لماذا ذكر ( سين ) مع ذكر النبي إلياس عليهما الصلاة والسلام

في سورة الصافات


وهو الموضع الثاني في القرآن يذكر فيه اسم المهدي عليه الصلاة والسلام ولو كان في افتتاح سورة ياسين ذاك الإسم مما اكتنفه الغموض فهو في الصافات موضعه الثاني اكتنف أكثر بلا شك بل لعله مشوش ومحير أكثر هناك ومن غير المناسب ولا المعقول ايراد اسم رسولين في ذاك السياق المتصل وفي ظاهر الكلام وكأنهما شخصية واحدة ، وهذا من الباطل يقينا لأن (سين ) مما افرد لذكره وقومه سورة خاصة به لا يختلف في ذلك اثنان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى حصل الخلاف بينها من المقصود بسين هل هو محمد صلى الله عليه وسلم أو هي مجرد حروف تلك المذكورة في سورة (يس ) كسائر الحروف المقطعة في القرآن .

فكيف يكون هذا ثم هو في سورة الصافات يرد ذكره ثانية كناية عنه بحسب قراءة بعضهم ( آل ) أو تصريحا حسب قراءة آخرين ( إل ) أو ( ال ) ويكون المعني الرسول المهدي عليه الصلاة والسلام ، فلا يمكن بحال رغم ذاك الوصل والاتصال بالسياق كما في سورة الصافات أن يكونا شخصا واحدا لما قررت ولأوجه أخرى أيضا منها : 

أن النبي إلياس أو إيليا عليه الصلاة والسلام لم يرد لآله ذكر لا في عهدهم القديم ولا في الإنجيل ولا القرآن حتى يكون لتخصيصهم بالذكر في سياق سورة الصافات هناك وجه .

كذلك : كل الأنبياء المذكورين في سياق تلك الآيات المخبر عنهم أن يجعل تعالى لهم ذكرا في الآخرين لم يأتي الله تعالى على ذكر آلهم مع أن لهم ذكرا مفصلا في القرآن ، فلم يختص آل ذلك النبي بالإشارة دونهم وهم الذين لا ذكر لهم لا قبل القرآن ولا في القرآن ما يثبت قطعا أنهم ليسوا المعنيين بتلك الآية .

ثم الوجه الأخير : وهو ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه والكلبي في تفسير المراد من ذكر آل ياسين هناك أن المقصود به آل محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا صريح بأن المراد بسين هناك أو آله ليس هو إلياس قطعا .

أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ( سلام على آلياسين )قال : نحن آل محمد آل ياسين . وقاله الكلبي .

قال الشوكاني رحمه الله تعالى في " فتح القدير " : ( سلام على آل ياسين ) قرأ نافع وابن عامر والأعرج وشيبة بإضافة آل بمعنى آل ياسين وقرأ الباقون بكسر الهمزة وسكون اللام موصولة بياسين إلا الحسن فإنه قرأ ( الياسين ) بإدخال آلة التعريف على ياسين . قيل المراد على هذه القراءات كلها إلياس وعليه وقع التسليم .

إلى أن قال : رجح الفراء وأبو عبيدة قراءة الجمهور قالا : لأنه لم يقل في شيء من السور على آل فلان إنما جاء بالاسم الياسين لأنه انما هو بمعنى إلياس أو بمعنى إلياس وأتباعه اهـ .
 

أما ابن كثير فقال : ( سلام على إل ياسين ) كما يقال في اسماعيل : اسماعين . وهي لغة بني سعد . ويقال :ميكال وميكائين وابراهيم وابراهام الى قوله : وكل هذا سائغ .
 

ثم قال : وقرأ آخرون : ( سلام على إدراسين ) وهي قراءة ابن مسعود. وقرأ آخرون ( سلام على آل ياسين ) يعني : آل محمد .
 

أقول : ما أشبه قول الشوكاني أن كل تلك القراءات وقع بها التسليم أن المراد بها إلياس بالهذيان أو الكذب واقوالهم خلط بين المتناقضات وجمع لحفنة من التخرصات عن فلان وعلان ، ولغة فلان وبني علان ، وكقول ابن منبه أن سين والد إلياس وآخر يقول :إلياس هو ادريس . وكذاب آخر يقول : أتى بعد حزقيال .
 

