ومن كذباته أيضا علي قوله : وادعى أن محمدا بن عبدالله المذكور اسمه في أحاديث المهدي هو النبي صلى الله عليه وسلم وأنه سوف يبعث قبل القيامة شهيدا على أمته وسوف تأتي معه الرسل !! اهـ ( 1) .
وذكر هذا في مقدمته ، ولماّ لم يكتفِ بكذبه هنا في هذا التعميم وتهويله بعلامتي التعجب بعد كلمة : ( الرسل !! ) ، فعاد وكرر كذبته هذه متجاوزا بذلك كل حدود الأمانة العلمية والصدق مع النفس حين زاد على ما سبق بقوله الآتي وهو ينسبه لي واضعا ذلك بين قوسين : ( هو يقول : إن الرسل كلها تعود قبل القيامة . ولولا من يغترُّ به ما استحق الرد !! ) اهـ ( 2 ) .
أما أنا فأقول : بل أنت من استحق الرد لكشف كذبك علي ، وجميع أهل الحق والصدق يوقنون أن المبطل صاحب الضلالة هو الذي يضطر أن يلجأ للكذب ، وصاحب الحق لا يضطر لذلك ولا يلجأ إليه ،إنما عليه بيان الحق فمن قبل فلنفسه ومن ضل فعليها ، وحق الله عز وجل لا يُبَيَّن بالكذب ، فإن الكذب إنما يهدي للفجور وهي أظهر صفات المنافقين ، والحميد في كذباته هذه عليَّ إنما يكشف عن نفاقه وفجوره ما يدل على أنه لم يكن مع الله تعالى ولو ظن ذلك وما كان إلا رفقة للشيطان ولنفسه ولذا تراه لم يوفق في معارضته للدعوة المهدية .
وهناك ما هو أكبر من كذبه هذا علي هنا وذلك حين زعم بقوله التالي : من زعم أن للنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الرسل سوى عيسى عودة قيل يوم القيامة فهو كاذب ولا حجة معه إلا الفهم الفاسد والرأي الكاسد اهـ ( 3 ) .
وقوله هذا منكر عظيم وزلل من القول وخيم ، وهذا الرجل يهذر بما لا يعي عاقبته متهور بالباطل أخزاه الله تعالى ، وهوغير مدرك للوازم ما يتفوه به من اعتقادات منتهى أمرها عند التحقيق أن يكون بناؤها على الظن والتقليد الأعمى ومن أجل بيان زيفها أقول :
قال تعالى : ﴿ واذكر في الكتب إدريس إنه كان صدِّيقا نبيا . ورفعناه مكاناً عليا ﴾ ( 4 ) . وقال تعالى : ﴿ وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا . بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما . وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ﴾ ( 5 ) ولم يذكر في القرآن خبر رفع غير هذين النبيين الكريمين ، وقد جاء القرآن بالتصريح بعودة عيسى عليه الصلاة السلام دون إدريس ولا بد من عودة إدريس عليه الصلاة السلام ليموت في الأرض وهذا ما لم يقع إلى الآن . قال تعالى : ﴿ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ﴾ ( 6 ) وقال تعالى : ﴿ ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ﴾ ( 7 ) فالموت حق على بني آدم وسنة فيهم أن يدفنوا في التراب ، ومن زعم أن إدريس عليه الصلاة السلام لا يدخل في حكم هذه السنة فهو مبطل راد لحكم القرآن .
وبهذا التقرير يعرف شناعة ما قرره الحميد من نسبة الكذب للقول بعودة غير عيسى عليه السلام ، وهذا المتهور الكذاب إنما ينسب الكذب للقرآن الذي نص على رفع إدريس إلى السماء ، والمرفوع لابد من عودته لتتحقق فيه سنة الموت والدفن في الأرض ، ولمن ينكر هذا فلينظر لاعتقاده هو ويتعرف كم هو مبني على الظنون والتخرصات ، أما نسبة ذلك للكذب والفهم الفاسد والرأي الكاسد فلا يزعم هذا إلا الحميد الملعون ، فهو لا يعي ما يخرج من رأسه ولذا تجده يطعن على ربه وأخباره بأقذع الألفاظ وهو لا يشعر ، أعمى بصيرته الشيطان مطروحا في طريقي وأنطق به في وجه هذا الأمر العظيم ما عجز عنه إبليس أن يقوم بذلك بنفسه فتستر وراء هذا السفيه الناد ، ينطق به حنقا على هذا الأمر .
وروى الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذكر الدجال قال : " ألا وإن بين يديه رجلين ينذران أهل القرى " ( 8 ) . وعن الحارث عن عبدالله ابن مسعود عن النبي ص في خبر الدجال أيضا وفيه : " واليسع معه ينذر الناس ويقول : هذا المسيح الكذاب فاحذروه لعنه الله " (9) .
