حقيقة مذهب ابن عبد الوهاب في عارض الجهل والرد على شبهة

امتناعه من تكفير عباد الكواز

 

ردد الكثير من ضلال عصرنا ممن يعذر المشركين بشركهم بحجة عارض الجهل ، أوهاما حسبوها ثابتة من كلمات بعض العلماء الربانيين وهي ليست كذلك ، وأخص بالذكر مما زعموا فيه تقوية ما ذهبوا إليه من ضلال ظواهر كلمات نسبوها للإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى على ما مر الإشارة إليه من قبل ، وللشيخ محمد بن عبد الوهاب إمام دعاة التوحيد من أهل نجد في القرنين الفائتين .

ومن أشهر ما زعموا على الشيخ رحمه الله تعالى ابن عبد الوهاب امتناعه من تكفير عباد القبور مثل قبر الكواز وغيره بحجة أنهم جهال ولم يجدوا من يعرفهم بشركهم ويبين لهم حقيقته ، على ما مر معنا ذكره ما قبل الفصل الفائت .

وهنا أقول زيادة على ما قلته سابقا : أن الشيخ رحمه الله تعالى بين المعتقد في هذا الأمر ، وأبناؤه وأحفاده وتلاميذه وتلاميذ أبنائه هم أعرف الناس بحقيقة مذهبه في ذلك ، وليس صحيحا ما زعمه هؤلاء الكذبة عليه وتوهموه مذهبا له هكذا على السبيل الذي يريدونه من حيث الإطلاق والتعميم من غير تفصيل ولا تفريق ، أو تقييد بحد ينتهون إليه ، بل جعلوا الأمر مفتوحا مطلقا وبشرط الإطلاق لا نهاية له يقف عندها ، بل وأكثر من ذلك إذ بات الأمر عند هؤلاء الزائغين عن الحق كل ما اتسع وكثر صار ذلك أمكن بالعذر للمشركين بحجة أنهم جهلة عن توحيد رب البرية وهذا يصيرهم بهذا الشرك موحدين مسلمين عند هؤلاء الضلال ، على ما قرره أحدهم بقوله :

والإنسان لا يعرف ما حرم الله سبحانه إلا بعلم من قبل الرسل ، فإذا كان هذا الإنسان مسلما يصلي ويصوم ويزكي ويحج ، ومع ذلك يستغيث بغير الله وهو لا يدري أنه حرام ، فهو مسلم ، لكن بشرط أن يكون مثله يجهله ، بحيث يكون حديث عهد بالإسلام ، أو في بلاد انتشر فيها هذا الشيء ، وصار عندهم كالمباح ، وليس عندهم علماء يبينون لهم ، أما لو كان في بلد التوحيد فيها ثابت مطمئن ، فإن ادعاءه الجهل قد يكون كاذبا فيه اهـ (1) .

وقال في جواب سؤال : ما رأيك في مسلمين يستغيثون بالسادة والأولياء وغيرهم ؟ . فقال : إذا كان في بلاد يظهر فيها التوحيد وليس فيها شيء من شعائر الكفر ، وهو يعيش بينهم ، فإنه لا يعذر فيه ..

لكن في بلاد الإسلام التي يكون فيها شعائر الشرك ، كغالب البلاد الإسلامية ! في الوقت الحاضر حيث توجد فيها القبور التي تعبد من دون الله ويستغاث بها ، فذلك قد ! يعذر بالجهل ، لأنه قد يكون عاميا لا يدري عن شيء أبدا ، يعيش معهم وهم يذهبون إلي السيد فلان والوالي فلان يستغيثون به ، فكان معهم ولم ينبهه أحد على ذلك ، فهذا يعذر بجهله ويحكم له بظاهر الحال اهـ (2) .

وهذا من الجهل والضلال المبين إذ جعل ظاهر حال المشرك دليلا على إسلامه لجهله ولمظنة عدم تنبيهه أن ما فيه شرك مع الله تعالى الآمر بتوحيده والانتهاء عن الإشراك به ، ولا تجد هذا الضال إلا مرتابا شاكا في أحكام الله تعالى التي تفرق مابين المشركين والمسلمين ، فهو يصدر كلامه في تقرير هذا الأصل العظيم بـ( قد ) و ( قد ) ريبة في الإيمان وخلل بإخلاص التوحيد لله تعالى الذي لا يستقيم إلا بإنكار الشرك والبراءة من المشركين وما هم فيه ، فهذا هو التوحيد الخالص وهذا ما كان يدعو إليه السادة الأتقياء الخلص من الموحدين من أمثال ابن عبد الوهاب وقبله ابن تيمية وغيرهما .

وفي مسند الإمام أحمد وصحيح أبي حاتم عن ابن مسعود يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ، والذين يتخذون القبور مساجد ) . والأولون يقينا فيهم جهال ولم يجدوا من ينبههم ، بل لا يكونون إلا بعد قبض المؤمنين من الدنيا ومع هذا وصفهم بشرار الخلق ، والآخرون هم أيضا لا يخلون من وجود الجهال والمقلدة معهم ومع هذا وصفهم عليه الصلاة والسلام بأنهم من شرار الخلق ، ولم يعذرهم بشركهم بالجهل ولا تقليد من يثقون به على ما كان يزعم هذا الزائغ وأمثاله ، وحقيقة ما انتهت إليه ضلالات هؤلاء أنهم يدعون بأحكام الله تعالى أنهم أعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم  وأرحم وأعذر .

وهنا سنقف مع شبهتهم ومزاعمهم على هذا الشيخ الجليل ابن عبد الوهاب براءة لذمته ولدعوته من خزعبلاتهم وجهالاتهم تلك التي تفوهوا بها ونسبوها إليه : أنه لم يكن يكفر عباد قبر الكواز وغيره لعدم من ينبههم . بما يكشف أنهم كذبة جهلة غير مميزين ولا قوالين بالحق والصدق ، وغايتهم الذب عن مذاهب المشركين والمبتدعة وإقرار ما هم فيه من حال ، والحط على الموحدين واتهامهم بالتكفير الباطل والغلو ، والله الموفق وهو الهادي لسواء السبيل .

فأقول : نصان تمسك بهما هؤلاء الجهال عن الشيخ رحمه الله تعالى أحدهما نقلا عنه ، والآخر مدون على أنه من كلامه بجواب رسالة وجهت له من شريف مكة .

ونبدأ بما حكي عنه وفيه ذكر عباد الكواز ودعوى من ادعى عليه بسبب هذا الكلام أنه يعذر المشركين بالجهل حتى تقام عليهم الحجة وتبين لهم المحجة .

       ( فالنص الأول نقلا عنه ) : وهو ما ذكره الشيخ ( عبد اللطيف بن عبد الرحمن ) حفيده رحمهما الله تعالى حكاية عن جده فقال :

والشيخ محمد رحمه الله من أعظم الناس توقفا وإحجاما عن إطلاق الكفر ، حتى أنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر تاركها ، قال في بعض رسائله : وإذا كنا لا نقاتل من يعبد قبة الكواز ، حتى نتقدم بدعوته إلى إخلاص الدين لله ، فكيف نكفر من لم يهاجر إلينا وإن كان مؤمنا موحداً ؟! اهـ (3).