وكل هذا خلط وجمع لأكاذيب مجرد جمعها وحشدها هناك دال على قولهم بالظن وعدم اليقين ، فإلياس أو إيليا عليه الصلاة والسلام نبي ورسول غير سين وما وقوع اسم سين في سياق تلك الآيات من سورة الصافات إلا اما نبوءة من الله تعالى اغمض فيها ذكر سين لأنه رسول آخر غير إلياس أتى بذكره هناك في ذلك الموضع وذلك السياق تنبيها من الله تعالى على أنه سيكون له ذكر في الآخرين مع من ذكر لهم ذلك فنص على اسمه هناك وخصه دونهم بالسلام لمعاصرته تأويل ذلك والبداءة به فكان ذلك اشارة لمنزلته وتلك الفاتحة ، أو يتعين عليهم اعتبار ذلك خلط من الناسخ وايقاع خطأ بالأحرف هناك لا محالة ، أما القول بتلك التخاليط والمضي وكأن لا اشكال في ذلك وأن ذلك مما سلم به فلا و ربي بعد تفصيلي لن يكون هذا بعد ما قررت ما قررت ، فسين ذكر بسورة اختصت بذكره وقومه ولن يعتبر انه إلياس أو ادريس على قول بعضهم إلا اخرق لا يعي ما يقرأ من القرآن .
 

وبعد هذا التفصيل لعل العاوي العطاوي سيقول : هذه عبثية . او ليسمي ذلك بما يحلو له لكن الحق يبقى بعين أهل الحق بينا يستطيعون تمييزه عن اللغو والعبثية ، والذي فصل هنا بعد كونه غير مسبوق فهو تحقيق وتدقيق مشروع تعلوه انوار الهدى تجافيه ظلمات الجهل ولا يدفع عنه عند كل منصف دلائل البصيرة الناطقة من بين اسطره الحكمة بأنه مما لا يمكن أن يقال بغير هداية خاصة من الله اختص بها رجل كشف عن عين قلبه كما وعد ليريه معجزات من نبوءاته وأخباره ويطهر لبصيرته من صحائف الأولين وقرآن اللاحقين حتى تتجلى أمامه ظلمات سائر ما قيل مما اخفي بطمس تحريف أو غيب لله لم يشأ يكشفه قبل أوانه حتى إذا جاء وقته كان سبق تعهد الله تعالى بيانه رغم انف الضالين والكافرين الجاحدين ، وإن كان لنبيه عدم تحريك لسانه بتأويله ايترك ذلك لهؤلاء العاوين اتباع الشياطين الغاوين ، لا وربي وليخسأوا جميعا أمام ذكر الله تعالى حين يحقق العليم الخبير تأويله ويصرف له آياته في الآفاق وأنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق وأن كل من عوى ضده هوى في الكفر والعمى وكان من الضالين المتكبرين الجاحدين .
 

وأقول بعد : ( ياسين ) هي قراءة ثابتة يظهر تمام حروفها بالرسم كما النطق من قرأها بغير ادغام هكذا يا ( سين) . قرأها بعضهم بالفتح وآخرون بالكسر وآخرون بالضم ، حكى ذلك كله في المحتسب لأبي الفتح عثمان بن جني .
 

واشار في كتابه إلى تجوزيهم حذف بعض الأحرف من الاسم للإختصار واستشهد لذلك بما يروى عنه صلى الله عليه وسلم : كفى بالسيف شا اهـ . أي شاهدا فحذف الهاء والدال . وكذلك حذف من إنسان ما حذف غير أنه جعل ما بقى منه اسما قائما برأسه وهو السين فقيل : ياسين .
 

قال ابن جني : وشبيه به قول الشاعر: قلنا لها قفي لنا قالت قافْ . أي وقفت فاكتفت بالحرف من الكلمة اهـ .
 

واختلفوا طبعا بالمراد به ومن اقوال بعضهم في تفسير معنى الحرف هذا ما ذكره صاحب المحتسب وعليه يحمل قوله السابق ، فقال : ويحتمل عندي أن يكون أراد يا إنسان إلا أنه اكتفى من جميع الاسم بالسين ، فقال : ياسين ، فـ (يا) فيه الآن حرف نداء كقولك يا رجل .
 

وأطنب ابن قتيبة في كتابه تأويل مشكل القرآن في باب : " تأويل الحروف التي ادّعى على القرآن بها الاستحالة وفساد النظم " ، فقال : من ذلك الحروف المقطعة وقد اختلف المفسرون فيها فكان بعضهم يجعلها أسماء للسور تعرف كل سورة بما افتتحت به منها .
 

وبعضهم يجعلها أقساما .
 

وبعضهم يجعلها حروفا مأخوذة من صفات الله تعالى ، يجتمع بها في المفتتح الواحد صفات كثيرة ، كقول ابن عباس في ( كهيعص ) إن الكاف من كاف والهاء من هاد ، والياء من حكيم والعين من عليم والصاد من صادق .
 

وقال الكلبي : هو كتاب كاف هاد حكيم عالم صادق .
 

