..

سين هو الحسين
الله يعجزهم بكتابه بإسم المهدي

.....
وبعد الكلام على الحرف المشهور من قراءة أبي وعنه ابن عباس رضي الله عنهما : ( ولا محدث ) . فلا زلت مع الأثر المذكور في كلام سؤال الاخ الفاضل في الفصل السابق السادس قوله :

وأخرج ابن ابي حاتم عن سعد بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن عوف مثله وزاد : فنسخت (محدث) قال والمحدثون صاحب يس ولقمان ، ومؤمن آل فرعون وصاحب موسى اه.

أقول : هذا يجرنا من كلام سعد إلى أن يس من المحدثين وهذا هو الحق لأن يس ما هو إلا المهدي بلحمه ودمه وروحه الصالحة ولو جهل الناس تلك الحقيقة وأخطأوا الإيمان بها ، وإن كان يس حقا هو المهدي فسيكون إرساله حق على اختيار سعد هذا فيرجع ظنه عليه وظن من استدل بقوله على ما نقل عن الأخ السائل قبل بأن أمره مما سبق برأي سعد حفيد عبدالرحمان بن عوف ، والحق أنه مما يأتي لأنه المهدي الذي أخطأت سائر الأمة على أمره وحقيقته الشرعية وبدهي أن يخطئوا في تعيينه تبعا لخطئهم الأول فرسول الله يجب أن يطاع بإذنه تعالى ويتبع لا أن يطيع من دونه فهو المناط به إيمانه بما بعثه الله به والناس سيكونون تبعا له في ذلك ومن يخطىء في هذا ويضل سيفوته ذلك التعيين الحق لعينه لا محالة مهما أتتهم الآيات من الله عز وجل بتصديق ذلك ، وسيكون خطأهم في ذلك عظيم وضلاله أكيد وخيم لأن الله تبارك وتعالى حسم لهم أمره هناك وبين آياته وبراهينه وأقسم بتلك السورة سورة المهدي الحسين على أنه من المرسلين وكان فوق أنه قسم لله عز وجل على ذلك قضاه بالقرآن ولم يكن ذلك لغير المهدي قط في القرآن توثيقا لأمره وقطعا لكل شك وردا لأي وهم حسما بتلك الآيات الخاصة بالمهدي لنصرته ضد كثرة المكذبين وابتلائه بكثرة الجاحدين المتكبرين المعاندين ، وعليه توج آياته تلك بإفتتاح تلك السورة بإسمه المرموز آية لأمره حتى يعرف الخلق أن الله معجزهم ومؤيده أولا : بهدايته للعلم بذلك قبل أي أحد قبله .

وثانيا : منع أي حرف من كلام العرب يوافق إفتتاح تلك السورة إلا أول حرف من إسمه تصديقا له وآية باهرة له ضد خصومه فجعل الرحمان قسمه ذاك بالقرآن على أن المهدي الحسين من المرسلين مؤكدا على هذا بقسمه العظيم ، وبإعجازهم من أن يركبوا أي حرف من حروف العربية على ذلك الحرف إلا أول حرف من اسمه ، وسيأتي معنا مزيد شرح وتقرير في ذلك .

ويتوهم عبدالرحمان السعدي في تفسيره " تيسير الكريم الرحمان " عند كلامه مفسرا معنى القسم بالقرآن الحكيم على أن المهدي من المرسلين متوهما أن المراد النبي صلى الله عليه وسلم جاهلا المعني بياسين من المقصود فيقول : ( يس ، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِين ، عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ، هذا قسم بالقرآن الحكيم الذي وصفه الحكمة وهي وضع كل شيء موضعه .. ومن حكمة هذا القرآن أنه يجمع بين ذكر الحكم وحكمته فينبه العقول على المناسبات والأوصاف المقتضية لترتيب الحكم عليها (إنك لمن المرسلين) هذا هو المقسم عليه .. إنك من جملة المرسلين فلست ببدع من الرسل وجئت بما جاء به الرسل ، ولا يخفى ما بين المقسم به وهو القرآن الحكيم وبين المقسم عليه وهو رسالة الرسول من الاتصال وأنه لو لم يكن لرسالته دليل ولا شاهد إلا هذا القرآن الحكيم لكفى به دليلا وشاهدا على رسالته بل القرآن أقوى الأدلة المتصلة المستمرة على رسالة الرسول فأدلة القرآن كلها أدلة لرسالته ، ثم أخبر بأعظم أوصافه الدالة على رسالته وهو أنه (على صراط مستقيم ) .

أقول : معنى قسمه هنا ووصفه بالحكمة على إرسال رسوله ذاك لما اقترن بذلك الذكر في تلك السورة وبإفتتاحها من إخفاء اسم هذا الرسول على الجميع وبطريقة ربانية معجزة لا تتكشف استارها من الله عز وجل إلا لذاك الرسول وحده هبة واختصاص من مولاه منزل القرآن فلا يتصل بذلك القرآن الا به وبعصره وجيله ولا تكن سائر آيات بعثه مجتمعة مقترنة إلا بوقته آيات من الله تبارك وتعالى منصوص عليها بهذا الكتاب المجيد الحكيم ، ولهذا المعنى كان القسم ولتلك الغاية كان وصف الكتاب بالحكيم وذاك الرسول بالإرسال وأنه على صراط مستقيم ، ويبينه وصفه للقرآن في ذكر ذاك الرسول وقومه بالمبين في سورة الدخان فهو حكيم مبين بذات الوقت عند بلوغه ذكرهم ونشر تأويل آياتهم ، وكل شيء سيكون مبين في وقتهم الكتاب والدخان ورسولهم حتى أنهم لن يفيدهم شيء بعد فوت ذلك عليهم من شدة بيان الأمر مع عدم إنتفاعهم من حكمة القرآن وقوة بيانه في شأنهم حتى قضي عليهم في الكتاب بقوله : ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون .. وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) . وقال :( ياحسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون ) . وكان الأمر في حالهم المذكور بنفي الإيمان عن أكثرهم آية إضافية مؤكدة على أن هذا الرسول وقومه ليس كما توهمت الأمة لا السعدي وحده أنه النبي وقومه قريش فأولئك آمن أكثرهم ونجى الكثير منهم وعد الهلكى منهم بعدد أصابع اليدين فأين هذا الذكر منهم لو كانوا هم المعنيين والمعتبر بحال المعاصرين مع رسوله فهؤلاء من حق في حالهم الحسرة لعدم إيمانهم بحكمة القرآن ولا ببيانه لما وصلهم الذكر وهؤلاء هم من تحقق من أكثرهم عدم الإيمان والصد عن القرآن .