قلت : والرد على هذا يأتي من وجهين :

الوجه الأول : أن الكلام هنا ظاهر في إنكار المقاتلة ، وهي إحدى التهم التي كانت توجه إليه في دعوته رحمه الله تعالى ولا تطرق منه هنا لحكم التكفير كما هو ظاهر كلامه المنقول بحسب نقل حفيده عبد اللطيف رحمهم الله تعالى ، إنما تطرق لنفى مقاتلتهم وتوقفه عن ذلك حتى يثبت عنده إبلاغهم الحجة التي يكفر تاركها .

 

ومن قوله في رسالته لأهل المغرب :  وأما ما صدر من سؤال الأنبياء والأولياء الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها والسرج ، والصلاة عندها واتخاذها أعيادا وجعل السدنة والنذور لها ، فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم وحـذر منها ، كما في الحديث : ( لا تقوم الساعة حتى يلحق حيٌّ من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان ) . وقد حمى جناب التوحيد أعظم حماية ، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك ، فنهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه ، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر ، وثبت فيه عن علي رضي الله عنه وأمره أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه ، ولا تمثال إلا طمسه ، ولهـذا قال غير واحد من العلماء : يجب هدم القبب المبنية على القبور ، لأنها تأسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم .

فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم ، وهو الذي ندعوا الناس إليه ، ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة نبيه ورسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ، ممتثلين لقوله تعالى : ﴿ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ﴾ .

فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان .. إلى أن قال رحمه الله تعالى : فهذا هو الذي نعتقده وندين الله به ، فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له مالنا وعليه ما علينا  اهـ (4) .

وقال في رسالة أخرى وجهت لمن يصل إليه كتابه : قد علمتم إقرار كل من له معرفة أن التوحيد الذي بينا للناس هو الذي أرسل الله به رسله ، حتى إن كل مطوع معاند يشهد بذلك ، وأن الذي عليه غالب الناس من الاعتقادات في الصالحين وفي غيرهم هو الشرك الذي قال الله فيه : ﴿ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ﴾ .

فإذا تحققتم هذا وعرفتم أنهم يقولون لو يتركون أهل العارض التكفير والقتال كانوا على دين الله ورسوله .

ونحن ما جئناكم في التكفير والقتال ، لكن ننصحكم بهذا الذي قطعتم أنه دين الله ورسوله أن تعلموه وتعملوا به إن كنتم من أتباع محمد باطنا وظاهرا ، وأنا أبين لكم هذا بمسألة القبلة .. : لو أن رجلا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقر ـ بالقبلة ـ ولكن يكره من يستقبلها ويحب من يستقبل مطلع الشمس أتظنون هذا مسلم ، وهذا ما نحن فيه ، فالنبي بعثه الله بالتوحيد وأن لا يدعى مع الله أحدا لا نبي ولا غيره ..

فإذا كان كل مطوع مقراً بالتوحيد والشرك ، فاجعلوا التوحيد مثل القبلة ، واجعلوا الشرك مثل استقبال المشرق ، مع أن هذا أعظم من القبلة .

فما ظنكم بمن واجه الله وهو يعلم من قلبه أن عرف أن التوحيد دينه ودين رسوله وهو يبغضه ويبغض من اتبعه ، ويعرف أن دعوة غيره هو الشرك ويحبه ويحب من اتبعه ، أتظنون أن الله يغفر لهذا ؟! اهـ (5) .

وهكذا يفهم أنه لم يتهم بالتكفير فقط حتى لا يكون منه نفي إلا عن ذاك ، بل يتهم الرجل بقتال المسلمين وغير القتال كذلك وقد نص على بعضها في عدة رسائل له ، ومثله أبناؤه وأحفاده رحمهم الله تعالى .

وهو في ظاهر كلامه رحمه الله تعالى السابق نقلا عن حفيده عبد اللطيف إنما نفى قتال عباد الكواز ما لم يثبت عنده بلوغهم الحجة التي يجوز له اعتقاد تكفيرهم ، الكفر الذي يشرع له قتالهم وغنيمة أموالهم ، هذا ما لا يصح حمل نفيه إلا عليه رحمه الله تعالى ، فإن التكفير تكفيران ـ وهو تفصيل لا يدريه الجهلة إنما يدركه أهل العلم والمعرفة في الباب ـ تكفير لا يلزم منه استباحة الدم والمال ، وتكفير وحكم بالردة يوجب كل ذلك حتى سبي الذرية عند آخرين وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وعده مذهب الجمهور خلاف ما اختاره أبناء الشيخ ـ ورجحوه ـ عدم جواز سبي ذراري العرب المرتدين على الخصوص .

هذا ما يصح حمل نفي الشيخ عليه لا أنه لا يرى كفرهم مطلقا ، وهذا لا يظنه بالشيخ وأصول دعوته إلا الجهلة والحمقى الذين لا يعون ما يقرؤون ويتعذر عليهم إدراك مفهوم أصول التوحيد ومرامي طلابه طلاب الحق العاملين بمقتضى براهينه .

وكيف يقال هذا في حق معتقد الشيخ وحفيده ( عبد اللطيف ) يعد من أعلم الناس بمذاهب جده ، وأحقهم بالإحاطة بأصوله وأكثرهم تدقيقا فيها وتحقيقا ، ذلك بشهادة الكثير من طلبة العلم والعارفين من أتباع الدعوة النجدية ، وهو يقول عن جده رحمه الله تعالى في أكثر من موضع من مباحثه ورسائله أنه : توقف في حكم هؤلاء في ابتداء دعوته .

يريد إلى أن يعرف بأن الحجة الرسالية بلغتهم التي من ترك التزامها كفر الكفر المبيح للدم والمال على ما تقرر قبل ، لا أنه يرى إسلامهم ، فليتنبه لهذا فهو عزيز وبسبب جهله خبط الناس قديما وحديثا خبط عشواء على أصول دعوة التوحيد وحقيقة مذاهب علماء نجد رحمهم الله تعالى .

قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن : والشيخ محمد رحمه الله من أعظم الناس توقفا وإحجاما عن إطلاق الكفر ، حتى أنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير الله من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر تاركها اهـ .

وقال في موضع آخر : وشيخنا رحمه الله لم يكفر أحدا ابتداء بمجرد فعله وشركه ، بل يتوقف في ذلك حتى يعلم قيام الحجة التي يكفر تاركها ، وهذا صريح في كلامه في غير موضع ، و رسائله في ذلك معروفة اهـ (6) .