قال ابن قتيبة : ولكل مذهب من هذه المذاهب وجه حسن ونرجو ألا يكون ما أريد بالحروف خارجا منها إن شاء الله .
ثم تطرق لبيان أوجه استخدامات العرب للكلمات والحروف من ناحية التقديم والتأخير أو استعارة الحرف مكان الحرف بالكلمة أو قلب الكلام تقديما وتأخيرا للكلمة على غيرها أو للحرف على آخر ، أو حذف من الكلام بعضه إذا كان فيما أبقوا دليل على ما ألقُوا ، أو زيادة كلمة الأولى طرحها ، إلى أن بلغ قوله : ويحذفون من الكلمة الحرف والشطر والأكثر ويبقون البعض والشطر والحرف ، يوحون به ويُومِئون . يقولون :
 

( لم يك ) فيحذفون النون مع حذفهم الواو لاجتماع الساكنين .
 

ويقولون : ( لم أُبل ) يريدون : لم أُبَالِ . ويقولون : ( ولاكِ ) أفعل كذا ، يريدون : ولكن .
 

ويحذفون في الترخيم فيقولون : ( يا صَاحِ ) يريدون : يا صاحب . ويا : ( حارِ ) يريدون يا : ( حارث ) . وقرأ بعض المتقدمين : ( ونادوا يا مال ليقض علينا ربك ) أي : يا مالك .
 

ويقولون : عم صباحا ، أي أنعم . 
 

ولم نسمع على ألسنة الناس : الألف آلاء الله والباء بهاء الله والجيم جمال الله والميم مجد الله فكأنا إذا قلنا : ( حم) دللنا بالحاء على حليم ودللنا بالميم على مجيد , وهذا تمثيل أردت أن أريك به مكان الإمكان ، وعلى هذا سائر الحروف .
 

إلى أن قال : ومن ذهب إلى هذا المذهب فلا أراه أراد أيضا إلا القسم بصفات الله ، فجمع بالحروف المقطعة معاني كثيرة من صفاته ، لا إله إلا هو .
 

وقد كان قوم من المفسرين يفسرون بعض هذه الحروف فيقولون : ( طه ) يا رجل ، و (يس ) يا إنسان ، و (نون ) الدَّواة ، وقال آخر : الحوت ، و ( حم ) : قضي والله ما هو كائن . وهذا ما لا نعرض فيه لأنا لا ندري كيف هو ولا من أي شيء أخذ اهـ .
 

وأقول : في الأخير اجتهدوا تركبوا أي حرف مع ( سين ) ليكون اسما لإنسان غير الـ (حاء ) .
 

وثقوا لن تجدوا غير الحسين لأن الله معجزكم أمام اسمه ولهذه الغاية فعل ذلك وركبه .
 

قال تعالى : ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ .
 

ويتساءل كيف عرفت الملائكة خبر هذا الإستخلاف وأن مما يترتب على تقدير أمره الهرج وسفك الدماء ، ومما لا شك فيه أن قد بلغهم علم بذلك قبل ما يخلق آدم ، والخبر التالي يفيدكم في ذلك ويعرفكم كيف بلغهم العلم بذلك .
 

روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :إن الله قرأ ( طه ) و ( يس ) قبل أن يخلق آدم بألف عام ، فلما سمع الملائكة القرآن قالوا : طوبى لأمة نزل هذا عليها ، وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسُنٍ بهذا . 
 

وأنا أقول طوبى لرسول يكون هذا ذكره .
 

ونفهم من هذا الخبر أن الملائكة كانت لديهم اشارات عن هذا الإستخلاف بمثل هذا الذكر الذي سمعوه من الله تبارك وتعالى يتلوه ، وربما نقع على غيره بالمستقبل ونعلمه - وبالفعل حصل هذا اثناء اعداد هذا الفصل تجدون تقرير ذلك آخر الفصل عند الكلام عن علم الشيطان بأمر الصراط وادراك حقيقته وطلبه الانظار لتحقق تأويله - .
 

ومن المعاصرين من قطع بأن ياسين ليس اسما للمصطفى صلى الله عليه وسلم وهو أبو بكر الجزائري حين وقف على حرف ( يس ) قال : هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا يس ويقرأ هكذا ياسين والله أعلم بمراده به . قاله في كتابه " أيسر التفاسير " .
 

وقال في هامش كتابه المذكور المسمى " نهر الخير على أيسر التفاسير " : كره مالك التسمية بيس وهو كذلك لعدم علمنا بالمراد منه وليس هو باسم للنبي إذ ذكر أسماءه الخمسة ولم يذكر بينها يس اهـ . 
 

ومن المعاصرين المدعو علي جمعة مفتي مصر السابق قال : "طه و يس" ليسا من أسماء النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما شأنهما شأن الـ14 حرفًا المتقطعة فى القرآن .
 