وكان كلام الله تعالى هناك في سورة يس وتفاصيله ممعنة في تعيين حاله مع قومه للغاية ولم لا وهي السورة التي اختصت بذكره وذكرهم .

وبطول القرآن وعرضه لم يقسم تعالى على إرسال رسول إلا بتلك السورة للمهدي جعل قسمه على إرساله بالقرآن وأنه على صراط مستقيم ، خبر ثان لإن ( إنك لمن المرسلين )ليحسم الأمر فلا يزيغ عن أمره إلا هالك زائغ ينتهي لمعارضة ما أحب الله تعالى ورضي وقدر في غيبه : ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ) ، ( وسواء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ، إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) وهذا حكمهم من دون الإيمان بأمر رسولهم المهدي واتباع أمره وتصديقه ، وليس وراء عدم الإيمان به إلا ذلك ، ولن يصدقه ويؤمن به إلا من آمن بالذكر ومن الذكر تلك التفاصيل المذكورة في سورة الحسين ( يا سين ) وسورة الدخان وغيرهن في القرآن ، ومن ذلك الذكر أيضا ما ورد في صدر سورة البقرة كما سيأتي وفيه الكشف عن سر تطابق الفاظ الآيات ما بين أول سورة البقرة وسورة ياسين للعلاقة ، وذلك قوله عز وجل في سورة البقرة : ( سواء عليهم أئنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ) فأنزل ذات الحروف والكلمات في السورتين لإرادته التنبيه على ذات المقصود والمعنى ولذلك نص على غشاوة الدخان لأعينهم فمقابل الختم المعنوي على قلوبهم وأسماعهم نص على غشيان حقيقي لأعينهم ومراده الدخان لأن ختم القلب والسمع يصح وصفه بذلك معنويا لكن البصر لا فماذا سيغيب عن أعينهم لا يبصرونه ، ولما كان حقا هو مقصوده ردد الإشارة له في سورة يس أيضا بأكثر من موضع لأنهم أهل الدخان وتلك السورة خاصتهم وفيها ذكرهم وذكر رسولهم فأشار تعالى له أكثر من مرة وما ذلك إلا للتأكيد على أن ذلك ذكرهم حقا : ( وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون ) سيسألون حقا لأنهم سيدركون التأويل ، ( فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) ، يأتيهم لأنهم مدركون أنباءه وتحقق تأويله حقا وهو ذكرهم لا غيرهم ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولا من دونهم إلى يوم بلغ الزمان هؤلاء فتحقق بهم تأويل ذلك الذكر من سورة يس وغيرها .

قال تعالى في سورة يس إشارة للدخان وهي الأولى : ( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) . عدم إبصار حقيقي لا أنهم يسلبون البصر بالكلية بل تفقد أعينهم ما اعتادوا مشاهدته قبل كالشمس شروقها ومغربها والقمر والنجوم نتيجة غشيان ذلك الدخان لفضائهم بدليل أن منذرهم لا زال يدعوهم ويصدون عنه ولا يؤمنون بأمره أنه من الله تعالى كما هو ظاهر من سياق تلك الآيات ، وهذا لا يستقيم أن يكون حال من عميت عيونهم وذهب الله بأبصارهم بالكلية .

كما لا يمكن حمل ذلك على عدم الإبصار معنويا لا حسيا ما تقرر في سورة يا سين نفسها في قوله عز وجل وهي الإشارة الثالثة لذلك الدخان في سورة يس : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) وهذا محسوس يشعرون به حين يذكرون بذلك الدخان لما غشاهم وقيل لهم اتقوه فها هو يعلوكم ويسد ما بين أيديكم وما خلفكم وهو ذكركم الذي نص عليه ربكم بالكتاب الامام وفي الأنبياء وآخرا القرآن .

ومصداق ذلك أيضا ما في سورة الدخان قوله تعالى : ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) فهو دخان حقيقي يغشاهم ويبصرونه وهم ليسوا عميانا دخان حقيقي مشاهد لا كما زعم ابن مسعود قوله أنه خيال خيل لهم بل هو دخان حقيقي وصفه المولى في سورة الدخان بأنه مبين وقد رد قول ابن مسعود في ذلك ابن كثير في تفسيره .

ومن تطابق الفاظ الآيات ما بين أول سورة البقرة وسورة ياسين للعلاقة ما تقرر بكلا السورتين في صفة من يؤمن بالمهدي وما جاء به في دعوته ، فقال في سورة يس سبحانه عنهم ما يلي :

﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾

بينما قال عنهم في سورة البقرة :

﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ، والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ، أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾

وبالآخرة يوقنون بإيمانهم بالمهدي ودعوته وما جاء به ميزهم ذلك عن سائر الناس بإيمانهم بما أنزل من قبل وبه تفاصيل ذلك الإيمان وكذلك ليقينهم بسبب ذلك بأمر الآخرة واليقين به الذي لن يحصله أحد قط إلا بذلك الإيمان بالمهدي وبذلك اليقين .

وعن الإشارة الثانية في سورة يس عن ذلك الدخان في قوله تعالى : ( وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ) ، لا يزالون يريد في ظلمة ذلك الدخان والنهار يسلخ من فوق دخانهم مرة تلو أخرى آية لهم أي علامة وبينة جلية على تحقق تأويل ذكرهم وذكر رسولهم المهدي المنادى في إفتتاح تلك السورة بكامل حروف اسمه ما عدى حرف اسمه الأول اغماضا له نبوءة وسر من أسراره عز وجل في كتابه الفعال لما يشاء ليميز الحق من الباطل والأكاذيب وحفظا لذلك الذكر وتمييزا لمهديه أنه المختص بتلك الهداية وذلك الإرسال وذلك التفهيم والتدرج معه بالهداية وحفظا من كل شيطان مارد كالعاوي العطاوي هذا وأشقائه من منتجات تلك المفقسات ، فجعل ذلك السلخ للنهار عن تلك الظلمة واسمه المنادى بسين آيات في كتابه على أن إرسال ذلك الرسول وتحقق ذكره وقومه حق لا ريب فيه ، في جملة علامات وبينات عسى يمكني ولو بالايجاز شرحها في هذا الفصل تجنبا للإطالة والله ولي التوفيق ومنه وحده الهداية .