وجـاء عن كعب الأحبار قوله : الدجال لم ينزل شأنه في التوراة والإنجيل ولكن ذكر في كتب الأنبياء ، إذا ظهر خـرج إدريس وأخنوخ يصرخان في المدائن والقرى : إن الدجال قد خرج ( 10 ) .
ويشهد لكل هذه المرويات فضلا عما ورد في سورة مريم في خبر رفع إدريس عليه السلام ما جاء في إنجيل عيسى عليه السلام وهو الإنجيل الصحيح ، من التصريح بعودة إدريس وإلياس فقال : سأعود قبيل النهاية وسيأتي معي أخنوخ وإيليا ونشهد على الأشرار الذين ستكون آخرتهم ملعونة ( 11 ) . وقال أيضا في هذا الأمر : متى اقتربت نهاية العالم يرجع إلى العالم أخنوخ مع إيليا وآخر ( 12 ) .
وكذلك جاء الإنجيل مصرحا بعودة المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو المراد بقول المسيح : وآخر . والذي سيأتي قبل النهاية مع إيليا وأخنوخ فقال في هذا الخصوص : ومع أني لست مستحقا أن أحل سير حذائه قد نلت نعمة من الله لأراه ( 13 ) .
وهذا تصريح من الإنجيل بعودة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وسبق لي تفصيل هذا الأمر وشرحه في كتابي ( رفع الإلتباس ) وقد أتيت بالذكر على هذه الآثار وما ورد في الإنجيل عن عودة إلياس وإدريس وعيسى ورسول الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ومع هذا ضرب هذا الجاهل بكل ذلك عرض الحائط زاعما أن من يقول بذلك كاذب ليس معه إلا الفهم الفاسد والرأي الكاسد ، ولم يعر قبح الله وجهه لما نقل أدنى اعتبار ولم يردعه وازع التقوى لعل هذا يكـون الإنجيل الصحيح فعلا .
إنه الجهل المبين وضلال القرون الطويلة صُبَّ في رأس هذا الخسيس فَعُمي حتى عن خبر إدريس المرفوع في كتاب الله تعالى وتحكم بغيب الله تعالى فقطع أنه لا يعود وجزم بكذب القائل بذلك ، ولا أدري والله من أين لهذا الضال هذا اليقين الجارف أخزاه الله تعالى والأمر كما ترى أخي المؤمن منتهاه إلى الظن وهو لا يغني في وجه ما قررته هنا وفي كتابي ( رفع الإلتباس ) ( 14 ) .
وممن قال بخروج غـير عيسى آخـر الزمان ابن تيمية رحمه الله ( 15 ) . إذ إذ رجح الأمر في الخضر ، مع قوله بنبوته ، وقوله ببقاء الدجال من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى حين خروجه آخر الزمان مع قوله ببشرية الدجال ، والغريب أنه جعل في هذا حجة لقوله ببقاء الخضر كذلك إلى آخر الزمان ، وتعد هذه من غرائبه رحمة الله عليه وهذا فيه خلط شديد في أمر الخضر وهو مخالف لظاهر الآية المذكورة قبل ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد " . وقد عارض شيخ الإسلام عموم دلالة هذا الحديث ، بافتراض أن لا يكون الخضر على وجه الأرض في الوقت الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام كلامه هذا ، يريد رحمه الله بأنه قد يكون في البحر في وسط جزيرة ما ، كما وقع للدجال . ومن المعلوم اضطراب شيخ الإسلام في هذه المسألة والراجح عندي أن قوله ببقاء الخضر هو آخر أقواله ، فقد بسط القول في جوابه عن هذه المسألة واستطرد في تفصيلها ، وفي جوابه الآخر نقل إنكار أحمد والبخاري وابن الجوزي القول ببقاء الخضر ، مع سكوته وترك الاستطراد . وقد ذكر في موضع آخر عن إدريس أن بعضهم قال برفعه ، وجزم أن أبدان الأنبياء في القبور إلا عيسى وإدريس ( 16 ) .
وممن قال ببقاء الخضر أيضا معمر وإبراهيم بن محمد راوي صحيح مسلم ، وقال به النووي ، وابن الصلاح ، والقرطبي في تفسيره وذكره عن عمرو بن دينار ورجحا أن معه إلياس كذلك ( 17 ) .
ولا يلتفت لتشكيك الحافظ ابن حجر في فتح الباري في كون إدريس عليه السلام لم يثبت رفعه وهو حي ، وأن ذلك لم يثبت من طرق مرفوعة قوية ، وهو قول مردود وتشكيك يمنعه ظاهر القرآن وقد نص على رفعه مثل ما نص على رفع عيسى وسيعود كما سيعود عيسى آخر الزمان ، صدق في ذلك كتاب ربنا وكذب الحميد أبي حصان . قال الحافظ ابن حجر : وعيسى رفع وهـو حي على الصحيح ( 18 ) .