وأضاف جمعة ، في تصريحاتٍ متلفزة، الثلاثاء ، أنه لم يرد في السُنَّة ، أو التفاسير أنهما من أسماء النبي ، ولكن درج بعض الناس أن يطلقوا على النبي هذين الاسمين .
 

وأشار إلى أن الحروف المتقطعة ، التي تأتي في أوائل بعض السور ، مجموعة فى جملة: " نص حكيم قاطع له سر " اهـ .
 

صدقكم وهو المنافق الكذوب ، حقا لا يعلم إلا الله عز وجل سر تلك الحروف المقطعة وقد أعلم الله عز وجل وليه ببعضها .
 

ن ) هو آخر حرف من اسم رسوله المهدي عليه الصلاة والسلام ، وسين كل حروف اسمه إلا الأول على وفق ما بين في هذا الفصل .
 

و﴿ حم ، عسق ﴾ أول حرف من اسمه واسم أبيه - موسى - واسم صفته - مهدي - ، و( عسق ) المراد به الدخان وظلمته العلامة لبعثه عليه الصلاة والسلام ، وقد درج الناس على قراءة عسق مقطعة والحق تقرأ على الوصل .
 

و (طسم) : ﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ ، لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ، تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ، ( رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً ) . طه : طهرت للحسين المهدي ( ط سين م ) .
 

والقول بأن يس ليس اسما للنبي صلى الله عليه وسلم ليس هو مما انفرد به من ذكرت قبل بل قال به بعض أئمة الهدى ويميز قوله التصريح بالنفي أن يكون المقصود بتلك الحروف النبي صلى الله عليه وسلم رغم ما تلى ذلك من قسم الله تعالى على أن ذلك المنادى رسول من الله تعالى كما في سورة الحسين " ياسين " ، والحق يقال هم متناقضون في ذلك حين يجمعون لذلك قولهم أن تلك الحروف لا تدل على معين وهذا خلاف ظاهر ما يريد تعالى من معاني لتلك الحروف وسياق الكلام بعدها لا يفيد في اختيارهم ذلك ، ومخالفتهم في عدم حمل معنى تلك الحروف على النبي صلى الله عليه وسلم بين لمن نفى أن المقصود بذلك النبي لأن ما بعده يدل على التعيين بتلك الحروف في ياسين لأنه بدأ تلك الأقسام بياء النداء ، وكأنهم لا يعدون لتلك الحروف أي معنى ، أو أنهم يحيلون معناها على علم الغيب ثم يخلون أنفسهم من مسؤولية أن يكون لذلك معنى حكيم وله سر في اعتقادهم يوجب التعيين .
 

هذا مع أن دلالة تلك الأقسام على تعظيم الله عز وجل للمقسم عليه وأنه من الرسل وأنه على صراط مستقيم وأن ما أوتيه منزل من الله عز وجل ، ولا بد لذلك أن يرجع لمعين وإن لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم فحتما لن يكون من بعده إلا حفيده المهدي المعني .
 

قال ابن القيم في كتابه " البيان في أقسام القرآن " عن تلك الحروف وبين اختياره في معناها فقال رحمه الله :
 

ومن ذلك قوله عز وجل : ( ن والقلم وما يسطرون .. ) . الصحيح أن ن وق وص من حروف الهجاء التي يفتتح بها الرب سبحانه بعض السور وهي آحادية وثنائية وثلاثية ورباعية وخماسية ولم تجاوز الخمسة ولم تذكر قط في أول سورة إلا وعقبها بذكر القرآن إما مقسما به وإما مخبرا عنه ، ما خلا سورتين ( كهيعص ) و ( ن ) ، وفي ذلك تنبيه على شرف هذه الحروف وعظم قدرها وجلالتها إذ هي مباني كلامه وكتبه التي تكلم سبحانه بها وأنزلها على رسله وهدى بها عباده وعرفهم بواسطتها نفسه .. اهـ .
 

إلى آخر ما قاله مما يدل على حمله كل تلك الحروف على مجرد أنها حروف هجاء بالعربية . ثم قال في موضع آخر :
 

ومن ذلك ( حم والكتاب المبين ) وقوله : ( ص والقرآن ذي الذكر ) و قوله ( يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين ) ، الصحيح أن يس بمنزلة حم وألم ليست أسماء من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم .
 