وهذا النص صريح من هذا الحفيد العارف بدعوة جده وعقيدته في مسائل الأسماء والأحكام ، أنه يتوقف عن تكفيرهم واعتقاد استحقاقهم بذلك استباحة الدم والمال ، إلى أن يوقن بأن الحجة بلغتهم ومن ثم يقطع باستحقاقهم للتكفير المبيح للدم والمال ، بتسليط سيوف أهل الحق الداعين له عليهم ، وهذا ما كان ينفيه رحمه الله تعالى ويكذبه من تهم الخصوم له : أنه كان يكفر الناس بالعموم .

وقد كان إنكاره رحمه الله تعالى شديدا على قول من يعذرهم بالجهل ويزعم أنهم مسلمين مع ذلك الشرك ، وأشد ما رأيت له ما قرره في رسالته القيمة ( مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ) في تقرير هذا الأصل ونفي قول المبتدعة بالعذر وعـدم جواز التعيين بالكفر والشرك إذا حصل منه كفر أو شرك ، وقد لعن المخالف لهذا في رسالته تلك فقال : لم يسمع أحد من الأولين والآخرين أن أحدا أنكر شيئا من ذلك أو استشكل لأجل ادعائهم الملة ـ يريد تكفير من أشرك ـ أو لأجل قول لا إله إلا الله ، أو لأجل إظهار شيء من أركان الإسلام ، إلا ما سمعناه من هؤلاء الملاعين في هذا الزمان من إقرارهم أن هذا هو الشرك ، ولكن من فعله أو حسنه أو كان مع أهله أو ذم التوحيد أو حارب أهله لأجله أو أبغضهم أنه لا يكفر ! ، لأنه يقول لا إله إلا الله ! ، أو لأنه يؤدي أركان الإسلام الخمسة ! ، ويستدلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم  سماها الإسـلام ، فهذا لم يسمع قـط إلا من هؤلاء الملحدين الجاهلين الظالمين اهـ . (7) .

سماهم ملاحدة وجهلة ظالمين لإنكارهم هذا الحكم الثابت في شريعة الإسلام ، أن من أتى بالشرك الأكبر ولو أدى بعض الفرائض ونطق بالشهادتين أن ذلك لا يجعله مسلما .

 

وكان ينكر رحمه الله تعالى أشد الإنكار على من زعم ذلك على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مثل ما زعمه ملاحدة في زماننا عليه هو رحمه الله تعالى ، فقال بعد نقله كلاما لشيخ الإسلام في تكفير من أتى شركا أكبر فقال :

وهو الذي ينسب عنه ـ يريد ابن تيمية ـ أعداء الدين أنه لا يكفر المعين ، فانظر أرشدك الله إلى تكفيره من ذبح لغير الله من هذه الأمة ، وتصريحه أن المنافق يصير مرتدا بذلك ، وهذا في المعين ، إذ لا يتصور أن تحرم إلا ذبيحة معين اهـ (8) .

وقال في موضع آخر ردا على من نفى كفر من أتى بالشرك الأكبر بحجة أن ابن تيمية كان ينهى عن تكفير المعين :

فانظر رحمك الله إلى هذا الإمام الذي ينسب عنه من أزاغ الله قلبه عدم تكفير المعين كيف ذكر مثل الفخر الرازي وهو من أكابر أئمة الشافعية ، ومثل أبي معشر وهو من أكابر المشهورين من المصنفين وغيرهما أنهم كفروا وارتدوا عن الإسلام اهـ (9) .

عاد وكرر ذلك في أكثر من موضع من كتابه المذكور وهو ينكر على هؤلاء المدعين نفي كفر من أتى بالشرك الأكبر بحجة أنه جاهل وأن ابن تيمية لم يقل بتكفير المعين ، ومن ذلك قوله عن ابن تيمية :

وقد روي أن طوائف منهم ـ يريد من قاتلهم الصديق على تر ك الزكاة ـ كانوا يقرون بالوجوب لكن بخلوا بها ، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعهم سيرة واحدة وهي قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم ، والشهادة على قتلاهم بالنار وسموهم جميعهم أهل الردة .

قال الشيخ تعليقا على هذا : فتأمل كلامه رحمه الله في تكفير المعين والشهادة عليه إذا قتل بالنار وسبي حريمه وأولاده عند منع الزكاة ، فهذا الذي ينسب عنه أعداء الدين عدم تكفير المعين اهـ (10) .

وفي رد له آخر حين شك بعض إخوانه في أعيان أنهم قد يكونون ممن لم تقم عليهم الحجة ، فقال مفندا شبهتهم :

وما ذكرتم من قول الشيخ ـ يريد ابن تيمية فكثيرا ما يردد أقواله من تقع لهم هذه الشبهة ـ كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة ، وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة ؟ ، فهذا من العجب كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام ، والذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف ، وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة ، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة ، فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم كما قال تعالى : ﴿ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ﴾ وقيام الحجة نوع وبلوغها نوع ، وقد قامت عليهم وفهمهم إياها نوع آخر وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها ، وإن أشكل عليكم ذلك فانظروا قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج : ( أينما لقيتموهم فاقتلوهم ) . وقوله : ( شر قتلى تحت أديم السماء ) . مع كونهم في عصر الصحابة ويحقر الإنسان عمل الصحابة معهم ومع إجماع الناس أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والغلو والاجتهاد وهم يظنون أنهم يطيعون الله وقد بلغتهم الحجة ولكن لم يفهموها اهـ .

ثم ذكر : من قتلهم علي وحرقهم بالنار مع كونهم تلاميذ أصحابه مع عبادتهم وصلاتهم وهم يظنون أنهم على حق ، وكذلك إجماع السلف على تكفير غلاة القدرية وغيرهم مع شدة عبادتهم وكونهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم لأجل كونهم لم يفهموا ، فإن هؤلاء كلهم لم يفهموا .

إن علمتم ذلك فإن هذا الذي أنتم فيه كفر ، الناس يعبدون الطواغيت ويعادون الإسلام فيزعمون انه ليس ردة لعلهم ما فهموا الحجة ؟! اهـ (11) .

الوجه الثاني : قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهم الله تعالى بعد نقل كلام جده السابق في نفيه مقاتلة من يعبد قبة الكواز حتى يسبق ذلك بدعوته إلى إخلاص الدين لله :

وقد سئل ـ يريد الشيخ ابن عبد الوهاب ـ عن مثل هؤلاء الجهال فقرر أن من قامت عليه الحجة وتأهل لمعرفتها يكفر بعبادة القبور .

قال عبد اللطيف بعد ذلك : مع أن ابن القيم جزم بكفر المقلدين لشيوخهم في المسائل المكفرة إذا تمكنوا من طلب الحق ومعرفته وتأهلوا لذلك ، فأعرضوا ولم يلتفتوا .

ومن لم يتمكن ولم يتأهل لمعرفة ما جاءت به الرسل فهو عنده من جنس أهل الفترة ممن لم تبلغه دعوة رسول من الرسل ، وكلا النوعين لا يحكم بإسلامهم ولا يدخلون في مسمى المسلمين ، حتى عند من لم يكفر بعضهم ، والشرك يصدق عليهم واسمه يتناولهم وأي إسلام يبقى مع مناقضة أصله ؟ ، وقاعدته الكبرى : شهادة أن لا إله إلا الله ، وبقاء الإسلام ومسماه مع بعض ما ذكر الفقهاء في باب حكم المرتد أظهر من بقائه مع عبادة الصالحين ودعائهم .