وقد بين تعالى تعريفا بآية ذلك الليل مع النهار النهار الذي كان ولا زال شأنه مع الليل الطبيعي أن يطلبه حثيثا ولا ينبغي له أن يسبقه ، يولج كل منهما في الآخر رويدا رويدا ، فكيف صار يسلخ منه ؟!

صار كذلك لأنه خلاف الليل ذاك الطبيعي ولهذا اختلفت طبيعته مع النهار فهو ليل غير المعتاد الطبيعي ، ومن لم يدرك ذلك ويعلم فرق ما بينهما فستختلف أوصافهما وتتضاد في مسامعه إن وعى وأدرك حقيقة كل تلك التوصيفات التي ستعد متناقضة إن استوعب دلالة الخطاب ولم يهدى لكنها عند الله تعالى كلها حق ولكل منهما ما يخصه من تلك الصفات ما يعد العلم والفهم بكل ذلك الشأن من موجبات اليقين بأنه من أظهر البينات والعلامات على قرب قيام الساعة وتحقق بعضا من أشراطها الكبرى بين يديها : ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ، وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ، يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ، مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئاً وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ ) .

أقول : ومن بعد ما كان يولج أحدهما بالآخر ولا يبدأ تعالى في ذلك إلا بالليل ثم يعقبه بذلك النهار يكور كل منهما على الآخر لسبب لا يدرك معناه الخلق لذا ترونه ينص على غشيان الليل للنهار لكن لم يكن ليسبقه فقط بقى يطلبه حثيثا أي تابعا له أبدا بحسب حركتهما الفلكية فهما يسبحان هناك بذلك ، لأن الليل هو الثابت والأصل والسابق على النهار فالشمس لم تسبق الليل في الخلق بل تلك الظلمة هي السابقة ، ونفي سبق الليل للنهار من حيث إبتداء الإيلاج وذلك السبح والطلب ، والذي أوجب سبق النهار هنا أن الليل ثابت والنهار هو المتحرك والمسبب لتلك الحركات الدائرة فسبقه من هذا الوجه وكل مذكور في القرآن يذكر بعلم الله تعالى بخلقه وابتداءه فكل شيء موزون عنده وبمقدار وعلم .

فيكون على هذا سبق الليل في الخلق وسبق النهار في الحركة وهذا ينتهي بنا لإدراك معنى سلخ النهار من الليل الذي لا يمكن يحصل حسب تلك الهيئة الفلكية إلا بما فصلته هنا والسبب أن سباحتهما وايلاج كل منهما في الآخر وطلب كل منهما للثاني حركة دائمة لا انقطاع لها متعاقبة أبدا ، لكن في حال ينشأ ليل شاذ واستثنائي متوقف لعلة يصلح حينها تحقق سلخ النهار الطبيعي من ظلام ذلك الليل الشاذ والإستثنائي نهار بعد نهار وآخر وآخر وفي كل ذلك سلخ للنهار من فوق ذلك الليل وتلك الظلمة الثابتة ثبوت لحم الشاة يسلخ عنه جلدها ومعه الصوف وعليه عد الله عز وجل ذلك آية أي علامة لتحقق بعث المهدي وأنه ذكر لهم ونص عليه في السورة الخاصة في ذكره وذكرهم ، وعليه عابهم فيها لعدم تفطنهم لذلك بقوله تبارك وتعالى : ( وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ) . أي غير مدركين دلالة تلك العلامة على تحقق ذكرهم وذكر رسولهم فغفلوا عن ذلك ولم يفطنوا له .

(يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً .. أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ، ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) ، ( لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) ، إلا ذلك الليل فليس للنهار معه إلا ذلك السلخ .

غفلة عن جملة علامات مفصل ذكرها بقوله التالي : ( وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ) ، ( وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ) ، ( وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ، وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ) . وابحثوا في القرآن كله هل تجدون هذا اللفظ ( وَآيَةٌ لَّهُمْ ) المكرر في سورة يس بغيرها ؟!

ذلك لأن تلك السورة مختصة بذكرهم وتلك آيات وعلامات لتحققه ، كل علامة لها معنى مختص بها وبهدى الله تعالى وحده تعلم حقيقتها من دونه لا تعرف سواء إحياء الأرض ومراده جزيرة العرب أو حقيقة ذلك الليل ومحل تفصيله هنا ، أو حقيقة الفلك المركوب وفرق مركوب الآباء عن مركوب ذريتهم ومكان شرح كل ذلك سيأتي لاحقا .

قال تبارك وتعالى : ( يس ، وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ، عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ، تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ، لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ، لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ... وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ، وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ، إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) .

أقول : من يستطيع القطع بأن المعنيين هنا بهذا الخطاب هم قوم النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى تثبت القناعة بأن (( سين )) يدل عليه صلوات ربي وسلامه عليه المصطفى المبارك .

تفكروا هنا إني معكم من المتفكرين .

تفكروا بكل كلمة وردت في تلك الآيات من سورة يس وابحثوا في دلالاتها العميقة من : ( فأغشيناهم ) إلى ( حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) إلى : ( إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ ) إلى آخره .

خصوصا في قوله تعالى بعد ما فصل في ذكرهم وبين شواهده وأمثاله التي ذكر ثم هو يقول بعد ذلك ويعنيهم ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ، مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ). فهل كان قوم محمد صلى الله عليه وسلم ينتظرون الوعد وحلت عليهم الصيحة ؟!

وأقوى من ذلك في قوله تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً ، وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً ) . نفى عنهم الهدى وجعل لهم موعدا مع العذاب هم مواقعوه وهذا قطعا لم يتحقق مع كفار قريش .

وكل ذلك يدعو لليقين بأن المعنيين بكل تلك الأخبار والآيات غير قومه عليه الصلاة والسلام وهو ما دعى البعض للقطع بأن ياسين المنادى ليس هو النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نودي باسمه في القرآن بأكثر من سورة فلا تعلق لتلك الحروف باسمه لتنسب له ولو كان هو المعني لاختصر اسمه ولا وجه أصلا لإختصاره بحال لأن اسمه قد ذكر صريحا ولا حاجة لإخفاء التصريح به وهو معلوم الشأن في القرآن ، كذلك و ذكر أسمائه الرمزية الخمسة على ما قاله أبو بكر الجزائري ولم يذكر يس منها .

