من هم رؤوس الجهل في زماننا ؟
لكل عصر رؤوس في الضلالة والجهل ، مثل ما لهم رؤوس في الهدى والحق ، لكن رؤوس عصرنا تميزوا عن سواهم بأن خصهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بالذكر والتعيين ولو لم ينص على أسمائهم لكن دلنا على أوصافهم والتي لا يخطؤها من أنار الله قلبه بالهدى وسلكه صراطه المستقيم .
ومن أظهر صفاتهم كونهم في زمان قبض العلم ، وأن الناس يتخذونهم رؤوسـا في الإفتاء ، وهـم جهال منفية عنهم صفة العلم بلسان الصادق المصدوق لنصه على أن كونهم إنما يقع في زمان قبض العلم وقبض العلم لا يكون إلا بزمن الفتن ، وزمن الفتن لا يكون إلا بزمن تقارب الزمان وكثرة الزلازل ، وكل ذلك حاصل في وقت هؤلاء ، وبعض تلك العلامات بإقرار منهم وليس هذا مكان ذكر ذلك عنهم .
وعد من أظهر صفاتهم القول بالرأي .
ومن قال بالضلال وأفتى بخلاف سبيل المؤمنين وما اتفقوا عليه في مسائل العقيدة والإيمان ، ونكس لقول الجهم فاتخذه إمام ، أو ابن جرجيس في الشبه والأوهام ، لا شك فهذا أولى أن يكون من مفتي الرأي القائلين بالجهل ، الذين نص على خبرهم حديث عبد الله بن عمرو على ما رواه البخاري في كتاب الاعتصام من صحيحه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعا ، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم ، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون . وعند مسلم ، قال : ويبقى في الناس رؤوسا جهالا يفتونهم بغير علم فيضلون ويضلون ) .
وروى عبد الرزاق في مصنفه عن أبي أمية الجمحي قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشراط الساعة ، فقال : ( إن من أشراطها أن يلتمس العلم عند الأصاغر ) (1) .
وعن ابن مسعود قال : لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد وأكابرهم ، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا (2) .
وقد تفرقت بهم الأهواء بالفعل ، واتُخِذ هؤلاء الرؤوس الجهلة أصحاب الرأي مفتين ، فقادوهم إلى المزيد من التفرق والضلال ، وزاغوا عن مناهج أهل العلم وإجماعات الأمة .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف يذهب العلم يا نبي الله وفينا كتاب الله ؟ . فغضب وقال : ( ثكلتكم أمهاتكم أو لم تكن التوراة والإنجيل في بني إسرائيل فلم يغنيا عنهم شيئا ، إن ذهاب العلم أن يذهب حملته ، إن ذهاب العلم أن يذهب حملته ) (3) .
يذهب حملته فيخلفهم هؤلاء الضلال المفتون بالرأي والهوى ، فيضلون الناس عن ما اتفقت عليه الأمة وأجمع عليه علماؤها على ما مر وسيمر معنا تقريره في هذا الفصل .
وما أصدق ما روي عن علي رضي الله عنه في هؤلاء وما أشد مطابقته لحالهم إذ قال : يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه ، مساجدهم يومئذ عامرة ، وهي خراب من الهدى علماؤهم شر من تحت أديم السماء ، من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود (4) .
ومما أنكر على نعيم بن حماد رحمه الله تعالى روايته عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقةٌ ، أعظمها فتنةٌ على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم ، يحرمون الحلال ، ويحلون الحرام ) (5) .
وهذا مما أنكروه على نعيم رحمه الله تعالى لحسبانهم أنه مما لفقه ضد أصحاب أبي حنيفة أو شبه عليه فيه ، ولذا سماهم البعض لذلك بأصحاب الرأي ، ولم يفهموا حقيقة هذا الحرف وما يدل عليه ، فالمراد به هؤلاء رؤوس الجهل الذين يخرجون بعد قبض العلم والعلماء وليس المراد به أبا حنيفة وتلاميذه ، وقد صح في البخاري وصف رؤوس الجهل بأنهم يفتون بالرأي ، ولا أدل على ذلك من حال هؤلاء المذكورين ، سدنة البدع أعوان الطواغيت أعداء الموحدين المهتدين ، الذين أضلوا خلقا كثيرا ، بعد ما غروهم ومنوهم التزام الهدى والنهج القويم ، لكن لما فحصت حالهم وتبين الصادقين في أقوالهم وأفعالهم ، وإذا بهم يفتون بالرأي والهوى ، مناهجهم تسير على غير أصول من سلف من الأئمة والعلماء ، فباتوا بها أشر خلف ، يكرسون بدعا في المعتقد مهلكة ، تردي في النفاق أو تجر لنواقض الكفر والردة ، فراجت بسببهم تلك البدع ، وكبت من تلبيسهم كل تقي ورع .
ولو ما ذهاب العقول ، واستحكام الغفلة وضعف الهمة في طلب الحق وتبينه لما خفى أمر هؤلاء المنافقين ، خصوصا منهم ذاك الفاني المدعو ألباني ، فقد زاد على ضلالات من سبقه ، بجهالات لا تروج إلا على من بلغ به الجهل حده ومنتهاه ، وقد رأيناهم بلا عقول ولا أفئدة ، أضل من الدواب الهائمة .
ومن أشنع أقواله وأدل العناوين على زيغه وضلاله ، بدعته المنكرة بالامتناع من اعتقاد كفر من سب المصطفى صلى الله عليه وسلم وحكي في مخالفة ذلك الإجماع ! ، وتعطيله لاعتقاد كفر من أشرك بالله تعالى الشرك الأكبر ، وهاتين وربي من أعظم جهالاته التي خالف فيها السلف بل والخلف ، ومع هذا اتخذه الهمج الرعاع في زماننا قدوة ، من المدعين السلفية وصحيحها تلفية ، تتلف القلوب وتمحق حق الرب المعبود ، في تكفير الكافرين والبراءة من كل خائن لدينه منافق .
وشايعه على بعض ضلالاته من شايعه وأخصهم الهالكان رفيقاه بالبدع والجهل ، كهلي السوء أهل الحور والخور ، العثيمين وابن باز ، ذاك المعمي قلبا وعينا .
فهؤلاء أبوا إلا أن يزكوا من هذه حاله بدلا من الإنكار عليه وكشف مدى جهله وضلاله وتعريف المغرورين المخدوعين عن حقيقة هذا الطالح ، أنه رأس بالابتداع لا الإتباع ، يحرم على من يخشى الله تعالى أن يتخذه إماما معلما وعلى الأخص في مسائل الإيمان .
وعلى العكس من ذلك ، أخذوا يوهمون الشباب التائه ببعض المطبوعات التي حسنوا لهم فيها اتخاذه مرجعا وهاديا ، فقادهم والعياذ بالله لشر المحدثات ، وتنكروا بآرائه لما كان عليه سلفهم من المحكمات الجليات ، ومنها كما قلت : الامتناع من تكفير ( ساب النبي ) صلى الله عليه وسلم ، ومن ( أشرك بعبادة الله ) سبحانه ، وفيهما مقنع على مدى بدعه وضلاله ، ووجوب حربه للقادر أو هجرانه .
وكان أن زاد على ما شره عم وطم ، محدثة عدم تكفير : ( من لم يحكم بما أنزل الله تعالى ) والجدال على ذلك على وفق أصول الكافر الجهم ، والأخيرة وافقه عليها كهلا السوء ، وشايعوه في نشرها متنكرين لعقيدة سلفهم في حكمها ، وكفى في رد ضلالهم في ذلك أن اتخذوا مثل هذا البالي قدوة وهو أشر أسوة ، فتعس التابع والمتبوع .
ولنبدأ بالأعمى خدنه ، وما أصدق قول الشاعر في حالهم :
فقد كنتما في الجهل والغي والهوى رضيعا لبانٍ بئس ما أنتَ فاعله
مسألتان تنكب ابن باز أعمى القلب مناهج من سبقه من الأئمة ، وتراجع في اعتقاده عما كان عليه سلفه في : حكم محكمة القوانين الوضعية ، من الذين اتخذوها شريعة قانونية ملزمـة لمن تحت ولايتهم في الأحكام القضائية .
والثانية : تلك البلية نكرانه كفر عبّاد الصالحين والأضرحة ـ وهو ما رجحه في أحد الوجهين وسيأتي نقل ذلك ـ ، موافقةً ومطابقة للضال الفاني البالي ، وهذا مشتهر عنه عرفه القاصي والداني ممن لهم أدنى اطلاع ، حتى طار بمعتقده من لا يخشى الله تعالى وصنف فيه على منواله .