قلت : وكذلك وقع الخلاف في رفع عيسى هل كان حيا أو ميتا ، واختار ابن عباس أنه رفع ميتا ورجحه ابن اسحاق وابن حزم ولا يمنع وقوع هذا الخلاف ترجيح وصحة اعتقاد عودته آخـر الزمان ، ومن باب أولى أن لا يمنع عدم ثبوت رفع إدريس حيا عودته آخر الزمان كما هي الحال مع عيسى صلوات الله وسلامه عليهم ، ويكفي في هذا أن القرآن نص على رفعه كما نص على رفع عيسى وعلى المانع لرجوع إدريس الدليل في ذلك المنع وإلا كان متحكما مانعا بغير علم كما قال بذلك هذا القصيمي المخبول .
وإذا علم هذا وعرف مدى ظلم هذا الدعي الكاذب لنفسه وللمهدي ، لنفسه بتهوره بالحكم على كلام الله تعالى وأخباره ، وعلى المهدي بالكذب عليه والبهتان على دعوته ، ولم يَصدُق الحميد في إيهامه القراء لكتابه في نقله هذه العبارة من كتابي في ذكر أشراط الساعة وقولي : ومن ذلك نزول وعودة رسل الله بعد المهدي ومنهم المصطفى عليه السلام اهـ ( 19 ) .
وهذا من قولي يعود على تفصيلي لهذا الاعتقاد في كتابي المبسوط في إثبات صحة القول بعودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من نبي الله عيسى وإدريس وإلياس عليهم الصلاة والسلام ، هذا مـا أعنيه بقولي الذي نقله هذا الكذاب من كتابي : ( تعبيد الموارد في ردي على منافق الخوالد ) وإيهام الحميد في تعميمي هنا أن المراد به جميع الرسل بهتان منه لي وظلم ينم عن خسة طبع هذا الرجل وفجوره بالمخاصمة ما يدل على أنه منافق غدار لا مؤمن بار ، يفيده وقوفه على بسطي لتفصيلات اعتقادي في هذا الأمر في ذلك الكتاب وبياني للمراد من عودة رسل الله ، وحتى في كتابي الذي نقل منه عبارتي تلك كنت إذا أتى الكلام في عودة رسل الله أحيل لكتاب ( رفع الإلتباس ) منبها على بسطي وتفصيلي أن مكانه ذلك الكتاب ، من مثل قولي : ودخول الخليل عليه وخروجه منه من أعظم ما رمز لتأييد اعتقاد المهدي عودة النبي عليه الصلاة السلام آخر الزمان ليحقق شهادته على جميع البشر على ما فصل الكلام فيه في كتاب ( رفع الإلتباس ) ومن شاء فليراجع تفصيل هذا الإيمـان هناك ( 20 ) .
فلا يصح بعد هذا تلاعب الحميد بكلامي وفصل ظواهر بعض ألفاظه وتحريفها عليَّ ، ولا يفعل مثل هذا إلا عديم المسؤولية جائر في تصرفاته .
ومن شدة ظلم الحميد لي أنه لم يكتفِ بهـذا كما ذكرت سابقا ولم تطمئن نفسه لهـذا التدليس عليَّ بل زاد على هذا أن كذب عليَّ كذبا صريحـا في قوله واضعا ذلك بين قوسين : ( وهو يقول : إن الرسل كلها تعود قبل القيامة . ولولا من يغتر به ما استحق الرد !! ) اهـ ( 21 ) .
وهذا منه كذب وقح أخزاه الله تعالى ، فقوله : الرسل كلها . أبرأ منه إلى يوم القيامة والله حسيبه على هذه الكلمة ، وها هي كتبي ومنها على الخصوص ( رفع الإلتباس ) الذي إليه منتهى تفصيل اعتقادي في هذا الشأن ليس فيه ما ذكر عني هذا الظالم الجائر الذي اطمأن إلى أن من حوله ما هم إلا بله شديدي التقليد لن يتتبعوا كلامه ويحققوا في صدق أقواله ويتبينوا مدى ثبوتها ، بل بلغني أنهم صدَّقوا أقواله وتيقنوا صوابه من غير أن يقرؤوا كتبي ويعرفوا اعتقادي ، فهل رأيتم مثل هؤلاء طلبا للعلم والمعرفة ، إنهم دراويش الكذب حدثاء السفه آخـر الزمان ، يحسبون أنفسهم أولياء الله تعالى ، ورسوله صلى الله عليه وسلم إنما ذمهم وأخبر عن سوء أحوالهم بدينه ووصفهم وصف الحريص على إصابة وصفهم ومعرفة أعيانهم حتى لا يغتر بهـم كل مؤمن وينخدع بتظاهرهم بالدين والفلاح وينطلي عليه دعواهم السنة والصلاح ، وما هم في الحقيقة إلا أعداء للمهدي ولكل ولي تقي .