وفي حديث المنتفق : ( ما مررت عليه من قبر دوسي أو قرشي فقل له : إن محمدا يبشرك بالنار ) . هذا وهم أهل فترة ، فكيف بمن نشأ من هذه الأمة وهو يسمع الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والأحكام الفقهية في إيجاب التوحيد والأمر به ، وتحريم الشرك والنهي عنه ، فإن كان ممن يقرأ القرآن فالأمر أعظم وأطم ، لاسيما إن عاند في إباحة الشرك ودعا إلى عبادة الصالحين والأولياء ، وزعم أنها مستحبة ، وأن القرآن دل عليها ، فهذا كفره أوضح من الشمس في الظهيرة ، ولا يتوقف في تكفيره من عرف الإسلام وأحكامه وقواعده وتحريره اهـ (12) .

ثم قال في موضع آخر : والشروط المعتبرة كبلوغ الحجة وتقدم الدعوة حصلت من الشيخ رحمه الله تعالى ، بل من وقف على سيرته وما ذكره المؤرخون في بدء دعوته ، عرف أن الشيخ لم يبدأ أحدا بالقتال بل أعداؤه الذين ابتدأوه بذلك ، وقتاله كان من باب الدفع والمجازاة على السيئة بمثلها اهـ (13) .

أقول : هذا صحيح ، وأن أول ما جلبوا عليه العداوة وأعلنوا عليه الحرب من كل جانب حين هدم القباب وأزال وسائل الشرك في منطقته ، صرح بذلك في رسالته لمشائخ وأعلام بلد الله الحرام فقال :

جرى علينا من الفتنة ما بلغكم وبلغ غيركم ، وسببه هدم بناء في أرضنا على قبور الصالحين ، ومع هذا نبهناهم عن دعوة الصالحين وأمرناهم بإخلاص الدعاء لله ، فلما أظهرنا هذه المسألة مع ما ذكرنا من هدم البناء على القبور كبر على العامة وعاضدهم بعض من يدعي العلم لأسباب مـا تخفى على مثلكم ، أعظمها اتباع الهوى مع أسباب أخـر ، فأشاعوا عنا أنَّـا نسب الصالحـين ، وأنَّـا على غير جـادة العلماء ، ورفعوا الأمـر إلى المشرق والمغرب ، وذكروا عنا أشياء يستحي العاقل من ذكرها اهـ (14) .

وقال رحمه الله أيضا في سبب عداوتهم له :

عقيدتي وديني مذهب أهل السنة والجماعة ، لكني بينت للناس إخلاص الدين لله ، ونهيتهم عن دعوة الأنبياء والأموات من الصالحين وغيرهم ، وعن إشراكهم فيما يعبد الله به من الذبح والنذر والتوكل والسجود وغير ذلك مما هو حق الله الذي لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، وهو الذي دعت إليه الرسل من أولهـم إلى آخرهم ، وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة .

وأنا صاحب منصب في قريتي مسموع الكلمة ، فأنكر هذا بعض الرؤساء لكونه خالف عادة نشأوا عليها ، وأيضا ألزمت من تحت يدي بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله ، ونهيتهم عن الربا وشرب المسكر وأنواع المنكرات ، فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه لكونه مستحسنا عند العوام ، فجعلوا قدحهم وعدوانهم فيما آمر به من التوحيد ، وما نهيتهم عنه من الشرك ، ولبسوا على العوام أن هذا خلاف ما عليه الناس ، وكبرت الفتنة جدا ، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله اهـ (15) .

رحمه الله تعالى وأجزل له الثواب ، ولقد والله كانت سيرته زكية وطريقته إبراهيمية نحسبها خالصة لوجه الله تعالى ، وكم تنكر لها من الخلوف وعملوا على خلافها صنوف وهم مازالوا يدعون أنهم على سيرته ماضون وبطريقته مهتدون ، وإنما حقيقتهم ليست كذلك بل قالوا بقول أعدائه ، وجروا على أصوله بشبه فرقائه وهم لا يشعرون ، فركبهم الجهل وصدهم الشيطان فباتوا من الغاوين والعياذ بالله تعالى .

ومن سيرته رحمه الله تعالى إبلاغ الناس الحجة والحرص على إقامتها عليهم ببيان المحجة في تجريد التوحيد والحث على البراءة من الشرك بكل أصنافه وألوانه ، وتم له ذلك بوسائل شتى من أبرزها المراسلات وإطراد الجوابات ، فدعم الحجج على كل خصومه ، وفند الشبه المعارضة لكل أصوله ، حتى أظهر الله تعالى دعوته من بين دياجير جهالاتهم مشرقة كوجه الشمس في منتصف النهار ، وخلوف الشر والكذب من المنتمين لدعوته هم من أبعد الناس عن هذا الأساس ، ديدنهم التنظير بما يخالف منهجه رحمه الله تعالى ، فلا هم أقاموا حجة وقطعوا دلجة تمييزا لأهل التوحيد عن أهل الشرك والعناد ، بل بقوا على كذبة أسلافهم : بتكفير الأنواع لا الأعيان ! .

بل زادوا عليهم : إطلاق العذر بالجهل للأعيان ، مع تعطيل أقامة الحجة والبرهان . فمات التوحيد منهم وتعطلت أركانه .

وهكذا كانت سيرة الشيخ ومن تبعه بحق خلاف ما عليه الأدعياء الكذبة ، وقد سار على نهجه ومنواله كل من تبعه من تلاميذه وتلاميذ أولاده وأحفاده ، وباتت طريقته خطة لسلطانه بنى عليها قراره وسير فيها سياسته مع قادة زمانه ، من مثل مخاطبة سعود بن عبد العزيز للسلطان ( سليمان باشا ) بالإعذار والإنذار وإقامة الحجة والبرهان على الكفار فقال :

   قد وصل إلينا كتابكم وفهمنا ما تضمنه من خطابكم وما ذكرتم من أن كتابنا المرسل إلى يوسف باشا على غير ما أمر الله به ورسوله من الخطاب للمسلمين ، بمخاطبة الكفار والمشركين ، وأن هذا حال الضالين ، وأسوة الجاهلين كما قال تعالى : فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة .

فنقول بالجواب عن ذلك : أنا متبعون ما أمر الله به رسوله وعباده المؤمنين .. ، وذلك أن الله أوجب علينا النصح لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم ومن النصح لهم بيان الحق لهم : بتذكير عالمهم وتعليم جاهلهم ، وجهاد مبطلهم :

 أولا : بالحجة والبيان .

وثانيا : بالسيف والسنان ، حتى يلتزموا دين الله القويم ، ويسلكوا صراطه المستقيم ، ويبعدوا عن مشابهة أصحاب الجحيم .

