استخلاف الله للخليفة قرين ونظير لبعث وإرسال النبي
مثل ما أورد الله تعالى في القرآن العظيم الوصف بالبعث ( للخليفة ) وذلك في قوله سبحانه عن ملك بني إسرائيل وخليفته فيهم : ﴿ وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا .. ﴾ .
مع قوله تعالى : ﴿ ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله .. ﴾ . وهذه الآيـة فيها أن الطلب من النبي عليه السلام ، لكن الله تعالى هو الذي بعث واختار عـين هذا الملك ونصبه بنفسه عليهم ، وكان بوسع النبي لو جاز له أن يختار لهم على حسب طلبهم الذي كان منه شخصيا ، لكنه لم يولي عليهم باختياره ! بل الله تعالى هو الذي اختار وفي هذا دلالة على أمر ما يدرك من سياق القصة ، وهو أن اختيار الملك الشرعي قد يرجع للمولى عز وجل في بعض الأحوال المخصوصة ، مثل الحال في بني إسرائيل على سبيل الابتداء ، ومثل ما سيكون عليه الحال في هذه الأمة على سبيل الانقطاع والترك من الإرادة البشرية المأمورة بواجبات الشرع ، فهي لما عطلت هذا الحكم ولم تنهض لإحياء ما يؤدي واجباته ، ما تعين معه بحكمة الله تعالى أن يرجع الأمر لنفسه نظير ما حصل في بني إسرائيل ، لكن هناك على سبيل الابتداء الغير مسبوق ، وفي هذه الأمـة على سبيل ما ذكرت ، فتطابقت السنة من حيث المعنى وإن افترقت من حيث السبب والسبيل ، إلا أن المحصلة النهائية واحدة وعليه أتى بالكاف للتشبيه ما بين الحالين في قوله عز وجل : ﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم .. ﴾ يريد بني إسرائيل .
أقول : مثل ما أورد الله تعالى في حق الملك الوصف بـ﴿ البعث ﴾ ، على ما مر في خبر ( طالوت ) الملك الأول لبني إسرائيل ، ونظيره في أخبار المهدي عليه السلام ( ملك ) المسلمين خليفة الله تعالى الأول والأخير في هذه الأمة الآتي حكمه ، وذلك في قول رسول الله عنه : ( أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ) .
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة .. ) (1) . وفي البخاري عن أبي أيوب الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما بعث الله من نبي ولا بعده من خليفة .. ) (2) .
وهنا يتضح أنه جعله قرينا في الوصف مع الأنبياء والرسل وذلك من مثل قوله عز وجل : ﴿ كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .. ﴾ وقوله تعالى : ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم .. ﴾ ما يدل بديهة على الاشتراك بأصل البعث ، وهو اختيار الله تعالى على وفق إرادته الشرعية ، وهذا مما لا يكون إلا على سبيل الوحي الخاص ! .
أقول كذلك : ورد ما يؤكد على صحة هذا المعنى الذي دل عليه آيات القرآن الكريم فيما ذكرت آنفا وأخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وذلك بما روى بعضهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا قوله بخصوص خبر الخليفة المختار من الله تعالى : ( لا تقوم الساعة حتى يستخلف رجل من أهل بيتي ) (3) . روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
ولفظه عند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة ) (4) . وهذا يبين أن الإتحاد في الأصل ، ما بين بعث النبي واستخلاف الخليفة ، فقد أضيف الأمرين في هذا الخبر لله تعالى ، وهو أصل الإضافة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبر المهدي ( خليفة الله تعالى ) ، ومثل أن يقال ( نبي الله ) صح القول بـ( خليفة الله ) على وفق هذا الخبر وغيره للاشتراك في الأصل ، وهو الوحي الذي لا يكون في مثل هذا إلا من الله تعالى على وفق إرادته المطلقة الشرعية والقدرية .