وبفضلهم صار إعذار المشركين بالجهل في الشرك الأكبر هو السائد في الطغام على الوجه الذي اختاروه ، وبذلك كرس اعتقاد ابن جرجيس الخسيس ، وغلبت شبهه في أتباع هؤلاء وتأثروا بأكاذيبه التي اشتهرت عنه ، بل زادوا عليه الإعذار على سبيل التعليق لا التحقيق والفصل ، وهو الصريح من اختيار هذين الضالين وثالثهم في الجهل القصيمي ، ومن وقف على ترجيح الأعمى وجد منتهى مذهبه إلي تعطيل الألباني ، ولو شبه ولبس فالمفتون ما زال بالانتكاس ، من السيء للأسوء .
وهذا قوله فيمن عبد الصالحين والقبور وعذرهم بالجهل ، مع أنهم في الشرك الأكبر ، قال :
التوسل بالأولياء قسمان :
الثاني : هو دعاؤه بقول ( يا سيدي فلان انصرني أو اشف مريضي ) هذا هو الشرك الأكبر وهذا يسمونه توسلا أيضا ، وهذا من عمل الجاهلية ، عمل المشركين الأولين فقولهم : مدد يا بدوي مدد يا حسين ، هذا جنس عمل أبي جهل وأشباهه ، لأنهم يقولون : ﴿ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ﴾ .
هذا الدعاء كفر وشرك بالله عز وجل ، لكن اختلف العلماء هل يكفر صاحبه أم ينتظر حتى تقام عليه الحجة وحتى تبين له ، على قولين :
أحدهما : أن من قال هذا يكون كافرا كفرا أكبر لأن هذا شرك ظاهر لا تخفى أدلته .
الآخـر : أن هؤلاء قد يدخلون في الجهل وعندهم علماء سوء أضلوهم ، فلابد أن يبين لهم الأمر ويوضح لهم الأمـر حيث يتضح لهـم فإن الله قال : ﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾ فإذا وضح لهم الأمر وقال لهم : هذا لا يجوز قال الله كذا وقال الرسول كذا وبين لهم الأدلة ثم أصروا على حالهم كفروا بهذا .
وفي كل حال فالفعل نفسه كفر ، شرك أكبر لكن صاحبه هو محل نظر ! ، هل يكفر أم يقال أمره إلى الله ، قد يكون من أهل الفترة لأنه ما بين له الأمر فيكون حكمه حكم أهل الفترات أمره إلى الله عز وجل لأنه بسبب تلبيس الناس عليه من علماء السوء اهـ (6) .
انظروا لهذا التلبيس وكم هو مكشوف ديدن الخسيس ، حين انتهى إلى أن : هذا الذي حصل منه الشرك في حكمه وتكفيره نظر . وقد ألمح لعذره بما قال ، وهو اختيار منه ولا شك فقد ختم به الكلام وأغلقه بما رجح .
وبهذا آل باعتقاده لمذهب الألباني البالي في تعطيل هذا الحكم الرباني الذي مبنى الكفر بالطواغيت متأسس عليه ، فإن لم يكفر هؤلاء ويتبرأ منهم لن يقدر المؤمن على تحقيق البراءة في ذلك من معبوداتهم الشركية ، وهو ما لا يستقيم إسلام المرء إلا بتحقيقه ، وقول هذا الضال فيه تعطيل لهذا الأمر العظيم وهو ما دأب على إنكاره دعاة التوحيد خصوصا المتأخرين من الحنابلة الصالحين رحمهم الله تعالى ، وأصول الإمام ابن عبد الوهاب في تقريره غير خافية على هذا الجاهل لكنه انتكس في هذا الباب مثل ما انسلخ من إكفاره لمحكمة القوانين الوضعية ، بعد ما كان يعتقد كفرهم في حياة شيخه ابن إبراهيم رحمه الله تعالى وغيره ، وقد مر معنا في غير هذا المكان الكلام في ذلك فليراجعه من شاء ، ففيه كشف المستور من حال هذا المنافق المارق .
وقوله هذا نظير معتقد خدنه وشقيق شيبته الخائبة في الضلال ، في مناقضة أصول دعوة سلفه ابن عبد الوهاب ، ذاك الألباني الجاني ، القائل في عذر من أتى الشرك الأكبر على سبيل الإطلاق ، بنفي إقامة الحجة على جهلة اليوم من المشركين وتقريره استحالة بلوغها لهم !! ، فقال :
مع هذه الدلالات كلها نحن لا نستطيع أن نكفر هؤلاء المسلمين ، لأنه لم تقم الحجة عليهم ، لأنه ليس هناك دعاة أكفاء يبلغون الجماهير دعوة التوحيد خالصة لا شرك فيها ، ليس هناك من يسيطرون ، إنما هناك أفراد قليل جدا فأصواتهم ضائعة ليس لها تأثير ، إلا بأفراد يتصلون بهم في مناسبات خاصة أو عامة ، لكنها ليست شاملة .
هذه عقيدتنا ، لو وقع الفرد من هؤلاء الذين يصلون معنا ويصومون معنا ، لو وقع في الكفر نحن لا نكفره ، لكن إذا علمنا ذلك نبين له أن هذا هو الكفر ، وهذا هو الشرك بالله عز وجل ، فإياك وإياه اهـ (7) .
وهل بعد هذا التعطيل تعطيلا لهذا الحكم الفارق ما بين الإيمان بالطواغيت وعبادتها ، والكفر بها والإيمان بالله وحده لا شريك له ؟ ، وما جرأ هذا الماذق على مثل هذا إلا غلبة الرأي على رأسه الفاسد ، المملوء بالشبه الإبليسية الجرجيسية ، ويكفي من الشر سماعه من هذا ، أن لا يرى في نفسه أهلية إقامة الحجة على من عاصره ! .
وفي مثل عقيدة الألباني وابن باز هذه أصل الشيخ ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى فيما كتب من بيان نواقض الإسلام ، هذا على انه ناقض فقال الشيخ ابن سحمان رحمه الله تعالى :
من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم فهو كافر ! ، وهذا هو الحق وهو قول أهل السنة والجماعة ، قرر ذلك ابن عبد الوهاب وعده من نواقض الإسلام العشرة ( الثالث ) : من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم . . ، فهو كافر اهـ (8) .
وفي اعتقاد شقيقه الأعمى في الضلالة ، قوله : وفي كل حال فالفعل نفسه كفر وشرك أكبر ، لكن صاحبه هو محل نظر اهـ .
قال بعض مشائخ الدعوة النجدية : إطلاق مثل هذا جهل صرف ، لأن هذه العبارة لا تنطبق إلا على المعين ، ومسألة تكفير المعين مسألة معروفة ، يتوقف بالقائل للكفر حتى تقام عليه الحجة التي يكفر تاركها ، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس ، قال ذلك ابن تيمية مع أنه قرر ذلك مع قوله :
وهذا إذا كان في المسائل الخفية فقد يقال بعدم التكفير ، أما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية ، أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله .
قالوا : ولا تجعل هذه الكلمة عكازة يدفع بهـا في نحـر من كفر البلدة ، الممتنعة عن توحيد العبادة والصفات بعد بلـوغ الحجـة ووضـوح المحجة اهـ (9) .
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في إنكار هذه الجهالة بعد نقل كلام ابن القيم في " طبقات المكلفين " : لم يستثن إلا من عجز عن إدراك الحق مع شدة طلبه وإرادته له ، فهذا الصنف هو المراد في كلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم وأمثالهما من المحققين .
وأما العراقي ـ وأفراخه هؤلاء ـ وإخوانه المبطلون فشبهوا بأن الشيخ لا يكفر الجاهل ، وأنه يقول هو معذور ، وأجمعوا القول ولم يفصلوا ، وجعلوا هذه الشبهة ترساً يدفع بها الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، وصاحوا على عباد الله الموحدين كما جرى لأسلافهم من عباد القبور والمشركين وإلى الله المصير وهو الحاكم بعلمه بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون اهـ .
وعلق على هذا ابن سحمان بقوله : فتبين أن فرض كلام الشيخ شيخ الإسلام فيما نقله هؤلاء الجهلة أنه في غير ما يعلم من الدين بالضرورة ، وفي غير المفرط في طلب العلم والهدى ، وأنه في المسائل التي قد يخفى دليلها ، فإذا عرفت هذا تبين لك أنه لا حجة لهم في كلام الشيخ بل هو عليهم لا لهم ، وإيرادهم إياه مجرد هوس وتلبيس وتمويه وسفسطة ـ على عامة ساكني ساحل عمان ـ اهـ (10) .
قلت : وأعمى القلب هذا جعلها لخلفه عكازة تدفع في نحور الموحدين عن كل مشرك عنيد ، أو جاهل بليد ، لتتعطل الملة وتكل في الموحدين الهمة دون القيام بحق الله تعالى على العبيد الذي فرضه الله تعالى عليهم ، من الكفر بالطواغيت وتكفير من قدسها ، واتخذها مشرعة .