ولسنا بحمد الله نتبع المتشابه من التنزيل ولا نخالف ما عليه أئمة السنة من التأويل ، فإن الآيات التي استدللنا بها على كفر المشرك وقتاله هي من الآيات المحكمات في بابها ، لا من المتشابهات واختلف أئمة المسلمين في تأويلها ، والحكم بظاهرها وتفسيرها ، بل هي من الآيات التي لا يعذر أحد من معرفة معناها ، مثل قوله تعالى : ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ . وقوله : ﴿ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ﴾ وقوله : ﴿ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ﴾ .

وأما قولكم : فانا لله الحمد على الفطرة الإسلامية ، والاعتقادات الصحيحة ، ولم نزل بحمد الله عليها ، عليها نحيا وعليها نموت .

فنقول :

غاض الوفاء وفاض الجور وانفرجت      مسافة الخلف بين القول والعمل

وليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ، فإذا قال الرجـل : أنا مـؤمن أنا مسلم ، أنا مـن أهل السنة والجماعة . وهو من أعداء الإسلام وأهله ، منابذ لهم بقوله وفعله ، لم يصر بذلك مؤمنا ولا مسلما ولا من أهل السنة والجماعة ، ويكون كفره مثل اليهود ، فإنهم يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم .

فكل من دعا مخلوق أو استغاث به أو جعل فيه نوعا من الإلهية مثل أن يقول : يا سيدي فلان أغثني أو انصرني أو اقض ديني أو اشفع لي عند الله في قضاء حاجتي ، فهو مشرك في عبادة الله غيره وإن قال بلسانه لا إله إلا الله ، وأنا مسلم ، وقد كفر الصحابة مانعي الزكاة وقاتلوهم وغنموا أموالهم وسبوا نساءهم ، مع إقرارهم بسائر شرائع الإسلام .

فكيف بمن كفر بمعنى لا إله إلا الله ، وصار الشرك وعبادة غير الله هو دينه وهو المشهور في بلده ، ومن أنكر ذلك عليهم كفروه وبدعوه وقاتلوه ، فكيف يكون من هذا فعله مسلما من أهل السنة والجماعة مع منابذته لدين الإسلام الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم من توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له . 

 فشعائر الكفر بالله والشرك به هي الظاهرة عندكم : مثل بناء القباب على القبور ، وإيقاد السرج عليها ، وتعليق الستور عليها ، وزيارتها بما لم يشرعه الله ورسوله ، واتخاذها عيدا ، وسؤال أصحابها قضاء الحاجات ، وتفريج الكربات ، وإغاثة اللهفات ، هذا مع تضييع فرائض الله التي أمر الله بإقامتها من الصلوات الخمس وغيرها ، وهذا أمر قد شاع وذاع وملأ الأسماع في كثير من بلاد الشام والعراق ومصر وغير ذلك من البلدان .

وهذا مما يبطل قولكم : أنكم على الفطرة الإسلامية والإعتقادات الصحيحة . ويبين أن أكثركم قد فارق ذلك ونبذه وراء ظهره ، وصار دينه الشرك بالله ، ودعاء الأموات والإستغاثة بهم ، وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات والتمسك بالبدع المحدثات .

وأما قولكم : فنحن مسلمون حقا .  

فنقول : قد بينا من كلام الله وكلام رسوله وكلام أتباع الأئمة الأربعة ما يدحض حجتكم الواهية ، ويبطل دعواكم الباطلة ، وليس كل من ادعى دعوى صدقها بفعله .

 وحالكم وحال أئمتكم وسلاطينكم تشهد بكذبكم وافترائكم في ذلك ، وقد رأينا لما فتحنا الحجرة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام عام اثنين وعشرين رسالة لسلطانكم سليم أرسلها ابن عمه إلى رسول صلى الله عليه وسلم يستغيث به ويدعوه ويسأله النصر على الأعداء من النصارى وغيرهم ، وفيها من الذل والخضوع والعبادة والخشوع ما يشهد بكذبكم وأولها : 

 من عبيدك السلطان سليم . وبعد : يا رسول الله قد نالنا الضر ونزل بنا من المكروه ما لا نقدر على دفعه ، واستولى عباد الصلبان على عباد الرحمن ، نسألك النصر عليهم والعون عليهم وأن تكسرهم عنا . وذكر كلاما هذا معناه وحاصله .

فانظر إلى هذا الشرك العظيم والكفر بالله الواحد العليم . 

وإذا كان هذا حال خاصتكم فما الظن بفعل عامتكم ، وقد رأينا من جنس كلام سلطانكم كتبا كثيرة في الحجرة للعامة والخاصة ، فيها من سؤال الحاجات وتفريج الكربات ، ما لا نقدر على ضبطه .

وأما قولكم : فكيف التجري بالغفلة على إيقاظ الفتنة بتكفير المسلمين وأهل القبلة ، ومقاتلة قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر واستباحة أموالهم ، وأعراضهم وعقر مواشيهم وحرق أقواتهم من نواحي الشام .. إلخ . 

فنقول : قد قدمنا أننا لا نكفر بالذنوب وإنما نقاتل ونكفر من أشرك بالله وجعل لله ندا يدعوه كما يدعو الله ، ويذبح له كما يذبح لله ، وينذر له كما ينذر لله ، ويخافه كما يخاف الله ويستغيث به عند الشدائد وجلب الفوائد ، ويقاتل دون الأوثان والقباب المبنية على القبور التي اتخذت أوثانا تعبد من دون الله .

فإن كنتم صادقين في دعواكم أنكم على ملة الإسلام ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فاهدموا تلك الأوثان كلها وسووها بالأرض ، وتوبوا إلى الله من جميع الشرك والبدع ، وحققوا قول لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ومن صرف من أنواع العبادة شيئا لغير الله من الأحياء والأموات فانهوه عن ذلك ، وعرفوه أن هذا مناقض لدين الإسلام ، ومشابهة لدين عباد الأصنام ، فإن لم ينته عن ذلك إلا بالمقاتلة وجب قتاله حتى يجعل الدين كله لله ، وقوموا على رعاياكم بالتزام شعائر الإسلام وأركانه وأما إن دمتم على حالكم هذه ولم تتوبوا من الشرك الذي أنتم عليه ، وتلتزموا دين الله الذي بعث الله به رسوله ، وتتركوا الشرك والبدع والمحدثات لم نزل نقاتلكم حتى تراجعوا دين الله القويم ، وتسلكوا صراطه المستقيم كما أمرنا الله بذلك  اهـ (16) .

وختم هذا الكتاب بشهادة من علماء مكة فقالوا : أن هذا الدين الذي قام به الشيخ محمد ودعا إليه إمام المسلمين سعود بن عبد العزيز من توحيد الله ونفي الشرك الذي ذكره في هذا الكتاب أنه هو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب ، وأن ما وقع في مكة والمدينة سابقا ، ومصر والشام وغيرهما من البلاد إلى الآن من أنواع الشرك المذكور في هذا الكتاب انه الكفر المبيح للدم والمال ، والموجب للخلود في النار ، ومن لم يدخل في هذا الدين ويعمل به ويوالي أهله ويعادي أعداءه فهو عندنا كافر بالله واليوم الآخر ، وواجب على إمام المسلمين والمسلمين جهاده وقتاله حتى يتوب إلى الله مما هو عليه ، ويعمل بهذا الدين اهـ .