أما حفيده فاسمه هو من اقتضى أمره ذلك الإخفاء نبوءة لأنه من أمر الغيب وأمره لا زال من الغيب الذي لن يطلع على أسراره إلا من ارتضاه ربنا عز وجل رسولا : ( قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً ، عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) .

فهو نداء لغير النبي صلى الله عليه وسلم يقينا ، بل لحفيده المهدي ولا لأي أحد غيره فهو من سيدرك أولئك ويصح أن ينادى في القرآن وأخفى تعالى اسمه بذلك الحرف سر من أسراره ما بين رسمه والنطق به ، فشاء الرب عز وجل بأن يناديه بتلك الرمزية وهذا ما لم ولن يمكن للجميع إدراكه ولا الإيمان به على أقل تقدير لحد الآن وفي غد لله في خلقه شؤون .

أقول : فلا يجوز بتاتا دعوى عدم الإيمان على الأكثرية وأن يحق عليهم العذاب بما وصف تعالى إلا لمن يدركهم حفيد النبي فأولئك هم المستحقون لما أخبر تعالى من عدم الإيمان لأكثرهم وحصول تلك العذابات والمآلات وإحقاق قوله تعالى في أكثرهم مثل قوله عز وجل : ( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) ، وهو على ظاهره لا يجوز صرفه للبواطن تحريفا لدلالته فهو غشيان حقيقي جهل الجميع ذلك ومراده تعالى الدخان آخر الزمان تلك العلامة من علامات آخر الزمان وأشراط الساعة ، يغشاهم حقيقة فلا يبصرون منه حتى ما يميزوا صباحا من ليل ، ومن سيغشاهم ذلك الدخان هم المعنيون بتلك الآيات من سورة ( يس ) ولا يجوز بحال التحريف على تلك النصوص وصرفها لغير ذلك إلى جيل الناس في زمان نبي الله فذلك من الكذب على غيب الله تعالى فلا مطابقه بين ما ذكر تعالى بتلك السورة وبين حال الناس في زمانه صلى الله عليه وسلم ، انتهوا خير لكم من التقول على غيب الله عز وجل والعبث في ذلك بالرأي والوساوس فذلك أمر جلل والقول فيه بالظن والوساوس خطر جدا ، قال عز وجل : ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) . فهؤلاء القوم هم المعنيون بذلك لاهية قلوبهم في غفلة لا يستطيعون التذكر وادراك حقيقة البينات التي أنزل تعالى في القرآن عنهم ، حتى يداهمهم الأمر وهم في تلك الحال ثم يكون عليهم ما كتب الله تعالى وأخبر وفي ذلك يحق عليهم القول ويقع الأمر ثم يكون عليهم كل ما أخبر المولى عز وجل .

ويبقى ذلك الدخان المبين هكذا وصفه تعالى بسورة الدخان وفي سورة ياسين وصف كيف مبين بأن يغشاهم حتى ما يبصرون ليلا من نهار ، ولا فجرا ولا شروقا وشبه يعدم علمهم بمواقيت الصلاة والصيام ، فلا يمكنهم رؤية الشمس ولا القمر ، وابن مسعود والكثير يقلده على أنه مجرد تخييل وتارة مجرد غبار ، الله عز وجل يصفه بأنه مبين وأنهم منه لا يبصرون فقال : ﴿ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سُدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سُدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ ، ومن ثم وصف حال ذلك الدخان معهم بسلخ النهار عنه أو منه تبيانا لحقيقته ثم يعقب بقوله عز وجل : ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ، وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾ ، وكل تلك البينات لم تفدهم في إدراك معنى تلك الآية العلامة ، وبقوا رغم كل تبيين الله تبارك وتعالى إلا يتبعوا الأكاذيب واجتهادات من اجتهد وهو غير معصوم على كل تلك البينات ، وضربوا بعرض الحائط أو جهلوا ارتباط كل ذلك بقوله تبارك وتعالى في سورة ياسين : ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ ، بل لم يفدهم تيسير علمهم بكل ذلك ومعناه على لسان رسولهم المهدي على ما ذكر في سورة الدخان : ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) وقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ، فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ، وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً ) . 

وبقوا مع أقاويل الكذب وتركوا أقاويل ربنا الحق العليم الخبير ، ولو جمعوا التناقض والتضاد ، وخذوا على سبيل البيان ما زعموا على معنى سلخ النهار من الليل ، في كل كتابه لا يصف الليل والنهار إلا بالإيلاج والتكوير وهذا يطلب هذا حثيثا ، ثم لما يأتي ينبئ عن ليل ذلك الدخان يصف أمره بما وصف ، السلخ ومعناه إزالة الشيء عن الشيء أو الخروج منه ، فعمدوا لعدم علمهم بما سيبينه تعالى بالأخير وجمعوا بينه وبين الأمر الطبيعي ، صار عندهم أثر حركة تلك الكواكب والنجوم وما ينتج عن ذلك بمنزلة أمر تلك العلامة البينة على تحقق أمره العظيم سواء ، ومن جهلهم وشديد ضلالهم جمعوا بين هذا وذاك ، على الرغم من بيان العليم الخبير وبدقة ما يعني ، وها نحن نتبين بفضله تعالى كذبهم الذي اندرج على الجميع تقريبا ، ونؤمن بما يريد تعالى بيانه حين يثبت ويغشي بكل تلك الظلمة أرض أولئك الغافلون ويمر من فوقه النهار تلو النهار وهم لا يبصرون ويميزون صباحا من ظهر وعصر ، في كل ذلك يسلخ النهار من ذلك الليل ، كما يسلخون صوف الشاة عن لحمها ، فيبقى الظلام ويذهب النهار : ﴿فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴾ .

وقدر عز وجل بتلك العلامة أنها أبرز شيء على تحقق تأويل هذا النبأ العظيم بعث ذلك الرسول المبين باستعلاء وظهور تلك البينة المبينة عليه ، لكن تركوا هذا واتبعوا من دون الله تعالى وبيانه من لا علم لهم به ، بل قالوا بالكذب الشيطاني ليصدوا عن سبيل الله تعالى وصراطه المستقيم .