وتعليقا على معنى خبر أبي هريرة وأبي أيوب رضي الله عنهما السابقين قال المهدي عليه السلام ردا على الحافظ ابن حجر في الفتح حين استشكل إيراد كلمة ( بعث ) في الخبرين ، بقوله :
وقد استشكل الحافظ ابن حجر لفظ الحديث من طريق أبي هريرة وأبي أيوب الأنصاري , لقوله ببعث الخليفة في هذه الأحاديث , وقال : لفظ الرواية عن أبي سعيد تفسر المـراد بهـذا , وأن المراد ببعث الخليفة استخلافه اهـ (5) .
قلت : الاستخلاف والبعث في هذه الأخبار المعنى والمراد في ذلك كله سواء لا فرق بينهما , وكل ذلك لا يكون إلا من الله تعالى مثل ما هو في النبي هو في الخليفة كذلك , ومن الخطأ حمل الأمر في الخليفة هنا على العموم , ولذا لما استشكل ابن حجر القول ببعث الخليفة لما تدل عليه هذه الكلمة ! , لاذ بلفظ الحديث عن أبي سعيد ـ في الاستخلاف ـ , وأبو سعيد نفسه رضي الله عنه روي عنه في أخبار المهدي على كلا الوجهين والمعنيين , سواء بالاستخلاف ومراده أن المستخلف الله تعالى , أو بالبعث ومراده أن ذلك لا يكون إلا من الله تعالى أيضا ، وعلى هذا فالحافظ لاذ بما هو عليه لا له ! .
ولما كان هذا الملك والاستخلاف من الله تعالى ذكره سبحانه كما قلت سابقا في امتنانه على بني إسرائيل في جعله قرينا للكتاب والنبوة وفي هذا المنتهى في بيان فضيلة ومكانة هذا التمليك والاستخلاف عند الله تعالى .
والآن يقال لأبي حصان ـ مخبول بريدة الذي تولى كبر ضلالة تكفير معتقد إرسال المهدي ـ : حِدت عن سورة الدخان أن تكون في إرسال المهدي ، فمن سيكون معك الآن في إنكار السنة أن تكون نصت على إرسـال المهدي آخـر الزمان هي أيضا ، وإذا جاز تحقق إرساله من الله تعالى في السنة فما المانع من أن ينص القرآن على إرساله كذلك ، أم هو عظيم في القرآن هين في السنة ؟! .
والحق أن الإرسال من المولى عز وجل سواء كان خبره في الكتاب أو السنة فهو الإرسال الشرعي المحبوب لله تعالى المعهود ، ونسبة الكفر لمعتقد تحقق إرسال الله عز وجل للمهدي آخر الزمان إنما هو كفر من قائله وزندقة من معتقده ، فمآله وحقيقته إلى تكفير رسول الله صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله تعالى ، فهو الذي قطع بإرسال المهدي آخر الزمان في أكثر من حديث ، وإنما هان على الحميد مجادلة القرآن في ذلك لأن القرآن انتهى أمره إلى أن يتجاسر على التهوك بوجهه ورده كل منافق ملعون من أمثال هذا الحميد وغيره من جنود إبليس أعداء كلمات الله تعالى ورسله .
هذا ما انـتهى إليه الحميد اللعين ، التكفير بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقده ويصدق به اهـ . ( فتح المنان ص 103 ) .
هذا وفي الختام أسأل الله تعالى التوفيق والسداد في أمرنا هذا كله ، لكل المؤمنين والمسلمين ممن لا نعرفهم ، وممن نعرفهم من الأصحاب والأحباب ، وصلي اللهم على نبينا وآله وصحبه وسلم .
.........
(1) رواه البخاري في الأدب المفرد وعنه الترمذي في سننه وصححه .
(2) ذكره معلقا .
(3) أخره أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/84 ) .
(4) راجع الفتح (15/99) .
(5) الفتح (15/99) .
Powered by Backdrop CMS