شهد بهذا نخبة منهم ومعهم شريف مكة ( غالب بن مساعد ) ، وهكذا بلغت الحجة عند القوم كل هؤلاء ، وانقطعت بمجهوداتهم على المشركين كل المعاذير ، حتى انتهى الأمر إلى ما ذكر بهذا الكتاب الرسمي سياسيا ، والمشروع دينيا ، على إقرار ممن ذكرت أسماؤهم من مشائخ المذاهب ، وبان من نص هذه الرسالة بما لا يخفى عبارات البراءة والتكفير وعلى التعميم ، والعهد مثلما يرى العارف قريب من حياة الشيخ إن لم يكن معاصرا له ما فارق الدنيا بعد ، وهذا على النقيض مما يزعمه الأدعياء على دعوة الشيخ خصوصا منهم المصريين ممن ورد نقل شيء من أقوالهم قبل وفيه فرية أن الشيخ لا يرى تكفير المعين وأنه يعذر عباد القبور بالجهل بحجة أنهم لم تبلغهم الحجة ، وما تقرر في هذه الرسالة وغيرها يدحض أكاذيبهم هذه على الشيخ .

ومن تصريحات أبناء الشيخ رحمه الله تعالى بعد إقامة الحجة على كل من بلغهم نبأ الدعوة ، قولهم :

من بلغته دعوتنا إلى التوحيد والعمل بالفرائض وأبى أن يدخل في ذلك وأقام على الشرك بالله وترك فرائض الإسلام فهذا نكفره ونقاتله ونشن عليه الغارة بالبدارة ، وكل من قاتلناه فقد بلغته دعوتنا ، بل الذي نتحقق ونعتقده أن أهل اليمن وتهامة والحرمين والشام والعراق قد بلغتهم دعوتنا وتحققوا أنا نأمر بإخلاص العبادة لله وننكر ما عليه أكثر الناس من الإشراك بالله من دعاء غير الله والإستغاثة بهم عند الشدائد ، وسؤالهم قضاء الحاجات وإغاثة اللهفات .

ومثل هؤلاء لا تجب دعوتهم قبل القتال فإن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون ، وغزا أهل مكة بلا إنذار ولا دعوة اهـ (17) .

والشيخ نفسه رحمه الله تعالى مع نفيه عدم مقاتلته عباد الكواز ، وهي حكاية حاله معهم في ابتداء دعوته رحمه الله تعالى ، تلك المقولة التي تعلق بها من تعلق من خلوف الكذب والزيوف ، وجروا بذنبها شبهتهم العريضة : أنه ممن لا يكفر الأعيان حتى تبلغهم الحجة ثم وقفوا ! ، فلا لسيرته ومنهجه اعتبروا وبتمامها استشهدوا ، مثل الشياطين أو من استدل بقوله تعالى : فلا تقربوا الصلاة ..

فأسسوا على تلك الشبهة أنشودة أكاذيبهم المعروفة لطلاب الحق ، الذين لم تنطل ِعليهم حال الزائفين ، مثل من انغر بهم من بلهاء العاطلين زمرة الحمقى المتسكعين على جنبات تلك المباحث الجليلة ، حين انخدعوا بما أسس له هؤلاء فأضلوهم عن سواء السبيل ، بعد أن حرفوا أصل تلك الشبهة وعبثوا بمعناه وشوهوا مبناه .

وحين يعلم الناصح لنفسه أن الشيخ مما ثبت عنه تكفير عباد قبة الكواز ، وقبة أبي طالب وغيرهما سيزول عنه لبس هؤلاء ويدفع شبهتهم باعتبار سيرة الشيخ بتمامها لا تجزئتها على حسب الهوى والمشتهى ، وفي ذلك ما يثبت أن الشيخ بالفعل قال مقولته تلك عن حكاية حال أمره مع هؤلاء وأنه ما بدأهم بقتال إلا بعد ما بلغتهم الحجة التي استحقوا على وفقها حكم التكفير الموجب للقتل واستحلال الدماء والأموال ، فقال رحمه الله تعالى بما صرح لأحمد بن إبراهيم عالم مرات من بلدان الوشم :

ما ذكرت من مسألة التكفير وقولك ابسط الكلام فيها ، فإنا إذا اتفقنا على الحكم الشرعي صار الخلاف في أناس معينين اقروا أن التوحيد الذي ندعو إليه دين الله ورسوله ، وأن الذي ننهى عنه في الحرمين والبصرة والحسا هو الشرك بالله ، ولكن هؤلاء المعينون هل تركوا التوحيد بعد معرفته ، وصدوا الناس عنه ، أم فرحوا به وأحبوه ، ودانوا به وتبرؤوا من الشرك وأهله ؟ ، فهذه ليس مرجعها إلى طالب العلم ، بل مرجعها إلى علم الخاص والعام ، مثال ذلك :

إذا صح أن أهل الحسا والبصرة يشهدون أن التوحيد الذي نقول دين الله ورسوله ، وأن هذا المفعول عندهم في الأحياء والأموات هو الشرك بالله ، ولكن أنكروا علينا التكفير والقتال خاصة . والمرجع في المسألة إلى الحضر والبدو والنساء والرجال ، هل أهل قبة الكواز تابوا من دينهم ، وتبعوا ما أقروا به من التوحيد ، أم هم على دينهم ، ولو يتكلم الإنسان بالتوحيد فسلامته على أخذ ماله ! .

فإذا كنت تزعم أن الكواوزة أهل الزبير تابوا من دينهم ، وعادوا من لم يتب ، فتبعوا ما أقروا به وعادوا من خالفه ـ هذا مكابرة ـ وإن أقررتم أنهم بعد الإقرار أشد عداوة ومسبة للمؤمنين ما يعرفه الخاص والعام ، وصار الكلام في اتباع المويس وصالح بن عبد الله هل هم مع أهل التوحيد ، أم هم مع أهل الأوثان ، بل أهل الأوثان معهم ! ، فالكلام في هذا نحيله على الخاص والعام .

هذا مع أنك تعلم ما جرى من ابن إسماعيل وولد ابن ربيعة لما شكونا عند أهل قبة أبي طالب ، وجميع من معك من خاص وعام معهم إلى الآن ، وتعرف روحة المويس وأتباعه لأهل قبة الكواز وقبة أبي طالب ، ويقول لهم : طالع أناس ينكرون قببكم ، وقد كفروا وحل دمهم ومالهم . وصار هذا عندك وعند أهل الوشم وعند أهل سدير والقصيم من فضائل المويس ومناقبه ، وهم على دينه الآن مع المكاتيب التي أرسلها علماء الحرمين مع المزيودي ، عندنا إلى الآن تنتظرك ، وقد صرحوا فيها أن من أقر بالتوحيد كفر وحل ماله ودمه ، وقتل بالحل والحرم .