هذا وفي أخبار بني إسرائيل وتواريخهم ورد في قصة إدريس عليه السلام الآتي : وعاش أخنوخ خمسا وستين سنة ، وسار أخنوخ مع الله بعدما ولد متوشالح ، ثلاثمائة سنة ، وَوُلِد بنين وبنات . فكانت كل أيام أخنوخ ثلاثمائة وخمسا وستين سنة . وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه ( 22 ) . وفي هذا المنقول عن تاريخ اليهود في خبر إدريس يدل دلالة صريحة أنه رفع وهو حيٌ ، ويكفي في هذا خبر رفعه في كتاب ربنا ، وزد على ذلك خبر عودته في إنجيل المسيح الصحيح عليه الصلاة والسلام ، ويعد هذا من التواتر مع ما ذكر في الآثار السابقة .
وكان في المتقدمين من هو على علم في ذلك كما أشار إلى هذا الحافظ ابن حجر في فتح الباري قوله : وذكر وهب في المبتدأ : أن إلياس عمر كما عمر الخضر ( 23 ) . وأنه يبقى إلى آخر الدنيا ( 24 ) . وقال القرطبي : قال بعض العلماء عن الخضر : لا يجوز أن يقال كان نبيا ، لأن إثبات النبوة لا يجوز بأخبار الآحاد ، لا سيما وقد روي من طريق التواتر ـ من غير أن يحتمل تأويلا ـ بإجماع الأمة قوله عليه السلام : " لا نبي بعدي " . وقال تعالى : ﴿ وخاتم النبيين ﴾ والخضر وإلياس جميعا باقيان مع هذه الكرامة ، ووجب أن يكونا غير نبيين لأنهما لو كانا نبيين لوجب أن يكون بعد نبينا نبي ، إلا ما قامت الدلالة في حديث عيسى أنه ينزل بعده .قلت ـ القائل القرطبي ـ : الجمهور على أن الخضر كان نبيا وليس بعد نبينا نبي ، أي يدعي النبوة بعده ابتداء ، والله أعلم اهـ ( 25 ) . ورجح النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم أن الذي يقتله الدجال هو الخضر ( 26 ) .
ومع كل هذا التحقيق والعلم في هذا الأمر الجلل المفصل في إنجيل المسيح عليه السلام ، وما ورد في القرآن العظيم من إشارات إليه ، مثل قوله جل ثناؤه : ﴿ وإن إلياس لمن المرسلين . إذ قال لقومه ألا تتقون . أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين . الله ربكم ورب آبائكم الأولين . فكذبوه فإنهم لمحضرون . إلا عباد الله المخلصين . وتركنا عليه في الآخرين ﴾ ( 27 ) هذا خبره في القرآن واسمه في الإنجيل إيليا ، كما أن اسم إدريس أخنوخ ، ووهم من عدهما واحد كالبخاري وذكر عن ابن عباس وابن مسعود وهو وهم ، والصحيح أن إدريس غير إلياس الذي هو إيليا وهو قبله ، وإيليا قبل المسيح .
وقوله تعالى في ذكر إلياس : ﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾ قالوا في معناه : أبقينا له ذكرا جميلا وثناءً حسنا ، كما قالوا ذلك في إسماعيل وموسى وهارون ، وهذا غير صحيح على الإطلاق ، إنما خرج هذا مخرج الخبر والنبوءة ، ولو كان ما قالوه هنا صحيحا لذكر ذلك في حق لوط ويونس عليهم السلام ، فلجميع رسل الله وأنبيائه الثناء والذكر الحسن في القرآن وغيره والمراد بذلك بقية من الذكر له والتأويل آخر الزمان ، والمراد عودة إدريس وإلياس وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين . وقوله في حق إسماعيل عليه السلام : ﴿ وفديناه بذبح عظيم . وتركنا عليه في الآخرين ﴾ المراد به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فهو ابن إسماعيل وفيه هذه النبوءة في الآخرين ، كما هو الحـال مع إدريس وإلياس وعيسى ، وإلى هذا المعنى تلمح تلك الآيات .