مع أنه لا يصح بتاتا إطلاق هذه المقولة ولا تقييدها في استحقاق اسم المشرك لمن فعل الشرك ، بل كل من فعل الشرك صار مشركا ، إنما اشترط بلوغ الحجة لأجل استحقاقهم للتعذيب ، لا لتعطيل استحقاقهم بذلك اسم المشرك مثل ما فعل هذا الجاهل ، وظنه الوجه من قول من قال في عدم التعيين في بعض مسائل القول فيها كفر ، مثل مسائل القدر ، والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء ، فأدخل هو جهلا ضمن ذلك من أتى الشرك الأكبر ، وهذا من تخليطه وتأثره بشبه من سبقه من أهل الضلال والزيغ الذين خلطوا في الباب وحملوا كلام أهل العلم على غير الصواب ، وقد استُدرِك هذا عليهم من الشيخ ابن عبد الوهاب والكثير من أتباع دعوته ، كلهم بينوا خطأ هذا وشنعوا على من نسبه لابن تيمية .
وابن تيمية نفسه رحمه الله تعالى ينفي عن عقيدته هذا الإطلاق ويقيده بشرط ( عدم التقصير ) ، مع حمله ذلك على ما دون الشرك ، فإن الشرك لا يصح فيه مقولة ( الخطأ ) وانه يؤجر فاعله إذا كان ( مجتهداً ) ، فقال : من كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من إتباع القرآن والإيمان مثلا ، أو لتعديه حدود ذلك بسلوك السبيل التي نُـهي عنها ، أو لإتباع هواه بغير هدى من الله فهو ظالم لنفسه ، وهو من أهل الوعيد ، بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطنا وظاهرا ، الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمر الله ورسوله ، فهذا مغفور له خطؤه اهـ (11) .
وأشد من أنكر هذا عليهم ابن عبد الوهاب نفسه رحمه الله تعالى فقد قرر رد هذا في كتابه " مفيد المستفيد " في أكثر من موضع ، بل وصف قائله باللعين ! ، فقال : لم يسمع أحد من الأولين والآخرين أن أحدا أنكر شيئا من ذلك أو استشكل لأجل ادعائهم الملة ـ يريد تكفير من أشرك ـ أو لأجل قول لا إله إلا الله ، أو لأجل إظهار شيء من أركان الإسلام ، إلا ما سمعناه من هؤلاء الملاعين في هذا الزمان من إقرارهم أن هذا هو الشرك ، ولكن من فعله أو حسنه أو كان مع أهله أو ذم التوحيد أو حارب أهله لأجله أو أبغضهم أنه لا يكفر ! ، لأنه يقول لا إله إلا الله ! ، أو لأنه يؤدي أركان الإسلام الخمسة ! ، ويستدلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها الإسلام ، فهذا لم يسمع قط إلا من هؤلاء الملحدين الجاهلين الظالمين اهـ (12) .
وقال : وما ذكرتم من قول الشيخ ـ يريد ابن تيمية ـ كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة ، وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة ؟ ، فهذا من العجب كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مرارا فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام ، والذي نشأ ببادية بعيدة أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف ، وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هو القرآن فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة اهـ (13) .
وبهذا وغيره يتضح أن هؤلاء رؤوس الجهل والضلال إنما حملوا أنفسهم شبهات الجرجيسيين ولم يتبعوا محكمات الموحدين وما أثبتوا في تخريجاتهم ، بل نراهم ينقلون أقوال من عاداهم ، وزيوف من صد عنهم ، مثل قول هذا الأعمى ورفيقه بالجحود والنكران .
وهم من أكذب الناس في دعواهم تأييد ما عليه ابن عبد الوهاب وأولاده ، وابن تيمية وتلاميذه ، فكل تقريراتهم في أمر العقيدة والتوحيد مما ذكرت على خلافهم ، خصوصا عقيدة ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو أكثر الاثنين يتمسح بكلامه هؤلاء ويدعيه ، وقد قرر في تكذيب ما عذروا به المشركين هذين الأحمقين فقال : إن حجة الله برسله قامت بالتمكن من العلم ، فليس من شرط حجة الله تعالى علمُ المدعوين بها ، ولهذا لم يكن إعراض المشركين عن استماع القرآن وتدبره مانعا من قيام حجة الله تعالى عليهم .
وكذلك إعراضهم عن استماع المنقول عن الأنبياء وقراءة الآثار المأثورة عنهم لا يمنع الحجة ، إذ المكنة حاصلة .. ، وعدم العلم ليس علما بالعدم ، وعدم الوجدان لا يستلزم عدم الموجود ، فهم إذا لم يعلموا ذلك لم يكن هذا علما منهم بعدم ذلك ، ولا بعدم علم غيرهم به اهـ (14).
أقول : وآكد ما يندرج تحت تأصيله هنا توحيد الله تعالى واجتناب الشرك به ، وهو أساس دعوة المرسلين ، ومن أجله أقام الله الحجة ببعثهم ، وهؤلاء الملاعين على خلاف سيرة أئمة الإسلام في إدراك هذا الأمر وتقريره ، والديانة به ، ولذا نراهم من شدة ضلالهم ونفاقهم انتهوا لعذر المشركين على الإطلاق ، وإنكار إكفار المنافقين على التأبيد ، وبات في دينهم وعقيدتهم لا أثر للنصوص الشرعية المتعلقة بكل ذلك ، وهذا تعطيل محض ، يؤول بلوازمه للزندقة والعياذ بالله .
وقال رحمه الله تعالى : الحجة قامت بوجود الرسول المبلغ وتمكنهم من الاستماع والتدبر لا بنفس الاستماع اهـ (15).
وهذا في حق كل مبلغ عنه الحجج ، فبلاغه لازم للمبلغ لا بشرط الاستماع نفسه ، بل يكفي في ذلك المقدرة على استماع الحجة التي قد يمنعه عنها مانع لا يعذر به ، وهذا في أصل الدين توحيد رب العالمين والنهي عن الشرك ، أما فيما دونه فهناك شروط لقيام الحجة لا بد من توفرها ليس هي محل كلامنا هنا .
وتمعنوا بكلام ثلاثي الشر والبدعة هؤلاء في إعذار جهال المشركين في وقتهم ، بكلام أئمة العلم الحقيقيين الصادقين في تبليغ رسالات ربهم وأسها توحيد رب العالمين ، قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمهم الله تعالى :
النقل والتعريف يتوقف على أهل العلم وكذلك بيان المعاني المقصودة ، والتأويلات المرادة وتقوم الحجة بهم ، وهم نواب الرسول في الإبلاغ عنه وقيام الحجة بهم اهـ (16) .
أقول : واليوم رؤوس الجهل والضلال الشاهدين على أنفسهم بانعدام الأهلية في إقامة حجة الله على خلقه بأساس الدين ورأسه التوحيد ، كيف يمكن لهم أن يكونوا أسوة وقادة لغيرهم وهم على هذا القدر من الجناية والخيانة لما ائتمنوا عليه من أمانة وجوب التبليغ ، فبدلوا نعمة الله كفرا ، وانقلبوا من أن يكونوا حجة بالحق للحق ، لأن يكونوا حجة بالباطل للباطل عوذا بالله من سوء المصير ، وكلام علماء الإسلام المحققين لما يجب عليهم بكل أمانة ، على ما علمتم إخواني من صدق بالأقوال والأفعال .
والجهاد لم يشرع كما علم كل مسلم إلا لإقامة حجة الله على الخلق ، وإلزامهم بما جـاء في ملة الإسلام من توحيد ، وحين رأى هؤلاء تعطيل الجهاد ، قامت رؤوسهم الخربة بتعطيل سبل الحجة ، فصار الناس هملا بغير حكمة على فهمهم ومعتقداتهم ، ظلمات يغشى بعضها بعضا ً، والله منزه عن هذا ، وكتابه يكذب هذا في الكثير من المواضع ، مثل قوله سبحانه : ﴿ أم حسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ﴾ وقال : ﴿ ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ﴾ .
ولا أخبث من الشرك والمشركين ، وهؤلاء يزعمون أن الله يعذرهم ويتركهم بلا حجة ، ومن آثر الشرك على توحيد الفطرة فالمؤثر به نفسه هو الحجة عليه أو له ، فإن كانت استجابته لمن دعاه للشرك فالحجة عليه ، لم لم يستجب لمن يدعوه لنقيضه التوحيد ؟ ، وقد استمعوا للقرآن ، وبلغهم كلام سيد الأنام ، وتداول علماء المسلمين على طول تواريخهم دراسة ذلك وتفصيله واستفاض ذلك عنهم ، ومجرد ثبوت الاستفاضة في ذلك من سبل الحجة على الخلق ، حتى ظهر الكتاب وعلا شأن القلم ، فصار من اليسير بلوغ كل ذلك لكل أحد ، ومن أعرض لا عذر له .
