​​​​​​​
 

 

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد ، وعلى الأتقياء الأوفياء من آله وصحبه ، من الأولين والآخرين ، أما بعد :

يعد هذا الكتاب ردا على كل من أباح المعازف العصرية وعلى رأسهم مفتي السعودية الضال المضل ( عبدالعزيز آل الشيخ ) الذي اباح المعازف لسلطانه ـ ذلك في تجويزه معزوفات تحية العلم السعودي ـ مدعيا أنها مجرد نغمات لا يراد من ورائها الطرب ! ، وقد ارتد بهذا الاستحلال .

ولدحض دعوى هذا المنافق في هذا الاستحلال ، زيادة على تحقق المخالفة الصريحة منه لما روي من أخبار في حرمة ذلك عن المصطفى صلى الله عليم وسلم كما سيمر معنا لاحقا ذكر بعض هذه الأدلة ، فإنه خالف من سبقه من مفتين في تجويزه الموسيقى لتحية علمهم الوطني ، ولإن كانت تلك الموسيقى عند هذا المستحل مجرد نغيمات ! لم تعزف بقصد الطرب ، فالذين قبله حرموا مجرد الوقوف لتحية أي علم وطني ، وهو شرط واجب في هذه التحية على الساسة ، الضيوف والمضيفين وكل الحاضرين ، وحرمة ذلك أشد عند من أفتى بهذا لأنه ذريعة للشرك على حسب نص فتواهم * , والشرك حرمته آكد وأكبر من كل ذنب .

وهذا المنافق الضال خلف من قبله بتجويز المعازف لهذا العلم الوطني ، مخالفا تحريم من سبقه لهذا وزائدا عليه استحلاله المعازف في هذا المنكر ، جمعا للأباطيل بعضها فوق بعض ، وهكذا كلما أتى خلف زاد على سابقه في تضييع الدين حتى اندرست معالم ما كان يعرفه الناس من الحق والدِّين ، رويداً  رويداً .

وهناك من تأثر بقول مفـتي الضلالة هذا واستغل جهله في استحلال المعازف ، فعمم في التحليل ـ منهم الماجن الفاسق المفتي العام للفن ( محمد بن عبده ) ـ وقال بحل الغناء والطرب بمصاحبة أداء تلك المعازف ، وفي هذا جرأة على الإفتاء باستحلال ما حرم الله ورسوله ، مما أخبر صلى الله عليه وسلم ونص على حرمته تصريحا ، وبين في خصوصه أن أمته سيخرج فيها أقوام آخر الزمان يستحلون المعازف ، وأن بسبب ذلك تكثر القينات ، وهن المطربات ـ النساء ذوات الأصوات الحسنة ـ اللاتي فشى أمرهن في زماننا على شاشات التلفزة وخشبات المسارح في كل مكان ، يراهن كل الناس كبارهم وصغارهم ، عربهم وعجمهم ، مسلمهم وكافرهم ، يكثرون ويتكاثرون كالجراذي أو الجراد ، كل يوم يخرجونهن قواد الباطل على الناس بوجوه جديدة تنتجها مكائن التفريخ الشيطانية ، من لبنان ، أو عموم الشام ، ومن مصر وغيرها من بلدان الناس ، وآخر من تولى سعارها وأشعل نارها أمراء الردة وشعراء الجزيرة والخليج ، عبر قنواتهم الرسمية وغير الرسمية المتنوعة ، وبذلك تحقق شرط من أشراط الساعة ، وهو ظهور تلك المغنيات مثل ما أخبر سيدنا محمد صلى الله عليه سلم .

كلهم متفقون على استحلال ما حرم الله تعالى في ضرب المعازف وترنح المغنيين والمغنيات ، ينشدون في الليل والنهار ، يتغنون بالفسق والفجور ، يتهافت عليهم جراد النار من كل حدب وصوب ، استهوتهم الشياطين لتبعدهم عن دين الله تعالى ومرابط التقوى ، يتقحمون النار تقحما ، أفواجا أفواجا ، وسط صمت رهيب وخرس تام من رهبان السوء الذين هم أصلا موصوفون كذلك بأنهم كلاب النار ( شر الخلق والخليقة ) ، زمرة الخوارج على الحق ، المزيفون للباطل على أنه حق ، والحق أنه باطل ، ومع وجود هؤلاء الخرس عشعش باطل المطربين والمطربات وشعراؤهم المغوين ، لا ينهض بوجوههم أحدٌ من هؤلاء ويصرخ صرخة الحق وينادي بحقيقة فعلهم ، وأنهم استحبوا الكفر على الإيمان باستحلالهم ما استحلوا من معازف .