أقول : ومع كل هذا التحقيق والعلم في هذا الأمر وما يدل عليه من الكتاب وغيره ، وما قرره بعض أهل العلم في اعتقاد عودة غير عيسى آخر الزمان ، تجد هذا الحميد يتهور ويقول في ذلك ما ذكـرت عنه آنفا ، من تكذيب وتسفيه لمن يعتقد صدق هذه الأخبار ، وما منعه من كلمة : ( الله أعلم ) إلا الشيطان والكبر ، أن يقر على نفسه أنه يجهل في هذا الأمر ، بل غره إبليس بأن إليه المنتهى في العلم ولذا تراه لم يعطِ نفسه مهلة لمراجعة علم الكتاب والسنة وأخبار من سبق ، لعله يجد ما يشهد لقولي ، وبدلا من ذلك تهور وقال ما قال والله حسيبه وهو أعدل الحاكمين سبحانه .
وأعجب شيء من هذا الحميد السفيه أيضا هنا ، لا جهله فقط فيما يحكم فيه ويقرر وهو يجهل أنه جاهل لا ، بل يتصرف ويتحكم بما يبلغه من علم في هذا الباب ، ما يدل على اصراره ومكابرته عنادا في وجه الحق ، وكأن الحق لا يكون حقا حتى يقرر هو ذلك ويفصل فيه ، فقال : سـر اللحيدي بما ذكره ابن كثير في تفسيره في قوله تعالى : ﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ ( 28 ) . أن قتادة قال : هذا مما كان ابن عباس يكتمها . فيقال له : ابن عباس لم يكتمها لكن قتادة لم يبلغه قول ابن عباس فيها ، وقد تقدم قول ابن عباس الذي في الصحيح أنه إلى مكة ، وقـد رده الله إليها عام الفتح ( 29 ) .
وقال أيضا : لم يكتم معنى الآية وإنما لم يبلغ قتادة قوله فيها وهذا ظاهر ( 30 ) .
أقول للرد على هذا الجهل : أن من لم يُسر بزيادة العلم لم يذق طعمه ويعرفه ، ومما عرفته من زيادة العلم في هذا الأمر أن منهج ابن عباس في تفسير القرآن ، أنه يكتم تفسير بعض آيات من القرآن العظيم ، ولا أدري بعد ثبوت هذا عن ابن عباس ماذا يقول الشيخ أبي حصان ويفتح علينا بالعلم ويخبرنا ، ما الداعي لإبن عباس أن يكتم ، هل هو جهله بالتأويل ؟! ، أم هو ترك القول بما لا يَعِيَهُ الناس ولا يقدرون على إدراكه ، ليتكرم بالفتوى !! .قال تعالى : ﴿ هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ﴾ ( 31 ) . قال ابن عباس في رواية أبي صالح : هذا من المكتوم الذي لا يفسر ( 32 ) . وحكى الحافظ في الفتح في قوله تعالى : ﴿ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمري ربي ﴾ ( 33 ) . ثبت عن ابن عباس انه كان لا يفسر الروح هنا ( 34 ) .
وروى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه يكتم تفسير قوله تعالى : ﴿ يتنزل الأمر بينهن..﴾ ( 35 ) . قال : لو أخبرتكم بتفسيرها لرجمتموني بالحجارة ( 36 ) .
ويتضح على هذا منهج ابن عباس في كتمان وترك تفسير بعض آيات الكتاب العزيز وفي عدادها الآية التي أشار إليها أبو حصان ، وقد بان تحريفه على قتادة حين نسب إلى ابن عباس كتمان تفسير المراد بالآية ، فزعم الحميد أنه لم يكتم بل قتادة لم يبلغه قول ابن عباس فيها ، ويريد ما روي عنه أن المراد عودته إلى مكة ، والصحيح أن قوله بعودته إلى مكة لا ينافي ما ذكرته في معنى الآية ، وأن المراد عودته آخر الزمان ليحقق الشهادة مع غيره من رسل الله تعالى ، إذ أنه ليحقق ذلك ستكون عودته إلى مكة ومنها يكون خروجه الميمون المبارك ، وعلى هذا لم يخالف ابن عباس في التفسير ، والراجح أن ما روي عنه في الكتمان إنما هو ترك التفصيل منه في معنى هذه الآية ، وكتمانه إنما يدل على علمه بالأمر وأنه رجح ترك الإفصاح ، ولا يستبعد هذا وقد حكي عن بعض تلاميذه وهو مجاهد أنه قال في معنى الآية : يرد إلى الدنيا حتى يرى عمل أمته ( 37 ) .
فإن صح هذا عن مجاهد فما هو إلا خبيئة ابن عباس رضي الله عنه ، وسواء ثبت هذا عن ابن عباس أم لا ، فالحق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيعود ، هذا هو الحق ولا يحيله إلى باطل جهل الحميد وغيره ، وهو أمر مغلق عليهم ويعد العلم فيه من أظهر العلامات الدالة على مهدي الرحمن آخر الزمان .