قال تعالى : ﴿ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون . ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ﴾ .
قال شيخ الإسلام : بين سبحانه أن من اتخذ الملائكة والنبيين أربابا فهو كافر ، مع أن المشركين إنما كانوا يتخذونهم شفعاء ويتقربون بهم إلى الله زلفى ، فإذا كان هؤلاء الذين دعوا مخلوقا ليشفع لهم عند الله كما يشفع المخلوق عند المخلوق فيسأله ويرغب إليه بلا إذن وقد جعلهم الله مشركين كفارا مأواهم جهنم ، فكيف بشرك هؤلاء الفلاسفة وما يثبتون من الشفاعة ؟ فإنهم يجوزون دعاء الجواهر العلوية ، الشمس والقمر والكواكب ، وكذلك الأرواح التي يسمونها العقول والنفوس ويسميها من انتسب إلى أهل الملل الملائكة اهـ (17) .
فهذا من يزعم عليه الضلال عذره المشركين بالجهل ، وتمنعه من تكفير المعين لذلك ، وهذا بيانه في كفر وشرك الفلاسفة ، وقد نقل عمن عين ابن سينا بالتكفير ، بل وصفه بأحد كتبه بالإلحاد ، وفي الاستقامة نسبه للصابئة ، والصابئة كفار ، وهو من أشهر الأعيان ، لم يمتنع منه ولم يشترط قيام الحجة عليه ، بل كان يراها قائمة عليهم بتعلمهم ما في الكتاب ودراسة ما فيه ! ، كيف لا وقد سبق نقلي عنه قوله بقيام الحجة لا بشرط الاستماع بل بالمقدرة عليه ، فكيف بمن تعلمها ودرسها ، ثم اعرض عنها للكفر والشرك ؟ .
وصرح أيضا رحمة الله عليه بتكفير الفارابي وقال عنه : الفارابي عندهم ـ يريد الفلاسفة المنتمين للإسلام ـ المعلم الثاني ، وزعم الضال الكافر : أن النبوة خاصتها جودة تخييل الحقائق الروحانية اهـ (18) .
وهو القائل رحمه الله تعالى : وبيان الأحكام يحصل تارة بالنص الجلي المؤكد ، وتارة بالنص الجلي المجرد ، وتارة بالنص الذي قد يعرض لبعض الناس فيه شبهة ، بحسب مشيئة الله وحكمته . وذلك كله داخل في البلاغ المبين ، فإنه ليس من شرط البلاغ المبين إن لا يشكل على أحدٍ ، فإن هذا لا ينضبط ، وأذهان الناس وأهواؤهم متفاوتة تفاوتا عظيما ، وفيهم من يبلغه العلم ، وفيهم من لا يبلغه ، إما لتفريطه ، وإما لعجزه ، وإنما على الرسول البلاغ المبين : البيان الممكن وهذا حصل من النبي صلى الله عليه وسلم اهـ (19) .
وما فوق أدلة الأحكام الشرعية ، أحكام التوحيد والنصوص الدالة عليه المحكمة في دلالتها والجلية ، إلا أن يجوّز المرء من هؤلاء أو من أتباعهم على متواتر تلك النصوص ونوازع تلك الفطرة اعتراء الشبهة ، فهذا زندقة من قائله ، وردة ممن يعتقده ، وكلام شيخ الإسلام إنما فرضه في أدلة الأحكام الشرعية ، فما بالكم بنصوص التوحيد ودلالاتها بالتواتر عليه ، إن ذلك مما لا يصح فيه دعوى تلبيس قادة رؤوسهم ذاك الشرك على التوحيد المحكم نصوصا وفطرة .
ومما وجدت من محكمات كلام ابن تيمية في هذا الخصوص قوله التالي تعليقا على قول الله عز وجل : ﴿ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين . أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم . أفتهلكنا بما فعل المبطلون . وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون ﴾ قال رحمه الله تعالى :
ذكر لهم حجتين يدفعها هذا الإشهاد :
﴿ أن تقولوا إنا كنا عن هذا غافلين ﴾ فبين أن هذا علم فطري ضروري لا بد لكل بشر من معرفته .
﴿ أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل . . ﴾ فهذا حجة لدفع الشرك ، كما أن الأول حجة لدفع التعطيل .
وهذا لا يعارض قوله تعالى : ﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾ فإن الرسول يدعو إلى التوحيد ، لكن إن لم يكن في الفطرة دليل عقلي يُعلم به إثبات الصانع ، لم يكن في مجرد الرسالة حجة عليهم .
فهذه الشهادة على أنفسهم التي تتضمن إقرارهم بأن الله ربهم ، ومعرفتهم بذلك ، وأن هذه المعرفة والشهادة أمر لازم لكل بني آدم ، به تقوم حجة الله تعالى في تصديق رسله ، فلا يمكن لأحد أن يقول يوم القيامة : إني كنت عن هذا غافلا ، ولا أن الذنب كان لأبي المشرك دوني ، لأنه عارف بأن الله ربه لا شريك له ، فلم يكن معذورا في التعطيل ولا الإشراك !، بل قام به ما يستحق به العذاب ! .
ثم إن الله بكمال رحمته وإحسانه لا يعذب أحدا إلا بعد إرسال رسول إليهم ، وإن كانوا فاعلين لما يستحقون به الذم والعقاب ، كما كان مشركو العرب وغيرهم ممن بعث إليهم رسول ، فاعلين للسيئات والقبائح التي هي سبب الذم والعقاب ، والرب تعالى مع هذا لم يكن معذبا لهم حتى يبعث إليهم رسولا اهـ (20) .
لا يعذبهم في الدنيا عذاب الاستئصال حتى يرسل إليهم رسولا ، ومن ظن أن العذاب المنفي والمشروط له إرسال الرسل عذاب الآخرة كذلك أخطأ وخالف ظواهر النصوص ، ومنها ما أشار إليه شيخ الإسلام ، وإنما شرط الإرسال واقع على عذاب الدنيا مثل ما هي سنة الله تعالى في السابقين واللاحقين ، وبدلالة ذلك استظهر اللحيدي عليه السلام في تقرير صحة اعتقاد أن المهدي رسول من رسل الله تعالى وفق هذه السنة ، إذ عذاب ما قبل القيامة مشروط كذلك بإرسال رسول من عنده سبحانه جريا على هذه السنة ، وقد نص القرآن ونصت السنة على بعث المهدي وإرساله ، فتعين تحقق الشرط قبل هذا العذاب وقد تحقق ، وبقى تحقق المشروط ، وقد تحقق شيء منه ، والله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون .
قال تعالى : ﴿ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير . قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء . إن أنتم إلا في ضلال كبير . وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير . فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ﴾ ومن المعلوم أن نفي السماع هنا يشمل السماع والتعقل عن الرسول مباشرة ، وعمن ينوب عن الرسول ، فلا يشترط السماع من الرسول مباشرة لإقامة الحجة ، بل الرسول مبلغ عن ربه ، ومن يتبعه ينوب عنه بالبلاغ وإقامة الحجة ، وإلا ما قامت حجة على مذهب هؤلاء الضلال على كل مشرك جاحد ، أو غير جاحد بل جاهل ، ولا كل كافر معاند أو جاهل ، بل كل من بلغته الحجة بالسماع عن الرسول أو من ينوب عنه ، أو قدر على السماع لكنه اعرض ولم يسأل فقد قامت عليه الحجة ، وهو ما تنكر له هؤلاء الضلال وجحدوه مخالفة للنصوص وكلام أهل العلم من قبلهم ، من مثل كلام ابن تيمية هنا رحمه الله تعالى ، فقد جعل مجرد الإشهاد قاطعا لعذر المشركين ، وموجبا لاستحقاقهم للعذاب ، ولم يعد ذلك منافيا لشرط الله تعالى على نفسه إرسال الرسول قبل العذاب ، بل جعل ذلك تفضلا منه سبحانه ، وقطعا لحجتهم ﴿ لولا أرسلت إلينا رسولا ﴾ أي قبل العذاب ، فأحب سبحانه قطع حجتهم هذه ، وهذه الآية قاطعة في أن المشروط له عذاب الدنيا لا الآخرة ، فكل من أتى مشركا يوم القيامة ، يحبط عمله ويكون من الخاسرين ، فالحجة لم تقم عليه بمجرد الإرسال ، بل بما أقام الله تعالى في فطرته من أدلة وحدانية الله تعالى ، وإيجاب نفي الشريك عنه .