وأقسم سبحانه بكتابه على صدق رسوله وصحة نبوته ورسالته فتأمل قدر المقسم به والمقسم عليه وقوله تعالى : ( على صراط مستقيم ) وجوز فيه ثلاثة : أن يكون خبرا بعد خبر ، فأخبر عنه بأنه رسول وأنه على صراط مستقيم وأن يكون متعلقا بالخبر نفسه تعلق المعمول بعامله ، أي أرسلتك على صراط ، وهذا يحتاج إلى بيان تقدير : المجعولين على صراط مستقيم ، وكونه من المرسلين مستلزم لذلك فاستغنى عن ذكرهاهـ .

أقول : يخرج مثل هذا الجواب على حسب مبلغهم من العلم ، لأنهم لم يكن يمكنهم تصور أن تلك الحروف إن لم تكن تدل على النبي صلى الله عليه وسلم فحتما هي ستدل على غيره ومن هنا كان قولي بلزوم التناقض لكل من زعم أن معنى بعض تلك الحروف مثل ( يا سين ) لا يدل على معين ولا حتى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن نفى أن يكون ذلك دال عليه فهو حتما بالأولى لا يمكن يدل على غيره عندهم ، وخرج تفسير ابن القيم هذا للخروج من ايجاب كون تلك الحروف اسماء للنبي صلى الله عليه وسلم أو لغيره ، والحق أن المقصود بذلك معين ولا بد لكنه ليس النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مما صرح باسمه في القرآن في أكثر من أربع سور ولا معنى ليرمز لشخصه بتلك الحروف وهو مما صرح باسمه ، وهي التالية :

(1) ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ﴾ .
(2) ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾ .
(3) ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾ .
(4) ﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾ . 

ويلزم من حمل المعنى على النبي صلى الله عليه وسلم أن الله إنما رمز باسمه لنفسه لا لغيره وهذا جهل إن لم يكن كفرا بالله ، وإلا كيف يرمز بذلك لنفسه وهو مما أعلم الناس بشخصه المبارك الشريف ولا حاجة للرمزية عن شخصه ، عكس حفيده الذي أخفى تعالى الدلالة عليه نبوءة وهو يسوق كل ذلك الكلام عنه وتلك الأقسام لبيان فضله ، لكنه رغم ذلك أقام البينة على أن المقصود معين بما سبق وبين لكم أن تمام كلمة ( سين ) اسم المهدي ولم يسقط منه إلا حرف اسمه الأول وهو الـ ( حاء ) ، ثم منع موافقة أي حرف آخر من حروف العربية لتكميل ذلك الإسم دليلا على مقصوده من وراء ذلك التركيب الذي لا يوافق وينطبق إلا على إسم مختاره ومصطفاه عليه الصلاة والسلام وعلى ذلك يحمل معنى تركيب تلك الحروف المقطعة من غير المكررة على مثل كلمة : ( نص حكيم قاطع له سر ) .
 

وهذا له دلالة على المقصود اضافي والذي بين هنا وشرح في نقضي على هذا المنافق العاوي بما لا يخفى على بصير ، وبما يعرف أن تلك الحروف لها سر حقا وسرها دلالة بعضها على اسم المهدي وشخصه عليه الصلاة والسلام وتوافقها معه بتقدير إلهي رباني عظيم قاطع في حجته باهر في تعجيزهم نصرة لوليه على كل من يخالفه ويكذبه أو يخذله ويجانبه والله على كل شيء قدير .

وقال المدعو محمد سلامة جبر في كتابه ( تنبؤات نوستراداموس نقد وتحليل ) عن تلك الحروف :
 

اختلف المفسرون اختلافا كبيرا في معاني الحروف التي في أوائل السور وقد استوفى ابن جرير الطبري أقوال الأئمة في تأويلها فقال : اختلف تراجمة القرآن في تأويل قول الله تعالى ( ألم ) فقال بعضهم هو اسم من أسماء القرآن ونقل ذلك عن مجاهد وابن جريج ونقل عنهما كذلك قولهما : هو فواتح يفتح الله بها القرآن .
 

ثم قال : وقال آخرون هو اسم الله الأعظم ونقل ذلك بالسند عن ابن عباس ونقل عنه كذلك قوله : وقسم أقسم الله به وهو اسم من أسماء الله تعالى . .
 

وقال ابن جرير : لكل كتاب سر وسر القرآن فواتحه .
 

ثم رد قول علماء العربية في زمنه الذين قالوا : إن تلك الحروف استغنى بذكرها عن ذكر سائرها ولا معنى لها سوى أن الله ذكرها ليتحدى بها الكفار !!! ، فتلك الحروف المقطعة هي ما تألف منها القرآن ، فكأنه يقول لهم : هذا القرآن المعجز الذي عييتم عن الإتيان بمثله مؤلف من تلك الحروف فلماذا أعجزكم وهو من جنس الحروف التي تنطقون بها .
 

وقال ابن جرير في إبطال ذلك القول : إنه قول خطأ فاسد ، لخروجه عن أقوال جميع الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين من أهل التفسير والتأويل .
 