وفيما يتعلق باعتقاد عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما دار في خصوص هذا الأمر بين الصحابة رضي الله عنهم عند قبضه ، أحب هنا أن أعود لتقرير الكلام في هذا الأمر وأقول : كم هو خائب الحميد وخاسر حين اتهمني بالكذب ، وهو الكذاب الأشر أخزاه الله ، وسأقف عنده هنا برهة لأبين كم هو كذاب سمج ، حين زعم أني كذبت على موقف عمر رضي الله عنه ، فقال الحميد الكذاب : يقال للحيدي : هذا مما يبين بطلان ما ذهبت إليه ، حيث أن عمر رضي الله عنه أخبر أن نفيه لوفاة رسول الله لم يكن إلا رجاءً رجاه ، وقطعا لم يتحقق هذا الرجاء . والذي يهمني هنا قول عمر : فإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب أنزله الله عز وجل ولا عهداً عهده إلي رسول الله . أين عمر ليقال له : قد وجد هذا في مواضع عدة من الكتاب والسنة اللحيدي ، فهو أعلم منك يا عمر وأفقه . تأمل هذه الفضائح والمهازل : فعمر تبين له الأمر من سمع كلام أبي بكر وأيقن بموت رسول الله ، وقد استمات اللحيدي في تقرير كذبه السامج بعودة رسول الله فزعم أن عمر لم يرد بقوله المتقدم نفي رجوع النبي بعد قبضه اهـ ( 38 ) .
فانظروا لكذب هذا الدعي وتلبيسه علي وعلى موقف الصحابة رضي الله عنهم عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يقر بنص كلامه هنا أن عمر نفى وفاة رسـول الله صلى الله عليه وسلم ، وهل قلت أنا غير هذا !! ، وهذه الروايات في وفاته كما في الصحيح وغيره تثبت أن الصديق إنما جادلهم بحقيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مـات وأن عليهم دفنه ، وهذا عمر يجادل في نفي تحقق ذلك ويقوم خطيبا وينسب القول بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين ويقول : ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى ، ووالله ليرجعن كما رجع موسى ، ثم دخل الصديق فتلى قوله تعالى : ﴿ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ﴾ ( 39 ) . قال الراوي : فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ . قال عمر : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى وقعت على الأرض مـا تحملني رجـلاي ، وعرفت أن رسـول الله قد مات اهـ ( 40 ) .
فأين الكذب في دعواي أن عمر رجع عن القول بعدم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا موقفه بين في جميع الروايات ، وقوله : كنت أرجو . وفي رواية : كنت أرى أن رسول الله سيدبرنا . وفي لفظ : يكون آخرنا . هو سبب قوله بعدم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي العلة التي دعتهم لمنع دفنه إلا أنهم في النهاية سلموا لقول الصديق لتلاوته تلك الآية وقرروا دفنه بعد أن كانوا يمنعون من ذلك . فأين الكذب في قولي هذا وقد استندت على أدلة أخرى غير هذا الموقف في اعتقادي عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الزمان ، بل الحميد هو الكذاب علي وعلى عمر وسائر الصحابة حين جزم على عمر أن مراده بقوله : ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب ولا عهد . أن ذلك في عودته عليه السلام ، فهو كاذب وملبس في هذا الجزم ، فعمر إنما رجع عن القول بعدم وفاته تسليما للصديق ولاستدلاله بالآية ، حتى أنه ذكر أنه سقط عند تلاوة الصديق لها ، فمن الكاذب هنا إلا هذا الملبس الذي يريد أن يرد الحق ويمنع هداية الله تعالى لمن يشاء سبحانه .
وانظر لقول هذا الكذاب هنا : عمر أخبر أن نفيه لوفاة رسول الله لم يكن إلا رجاءً رجاه وقطعا لم يتحقق هذا الرجاء . أقول : بل كان أيضا رأيا وفهما له ورجاء ، وكونه لم يتحقق لأن له أمدا إلى الآن ولم يبلغ حينه بعد . وكونه رجاءً ورأيا له لم يجب الحميد على مستند عمر في ذلك الاعتقاد والرجاء ، ومن أين أتى به ، وهل هو اعتقاد ورجاء باطل ، فإن كان كذلك فما وجه بطلانه ؟! .
ثم من أين للحميد الكذاب هنا القطع بأن عمر رجع عن هذا الاعتقاد وهذا الرجاء ، كما رجع عن اعتقاده بعدم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قطعا لن يمكَّن الحميد ولا غيره من اثبات هذا بدليل نقلي ، وما عندهم إلا الظنون والتخرصات ، وهو الكذاب المتقول لا أنا . وقد ثبت أن لعمر موقف واضح وصريح في النازلة :
أولا : رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت . وهذا قد رجع عنه لقول الصديق .
ثانيا : أنه رفع وسيعود كما جرى لموسى وسيجري لعيسى على حسب قوله المروي عنه ، وقد جاء في بعض الروايات أن هذا كان عليه أكثر الصحابة ( 41 ) .
