسال الله عز وجل للمهدي آخر الزمان إنما هو كفر من قائله وزندقة من معتقده فمآله وحقيقته إلى تكفير رسول الله صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله تعالى ، فهو الذي قطع بإرسال المهدي آخر الزمان في أكثر من حديث وإنما هان على الحميد مجادلة القرآن في ذلك لأن القرآن انتهى أمره إلى أن يتجاسر على التهوك بوجهه ورده كل منافق ملعون من أمثال هذا الحميد وغيره من جنود إبليس أعداء كلمات الله تعالى ورسله .
هذا ما انتهى إليه الحميد اللعين ، التكفير بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقده ويصدق به .
------------
( 1 ) رد الحميد (21) .
( 2 ) رد الحميد (23) .
( 3 ) سورة المدثر ( 38) .
( 4 ) سورة المائدة (111) .
( 5 ) سورة الشورى (50) .
( 6 ) النبوات (167) .
( 7 ) النبوات (166) .
( 8 ) سورة طه (36-37) .
( 9 ) سورة القصص (6) .
( 10 ) القرطبي في التفسير (7/196) .
( 11 ) سورة الأحزاب (33) .
( 12 ) القرطبي في التفسير (7/196) .
( 13 ) متفق عليه .
( 14 ) النبوات (267) .
( 15 ) دقائق التفسير (13/251) .
( 16 ) رد الحميد (31) .
( 17 ) رد الحميد (22) .
( 18 ) سورة الحج ( 52 ) .
( 19 ) الاعتقاد للبيهقي (315) .
( 20 ) فتح الباري (7/42 و 51 ) .
( 21 ) رد الحميد (31) .
( 22 ) سورة الدخان (10-14) .
( 23 ) الطبقات لإبن سعد (2/255) .
( 24 ) رواه أحمد في المسند (28/624) ، والترمذي وحسنه (5/578) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .
( 25 ) سورة الحج (75) .
( 26 ) سورة هود (81) .
( 27 ) وانظر لأبي حصان كيف يقطع بالنفي العام بقوله : وليس كل نبي رسول فما بالك بالمحدث . وقول ابن تيمية هنا على خلافه ، فالحميد يخلط بين المفاهيم والعمومات والمقيدات جاهل بالتفصيلات متهوك بالمحالات عدو للتأويلات الربانية .
( 28 ) النبوات (73و74) .
( 29 ) سورة البقرة (213) .
( 30 ) سورة البقرة (247) .
( 31 ) رواه أحمد في المسند (18/62) .
( 32 ) سورة النور (55) .
( 33 ) أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/84) نقلا عن رسالة البستوي في تحقيق أحاديث المهدي (1/297) راجع في زيادة تفصيل موافقة استخلاف المهدي لسنة الاستخلاف في بني إسرائيل ( عمد النار والدخان ص24 ) و ( الأجوبة الشرقية على التساؤلات اليمنية ص 13 ) و ( التفصيل النفيس في ص 39 ) و ( نثر الدرر ص 46 ) و (حصار العراق ص 19) و ( تعبيد الموارد ص40) .
( 34 ) رواه البخاري في الأدب المفرد وعنه الترمذي في سننه وصححه .
( 35 ) الفتح ( 15/ 99) .
(36) الفتح ( 15/ 99) .
--------------
مواضيع الفصل الثاني |
من كـذبات الحميد دعواه أن المهدي جعل الرؤيا دليلا على إرسال المهدي |
الـرؤيا هي السبيل الوحيد والجزء المتبقي من الوحي ليتلقى المهدي أسباب هدايته ومعرفة عينه |
مـن مفردات الحميد وكذبه عده القول بأن الرؤيا وحي وأن لازمه دعوى النبوة |
تأكيد كذب الحميد بالادعاء على المهدي قوله بالنبوة |
دعوى الحميد على المهدي أنه يوحى إليه بالرؤيا وأنه رسـول صحيحة |
إبطال زعم الحميد أن المهدي لا يوحى له |
النقل عـن ابن تيمية ما فيه كذب الحميد في دعواه أن كل من أوحي إليه يكون نبيا |
دعوى عدم جواز العمل بالوحي بالرؤيا إلا لنبي دعوى باطلة مخالفة للكتاب والسنة |
من عـد الوحـي للمهدي بالـرؤيا منافي للختم بمحمد فقوله رد ولا كرامة |
دعـوة المهدي عـاصمة مـن الفتنة لا داعية لها كما الحميد |
لن يحكم المهدي الأمـة إلا بصيحة من الله تعالى ، وإلا لا ، وهذا أكبر برهان لتحقق العصمة من الفتن |
القراء اليوم أشرار استحكم منهم النفاق |
قال ابن تيمية : الإلهام والرؤيا من وحي الله تعالى |
من جهل سفر الحوالي إنكاره رؤية الله تعالى في المنام |
إذا جاز وقوع الإلهام والرؤيا لغير المهدي فجـواز ذلك للمهدي أولى |
من مفردات الحميد أن الإلقاء للمحدث إلقاء في قراءته للكتب |
من أشد الظلم افتراء إدعاء النبوة على من لم يدعيها . |
الله تعالى ينص على إرسال المحدث والحميد يكذب ذلك . |
إخـراج الحميد مـن مفهوم قراءة ابن عباس وأبي بن كعب المحدث هذيان |
من جهل الحميد عده الإرسال لازم للنبوة |
يبقى قول ابن مسعود في آيات سورة الدخان رأي وفهم لم يوافقه عليه الكثير |
وصف الرسـول الذي يعاصر الدخـان ( بالمعلم ) فيه إبطال لقـول ابن مسعود ومنكري إنزال آيـات سـورة الدخان على المهدي |
سـواء قيل المهدي محـدث أو مُعَلَّم أو مكلم بالـرؤيا فإرساله ثابت وفق آيات سورة الدخان |
من جهل الحميد عدم القدرة على التمييز ما بين الوحي المطلق والوحـي العام المشترك ، والإرسـال المطلق والغير مطلق |
الوحـي للمهدي في أمـره لا يقتضي النبوة فهو على سبيل الوحي المشترك |
إرسال المهدي غير المطلق يشترك بأصله مع غيره من الأنبياء والمحدثين |
قـال ابن تيمية : ليس مـن شـرط الرسـول أن يأتي بشريعة جديدة |
من الموانع لتصديق تأويل آيات سـورة الدخـان وأنه كائن آخر الزمان |
البعث الشرعي في اللغة معناه الإرسال |
أول ملك في بني إسرائيل عين من خلال نبيهم ، والأمر في المهدي كذلك |
الحميـد ينكر إرسـال المهدي بالقرآن ويسكت عنه في السنة |