ويذكرون دلائل على دعاء الأولياء في قبورهم منها قوله تعالى : ﴿ . . لهم ما يشاءون عند ربهم . . ﴾ فإن كانت ليست عندك ولا صبرت إلى أن تجيء فأرسل إلى ولد محمد بن سليمان في وشيقر ، ولسيف العتيبي ، يرسلونها إليك ويجيبون عن قوله تعالى : ﴿ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ﴾ أنهم يدعون على أنهم المعطون المانعون بالأصالة ، وأما دعوتهم على أنهم شفعاء فهو الدين الصحيح ومن أنكره قتل في الحل والحرم .

وأيضا جاءنا بعض المجلد الذي صنفه القباني ، واستكتبوه أهل الحسا وأهل نجد ، وفيه نقل الإجماع على تحسين قبة الكواز وأمثالها وعبادتها . ويقول في تصنيفه : أنه لم يخالف إلا ابن تيمية وابن القيم وعشرة ، أنا عاشرهم ، فالجميع اثنا عشر . فإذا كان يوم القيامة اعتزلوا وحدهم عن جميع الأمة .

وتعرف ابن فيروز أقربهم للإسلام ، وهو رجل حنبلي وينتحل كلام ابن تيمية وابن القيم خاصة ، ومع هذا صنف مصنفا أرسله إلينا قرر فيه أن هذا الذي يفعل عند قبر يوسف وأمثاله هو الدين الصحيح اهـ (18) .

وأنكر على أحمد بن إبراهيم هذا بقوله : فكيف تزعم أن عبدة قبة الكواز وأمثالها ما أنكروه ـ يريد التوحيد ـ بل تزعم أنهم قبلوه ودانوا به وتبرؤوا من الشرك ولا أنكروا إلا تكفير من لا يكفر ؟ (19) .

وهكذا هي سيرته رحمه الله تعالى حرب مع الطواغيت وأوليائهم ، عملا بالتوحيد لا مجرد كلام ولا تنظير أجوف مثل ما هو عليه خلوف الزيوف المنتسبين لدعوته ، ودعوته وأصولها تتبرأ منهم ليل نهار مما يخالفونها أشد الخلاف .

وها هو من يزعم عليه عدم تكفير عباد الكواز وغيرها مع السدنة ، بان أنه من أشد الناس حربا عليها بالملة وتكفيرا لهم جميعا وبالجملة ، وهم يكفرونه ويحاربونه كذلك ، لا هوادة بينهما ولا نزوع لمجرد التنظير دون العمل ، بل الكل يفتي بالبراءة من الآخر وإيجاب قتله ، وهكذا تكون المفاصلة ويتم الفرقان ، لا هوادة مع الشيطان وأعوانه ، ولا هناء لأولياء الرحمن وسعادة حتى يظهروا الدين ويقيموا الحجة على الخلق .

       ( أما النص الثاني وهو ما يعزى لإحدى رسائله ) رحمه الله تعالى وفيها قوله :

وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم أنا نكفر بالعموم ، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه وأنا نكفر من لم يكفر ولم يقاتل ، ومثل هذا وأضعاف أضعافه .

 

فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به عن دين الله ورسوله . وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل ؟ ، سبحانك هذا بهتان عظيم اهـ .

وهذا النص كثيرا ما يتداوله خلوف الزيوف أفراخ مخلوف والجرجيسي العراقي وكل زائغ تلبيسي ، وأقدم من وقفت عليه نقل هذا عازيا نصه لإحدى رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ( ابن قاسم ) وقبله بقليل الشيخ الهندي ( محمد بشير السهسواني ) صاحب كتاب ( صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان ) .

ألا وإني أعلن هنا بمسك اليد حجرا محجورا على المجرمين ، لا يمكنهم أن يعودوا أو يتملصوا من جرمهم الشنيع هذا وجنايتهم المنكرة على أصول دعوة الشيخ رحمه الله تعالى ، حتى أنهم بتروا هذا النص من أصله بتر الله من تولى كبره ، سواء كان الهندي أو رشيد رضا أو أيا كان من طباع أو ناسخ ، هنديا كان أو حجازيا ، شاميا كان أو مصريا ، عبث بنص كلام الشيخ هنا وقطعه وحرفه عن أصله ليدعم استدلاله الباطل على خلاف مراد الشيخ محمد رحمه الله تعالى وهو صاحب الكلام المحتج به هنا .

وهذا إنما يجري على سنة اليهود الذين لا يخشون الله تعالى في تحريفهم على أنبيائهم وكتب المولى عز وجل ، وقصتهم في هذا أشهر من أن تذكر ، وقد جرى عليها فاعل هذا المنكر العظيم بكلام الشيخ رحمه الله تعالى ، فالحمد لله تعالى الذي قيض لوليه ابن عبد الوهاب من ينصره ويرفع ما لُبِس على كلامه ، ويزيل عنه تحريف المحرفين ، وتزييف المبطلين .

وأما النص الثابت السالم من تحريف هؤلاء المجرمين ، فهو التالي قوله رحمه الله تعالى :

وأما الكذب والبهتان : أنا نكفر بالعموم ، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ، وأنا نكفر من لم يكفر ولم يقاتل ، ومثل هذا وأضعاف أضعافه . فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصد به ورثة أبي جهل من سدنة الأصنام وأئمة الكفر الناس عن دين الله ورسوله ، وإنا لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله ، من المشركين عباد الأصنام كالذين يعبدون الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما ، أما الذين آمنوا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر وجاهدوا في الله حق جهاده فهم إخواننا في الدين وإن لم يهاجروا إلينا . فكيف نكفر هؤلاء ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم اهـ (20) ​​​​​​​.

فانظروا يا رعاكم الله لكلام الشيخ هنا سالما من بتر الآثمين المجرمين على دعوته وتراثه ، وانظروا لذاك النص بعد تحريفه بقطع ما يفسده ليتم للفاعل حرفه عن مقصوده لمطلبه السيئ بقلب الاستدلال من البراءة والتكفير والإنكار ، للعذر والاستكانة أو المداهنة .

ولقد سمعنا في الآونة الأخيرة ومن بعض أبناء جزيرة العرب ، بل ممن كان وما زال ينتمي لدعوة الشيخ ويعد نفسه سلفيا أو موحدا أثريا ، الطعن بموروثات مشائخ الدعوة النجدية بحجة أن فيها غلواً وتكفيراً جريا على منوال من سبقهم من أمثال رشيد رضا وغيره ممن تجرر برجيع جهله وصاح عن فساد عقله حين تكلم بما لا يعلم ويحيط بفقهه وكأنه أعلم العلماء وأضبط الحكماء ، وهو أجهل من أن يتناول أولئك المشائخ بما قال ، فضلا عن أن يجعلها تهمة وسبة في جهادهم ، وهم من حباهم الله بالعلم والتحقيق وقوة التدقيق وبراعة التفصيل في مثل هذه المسائل .