ومن أغرب ما وقفت عليه عنه في هذا الأمر ، ما روى ابن سعد في طبقاته عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لمَّا حضرت رسـول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ائتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " فقال عمر : من لفلانة ! وفلانة ! ، ـ مدائن الروم ـ ؟!! إن رسول الله ليس بميت حتى نفتتحها ، ولو مات لانتظرناه !!!! كما انتظرت بنو إسرائيل موسى ! . فقالت زينب زوج النبي صلى الله عليه وسلم : ألا تسمعون النبي يعهد إليكم ؟ فلغطوا ، فقال : " قوموا " ! فلما قاموا قبض النبي صلوات الله وسلامه عليه مكانه ( 42 ) .
قلت : قوله بالانتظار هنا أكده بعد ذلك حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معه على ذلك أكثر الصحابة ( 43 ) .
وما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد تسليمهم للصديق أنه قبض ، وبقى قولهم بالانتظار لا يدعـي رجوعهم وابن الخطاب عنه إلا كاذب .
وقد علل عمر في سبب الانتظار زيادة على ما ذكر في هذا الأثر ، تحقيق الله برسوله صلى الله عليه وسلم الإشهاد والظهور وقد أشير لذلك في الصحيح . ومما يشهد لهذا المعنى ما روى ابن اسحاق بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس قال : والله إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له وفي يده الدرة وما معه غيري , قال : وهو يحدِّث نفسه ويضرب وحشيّ قدمه بدرته , قال : إذ التفتَ إليَّ فقال : هل تدري ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله ؟ . قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين , أنت أعلم ! . قال : فإني والله إن كان الذي حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الآية : ﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ﴾ فو الله إن كنت لأظن الرسول صلى الله عليه وسلم سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها , فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت (44) . وقال في اعتذاره بين يدي الصديق في يوم أخذه البيعة لأبي بكر : كنت رجوت أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكون آخرنا (45 ) .
وأنا هنا أطالب الحميد أن يثبت نقلا ما يشهد لكذبه في أن عمر رجع عن ذلك كله ، وإلا سيبقى كاذبا إلى يوم الدين .
-------
( 1 ) مقدمة رد الحميد (3) .
( 2 ) رد الحميد (49) .
( 3 ) رد الحميد (52) .
( 4 ) سورة مريم (56- 57) .
( 5 ) سورة النساء ( 157- 159 ) .
( 6 ) سورة طه (55) .
( 7 ) سورة نوح (18) .
( 8 ) المستدرك (4/537) .
( 9 ) الفتن لنعيم بن حماد (2/545) . قلت : لم اقف عند أهل الكتاب على ما يشير إلى عودة اليسع والله اعلم في هذا ، ولعل المراد بهذا الخبر على افتراض صحته ما جاء عن رسول الله r في تشبه الملائكة بصورة بعض الأنبياء للإنذار من فتنة الدجال .
( 10 ) الفتن لنعيم بن حماد ( 2/541) . قلت : قد وهم كعب والصحيح إدريس وإيليا ، فإن أخنوخ هو إدريس ، وقد أغفل كعب هنا ذكر إلياس وهو إيليا ، وعلى هذا ما وقع في روايته ما هو إلا تكريراً للأسماء .
( 11 ) الإنجيل الصحيح ( 105 ) .
( 12 ) الإنجيل الصحيح ( 218 ) .
( 13 ) الإنجيل الصحيح ( 160 ) .
( 14 ) رفع الالتباس ( ص69 ) وما بعدها .
( 15 ) مجموعة الفتاوى (2/468) .
( 16 ) مجموعة الفتاوى (2/462-3/314) .
( 17 ) ذكره في تفسير سورة الكهف وفي كتاب التذكرة (714) .
( 18 ) الفتح (8/453) .
( 19 ) كتاب ( تعبيد الموارد ص 136 ) .
( 20 ) كتاب ( تعبيد الموارد ص 97 ) .
( 21 ) رد الحميد ( 3 ) .
( 22 ) العهد القديم طبعة دار الكتاب (10) .
( 23 ) القول بخلود الخضر باطل ، وزعم أنه هو الذي يقتله الدجال باطل كذلك .
( 24 ) الفتح (8/453) .
( 25 ) تفسير القرطبي (6/28) .
( 26 ) شرح النووي (18/72) .
( 27 ) سورة الصافات (123- 129
( 28 ) سورة القصص (85) .
( 29 ) رد الحميد (52) .
( 30 ) رد الحميد (53) .
( 31 ) سورة البقرة (210) .
( 32 ) تفسير القرطبي (2/26) .
( 33 ) سورة الإسراء (85) .