وقال المؤلف : وبما تقدم يتبين أن للحروف التي في أوائل السور أسرارا يعلمها من خصه الله بعلمها ، والله يختص برحمته من يشاء . والقدر المتفق عليه أن تلك الحروف تنطوي على أسرار إلهية دقيقة وفيها معان تشير إلى الحقيقة ، وقد اختص الله بعلمها من شاء من خلقه وأخفاه عمن يشاء ، والله أعلم حيث يجعل رسالته ، ولعل من بعض ما يشير إلى طرف من الأسرار في تلك الحروف الربانية ، ما نص عليه علماء ذلك الشأن ومنهم الإمام الزركشي في كتابه " البرهان في علوم القرآن " وكذلك الألوسي في " روح المعاني " .
 

وعدد تلك الحروف مع التكرار ( 78 ) حرفا ، وعددها بعد حذف المكرر ( 14 ) حرفا تسمى الأحرف النورانية وقد جمعها علماؤنا في جمل مفيدة تشير إلى ما فيها من أسرار عديدة من ذلك قولهم : يجمعها قولك : طرق سمعك النصيحة .
 

وكذلك قولك : نص حكيم قاطع له سر . أو قولك : صن سرا يقطعك حمله اهـ .
 

قلت : النبوءات محتشدة على تأكيد مثل هذه المعاني في حق المهدي عليه الصلاة والسلام كقول اشعيا عليه الصلاة والسلام في حقه :

﴿ يوقظ كل صباح يوقظ لي إذنا لأسمع كالمتعلمين ، السيد الرب فتح لي إذنا وأنا لم أعاند إلى الوراء لم أرتد ﴾

أو في الزبور :

﴿ علم عجيب فوق طاقتي أرفع من أن أدركه ، أين أذهب من روحك وأين أفر من وجهك﴾ 
﴿ اكشف عن عيني فأبصر معجزات من شريعتك ﴾
﴿ انتظر الرب واحفظ طريقه فيرفعك لترث الأرض عند استئصال المنافقين تنظر ﴾
﴿ سر الرب لخائفيه وعهده لتعليمهم ﴾

أما أيوب عليه الصلاة والسلام فهو الأصرح في المعنى هنا بل هو الأكثر تعيينا لتحقق ذلك لانه نص على أن هذا إنما يكون حين يتحقق ذلك الدخان وليله فقال عليه الصلاة والسلام :

﴿ فِي النَّهَارِ يَصْدِمُونَ ظَلاَمًا ، وَيَتَلَمَّسُونَ فِي الظَّهِيرَةِ كَمَا فِي اللَّيْلِ ، الْمُنَجِّيَ الْبَائِسَ مِنَ السَّيْفِ ، مِنْ فَمِهِمْ وَمِنْ يَدِ الْقَوِيِّ ، فَيَكُونُ لِلذَّلِيلِ رَجَاءٌ وَتَسُدُّ الْخَطِيَّةُ فَاهَا .

هُوَذَا طُوبَى لِرَجُل يُؤَدِّبُهُ اللهُ فَلاَ تَرْفُضْ تَأْدِيبَ الْقَدِيرِ ، لأَنَّهُ هُوَ يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ يَسْحَقُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ ، فِي سِتِّ شَدَائِدَ يُنَجِّيكَ ، وَفِي سَبْعٍ لاَ يَمَسُّكَ سُوءٌ ، فِي الْجُوعِ يَفْدِيكَ مِنَ الْمَوْتِ ، وَفِي الْحَرْبِ مِنْ حَدِّ السَّيْفِ مِنْ سَوْطِ اللِّسَانِ تُخْتَبَأُ ، فَلاَ تَخَافُ مِنَ الْخَرَابِ إِذَا جَاءَ تَضْحَكُ عَلَى الْخَرَابِ وَالْمَحْلِ ، وَلاَ تَخْشَى وُحُوشَ الأَرْضِ ، لأَنَّهُ مَعَ حِجَارَةِ الْحَقْلِ عَهْدُكَ ، وَوُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ تُسَالِمُكَ فَتَعْلَمُ أَنَّ خَيْمَتَكَ آمِنَةٌ ، وَتَتَعَهَّدُ مَرْبِضَكَ وَلاَ تَفْقِدُ شَيْئًا ، وَتَعْلَمُ أَنَّ زَرْعَكَ كَثِيرٌ وَذُرِّيَّتَكَ كَعُشْبِ الأَرْضِ ، تَدْخُلُ الْمَدْفَنَ فِي شَيْخُوخَةٍ ، كَرَفْعِ الْكُدْسِ فِي أَوَانِهِ .
هَا إِنَّ ذَا قَدْ بَحَثْنَا عَنْهُ كَذَا هُوَ فَاسْمَعْهُ وَاعْلَمْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ 