ولليوم لما ينطق العامة بوصفهم للسحاب أو أي عارض يسد الأفق بمعنى يستره أو يحجبه يقولوا : انظروا سد الأفق هذا السحاب أو الدخان أو حتى الجراد ، ولا ينكر هذا من العرب وصفا للحال تلك ، والله أراد ذات المعنى ، وتأكيدا على علمه الغيب وحكمته البالغة لم يذكر السد إلا في سورة ياسين وسورة الكهف بخبر ذي القرنين وذلك لعلمه تعالى بأن علاقة كلا الأمرين بالنفط مصدر ذلك الدخان والمادة التي استعان بها ذو القرنين لعمل ذلك الردم ، وهذا بيان اضافي ليدرك الناس أن مراده تعالى في سورة ياسين الدخان الناتج من احتراق آبار النفط القطران ، حتى أنهم لم يقرأوه في سورة الكهف ولا بخبر سليمان النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنهم لا يدركوا أمر القطران إلا على عذاب جهنم فكيف يمكنهم تلاوته بما يتعلق بالدنيا ، لهذا ترونهم يثبتونه في عذاب الآخرة الجحيم ، ولا يثبتون ذكره في غير ذلك ، جهلا منهم أنه القطران في كل ذلك .

حكى ابن منظور صاحب لسان العرب عن أبي زيد قوله : السُّد من السحاب النشُّ الأسود ، والسود واحد السدد ، وهو السحائب السود .
وعن ابن سيدة : والسد السحاب المرتفع الساد الأفق .
والسد القطعة من الجراد تسد الأفق ، قال الراجز : سيل الجراد السد يرتاد الخضر . فإما أن يكون بدلا من الجراد فيكون اسما ، وإما أن يكون جميع سدود ، وهو الذي يسد الأفق فيكون صفة .
ويقال : جاءنا سد من جراد ، وجاءنا جراد سد إذا سد الأفق من كثرته اهـ .

وأبوا الكذبة إلا بأن يجعلوا ذلك السد أيضا مجرد خيال أو عوامل نفسية لا حقيقة لها ظاهرية ، وهو خلاف ما قدر تعالى وأراده .

وانظروا بعد هذا في مدى ضلال ما قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وغفر له وضلال من اتبع قوله الكاذب في تفسير معنى الدخان المبين المذكور في سورة الدخان والمراد به ذات الشيء في سورة ياسين وغيرها ، والأخبار بكلا السورتين متحدة ، والرسول المذكور هو ذات الرسول إلا أن في سورة ياسين وضع الله تعالى من أسرار خبره اسمه في افتتاح تلك السورة ، وشاء الكريم المنان لا يعرف حقيقة تلك الأسرار إلا صاحب الشأن دليلا عليه كذلك وآية في تعيينه لأنه عز وجل منع من انتظام أي حرف من حروف اللغة العربية أن يركب هناك إلا أول حرف من اسم المهدي ، تركيب العزيز العليم الرحيم الذي أحصى كل شيء ، وجعل ذلك آية على أمره ليعجز الذين كفروا الغافلون ويظهر الحق ويجعل أتباعه منصورون ظاهرون على من كذبهم وجحد أمرهم بكل تلك البينات والآيات ، لقد أعجزهم تعالى بتلك الآية اسم المهدي ينص عليه بافتتاح تلك السورة بالذات التي يفصل فيها بكل تلك العلامات والبينات عن أمره ، ثم هو لا يضع اسمه إلا هناك ، ويأخذ حرفه الأول لينقله إلى أين ؟!!!

إلى سورة الدخان ليضيف كذلك هناك أول حرف اسم أبيه لأول حرف من اسمه ، فتبارك المقدر العظيم الحكيم ، يودع أسراره بالأحرف التي تنطقون ، ويريد يعجزهم بأن لا يركب أي حرف غير ذلك الحرف في مبدأ اسمه ، وليس هذا فقط بل يقسم على أنه من المرسلين القسم الذي لم يكن لأي رسول غيره فقال تعالى : 
 

﴿ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ، عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ، تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ، لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ، لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾


وهذا بإيجاز بخصوص الآية في سلخ النهار من الليل كعلامة على أمره تعالى العظيم ومتى تحققه وما هي البينات القاطعة على ذلك لرد كذب من كذب عليه ، وبيان جهل من جهله .

أما بخصوص قوله تعالى : ﴿ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ ، كذلك بإيجاز أقول :

هنا أيضا تناقضوا وقالوا بجهل جمعوا به المتعارضات وعد القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره أشكل شيء هذه الآية في تلك السورة ، وما درى رحمه الله تعالى بما علمنا الله العزيز الكريم وإلا لأيقن أن القرآن كله مشكل عليهم ، ولو صبروا وقالوا الله أعلم لكان خير لهم .

ومن المتناقضات حملهم الخطاب وتخبيصهم في كل تلك الضمائر على كفار قريش أهل مكة ، وكذبوا وربي فأهل مكة ليسوا أهل ساحل كما هي حال أهل الخليج وهو الأمر الذي اختص به أبناءهم ، حين حملهم الله تبارك وتعالى على الفلك من الأخشاب ليركبوا لاحقا بالفلك من الحديد وتلك البواخر العظيمة التي يجلبون لهم من خلالها كل تلك التجارات والأرزاق التي تحمل لهم من كل مكان ، ويصدرون بها كل ذلك النفط تجارة اللعنة والشر العظيم ، وهذا مما لم يفته عز وجل فلا يخبر عنه ، بل والله أخبر عنه ووصف من حال دخانهم وتجارتهم وسوء مآلهم ما يقشعر منه الجلد في الكتاب وعلى ألسنة بعض الأنبياء : ( بِسَبَبِ كَثْرَةِ تِجَارَتِكَ امْتَلأَ دَاخِلُكَ ظُلْماً ..أيُّهَا الْكَرُوبُ الْمُظَلِّلُ مِنْ بَيْنِ حِجَارَةِ النَّار قَدْ تَكَبَّرَ قَلْبُكَ بِسَبَبِ بَهَائِكَ ، وَأَفْسَدْتَ حِكْمَتَكَ مِنْ جَرَّاءِ جَلاَلِكَ ) " حزقيال عليه الصلاة والسلام "

وكيف يبقى للمؤتفكة أثر والنجم سيهوي منها وتحيطها المياه لا صريخ لهم ؟!