أقول : وهؤلاء الضلال رؤوس الجهل والرأي نفوا كل ذلك وعطلوه ، مخالفا بهم الهوى والرأي للضد من كلام الله تعالى ورسوله وكلام العلماء ، والفطرة التي فطر الله عليها خلقه ، فنفوا حجج الله تعالى على خلقه بما ابتدعوا من خيالات الرأي وترهات العقول ، مثل قول العثيمين واشتراطه إطباق الخلق على التوحيد لينتفي عذر المشرك بالجهل ، مثل ما ببلده ـ هذا حسبه ، وإلا صنوف الشرك متعددة ، وشرك جزيرته من الطراز الأعم والأشمل ، إشراك في الحكم والقرار ـ ، أما في سائر البلدان فالمشركون أهل عذر ، إذ كثر الدعاة لعبادة الأولياء ! .
وابن باز الأعمى لحق بهم لكن على المعتاد بتلبيس تأصيلي تتقلب فيه الوجوه ، لكنه انتهى للحاق بالركب وانسلخ مما كان عليه مشائخه وأخصهم ابن إبراهيم رحمه الله تعالى ، مثل ما انسلخ من إكفار من حكم شريعة وضعية بدلا من شريعة الله تعالى وهو معتقد مشائخه كما بينت ذلك عنه في مقالتي ( الانتكاسة البازية في حكم محكمة القوانين الوضعية ) * , إلى موافقة من خالفهم في عدم تكفير من فعل ذلك وأثنى عليه وأوجبه ، فنعوذ بالله من ردة القلب والعقل .
قال ابن إبراهيم شيخ هذا الضال أعمى القلب والعين : الذين توقفوا في تكفير المعين في الأشياء التي قد يخفى دليلها فلا يكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية ، من حيث الثبوت والدلالة ، فإذا أوضحت له الحجة بالبيان الكافي كفر سواء فهم أو قال : ما فهمت ، أو ما فهم وأنكر ، فليس كفر الكفار كله عن عناد .
وأما ما علم بالضرورة أن الرسول جاء به وخالفه فهذا يكفر بمجرد ذلك ولا يحتاج إلى تعريف ، سواء في الأصول أو الفروع ، ما لم يكن حديث عهد بالإسلام .
إلى أن قال : وإمـام الدعوة ألف مؤلفا في مسألة تكفير المعين وأسماه بـ( مفيد المستفيد في حكم تارك التوحيد ) بين ووضح أنه لا مناص من تكفير المعين بشروطه الشرعية اهـ (21) .
وكان مما قال رحمه الله تعالى في رده على أحد المنتكسين مثل هذا الأعمى ابن باز ، واسمه أحمد بن عبد الكريم : وأما عبارة الشيخ ـ يريد ابن تيمية ـ التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من هذا كله ولو نقول بها لكفرنا كثيرا من المشاهير بأعيانهم ، فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة ، ومن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل أبي بكر ، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر ، كما كان الكفار تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قوله تعالى : ﴿ وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ﴾ وقوله : ﴿ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ﴾ .
فإذا كان كلام الشيخ ليس في الشرك والردة بل في المسائل الجزئيات سواء كانت الأصول أو الفروع ، ومعلوم أنهم يذكرون في كتبهم في مسائل الصفات أو مسألة القرآن أو مسألة الاستواء أو غير ذلك ، مذهب السلف ويذكرون أنه الذي أمر الله به ورسوله والذي درج عليه هو وأصحابه ، ثم يذكرون مذهب الأشعري أو غيره ويرجحونه ويسبون من خالفه ، فلو قدرنا أنها لم تقم الحجة على غالبهم فقد قامت على هذا المعين الذي يحكي المذهبين ، مذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ، ثم يحكي مذهب الأشعري ومن معه ، فكلام شيخ الإسلام في هذا النوع ، يقول : أن السلف كفروا النوع وأما المعين فإن عرف الحق وخالف كفر بعينه وإلا لم يكفر اهـ (22) .
ثم استدل رحمه الله لمن أنكر عليه من قول شيخ الإسلام بما أورد في كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم ) : ردة من ذبح لغير الله تعالى ، وحرمة ذبيحته . فبين ابن عبد الوهاب أن هذا منه ينافي تقولهـم عليه أنه لا يكفر المعين ، وحملهم كلامه المنقول سابقا على باب الشرك والتوحيد مثل ما هو في المتكلمين في مسائل الصفات وما يليق بالله جل وعلا ، مثل مذاهب الأشعرية وبعض أقوالهم ، وغيرهم من أهل الكلام والأهواء .
وقد رد على هذه الشبهة عبد الله أبا بطين وألزمهم التناقض في إعذارهم المشركين بالجهل ، لتركهم طرد ذلك في المشككين ، وقصرهم تحقق الكفر بالمعاند على الخصوص ! (23) .
وحتى على افتراض إنزالهم منزلة من لم تبلغه الحجة وأنهم بحكم أهل الفترة ، فقد كان يفتي شيخه بخلاف ما يفتي هو الآن إذ تقرر على أصوله أن أهل الفترة ليسوا بمسلمين بل هم كفار عنده ، فقال : هم كفار لا مسلمين ، أما عذابهم لا يكون حتى يبعث لهم رسول اهـ (24).
فهذه سنة شيخه ، أتباع أصول الدعوة النجدية في تقرير مسائل التوحيد بكل قوة ووضوح والتزام للحق ، فخلفهم هذا الرأس الضال بالخذلان وما زال الوضع بعده للأردى ، يتخالفونها بالانتكاس ، كلما أتى أخير صار أكثرهم انتكاسا وانسلاخا عن أصول القوم .
ورحم الله ابن تيمية إذ قال في من هم أحق من هؤلاء بوصف العلمية وتحمل المسؤولية : المرصدون للعلم عليهم للأمة حفظ علم الدين وتبليغه ، فإذا لم يبلغوهم علم الدين أو ضيعوا حفظه كان ذلك من أعظم الظلم للمسلمين ولهذا قال تعالى : ﴿ الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ﴾ ـ اللهم إني لعنتهم بلعنتك هذه مما ضيعوا من الدين وتوحيدك ـ ، فترك أهل العلم لتبليغ الدين كترك أهل القتال للجهاد ، وترك أهل القتال للقتال الواجب عليهم ، كترك أهل العلم للتبليغ الواجب عليهم ، كلاهما ذنب عظيم ، وليس هو مثل ترك ما تحتاج الأمة إليه مما هو مفوض إليهم اهـ (25) .
ولا أضر بمن يسمون أنفسهم دعاة للسلفية ـ وهم في الحقيقة تلف وأشر خلف ـ مثل ما أضر بهم هذا الثلاثي في الجهل مما لبسوا عليهم دينهم وأبعدوهم عن أهل التوحيد الخالص من شوائب الشرك والبدع حتى نفروهم منهم ، فبات بينهم أهل الحق أغرب الغرباء ، لا يقولون فيهم الحق ولا يعدلون بهم ، وشنشنتهم فيهم دائما تشبيههم بالخوارج المراق ، وهم والحق لله الخوارج الملعونون ، قتلة الموحدين أعداء الدين ، وما أصدق كلمات ابن تيمية رحمه الله تعالى في مثل حال هؤلاء المنافقين ، فقال :
الله يحب تمييز الخبيث من الطيب ، والحق من الباطل ، فيعرف أن هؤلاء الأصناف : منافقون أو فيهم نفاق ، وإن كانوا مع المسلمين ، فإن كون الرجل مسلما بالظاهر لا يمنع أن يكون منافقا في الباطن ، فإن المنافقين كلهم مسلمون في الظاهر ، والقرآن قد بين صفاتهم وأحكامهم ، وإذا كانوا موجودين على عهد رسول الله وفي عزة الإسلام مع ظهور أعلام النبوة ونور الرسالة ، فهم مع بعدهم عنهما أشد وجودا لاسيما وسبب النفاق هو سبب الكفر وهو المعارض لما جاءت به الرسل .
وأعداء الدين نوعان : الكفار والمنافقين . وقد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله : ﴿ جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ﴾ فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس : فسد أمر الكتاب وبدل الدين ، كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله .
وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سماعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا ، وهو مخالف للكتاب ، وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى : ﴿ لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ﴾ ولا بد أيضا من بيان حال هؤلاء ، بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم فإن فيهم إيمانا يوجب موالاتهم ، وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين ، فلا بد من التحذير من تلك البدع ، وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم ، بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق ، لكن قالوها ظانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها .
فبيان القول والعمل الذي دل عليه الكتاب والسنة واجب اهـ (26) .
ولا أبين من الحق الذي خالفه هؤلاء ، خصوصا منهم الألباني ، فقد خالف الإجماع في حكم ساب النبي صلى الله عليه وسلم ، نقل الإجماع في ذلك الإمام إسحاق بن راهويه قال : أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله . . ، أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله اهـ .