فقول النبي أيوب هنا عليه الصلاة والسلام : هَا إِنَّ ذَا قَدْ بَحَثْنَا عَنْهُ كَذَا هُوَ فَاسْمَعْهُ وَاعْلَمْ أَنْتَ لِنَفْسِكَ . نظير معنى احدى تلك التركيبات لتلك الحروف النورانية : طرق سمعك النصيحة 
 

وهذا دال على أنه تعالى مما خاطبه في القرآن ليس تصريحا فقط بل حتى من خلال تراكيب تلك الحروف النورانية ، هذا غير أن منها ما هو دال على اسمه بطريقة قطعية حين منع كل حروف العربية ما عدى أول حرف من اسمه أن يوافق هناك .
 

وقال محمد سلامة : فالأربعة عشر حرفا النوارنية مجموعة في حروف تلك الجمل التي تشير إلى معان عالية اهـ.
 

وأختم هذا الفصل بتقرير البيان للرد على قول ابن القيم رحمه الله التالي : (على صراط مستقيم ) وجوز فيه ثلاثة : أن يكون خبرا بعد خبر ، فأخبر عنه بأنه رسول وأنه على صراط مستقيم وأن يكون متعلقا بالخبر نفسه تعلق المعمول بعامله ، أي أرسلتك على صراط ، وهذا يحتاج إلى بيان تقدير : المجعولين على صراط مستقيم ، وكونه من المرسلين مستلزم لذلك فاستغنى عن ذكره اهـ .
 

أقول : المجعولين على صراط مستقيم هم من اجتباهم تبارك وتعالى لمقام الإشهاد ولا يلزم من كون الرسول رسولا ان يكون منهم وأولئك المختصون بذلك الصراط المستقيم اختصاصهم بذلك جاء من اختيارهم لذلك لا لكون أحدهم نبيا أو رسول ، وذلك الصراط المختص بشأن الله ذاك خلاف الصراط العام المقتضي للهداية العامة ، بل شأن هذا الصراط أخص من ذاك العام فالخاص هذا يقتصر على من اختارهم المولى عز وجل ليكونوا معه شهودا على من كفر وعاند من كل أمة حين يشاء الله أن يختم الأمور ويقررهم أنه حق وكتبه ورسله وأن المعاندين كانوا على غير سبيله ولا صراطه بل كانوا على صراط الجحيم صراط الشيطان ، عندئذ يميز أولئك الشهود بتدبيره هذا فيظهرهم ليعلم الخلق أن صراط الله المستقيم هو ذاك التدبير ولأجل هذا اختص الله تعالى بذكره في سورة الصافات موسى وهارون دون سائر الأنبياء ممن نص على أنهم سيكون لهم ذكرا في الآخرين حسب ذاك السياق من سورة الصافات : ( وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .
 

ولأن المهدي (سين) ممن اجتبي لذلك المقام نص تعالى في سورته على زيادة كونه من المرسلين أنه على ذاك الصراط المستقيم وسيكون معهم من الأشهاد بل هو مقدمهم والممهد لأمرهم ، وكيف لا وعصا موسى عليه الصلاة والسلام اختار الله تعالى ان يكون لها مقام شهادة معهم وستنتهي ليده ثم هو لا يكون على ذلك الصراط شهيد ؟!
 

وقد أعلمهم الله عز وجل ولم يخفي أن تابوته وبه العصا ومعه لوحي الشهادة وغير ذلك مما حفظ أن كل ذلك ما حفظ إلا لذلك المقام وما اقتت تلك الرسل إلا لأجل ذلك وهذا هو سبيل الله تعالى وصراطه المستقيم الذي سيكون مرجع الناس إليه ليحكم الأمر وتكون العاقبة إليه بذلك المرجع وتلك آياته وذاك صراطه وعظيم تدبيره والحسن في حكمته ، وهي نعمته العظيمة بذلك التدبير وخطه ذلك الصراط منهجا يجتبي له من رسله من يشاء كالمسيح ابن مريم والمهدي سين ابن محمد صلى الله عليهم وسلم قال عز وجل : ( إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ) . أنعم عليه بأن أكرمه ربي أن يكون من الأشهاد ويلقى محمدا صلى الله عليه وسلم وفي ذلك منتهى الإكرام والإنعام .
 

ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم ممن أنعم عليه بذلك أيضا قال تعالى له : ( لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ) ، والهداية لسلوك ذلك الصراط من اعظم نعم الله تعالى على رسله على ما ذكره بحق المسيح كما في الآية المذكورة قبل وبحق محمد صلى الله عليه وسلم في الآية التي تلتها .
 