وانظروا للإشارة الباهرة للدخان بنص تلك النبوءة عنهم وكيف تشبيهه بالكروب يغطيهم ، وتلك أحجار النار يريد بها آبار النفط مصدر ذلك الكروب ، وافقهوا هنا بأن التابوت المقدس وبه ما به وضع فوقه تلك الحجب وستر عليه بالكروب الذي أمر موسى صلوات ربي وسلامه عليه أن يجعله فوق التابوت ويستر به أين ما كان ، وكل ذلك تمثيلا لأمره تعالى الجلل هذا وتعظيما لشأنه ، من يد موسى الأول ليد موسى الثاني صلوت ربي وسلامه عليهما .

قال القرطبي رحمه الله تعالى : مِنْ أَشْكَلِ مَا فِي السُّورَة ; لِأَنَّهُمْ هُمْ الْمَحْمُولُونَ . فَقِيلَ : الْمَعْنَى وَآيَة لِأَهْلِ مَكَّة أَنَا حَمَلْنَا ذُرِّيَّة الْقُرُون الْمَاضِيَة " فِي الْفُلْك الْمَشْحُون " فَالضَّمِيرَانِ مُخْتَلِفَانِ ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَحَكَاهُ النَّحَّاس عَنْ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُول . وَقِيلَ : الضَّمِيرَانِ جَمِيعًا لِأَهْلِ مَكَّة عَلَى أَنْ يَكُون ذُرِّيَّاتهمْ أَوْلَادَهُمْ وَضُعَفَاءَهُمْ ; فَالْفُلْك عَلَى الْقَوْل الْأَوَّل سَفِينَة نُوح . وَعَلَى الثَّانِي يَكُون اِسْمًا لِلْجِنْسِ ; خَبَّرَ جَلَّ وَعَزَّ بِلُطْفِهِ وَامْتِنَانه أَنَّهُ خَلَقَ السُّفُن يُحْمَل فِيهَا مَنْ يَصْعُبُ عَلَيْهِ الْمَشْي وَالرُّكُوب مِنْ الذُّرِّيَّة وَالضُّعَفَاء , فَيَكُون الضَّمِيرَانِ عَلَى هَذَا مُتَّفِقَيْنِ . وَقِيلَ : الذُّرِّيَّة الْآبَاء وَالْأَجْدَاد , حَمَلَهُمْ اللَّه تَعَالَى فِي سَفِينَة نُوح عَلَيْهِ السَّلَام ; فَالْآبَاء ذُرِّيَّة وَالْأَبْنَاء ذُرِّيَّة ; بِدَلِيلِ هَذِهِ الْآيَة ; قَالَهُ أَبُو عُثْمَان . وَسُمِّيَ الْآبَاء ذُرِّيَّة ; لِأَنَّ مِنْهُمْ ذَرَأَ الْأَبْنَاء . وَقَوْل رَابِع : أَنَّ الذُّرِّيَّة النُّطَف حَمَلَهَا اللَّه تَعَالَى فِي بُطُون النِّسَاء تَشْبِيهًا بِالْفُلْكِ الْمَشْحُون اهـ .

وخذوا من الأكاذيب والجهل أنواع ، والحق واحد لا يتعدد وهو أنه : أخبر تعالى عن سكان ساحل الخليج بما سينفردون به عن سائر الخلق بأن يحمل ذريتهم على الفلك الخشبي الذي كانت معيشة أسلافهم تعتمد عليه من خلال الغوص والتجارة المتواضعة للهند ومنها ومن سائر أقطار الأرض ، ليحملهم لاحقا على كل تلك البواخر العظيمة التي صنعت ﴿ وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ ، مما خلق الله تعالى لهم من مادة الحديد ، فكان بذلك من أبرز الآيات على تعيينهم أي العلامات ، يركبون أو يرون من سبقهم يركبون تلك المراكب المصنوعة من خشب ، ثم الذرية من بعد يركبون مثلها لكن من جنس مغاير الحديد ، هذا مراده تعالى اشارة لمن سيمتعون هم وآباءهم ، فدعوا عنكم أقاويل الكذب وعليكم بالحق المبين من رب العالمين .

بقت الجنة أعظم آيات الله وهي جنة المأوى التي أوري النبي صلى الله عليه وسلم مثالها بمنامه يوم أسري به ، وهي آتية والضلال حملوها للأعلى سقفها عرش الرحمان ، وقد صدقوا بالحرف لكن ضلوا عن المعنى وهي في جزيرة العرب وسقفها عرش الرحمان عز وجل من فوق جبل أحد المقدس ، يخرجها لهم متى شاء سبحانه ويجعلها مأوا لعباده المخلصين وآية أي علامة لأمره الجلل هذا ، تتفجر خلالها العيون وينبت فيها من الخيرات ما لم تعمله أيديهم فسبحان من يكشف عن قلب من يشاء من عباده بكل تلك الحقائق العظيمة ، وهناك رأى النبي صلى الله تعالى ذلك أمثلة وبلغ المنتهى في تقديرات الله وتفصيلات يوم الفصل ، وهناك كانت ليلة القدر سلام هي حتى مطلع الفجر ، فطلع الفجر وكان ما كان من كل ما فصل الرحمان عز وجل .