تنكبوا طريق الله واتبعوا الشيطان في استحـلال المعازف يُطَربونَها بالغناء ، وزادوا على ذلك تراقص المخنثين وتمايل اللبنانيين وغيرهم من الداعرين والداعرات القحاب على رؤوس الناس ، في أسواق الناس وبيوتهم ، في دواوينهم ومكاتبهم ، وبات ذلك في أوساط هؤلاء الملعونين فوق الكفر كفرا وردة ، أن يعدوا كل ذلك من أعظم نعم الله عليهم وأكبرها موهبة ، هبة خالصة من لدن الرحمن الرحيم لمغنييهم وشعرائهم المغوين ، عليهم جميعا لعنة الله وحريقه ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، ولن يكون هؤلاء الشياطين منهم ، فقلوبهم باتت أنتن من الجيف إذ استُحل بها هذا الباطل واللهو ، حتى عده أصحاب هذه القلوب المنكوسة نعمة من أكبر نعم الله تعالى تستوجب الشكر والحمد ، عليهم من الله تعالى ما يستحقون لافترائهم عليه ، ونسبة الباطل إليه .

ولما قال المنافق المرتد ( محمد عبده ) مـا قال في استدلاله الباطل الكاذب ـ سيأتي نقل كلامه لاحقا في الفصل الأول ـ ، بنفيه أنه يوجد نص شرعي في تحريم هذا ، فأتى هذا الكتاب لتفنيد باطله وإخوانه والرد عليه بما يخرسه ويكبت بالحجة نفاقه وكذبه ، وليعرف المغرر بهم من هؤلاء أنهم كفرة بذلك الاستحلال ، لثبوت النصوص بتحريم ما هم فيه ، وأن ما يفعلون حرمته قطعية نصا ودلالة ، وحرمة ما يصاحب ذلك من أنواع الفسق والفجور لا يشك فيها مؤمن تقي ، ولو أباحه هذا ومن على شاكلته بدعوى أن ذلك مجرد غناء وأنه فن ! ، وما هو إلا حرام وفسق وفجور ، لا نظير له على الإطلاق على مر الدهور ، يحكي ذلك ويبينه عموم قنواتهم الفضائية والأرضية اليوم ، وقد علم بالاتفاق أن مستحل المحارم كافر لا ثبات له على ملة الإسلام حتى يرجع عن استحلاله ويقر بحرامه .

الدليل الأول في حرمة ما عليه ( ابن عبده ) ورفاقه : ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه عن عبدالرحمن بن غنم الأشعري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليكونن من أُمتي أقوامٌ يستحلون ! الحِـرَ ، والخمر ، والمعازف ! ) .

       رواه البخاري عن هشام بن عمار ، وورد موصولا عنه في غير صحيح البخاري ، عند الحسن بن سفيان في مسنده ، وأبو بكر الإسماعيلي في ( المستخرج ) ، وأبو ذر الهروي ، وابن حبان ، والطبراني في ( الكبير ) ، وغيرهم كثير وصلوا سنده . والحديث رواه ابو داود على وجه الإختصار في باب : ( ما جاء في الخز ) .

ورواه ابن وهب وابن أبي شيبة وابن ماجة والبخاري ( في التاريخ ) وابن حبان والطبراني والبيهقي وابن عساكر من طريق ( معاوية بن صالح ) بلفظ : ( ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات ، يخسف الله بهم الأرض ، ويجعل منهم القردة والخنازير ) .

وقد روي في هذا المعنى أحاديث كثيرة اعرض عن ذكرها اختصارا ، كلها في بيان استحلال قوم في آخر الزمان للمعازف ، وبسبب ذلك تظهر المغنيات ، ويكثر الفسق والفجور ، من زنا وشرب للخمور ، وهي أمور شائعة في أوساط هؤلاء لقلة الوازع الديني وشبه انعدام خوف الله تعالى فيهم وإلا ما استحلوا محارمه ، وتضمنت جملة من تلك الأخبار أن الله تعالى لذلك ينزل سخطه عليهم ويخسف بمن يخسف ، ويمسخ منهم من يمسخ لصور القردة والخنازير ، تحقيرا لشأنهم ، وفضحا لنهجهم ومجونهم ، فيفقد منهم فجأة من يفقد ، بل يعودون لأصحابهم وأهاليهم وهم قردة وخنازير فيفرون منهم ويتبرأون لهول مناظرهم ، وليقينهم أن هذه الحيوانات الناطقة لم يروها من قبل فضلا على أن يصححوا دعواهم أنهم فلان وفلانة ! .

ومن ألفاظ تلك الأخبار في تحريم المعازف ( الدليل الثاني ) :

ما أخرجه ابن وهب في ( الجامع ) وعنه البيهقي ورواه كذلك الإمام أحمد ، عن عبدالله بن عمرو رفعه : ( إن ربي عــزَّ وجل حــرَّم عليَّ الخمــرَ ، والميسرَ والكوبةَ ، والقنّـينَ ) .

وفي لفظ من وجه آخر : ( إن الله حرم على أمتي الخمر ، والميسر ، والمزر ، والكوبة ، والقنين ، وزادني صلاة الوتر ) . أخرجه أحمد رحمه الله تعالى .

قال سفيان : قلت لعلي بن بذيمة : ما الكوبة ؟ قال : الطبل . ذكره أحمد والبيهقي .

وهذه حال الطبلة مستحلها مستحق للوعيد ، فما بالكم بمعازفهم الحديثة المتطورة جدا بنغماتها الإبليسية ، وهل يستغني ابن عبده عن الطبلة فضلا عن سائر معازفهم ؟! .