وفي سورة الفاتحة التي جعلها تعالى مفتاحا لصلاة كل مسلم ومؤمن إلى أن يلقون تأويله تقرر فيها ذكر ذلك الصراط وأنه نعمته العظيمة على عباده ، وفرض حق ذكره في كل صلواتهم وبين أنه سبيل الله لعباده وصراطه ، لا سبيل وصراط المغضوب عليهم ولا الضالين : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ . اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ . صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ) . ولأنه ينتهي بهم ليوم الدين والقيامة التي لله وحده الملك يومئذ افتتح سورة الفاتحة بذكره منبها أن له الملك حين ينتهي بهم ذاك الصراط إليه حينئذ .
 

ومما يؤكد على ارتباط ذلك الصراط بتلك النهاية المقدرة المقرر تفاصيلها مسبقا من الله لهم قال عز وجل : ( وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ) .
 

ونظيره قوله : ( قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ) ، وهذا يقتضي ربطه بالآخرة وأنه مؤجل لذلك الوقت لدعوتهم للتربص وهو الترقب .
 

أو قوله تعالى : ( وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ، ربطه بمدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنه محطته النهائية في الآخرة ومستقر تأويله .
 

أو قوله عند ذكره جملة الأنبياء : ( وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ، ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ، أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ ، أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ) ، اجتبى من جملتهم من اجتبى لمقام الشهادة وهداهم لذلك الصراط والمقام والذي هو ذكر للعالمين وعليه أكد في سورة الفاتحة لما اشار لذلك بأنه سبحانه : ( رب العالمين ) الذين سيكون ذلك الصراط ذكرا لهم فكل الأمم ترجع له ليقضى بينهم وسيعلمون بذلك أن الله تعالى وكتبه ورسله واليوم الآخر حق وأن صراطه هو المستقيم لا صراط الشيطان ولا سبله المتفرقة .
 

بل انظروا لمدى علم الشيطان بتلك الحقيقة المقررة من قوله : ( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ). وقوله : ( قال ربي انظرني إلي يوم يبعثون ) ، يريد بعث الأشهاد من اختارهم تعالى لذلك الصراط ولعلمه أن تلك تكون النهاية وأن إليها منتهى ذلك الصراط المستقيم وأن بذلك قيام الساعة وسيقوم الأشهاد بما اختارهم تعالى لأجله يومئذ ، ولعلم الشيطان بكل ذلك توعد يقعد لبني البشر على ذلك الطريق يصدهم عن سبيل الله عز وجل ما لم يبلغ نهايته مع عباده ، ما يدل كل ذلك على أن سبيل الصراط هذا كان من المعلوم لدى الشيطان وعموم الملائكة يدركون تفاصيله ويعلمون نبوءاته من ذلك العهد القديم ، وأكثر آيات القرآن في تقريره كقوله تعالى : ( صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُور ).
 

وضرب الله بذكره الأمثال فقال تعالى : ( أفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ، وهذا حين شبه ما بين حال المهدي وبعض معاصريه فنسبه لذلك الصراط مثل ما نسبه إليه في افتتاح سورة يس .
 

وهذا هو الصراط الذي دبر له بما أوحى تفاصيله لموسى وهارون وجعل له ذكرا مفصلا في كتابهما واسماه الفرقان وبين أنه ذكر للعالمين وهدى للناس يضل عنه من يشاء ويهدي للعلم به من يشاء ، تبارك الله رب العالمين .
 

وتحضرني هنا كلمات نيرات للشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره المنعوت بتيسير الكريم المنان في هذا الخصوص تفسيرا لسورة الحسين ( يس ) أحببت إيرادها هنا قوله :على صراط مستقيم معتدل موصل إلى الله وإلى دار كرامته .. فتأمل جلالة هذا القرآن كيف جمع بين القسم بأشرف الأقسام على أجل مقسم عليه ، وخبر الله وحده كاف ولكنه أقام من الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة في هذا الموضع على صحة ما أقسم عليه من رسالة رسوله .. وهذا الصراط المستقيم ( تنزيل العزيز الرحيم ) فهو الذي أنزل به كتابه وأنزله طريقا لعباده موصلا لهم إليه فحماه بعزته عن التغيير والتبديل ورحم به عباده رحمة اتصلت بهم حتى أوصلتهم إلى دار رحمته ولهذا ختم الآية بهذين الاسمين الكريمين : العزيز الرحيم اهـ .
 

وأذكر هنا منبها على أن هذا الصراط والذي هو ذكر للعالمين هو ما تعهد ربنا عز وجل بحفظه لا ما توهمه الكثير أن المقصود به القرآن .