عن شداد بن أوس عند البزار والطبراني : أنه أول ما أسري به مر بأرض ذات نخل ، فقال له جبريل : انزل فصل . فنزل فصلى ، فقال : صليت بيثرب ثم قال : انزل فصل مثل الأول . قال : صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى 

تلك الجنة التي كان يلهج بذكرها الأنبياء من قبل وإليكم ذكر بعضا من ذلك :

 

﴿ وَيَسْكُنُونَ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ ... الَّتِي سَكَنَهَا آبَاؤُكُمْ ، وَيَسْكُنُونَ فِيهَا هُمْ وَبَنُوهُمْ وَبَنُو بَنِيهِمْ إِلَى الأَبَدِ ، وَعَبْدِي رَئِيسٌ عَلَيْهِمْ إِلَى الأَبَدِ .
وَأَقْطَعُ مَعَهُمْ عَهْدَ سَلاَمٍ ، فَيَكُونُ مَعَهُمْ عَهْدًا مُؤَبَّدًا ، وَأُقِرُّهُمْ وَأُكَثِّرُهُمْ وَأَجْعَلُ مَقْدِسِي فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ
وَيَكُونُ مَسْكَنِي فَوْقَهُمْ ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَيَكُونُونَ لِي شَعْبًا . 
فَتَعْلَمُ الأُمَمُ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُقَدِّسُ ، إِذْ يَكُونُ مَقْدِسِي فِي وَسْطِهِمْ إِلَى الأَبَدِ  " حزقيال عليه الصلاة والسلام "

﴿ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أُطَهِّرُكُمْ فِيهِ مِنْ كُلِّ آثَامِكُمْ أُسْكِنُكُمْ فِي الْمُدُنِ فَتُبْنَى الْخَرَائِبُ ، وَتُفْلَحُ الأَرْضُ الْجَرْدَاءُ عِوَضَ أَنْ تَبْقَى أَرْضاً خَرِبَةً فِي عَيْنَيْ كُلِّ عَابِرٍ فَيَقُولُونَ : قَدْ صَارَتْ هَذِهِ الأَرْضُ الْجَرْدَاءُ كَجَنَّةِ عَدْنٍ ، وَأَصْبَحَتِ الْمُدُنُ الْمَهْجُورَةُ الْمُتَهَدِّمَةُ مُدُناً مُحَصَّنَةً آهِلَةً ، فَتُدْرِكُ الأُمَمُ الَّتِي مَا بَرِحَتْ حَوْلَكُمْ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ ، قَدْ بَنَيْتُ مَا تَهَدَّمَ ، وَغَرَسْتُ مَا أَقْفَرَ أَنَا الرَّبُّ قَدْ نَطَقْتُ وَأُنْجِزُ مَا وَعَدْتُ بِهِ ﴾ " حزقيال عليه الصلاة والسلام "

﴿ هَذِهِ الْمِيَاهُ جَارِيَةٌ نَحْوَ الْمِنْطَقَةِ الشَّرْقِيَّةِ ، وَمُنْحَدِرَةٌ إِلَى الْغَوْرِ حَيْثُ تَصُبُّ فِي الْبَحْرِ فَتَجْعَلُ مِيَاهَهُ عَذْبَةً ، وَفِي مَجَارِيهِ تَعِيشُ كُلُّ نَفْسٍ حَيَّةٍ وَتَتَكَاثَرُ الأَسْمَاكُ ، لأَنَّ مِيَاهَهُ تَبْلُغُ إِلَيْهَا ، فَيَبْرَأُ كُلُّ مَا تَبْلُغُ إِلَيْهِ مِيَاهُ النَّهْرِ وَتَسْرِي الْحَيَاةُ فِيهِ ، وَيَجْتَمِعُ الصَّيَّادُونَ عَلَى شَاطِئِهِ ، فَيُصْبِحُ مَبْسَطاً لِشِبَاكِهِمْ ، وَيَعِجُّ بِكُلِّ أَصْنَافِ الأَسْمَاكِ ، كَسَمَكِ الْبَحْرِ الْعَظِيمِ ، أَمَّا مُسْتَنْقَعَاتُهُ وَبِرَكُهُ فَلاَ تَبْرَأُ مِنْ مُلُوحَتِهَا ، وَتَنْمُو عَلَى ضَفَّتَيْهِ كُلُّ أَنْوَاعِ أَشْجَارِ الْفَاكِهَةِ الَّتِي تُؤْكَلُ ، لاَ يَذْبُلُ وَرَقُهَا وَلاَ يَنْقَطِعُ ثَمَرُهَا تَحْمِلُ أَثْمَارَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ ، لأَنَّ مِيَاهَ النَّهْرِ تَنْبُعُ مِنَ الْمَقْدِسِ ، فَتَكُونُ ثِمَارُ أَشْجَارِهِ لِلأَكْلِ وَوَرَقُهَا عَقَاقِيرُ لِلْمُدَاوَاةِ  " حزقيال عليه الصلاة والسلام "

﴿ فَإِنَّكَ حِينَئِذٍ تَتَلَذَّذُ بِالرَّبِّ ، وَأُرَكِّبُكَ عَلَى مُرْتَفَعَاتِ الأَرْضِ ، وَأُطْعِمُكَ مِيرَاثَ أَبِيكَ ، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ ﴾ " اشعيا عليه الصلاة والسلام "

﴿ فَتَتَرَنَّمُ الْجِبَالُ وَالتِّلاَلُ أَمَامَكُمْ بَهْجَةً وَتُصَفِّقُ أَشْجَارُ الْحَقْلِ بِأَيْدِيهَا غِبْطَةً ، وَحَيْثُ كَانَ الشَّوْكُ وَالْقُرَّاصُ ، تَنْمُو أَشْجَارُ السَّرْوِ وَالآسِ : فَيَكُونُ ذَلِكَ تَخْلِيداً لاسْمِ الرَّبِّ وَعَلاَمَةً أَبَدِيَّةً لاَ تُمْحَى ﴾ " اشعيا عليه الصلاة والسلام "

﴿ عزى كل خربها، ويجعل بريتها كعدن، وباديتها كجنة الرب ، الفرح والابتهاج يوجدان فيها ، الحمد وصوت الترنم ﴾ " اشعيا "