نعم سمعنا بوقتنا هذا من يردد هذه الفرى ، وكم دهشنا من فجاءة طلعتها ولا ندري كيف خبئت كل هذا الوقت ، ودست إلى أن جرأهم ما لا ندري حقيقته فصاحوا بها يتناوبون ترديدها بين الحين والآخر ، وإذا بها قديمة غصة المنافقين ، تقطيع وتقليع ، أتباع اليهود المحرفة المشترين الدنيا بالآخرة .

ودعوة الشيخ رحمه الله تعالى أحكمت أصولها على تكفير عباد القبور وعدم عذرهم بالجهل ، والقطع بأن الحجة بلغتهم الموجبة لتكفيرهم وقتالهم للقادر ببلوغ القرآن وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، إلى أن يتركوا الشرك ويوحدوا الله تعالى توحيدا خالصا ، وإليكم بعض تلك النصوص التي أعني :

       النص الأول ورد في مذاكرة للشيخ محمد رحمه الله تعالى مع أهل " حريملا " قال :

أنتم تفهمون أن هنا من يدعوا الله ويدعوا الزبير ، ومن يدعوا الله ويدعوا عبد القادر .

فالذي يدعوا الله وحده مخلص ، وإن دعا غيره صار مشركا ، فهمتم هذا ؟ قالوا : فهمنا .

قال الشيخ : هذا إن فهمتموه فهذا الذي بيننا وبين الناس اهـ (21) .

النص الثاني عنه رحمه الله قوله رحمه الله تعالى :

ما ذكره المشركون علي أني أنهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أني أقول لو أن لي أمرا هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم ، أو أني أتكلم في الصالحين ، أو أنهى عن محبتهم ، فكل هذا كذب وبهتان افتراه علي الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل ، مثل أولاد شمسان وأولاد إدريس الذين يأمرون الناس ينذرون لهم وينخونهم ويندبونهم ، وكذلك فقراء الشياطين الذين ينتسبون إلى " عبد القادر " رحمه الله وهو منهم بريء كبراءة علي بن أبي طالب من الرافضة .

فلما رأوني آمر الناس بما أمرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم  أن لا يعبدوا إلا الله ، وأن من دعا عبد القادر فهو كافر وعبد القادر منه بريء ، وكذلك من نخا الصالحين أو الأنبياء أو ندبهم أو سجد لهم أو نذر لهم أو قصدهم بشيء من أنواع العبادة التي هي حق الله على العبيد اهـ (22) .

النص الثالث قوله :

ومعنى الكفر بالطاغوت أن تبرأ من كل ما يعتقد فيه غير الله من جني أو إنسي أو شجر أو حجر ، وتشهد عليه بالكفر والضلال ، وتبغضه ولو كان أنه أبوك أو أخوك .

وأما من قال : أنا لا أعبد إلا الله ، وأنا لا أتعرض السادة والقباب على القبور وأمثال ذلك فهذا كاذب في قول لا إله إلا الله ، ولم يؤمن بالله ، ولم يكفر بالطاغوت . وهذا كلام يسير يحتاج إلى بحث طويل واجتهاد في معرفة دين الإسلام ، ومعرفة ما أرسل الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، والبحث عما قال العلماء في قوله تعالى : ومن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى . ويجتهد في تعلم ما علمه الله رسوله وما علمه الرسول أمته من التوحيد .

ومن أعرض عن هذا فطبع الله على قلبه وآثر الدنيا على الدين لم يعذره الله بالجهالة اهـ (23) .

النص الرابع عنه قال :

الذي ينكر ـ التوحيد ـ هو بين أمرين : إن قال إن دعوة الصالحين واستغاثتهم والنذر لهم وصيرورة الإنسان فقيرا لهم أمر حسن ولو ذكر الله ورسوله أنه كفر ، فهو مصرح بتكذيب الله ورسوله ولا خفاء في كفره ، فليس لنا معه كلام .

وإنما كلامنا مع رجل يؤمن بالله واليوم الآخر ، ويحب ما أحب الله ورسوله ويبغض ما أبغض الله ورسوله لكنه جاهل ! قد لبست عليه الشياطين دينه ، ويظن أن الاعتقاد في الصالحين حق ولو يدري أنه كفر يدخل صاحبه في النار ما فعله ، ونحن نبين لهذا ما يوضح له الأمر ( فنقول ) ..

فاستطرد رحمه الله تعالى إلى أن قال : فيا عباد الله إذا كان الله ذكر في كتابه أن دين الكفار هو الاعتقاد في الصالحين ، وذكر أنهم اعتقدوا فيهم ودعوهم وندبوهم لأجل أنهم يقربونهم إلى الله زلفى ، هل بعد هذا البيان بيان ، فإذا كان من اعتقد في عيسى بن مريم مع انه نبي من الأنبياء وندبه ونخاه فقد كفر ، فكيف بمن يعتقدون في الشياطين كالكلب أبي حديدة وعثمان الذي في الوادي والكلاب الأخر في الخرج وغيرهم في سائر البلدان الذين يأكلون اموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله اهـ (24) .

فانظر ما أسهل تعريفه في التبيين للجاهل في التوحيد وتيسيره لرفع الجهالة عنه ، وكيف جعل ذلك مرده للقرآن بل لأمر واحد منه وهو اعتقاد الباطل بعيسى عليه الصلاة والسلام مع أنه نبي رسول فكيف بمن هو مثل الكلب عند الشيخ رحمه الله تعالى ، واعتبر لحال الأدعياء الكذبة على دعوته الذين عطلوا التوحيد ، فلم يقروا بحجة الله على الخلق بكتابه ولم يقوموا كالشيخ في بيان يسر الحجة وسهولة بلوغها للناس ليهلك من يهلك عن بينة ، وينجو من ينجو ، لكن هي مذاهب الأباطيل والأكاذيب .

 

​​​​​​​-----------

(1) ابن عثيمين ( الباب المفتوح جواب س 1102 ص58 ) .

(2) المرجع السابق س 1215 ص 15 .

(3) منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس ص 99 .

(4) الدرر 1/61 .

(5) المرجع السابق ص 64 .

(6) المصباح ص 337 .

(7) مفيد المستفيد ص43 .

(8) مفيد المستفيد ص 11 .

(9) المرجع السابق  ص 14 .

(10) مفيد المستفيد ص 31  .

(11) الدرر السنية 8/90 .

(12) تأسيس التقديس ص 99 .

(13) المرجع السابق ص 27 .

(14) الدرر السنية 1/41 .

(15) المرجع السابق 1/46 .

(16) الدرر السنية 1/ 381 .

(17) الدرر 5/355 .

(18) ( تاريخ الجزيرة العربية ) لحسين خلف الشيخ خزعل ص 177 .

(19) المرجع السابق .

(20) منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس ص 89 .

(21) الدرر 2/87 .

(22) الدرر السنية 1/53 .

(23) الدرر السنية 2/79 .

(24) المرجع السابق 55 .

​​​​​​​