وهذا الجهمي الضال يعذر الساب بحجة أنه جاهل ، مخالفا إجماع المسلمين وأنه باق على أصله وهو الإسلام ! ، وقد قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في الساب : إن كان السب صادرا عن غير اعتقاد ، بل سبه مع اعتقاد نبوته أو سبه بأكبر مما يوجبه اعتقاده أو بغير ما يوجبه اعتقاده ، فهو من أعظم الناس كفرا بمنزلة إبليس وهو من نوع العناد أو سفه اهـ (27) .
فانظروا كيف انقلبت العقيدة والفطرة عند هذا المأفون ، حتى عمم بالعذر بالجهالة إلى هذا الحد ما أوقعه بمخالفة الإجماع ومثله لا يعذر بمخالفته تلك ، ولو أخذها من أصل مذهبه السابق ( المذهب الحنفي ) والذين غلب عليهم مذهب جهم في الإيمان ، أن الإيمان مجرد التصديق ، وأن القائل بالكفر لا يكفر البتة ما لم يعتقد هذا الكفر في قلبه ! .
وهم الذين اشتهر عنهم على وفق هذا الأصل : أن الذمي وإن سب النبي صلى الله عليه وسلم ، يترك وسبه . وقد جر هذا الجاهل الضال أصل أبي حنيفة هذا إلى من ينتمي للإسلام كذلك ، وقد شنع عليه هذا الرأي الإمام ابن حزم في محلاه فقال : كما أمر الله لا كما أمر أبو حنيفة إذ قال : إن سب المشركون أهل الذمة النبي تركوا وسبهم له حتى يشفوا صدورهم ويخزي المسلمون بذلك ، فتبا لهذا القول وقائله اهـ (28) .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : الكفر اعتقاد والاعتقاد يبقى في القلب وإنما يظهر أنه اعتقاد مما يظهر من مقول ونحوه ، فإذا ظهر فالأصل بقاؤه . وقال : الإيمان والنفاق أصله في القلب وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرعٌ له ودليل عليه ، فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه . ومعلومٌ أنه إذا حصل فرع الشيء ودليله حصل أصله المدلولُ عليه اهـ (29) .
إلا عند هؤلاء السفلة السفهاء رؤوس الجهل والضلال ، الذين انتهوا لمذاهب بدعية في الإيمان قلبوا فيها أحكامه وأسماءه ، وخالفوا ما أجمعت عليه الأمة في ذلك ، ومع هذا راجت أقوالهم وسادت مذاهبهم من كثرة الجهال وانتشار الضلال والعياذ بالله حتى عدت أقوال السلف ومذاهبهم هي البدعية التكفيرية عند هؤلاء وأتباعهم .
وقـد أفرد رحمـه الله تعالى كتابا في حكـم الساب وأسماه ـ الصارم المسلول على شاتم الرسول ـ وقرر فيه : أن الساب إن كان مسلما فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم . والساب كفره ظاهرا وباطنا ، سواء كان وهو يعتقد تحريم السب ، أو كان مستحلا ، أو ذاهلا عن اعتقاده ، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل ، فإن كان الساب مسلما وجب قتله بالإجماع ، لأنه بذلك كافر مرتد وأسوء من الكافر اهـ .
ونقل الإجماع على ذلك جماعة منهم ابن سحنون قال : أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المستنقص له كافر ، ومن شك في كفره وعذابه كفر اهـ . وهذا الفاني الألباني لم يشك بل قطع بعدم كفره ، وأراه هو الكافر المرتد لمخالفته إجماع المؤمنين وسبيل الموحدين في نفيه كفر ساب الرسول صلى الله عليه وسلم ، كذلك لنفيه كفر من أشرك بالله تعالى الشرك الأكبر ، وقد بان لنا من عقيدة هذا الأفاك تعطيل أسس في العقيدة ليرضي محيطه تأمينا لعيشه بالسلامة على نفسه وماله ودمه ، فباع بذلك دينه واستزله الشيطان .
قال ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : إن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه ، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بجهله اهـ (30).
فهذا الذي نسب له العذر بالجهل هؤلاء الكذبة مثل ما فعل أسلافهم من قبل مع ابن تيمية ، ثم انتهوا بعد ذلك لهذه المذاهب والمخالفات التي تورث الاستهانة بالعقيدة ، وتدفع بقلب المسلم للشك والريب ، حتى ينسلخ من دينه بموالاة المشركين أو ترك عداوتهم وهذا ضلال مبين .
ومما اتفق عليه العلماء : أن من شك في كفر من أجمعت على كفره الأمة أنه يكفر . وقد أجمعت على كفر ساب النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أجمع العلماء على كفر من أشرك الشرك الأكبر ، وقد تحقق من هذا مخالفة كل ذلك ، فبات لزاما على كل مؤمن يخشى الله ويرجو رضوانه اعتقاد كفر هذا ونفاقه ، وهو ممن لا يُعذر بالجهل لمقدرته على طلب العلم وتبين الحق في ذلك ، وقد علم الخاصة والعامة أهليته لهذا ، ومقدرته على التمييز ما بين مذاهب السلف وما أجمعت عليه الأمة ، وبين مذاهب أهل الأهواء والآراء .
ومما عرفوا كذلك موافقة الآخران له في مخالفته الإجماع الثاني في عدم عذر المشركين بالشرك الأكبر ، وأن من فعل ذلك صار كافرا مشركا .
وزادوا على ذلك موافقته على نفي قيام الحجة على مشركي زماننا مطلقا ، بما قالوه من أعذار منتهين بذلك لتعطيل هذا الحكم الأساس في الكفر بالطاغوت ومن عبده ومعاداتهم ، فتعسا لهم مع الهالكين .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل شيخ رحمه الله تعالى في رده على الصحـاف : التكفير بالشرك والتعطيل هـو أهم ما يجب من الكفر بالطاغوت ، والمسلم الحقيقي يجـزم ولا يتوقف بكفر من سـوَّى بالله غيره ، فإن التكفير بدعاء غير الله هو نص الكتاب والسنة ، وهـو من أعظم دعائم الدين اهـ (31) .
وقد نقل شيخ هذا الأعمى عن تقي الدين قوله : أجمع العلماء أن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم ، أنه يكفر إجماعا اهـ (32) .
قلت : نقل عنه في الإقناع (33) .
وهنا أنقل نصوص بعض العلماء في تكفير من أجمع العلماء على كفره ، وتكفير من شك في كفره :
قال ابن سحمان في رده على أحد خصومه : فإن كانت الأحكام التي لا ينبغي لي أن أتكلم فيها : ( أن هؤلاء الملاحدة ) ، أعداء الله ورسوله ، المعطلين للصانع عن عرشه ، وعلوه على خلقه ، الجاحدين لأسمائه ، وصفات كماله ، ونعوت جلاله ، ( قد اختلف العلماء في تكفيرهم ) ، وإذا اختلف العلماء فيهم كان الواجب السكوت عن بيان ( كفرهم وضلالهم ، وتكفير من لا يكفرهم أو شك في كفرهم ) .
لأنهم عند من لا يكفرهم . . مسلمون ، ومن كفر مسلما فقد كفر ، ولأنه يلزم من تكفيرهم أو تكفير من لم يكفرهم أو شك في كفرهم تكفير طوائف من العلماء لا يحصي عددهم ، أو تكفير من سكت عن تكفيرهم من عوام المسلمين ، وكذلك عباد القبور ، لأنه ربما لم تبلغهم الدعوة ، ولم تقم عليهم الحجة ، لأنهم جهال مقلدون .
فإن كانت هذه هي الأحكام التي أجهلها فإني لا أدع الكلام فيها ، وأبرأُ إلى الله من السكـوت عن بيان غلط من وهم فيها ـ وإن كان الحبيب المصافيا ـ لأجل شناعة المشنعين من أهل الجهل .
وقد ذكـر أهل العلم أن من لم يكفر المشركين ، أو شك في كفرهم فهو كافـر ، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام العشرة : ( الثالث : من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم فهو كافر ) اهـ (34) .
وعد رحمه الله تعالى ما ذهب إليه رؤوس الجهل هؤلاء في عذر مشركي زماننا من أقوال المبتدعة ، فقال : يُحكى عن طائفة من أهل البدع أنهم لم يحكموا بكفر المقلدين من جهال الكفار ، الذين هم أتباعهم وحميرهم ، ولم يحكموا لهم بالنار ، وجعلوهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة ، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم ، وقد اتفقت الأمـة على أن هذه الطبقة كفار ، وإن كانوا جهالا مقلدين لرؤوسهم وأئمتهم .