﴿ لاَ يَجُوعُونَ وَلاَ يَعْطَشُونَ ، وَلاَ يَضْرِبُهُمْ حَرٌّ وَلاَ شَمْسٌ ، لأَنَّ الَّذِي يَرْحَمُهُمْ يَهْدِيهِمْ وَإِلَى يَنَابِيعِ الْمِيَاهِ يُورِدُهُمْ.
وَأَجْعَلُ كُلَّ جِبَالِي طَرِيقًا ، وَمَنَاهِجِي تَرْتَفِعُ .
هؤُلاَءِ مِنْ بَعِيدٍ يَأْتُونَ ، وَهؤُلاَءِ مِنَ الشَّمَالِ وَمِنَ الْمَغْرِبِ ، اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ حَوَالَيْكِ وَانْظُرِي كُلُّهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا أَتَوْا إِلَيْكِ. حَيٌّ أَنَا ، يَقُولُ الرَّبُّ ، إِنَّكِ تَلْبَسِينَ كُلَّهُمْ كَحُلِيٍّ ، وَتَتَنَطَّقِينَ بِهِمْ كَعَرُوسٍ .
إِنَّ خِرَبَكِ وَبَرَارِيَّكِ وَأَرْضَ خَرَابِكِ ، إِنَّكِ تَكُونِينَ الآنَ ضَيِّقَةً عَلَى السُّكَّانِ ، وَيَتَبَاعَدُ مُبْتَلِعُوكِ . 
يَقُولُ أَيْضًا فِي أُذُنَيْكِ بَنُو ثُكْلِكِ : ضَيِّقٌ عَلَيَّ الْمَكَانُ . وَسِّعِي لِي لأَسْكُنَ .
فَتَقُولِينَ فِي قَلْبِكِ : مَنْ وَلَدَ لِي هؤُلاَءِ وَأَنَا ثَكْلَى ، وَعَاقِرٌ مَنْفِيَّةٌ وَمَطْرُودَةٌ ؟ وَهؤُلاَءِ مَنْ رَبَّاهُمْ ؟ هأَنَذَا كُنْتُ مَتْرُوكَةً وَحْدِي هؤُلاَءِ أَيْنَ كَانُوا ؟
هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ : هَا إِنِّي أَرْفَعُ إِلَى الأُمَمِ يَدِي وَإِلَى الشُّعُوبِ أُقِيمُ رَايَتِي ، فَيَأْتُونَ بِأَوْلاَدِكِ فِي الأَحْضَانِ ، وَبَنَاتُكِ عَلَى الأَكْتَافِ يُحْمَلْنَ ﴾ " اشعيا "

﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ ، إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ، قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ ، يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ، يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ، ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ 


وأقول : بعد أن استوعبت الكلام على الإشارات الثلاث عن الدخان في سورة يس سورة الحسين ( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) ، ( وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ) ، ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ، وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ) ، سأتطرق لبيان وجه معنى ذلك الإختصار لإسم المهدي في افتتاح السورة المختصة بذكره وقومه في الفصل التالي التاسع وأختم هنا بالقول بعد التذكير بقوله تعالى : ﴿ أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ، فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾ ، ﴿ قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ ، ﴿ طه ، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ، إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ، تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى .. وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى ﴾ . ﴿ سر الرب لخائفيه، وعهده لتعليمهم ﴾ " الزبور "

فها هو عز وجل كتب اسمه في القرآن ليعلمهم أنه يعلم الغيب ويعلم ما يكون في زمان مبعوثه على التمام : ﴿ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ ، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً ، وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً ، وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً ﴾ . أحصى كل أخبارهم وبالتفصيل ليعلمهم أنه يعلم الغيب وأنه سيستنسخ ما يعملون حتى أنه كتب اسم صاحبهم وسيتبين لهم ذلك بما يعجزهم أن يركبوا عليه غير اسمه وقد أعد لذلك مع انزال القرآن بمكة وإلى المدينة حين أمر نبيه يغير اسمي ابني علي رضي الله تعالى عنهم ، للحسن والحسين على ما رواه الحاكم في مستدركه رحمه الله تعالى وفيه قال : ‏"‏ أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ‏ ؟‏ ‏"‏ قَالَ‏ :‏ قُلْتُ ‏:‏ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا ، قَالَ‏ :‏ ‏"‏ بَلْ هُوَ حَسَنٌ ‏"‏، فَلَمَّا وَلَدَتِ الْحُسَيْنَ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ‏ ؟‏ ‏"‏ قَالَ‏ :‏ قُلْتُ‏ :‏ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ ‏"‏ . وعند ابن عساكر رحمه الله تعالى بإسناده : أمرت أن أغير اسمهما فسماهما رسول الله صلى الله عليه وآله حسنا وحسينا . ورواه الدولابي وأحمد والبزار . 

وفي أسد الغابة في ترجمة الحسين : الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية . ورواه ابن عساكر في تأريخ دمشق .

ويروى عند الرافضة في مسند الرضا عن أسماء بنت عميس قالت : لمّا كان بعد حول من مولد الحسن عليه السلام ولد الحسين عليه السلام فجاء النبيّ عليه وآله السلام فقال :يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء فأذّن في اُذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره ..
ثمّ قال لعليّ : أيّ شيءٍ سمّيت ابني هذا ؟ قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت اُحبّ أن اُسمّيه حرباً . فقال رسول الله : ما كنت لأسبق باسمه ربّي . فأتاه جبرئيل فقال : الجبّار يقرئك السلام ويقول : سمّه باسم ابن هارون . فقال : وما اسم ابن هارون ؟ قال : شبير . قال : لساني عربيّ . قال : سمّه الحسين . فسمّاه الحسين . ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، محب الدين أحمد بن عبد الله باب ذكر (تسميتهما الحسن والحسين كانتا بأمر الله تعالى) .

أنزلت تسميته بالحسين من السماء ، لأنه قدر تعالى بأن يسميه بكتابه فكيف يكون ذلك بتسمية يختارها أبوه أو جده بل الله يسبق للتسمية فأراد أن يثبت له من ذلك الوقت في أسلافه ليرده له في كتابه وهذا سر النزول بذلك الإسم من السماء ، ويجعله سره العظيم والدلالة القاطعة على تعيينه وتعيين البلد الذي سيبعث منها مهديه عليه الصلاة والسلام ، وينص في تلك السورة بالذات على جملة من أشراط الساعة وعلاماتها البينة على تحقق بعثه وقرب قيام الساعة : 

﴿ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾ ، وتلك ذكراهم وذكرى رسولهم قد بلغوها لكن أنى لهم التذكر وهم في غفلة وهم معرضون : ﴿ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ، إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ، يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ ﴾

وانتبهوا هنا لمعنى عظيم جمع في تلك الآيتين والسورتين وأعني أن : أشراط الساعة هي ذكراهم ، أي مجيء أشراط الساعة دليل على قرب قيامها ، وتلك الأشراط هي ذكراهم وهي ذكرى لهم في ذات الوقت ، وقد فصلت في سورة ( ياسين ) وهي علامات وآيات لهم وذكرى وأشراطا للساعة .