( 34 ) الفتح (8/511) حكاه القرطبي عن قتادة عن ابن عباس أنه كان يكتم تفسيرها 5/323 ج2 . وراجع كتابي الكبير (وجوب الاعتزال ) فقد فصلت هناك المراد من سؤال اليهود وبينت حقيقة الروح المسؤول عنها هناك ( 2/117) .
( 35 ) سورة الطلاق (12) .
( 36 ) مسائل أحمد لإبن هانئ (ص160) ورواه الحاكم في المستدرك
( 37 ) ذكره الذهبي في الميزان (2/640) .
( 38 ) رد الحميد (64) .
( 39 ) سورة آل عمران (144) .
( 40 ) ذكرت القصة في الصحيح وغيره .
( 41 ) رواه في المغازي أبو الأسود ، ذكره عنه الحافظ في الفتح (8/146) .
( 42 ) الطبقات لإبن سعد (2/118) . في اسناد هذه الرواية كلام والقصة المذكورة فيه رويت في الصحيح ما عدا قول عمر : ليس بميت ، ولومات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى . وهو عين ما قاله والكثير من الصحابة بعد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس هذا ما ينكر في الرواية المذكورة بما أنه ذكر في غيرها ، وإنما الأهم عندي أن عمر رضي الله عنه ذكر ما ذكر على حسب هذه الرواية ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع !! ، لإن كانت هذه الرواية وقعت فعلا ، فلا شك أن في ذلك إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم ، خصوصا أنه جاء عن رسول الله أنه لم يقبض إلا بعد ذلك بثلاثة أيام ، ولا يجوز تأخير البيان والحاجة مقتضية له ، ومما يثبت سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن ما قال عمر رضي الله عنه في ذلك المجلس ، أن عمر بقى عليه وقاله بعد قبضه . وكما عد سكوت النبي عن عمر رضي الله عنه لما قال في تلك القصة يكفينا كتاب الله ـ يريد عما كان سيكتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فلا شك أن ما قلته في شأن الانتظار يعد إقرارا كذلك .
( 43 ) ذكره ابن سعد عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن بعض الصحابة . الطبقات لابن سعد (2/271) . وأبو الأسود في المغازي ذكره عنه في الفتح .
( 44 ) السيرة لابن هشام ( 4/ 286 ) .
( 45 ) رواه البخاري ، وابن سعد ، والبيهقي في الاعتقاد (343) ، وغيرهم .
--------------
مواضيع الفصل الثالث |
من كذب الحميد دعواه على المهدي بعودة جميع الرسل |
تجهيل الحميد القول بعودة غير عيسى ، وهـو الجاهل لإنكار ذلك |
القرآن ذكـر رفـع إدريس وعيسى ، ولا بد من عودته كما عيسى |
بعض الأحاديث والآثار في عودة غير عيسى |
الإنجيل الصحيح يصرح بعودة إدريس وإلياس ورسـول الله محمد صلوات الله وسلامه عليهم |
الحميد الضـال وقف على المـرويات في عـودة غير عيسى في كتبي ولم يبالي وقال ما قال |
ابن تيمية ممن قال بعودة غير عيسى |
ابن تيمية يخلط خلطا شديدا في أمر الخضر |
بعض من قال بوجود الخضر في آخر الزمان |
الخلاف في رفع عيسى هل كان حيا أو ميتا |
مـن تلبيس الحميـد وكذبـه نقل كلامي المجمل وترك المفصل |
ورد عند بني إسرائيل أن إدريس رفع حيا |
وهب يقول بوجود إلياس والخضر آخر الزمان |
القرطبي ينقل عـن بعض العلماء قولهم بوجود الخضر وإلياس آخر الزمان |
وهم ابن عباس وابن مسعود والبخاري في أن إدريس هو إلياس |
قوله تعالى في إدريس : ﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾ إشارة لعودته آخر الزمان |
قوله تعالى في إسماعيل : ﴿ وتركنا عليه في الآخرين ﴾ إشارة لعودة المصطفى |
الحميـد الكـذاب يفتري على قتادة في قوله : أن ابن عباس يكتم تفسير آية رد النبي في سورة القصص |
مما يبطل فـرية الحميـد على قتـادة ثبوت كتمان ابن عباس لتفسير آيات أخر |
قتادة ومجاهد روي عنهم في الآية ما فيه شهادة لعودة رسول الله |
عودة إلى موقف عمر والصحابة بعد قبض رسول الله . |
لن يستطيع الحميد إثبات أن عمر رجع عن قوله بعودة رسول الله كما رجع عن قوله بعدم موته |
ما روي عن عمر أن رسول الله يحضر فتح مدن الروم |
ما روي عن عمر بانتظار رسول الله بعد موته |
مـن تعليلات عمـر لعودة رسـول الله تحقيق الإشهاد والظهور |