فلا يلزم من قيام الحجة وبلوغها أن يبلغها الإنسان لكل فرد من أفراد الجهمية وعباد القبور ، كما يزعمه هؤلاء الجهال ، الذين يدعون أن حجة الله بالقرآن لم تبلغ جميع الخلق ، وأنه لا بد من إبلاغها لكل فرد ، وما علمت هذا عن أحد من أهل العلم ، والذي ذكر أهل العلم أن هذا لا يلزم إلا من نشأ ببادية بعيدة ، أو كان حديث عهد بإسلام ، أو يكون ذلك في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس ، وأما من كان بين أظهر المسلمين كجهمية دبي وأبي ظبي وأباضية أهل الساحل وجهميته ، فهؤلاء قد بلغتهم الدعوة ، وقامت عليهم الحجة .
ومن الخطأ البين القول : بأن هذا الصنف ـ من مقلدة الكفار ـ لا يكفرون حتى تقام عليهم الحجة ، لأنهم عوام لم يفهموا معاني القرآن ، ولم يكن لهم معرفة واطلاع بالتفاسير ، ولا بمنازعة أهل السنة والجماعة لعلمائهم الذين أضلوهم .
فهذا القول كله خطأ محض فإن هذا لا يشترط في قيام الحجة ، فإن قيام الحجة وبلوغها نوع وفهمها نوع آخر ، كما قال الشيخ ابن عبد الوهاب .
وقد فصل وبين حكم هذه المسألة ـ يريد ابن القيم ـ ووضحها في " الطبقات " ولم يستثن إلا العاجز عن إدراك الحق مع شدة طلبه وإرادته .. .
وأمـا من صـدر عنه مـا يوجب كفره من الأمور التي هي معلومة من ضروريات الدين ، مثل عبادة الله سبحانه وتعالى ، وإثبات علوه على عرشه ..
فإن المنع من التكفير والتأثيم بالخطأ والجهل في هذا كله رد على من كفر معطلة الذات ، ومعطلة الربوبية ، ومعطلة الأسماء والصفات ، ومعطلة إفراد الله تعالى بالإلهية ، والقائلين بأن الله لا يعلم الكائنات قبل كونها ، كغلاة القدرية ، ومن قال بإسناد الحوادث إلى الكواكب العلوية ، ومن قال بالأصلين النور والظلمة ، فإن من التزم هذا كله هو أكفر وأضل من اليهود والنصارى ، فإن من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن في المنع من تكفير هؤلاء ، وتأثيمهم بالجهل والخطأ في كل هذه المعائب رد على من كفرهم من أهل السنة والجماعة ، وتضليلهم ، ومن التزم هذا كله ، ومنع من تكفيرهم فهو أكفر وأضل من اليهود والنصارى ، كيف لا ؟! ، وقد اتفقت الأمة على أن أتباع الكفار الجهال المقلدين لهم الذين هم معهم تبع يقولون : إنا وجدنا آباءنا على أمة . ولنا أسوة بهم أنهم كفار ، وإن كانوا جهالا مقلدين لرؤسائهم ، فكيف بالجهمية المعاندين ، وقد قال أحمد في أصناف منهم : ومن لم يكفر هؤلاء القوم فهو مثلهم .
وقال الإمام أبو زرعة : ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفرا ينقل عن الملة ، ومـن شك في كفره ممن يفهم ولا يجهل فهو كافر .
وشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم قد صرحا في غير موضع أن الخطأ والجهل قد يغفرا لمن لم يبلغه الشرع ، ولم تقم عليه الحجة في مسائل مخصوصة إذا اتقى الله ما استطاع ، واجتهد بحسب طاقته ، وأين التقوى ، وأين الاجتهاد الذي يدعيه عباد القبور ؟ والداعون للموتى والغائبين ، والمعطلون للصانع عن علوه على خلقه اهـ (35) .
وقـال ابن سحمان رحمـه الله تعالى أيضـا : ذكـر في " الإقناع " و " شرحه " و " الفروع " و " الإنصاف " عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه قال : ( من دعى علي بن أبي طالب فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر ) .
وذكـر ابن عبد الوهاب في بعض رسائله عن أهل العلم أنهـم قالوا : ( من شك في كفر أتباع ابن عربي فهو كافر ) .
فإذا علمت هذا وتحققته ، فاعلم أن هذا هو سبيل المرسلين ، ومن قفا أثرهم من الآل والأصحاب والتابعين ، ومن بعدهم من الأئمة المهتدين ، فحجة الله هي القرآن ، فمن بلغه القرآن فلا عذر له ، وليس كل جهل يكون عذرا لصاحبه ، فهؤلاء جهال المقلدين لأهل الكفر كفار بإجماع الأمة ، اللهم إلا من كان منهم عاجزا عن بلوغ الحق ومعرفته لا يتمكن منه بحال ، مع محبته له وإرادته وطلبه وعدم المرشد إليه ، أو من كان حديث عهد بالإسلام ، أو من نشأ ببادية بعيدة فهذا الذي ذكره أهل العلم انه معذور ، لأن الحجة لم تقم عليه ، فلا يكفر الشخص المعين حتى يعرف وتقوم عليه الحجة بالبيان ، وأما التمويه والمغالطة من بعض هؤلاء بأن شيخ الإسلام توقف في تكفير المعين الجاهل ، فهو من التلبيس والتمويه على خفافيش البصائر ، فإنما المقصود به في مسائل مخصوصة قد يخفى دليلها على بعض الناس ، كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء ، فإن بعض أقوالهم تتضمن أمورا كفرية من رد أدلة الكتاب والسنة المتواترة ، فيكون القول المتضمن لرد بعض النصوص كفرا ، ولا يحكم على قائله بالكفر ، لاحتمال وجـود مانع يمنع منه ، كالجهل ، وعدم العلم بنفس النص أو بدلالته ، فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها ، ولذلك ذكرها في الكلام على بدع أهل الأهواء ، وقد نص على هذا فقال في تكفير أناس من أعيان المتكلمين بعد أن قـرر هذه المسألة فقال : ( وهذا إذا كان في المسائل الخفية ، فقد يقال بعدم الكفر ، وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية ، أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله ) .
وهـؤلاء الأغبياء أجملوا القضية ، وجعلوا كل جهل عذرا ، ولم يفصلوا ، وجعلوا المسائل الظاهرة الجلية وما يعلم من الدين بالضرورة ، كالمسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس ، وكذلك من كان بين اظهر المسلمين ، كمن نشأ ببادية بعيدة أو كان حديث عهد بالإسلام ، فضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل اهـ (36) .
أقول : صدق رحمه الله تعالى ، وعلى تقريره هذا من سبق من أهل العلم وتبين الحق ، لا يعذرون الجاهل بما لا يخفى من أصول الدين ولا أحكامه ويعتبرون لما استفاض علمه وتم للمكلفين المقدرة على تبينه ، على خلاف ما عليه هؤلاء المعطلة الجهلة ، فقال الإمام البغوي رحمه الله تعالى :
اليوم في زماننا إذا أنكرت طائفة من المسلمين فرض الزكاة ، وامتنعوا من أدائها ، كانوا كفارا بإجماع المسلمين ! ، والفرق بين هؤلاء وبين أولئك القوم حيث لم يقطع بكفرهم ، وكان قتال المسلمين إياهم على استخراج الحق منهم دون القصد إلى دمائهم ، أنهم كانوا قريبي العهد بالزمان الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام ، ووقعت الفترة بموت النبي صلى الله عليه وسلم وهم جهالٌ بأمور الدين لحدوث عهدهم بالإسلام ، فداخلتهم الشبهة فعذروا .
وأما اليوم فقد استفاض علمُ وجوب الزكاة حتى عرفه الخاصُ والعام ، فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها ، وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئا مما اجتمعت عليه الأمة من أمور الدين ، إذا كان علمه منتشرا كالصلوات الخمس وصيام شهر رمضان والاغتسال من الجنابة وتحريم الزنا والخمر ونكاح ذوات المحارم في نحوها من الأحكام ، إلا أن يكون رجل حديث عهد بالإسلام ولا يعرف حدوده ، فإذا أنكر شيئا منها جهالة لم يكفر ، وكان سبيله سبيل أولئك القوم .
فأما ما كان الإجماع فيه معلوما من طريق الخاصة ، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها ، وأن قاتل العمد لا يرث وأن للجدة السدس وما أشبه ذلك من الأحكام ، فإن من أنكر لا يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة اهـ (37) .
