المـقدمــة

 

إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد :

 

لقد أكثر النبي عليه الصلاة والسلام في إخبار أمته عما يكون بعده من أحوال تعتري الناس وتبدلات تظهر على الأجيال المتعاقبة ، ومما نص عليه أن من خير القرون القرن الذي بُعث به ، وأن من أشر القرون القرن الذي يخرج آخر الزمان ، وأكثر في بيان صفات هذا القرن الشرير وأضافه إلى الشيطان ، فقال : ( قرن الشيطان ) . وإلى هذا المنتهى في ولاية الشيطان ، للحد الذي يضيفه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إبليس اللعين .

 

والمتمعن بحال هذا القرن الذي نعيشه ، يجد أن الإسلام قد وهن فيه واعترى أهله ضعف وهوان ، والكفر بجميع ملله يقوى أهله ويحلو لهم هذا القرن ويزدان ، لا يوالون من المسلمين إلا من انسلخ عن دين الله تعالى كما الحية عن جلدها تنسل عفرية ، قرن فيه الباطل يصول ويجول ، والحق فيه طريد مكسور ، إذا سمعت سمعت من أهل الحق همساً ، ولأهل الباطل كل المنتديات والخطب والنشرات .

 

إندرست معالم الإسلام ، وأقيمت بدلا منها صروح الكفر والنفاق ، ودوما تجد للباطل أشياعا وأعوان ، وليس للحق إلا محاكم وسجان ، إذا رأيت المؤمن رأيته ذليلا ومهان ، وأما الفاجر المنافق فلا تراه دوما إلا فخورا ومتعال ، إنه قرن من غير المعقول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأتِ على ذكره بإطناب أو إيجاز ، وقد كان يحدث أصحابه عن كل ما يقع بعده إلى أن تقوم الساعة .

 

ومن أجل التأكيد على أنهم لم يفوتوا وحي الله سرقة من بين جميع الأجيال ، يمضون هكذا من غير إشارة ولا عبارة ، جاء هذا الكتاب كما يقولون ليضع النقاط على الحروف ، ويجلي عما كان مطمورا أو يراد له أن يكون عن الناس دوما مدسوسا ، جاء هذا الكتاب في زمان ألم بأهل التقوى كرب عظيم ، وبلغوا الحد الذي هم فيه أحوج إلى البشرى التي تقوي عزمهم وترفع هممهم ، لينظروا إلى الأمام رافعي الرؤوس مكبرين وموقنين بأن للناس إله ديان .

 

وقد قمت بتقسيم الكتاب إلى أربع فصول تقرر فيها بيان حكم الاعتزال في آخر الزمان ، الاعتزال الذي ما أوجبه عليه السلام على المؤمنين في هذا الزمان إلا رحمة بالمؤمنين من هذا الجيل الشرير العاتي بالفسق والنفاق ، والبحر لا يمكن أن تزيله الغراف ، والجبل الراسي لا تهده قرون الخراف .

 

وأتيت في هذه الفصول على الكلام في فتن هذا الزمان ، وبيان أنها الفتن التي أخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام أنها كائنة آخر الزمان ، ومن أظهرها فتنة صدام العراق ، الفتنة التي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتنة السرى نسبة لسريان جيش صدام العراق بليل على أهل الكويت ، فباتوا على نظام وأصبحوا على غيره ، الفتنة التي جهل الناس حقيقتها ، مع ما تحقق فيها من أشراط الساعة الكبار ، وهي النار ، والدخان وما تبع ذلك ، ونقلت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فيه بطلان كل التجمعات والأحزاب عند حلول الفتن في آخر الزمان ، والنهي عن اتباع دعاة النار والحذر منهم ، وأتيت على البراهين الدالة على أن هذا الزمان الذي يبعث فيه المهدي المنتظر ، ونبهت على أنه ومن سيكون معه من عباد الله تعالى الأولياء ، هم في ميزان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم خير من الصحابة وسائر الأمـة ، ونقلت الأحاديث والآثار الدالة على هذه الحقيقة المجهولة عند سائر الأمة اليوم .

 

 وجعلت للفصل الأخير منها النصيب الأوفر في بيان حقيقة فتنة صدام العراق ، وبيان مدى تورط النصارى واليهود بهذه الفتنة ومـا تلاها ، وأثبت فيه كيف أن ما جرى في تلك الفتنة وما بعدها قد أتى الوحي بتفصيله عند سائر أنبياء الله تعالى وآخرهم المصطفى عليه الصلاة والسلام .

 

ولتناول فصول الكتاب ما تداخل بعضه ببعض ، وضعت في نهاية الكتاب فهارس للموضوعات ، تقريباً وتفصيلاً لمواضيع الكتاب ، ليسهل على القارئ الوقوف على أطراف الكتاب ، وجعلته إتماما للفائدة أشبه بالملخصات ، وزدت على القليل منها من الفوائد ما فاتني ذكره في أصل الكتاب .

 

وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا الكتاب خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يتقبله زكياً خالصا من الرياء وحب الشهرة ، ناصراً للسنة عدواً للبدعة ، وأسأله سبحانه أن يجعل فيه إخساءً لأهل الجهالة والضلالة من المنافقين والمفسدين .

 

الفصول