وروى احمد وأبو داود وابن حبان وغيرهم كثير عن ابن عمر : أنه سمع صوت زمارة راع ، فوضع أصبعيه في أذنيه ، وعدل راحلته عن الطريق ، وهو يقول : يا نافع أتسمع ؟ فأقول : نعم ، فمضى حتى قلت : لا ، فوضع يديه ، وأعاد راحلته إلى الطريق ، وقال : رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمع صوت زمّـار راع فصنع مثل هذا .

الدليل الثالث : أخرج أبو عبيد في غريب الحديث والبيهقي والبغوي في شرح السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : نهى عن كسب الزمارة .

ولو لم تكن محرمة لما نهى عن كسبها .

ومن الأخبار كذلك في حرمة ذلك ما روي عن عبد الرحمن بن سابط رفعه : ( إن في أمتي خسفا ومسخا وقذفا ) ، قالوا : يا رسول الله ! وهم يشهدون أن لا إله إلا الله ؟ فقال : ( نعم ، إذا ظهرت المعازف .. ) . أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا والداني .

وهذا المنافق المرتد من أركان هذا الباطل اليوم ، ويعد هو والمنافقون من أمرائه الشعراء وغير الشعراء ممن يروجون لهذا المنكر العظيم بشتى سلطاتهم ، من أنشط المساهمين أو هم مؤسسين لظهور هذا المنكر العظيم وما يصاحبه من شرور وبلايا ، أثرت وحرفت الكثير من شباب الناس ، بل أضلت الكثير من كبارهم وصغارهم ، حتى سمعنا صغارا أعمارهم لا تتعدى الخمس سنين وأصغر وهم يتغنون بألحان الفسقة والفجرة من هؤلاء ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

نعم لقد ساهم هؤلاء وأعانوا على ظهور المعازف والمغنيات في أوساط أناس ما يمكن لهذا الفجور وسائر المحارم معه أن تظهر فيهم وتعرف فضلا عن أن تتفشى فيهم ، حتى رأينا من بنات الجزيرة والخليج من يسابق للظهور في هذا الباطل على أنهن مغنيات بارعات ذوات موهبة ربانية ! لا تقل جودة عن سابقاتها من عاهرات لبنان ونصرانيات الشام وداعراتهم .

وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يكون في أمتي خسف ومسخ وقذف ) ، قالت عائشة : يا رسول الله ! وهم يقولون : لا إله إلا الله ؟ قال : ( إذا ظهرت القيان .. ) .

وعن عمران رفعه : ( يكون في أمتي قذف ومسخ وخسف ) قيل : يا رسول الله ! ومتى ذلك ؟ ، قال : ( إذا ظهرت المعازف ، وكثرت القينات ... ) أخرجه الترمذي وابن أبي الدنيا وغيرهم .

واليوم قد تم كل ذلك وظهرت المعازف والقينات للحد الذي لا يمكن انكاره ، ويعد غير مسبوق على الإطلاق أن حصل مثل هذا الظهور الفاشي ، وبهذا يتحقق شرط غير خاف ٍ من أشراط الساعة ، ونحن اليوم على أبواب تحقق الخسف والمسخ والقذف ، وذلك لا يكون إلا بتحقق علاماته من ظهور هؤلاء الملاعين وقد حصل ، وهو الشرط لذلك ، وإذا تحقق الشرط تحقق مشروطه وهو المسخ والقذف والخسف ، وإلا ما عُدَّ المصطفى صلى الله عليه وسلم قائلا بالصدق ، وحاشاه صلى الله عليه وسلم ، وسيكون وربي من ذلك ما يشاء سبحانه ، فانتظر يا ابن ( عبده ) إنا منتظرون بك وبأمرائك وبسائر المنافقين والمرتدين من إخوانكم في هذه الأمة .​​​​​​​

----------

* نص فتواهم : اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم لسماحة الرئيس العام من معالي أمين رابطة العالم الإسلامي عن الدكتور س . هارون من غوينانا بأمريكا ، المحال من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 9941/2 في 14/7/1398 هـ ونصه : ـ (( هل يجوز الوقوف تعظيما لأي سلام وطني أو علم وطني )) ..

وأجابت اللجنة بما يلي : ـ لا يجوز للمسلم القيام إعظاما لأي علم وطني أو سلام وطني بل هو من البدع المنكرة التي لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم ، وهي منافية لآداب التوحيد وإخلاص التعظيم لله وحده وذريعة إلى الشرك ، وفيها مشابهة للكفار وتقليد لهم في عاداتهم القبيحة ومجاراة لهم في غلوهم في رؤسائهم ومراسيمهم ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم .

وسبق أن ورد إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء سؤال مماثل لهذا السؤال ، وأجابت عنه بالفتوى رقم 1674 في 7/10/1397 هـ نرفق لك صورتها لمزيد الفائدة .

الموقعون : عبدالله بن قعود / عبدالله بن غديان / عبدالرزاق عفيفي / الرئيس : عبدالعزيز بن عبدالله بن باز .