فانظر كيف فرق ما بين ما يعلمه الخاصة والعامة ، وبين ما لا يعلمه إلا الخاصة ، وهذا في باب الأحكام لم يطلق العذر بالجهل مثل ما فعل هؤلاء الضلال في أحكام التوحيد ووجوب تجنب الشرك ، الذي علمه الخاصة والعامة ورسخه الله تعالى في فطر الخلق جميعهم ، فلم يرضوا ينزلوه بمنزلة ما اشتهر واستفاض العلم به من أحكام الدين الجلية ، مثل وجوب الصلاة وأداء الزكاة وصوم رمضان وما شابه ، فانتكست فطرتهم وتعطلت مداركهم فباتوا رؤوسا بالجهل والضلال يفتون بالرأي والهوى على مـا أخبر عنهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ، مخالفين من سلف في تكفير من استحق الكفر وأوجب إقامة حد الله فيه .
ورحم الله تعالى من قال : فرحم الله امرأ نظر في نفسه وتفكر فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله من معاداة من أشرك بالله من قريب أو بعيد وتكفيرهم وقتالهم حتى يكون الدين كله لله ، وعلم ما حكم به محمد r فيمن أشرك بالله مـع ادعائه الإسـلام ، ومـا حكـم في ذلك الخلفاء الراشدون كعلي وغيره اهـ (38) .
فأنعم به من إمام جرد التوحيد وبرأ من الأوثان وعابديها ، وتفكر بأدلة نبيه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب فوعاها ثم بلغها قولا وعملا ، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة ، وبارك في أجره بمن انتفع بعلمه بعده إلى يوم الدين .
ومن درره رحمه الله تعالى في نفي قول المبطلين عنه انه يعذر بالجهل على سبيل الإطلاق والتعميم ، تعليقه على ما أورد في كتابه النافع التوحيد ، قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن جعل في يده حلقة من صفر لتدفع عنه بعض ما يجد من ألم ، فقال منكرا على هذا الرجل : ( ويحك ما هذه ؟ ) ، قال الرجـل : من الواهنة . فقال له : ( انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنا ، فإنك لو مِـتّ وهي عليك ما أفلحت أبداً ) اهـ (39) .
قال رحمه الله تعالى تعليقا على هذا : لم يعذره بالجهالة اهـ (40) .
قلت : وهذا في الشرك الأصغر ، فما بال هؤلاء الضلال أطلقوا العذر بالجهل لمن أتى الشرك الأكبر ، وهذا الرجل لم يعذره المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يقينا لم يفعل ما فعل إلا من جهل ، ومع هذا قال فيه صلى الله عليه وسلم ما قال ، فهل هم أعلم بالشرك وحكمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! .
ولما كان حال هؤلاء الرؤوس الجاهلة الضالة في العقيدة على ما بينت ، وقد كثر في الناس الجهل بعد ما قبض العلم ، وصار الدين غريبا شريعة وعقيدة ، فاتخذ الكثير من همج الناس السفلة الرعاع هؤلاء معلمين ومفتين ، فقدموهم وعظموهم وردوا بأقوالهم الكثير من الحق ، ووالوهم وأحبوهم تعصب من عمي قلبه عن الحق ، وقاربوا أن ينسبوا لهم العصمة بما قدموا من أقوالهم على ما أجمعت الأمة على خلافه على ما بينت سابقا ، حتى باتت أقوالهم عند هؤلاء لا تحتمل الباطل ومن افترض فيها الخطأ والزلل عابوه ، ومن ردها واستنكرها جرموه ، وجعلوا الحق يدور مع أقوالهم وآرائهم ، فكل ما رجحوه صار هو الراجح ، وما قالوا ببطلانه ورده ردوه ، ولو كان على هذا خلاف من كان من السلف أو من سبق من العلماء ، وهذا كله من الضلال المشاهد الآن في زماننا ، لغلبة الجهل في الناس وإيثارهم سلامة الأنفس والأموال على سلامة المعتقد والإسلام وهي سنة في هؤلاء الرؤوس الملعونة وأتباعهم على سنتهم يلوذون ببعضهم البعض في ذلك ، حتى انسلخ بذلك الدين واندرس وأميتت أحكامه .
وكان في أتباعهم من سفلة الناس الاختلاف على أقوالهم ، فانقسموا لمذاهب :
منهم الغلاة الذين قالوا بقولهم في عذر المشركين بالشرك الأكبر لجهلهم ، على ما زعم هؤلاء الرؤوس الضالة .
ومنهم من قال بقولهم هذا في عباد القبور والأولياء ، دون قول ذلك في مشركي الحكم والتشريع ، مضطربين بين ذلك ، يأخذون من أقوال رؤوس الجهل ما يؤيد اعتقادهم في شرك دون شرك ، محض تحكم على دين الله تعالى وافتراء .
وسيأتي الكلام على اختلافاتهم هذه ونقل بعض من أقوالهم في ذلك كله بحول الله تعالى في الفصل التالي ، مع وقفات أخيرة لنا مع مخالفتهم في شرك الحكم والتشريع وحكم من نقض شرع الله أو رده ولم يلتزم الحكم به ، والذي تحقق فيه مخالفة منهم لإجماع الأمة والعلماء وعامة الفقهاء .
----------
(1) مصنف عبد الرزاق (11/249) وراجع بيان العلم وفضله لأبي عمر (1/157) ..
(2) الفتح (13/291) .
(3) الدارمي في سننه (1/77) ، ومثله عن عوف بن مالك في مسند الشاميين (1/56) ، وعن ابن لبيد رواه زهير بن حرب النسائي في العلم (ص 15) .
(4) أخرجه ابن عدي في الكامل (4/1543) ، والداني (3/545) ، وقريب منه ما روي عن ابن عمر وفيه : مساجدهم عامرة خراب من الهدى .
(5) عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد ( 1/179 ) للبزار والطبراني وقال رجاله رجال الصحيح . وذكره جماعة عنه منهم الخطيب والبيهقي وابن عدي وأبو زرعة الدمشقي والحاكم وصححه . قال أبو زرعة الرازي كما في الضعفاء : لم يروه عن عيسى بن يونس غير نعيم (2/715) وسأل يحيى عنه محمد بن علي المروزي فقال يحيى : ليس له أصل ونعيم ثقة . قالوا : كيف يحدث ثقة بباطل ؟ ، قال : شبه له اهـ . ( حاشية ضعفاء الرازي 2/704) قلت : بل شبه عليكم ، وأصحاب الرأي هنا هم رؤوس الجهل الذين من أخص صفاتهم الإفتاء بالرأي ، الذين يكون خروجهم عند افتراق الأمة آخر الزمان على ما ورد بخبر عوف بن مالك .
(6) نقله عنه : سيد الغباشي في كتابه ( سعة رحمة رب العالمين ص78 ) .
(7) المرجع السابق ( ص 82 ) .
(8) كشف الأوهام والالتباس عن تشبيه بعض الأغبياء من الناس ( ص72 ) .
(9) إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية ص (158) .
(10) كشف الشبهتين ( ص 90 ) .
(11) درء تعارض العقل والنقل (1/58) .
(12) مفيد المستفيد ( ص43 ) .
(13) الدرر السنية (8/90) .
(14) الرد على المنطقيين ( ص 99 ) .
(15) دقائق التفسير جمع وتحقيق محمد السيد الجليند (5/81) .
(16) مصباح الظلام ( ص 124 ) .
(17) الرد على المنطقيين ( ص 534 ) .
(18) مجموع الفتاوى (2/86 ) .
(19) منهاج السنة (8/575) .
(20) درء تعارض العقل و النقل (8/490) .
* سيلحق نص هذه المقالة في آخر الكتاب إن شاء الله .
(21) فتاوى ابن إبراهيم (1/73) .
(22) الدرر السنية (8/79) .
(23) راجع قوله في الدرر السنية (8/209) وما بعده .
(24) فتاوى ابن إبراهيم (1/246) .
(25) مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/ 187) .
(26) المرجع السابق ( ص 199 ، 232 ) .
(27) مجموع الفتاوى (2/472) .
(28) المحلى (7/258) .
(29) مجموع الفتاوى (2/453) .
(30) الدرر السنية (1/50) .
(31) الإتحاف في الرد على الصحاف ( ص 30 ، 34 ، 44 ، 46 ) .
(32) فتاوى ابن إبراهيم (1/125) .
(33) انظر كشاف القناع (6/148) .
(34) كشف الأوهام والالتباس ( ص 36 ، 39 ) .
(35) تمييز الصدق من المين في محاورة الرَّجُـلين ( ص 66 ، 137 ) وكشف الأوهام والالتباس عن تشبيه بعض الأغبياء من الناس ( ص 47 ، 90 ، 112 ) .
(36) كشف الأوهام والالتباس ( ص 86 ، 116 ) .
(37) شرح السنة (5/492) .
(38) مفيد المستفيد ( ص 28 ) .
(39) رواه أحمد في المسند وصححه ابن حبان والحاكم وأقره الذهبي .
(40) ذكره صاحب الحاشية على كتاب التوحيد عن مشائخه عنه رحمه الله تعالى ( ص 77 ) .